نيفين مسعد: «التقديرية» جائزة العمر كله وليس نهايته

- شغفى بالكتابة فى الأدب مرتبط بأمنية قديمة بدراسة الصحافة
- تجربة السرطان قاسية جدًا.. وكتبت 7 شهور كاملة و«المحلول فى إيدى»
- كتابى الجديد عن الشخصية القبطية فى الأدب المصرى قبل وبعد يناير 2011
- جماعة الإخوان مدعومة من إسرائيل وربنا يحب مصر لأنه أعطاها أعداءً أغبياء
«وأنت تحدثنى الآن أعكف على كتابة بحث علمى جديد عن الحرب الإسرائيلية الإيرانية وتأثيراتها».. بهذه العبارة التى تعكس شغفًا كبيرًا، جاء رد الدكتورة نيفين مسعد، أستاذة العلوم السياسية فى جامعة القاهرة، عندما حدثناها للتهنئة بفوزها بجائزة الدولة التقديرية فرع العلوم الاجتماعية لعام 2025.
فى كل حديث للدكتورة «نيفين» تشعر بأنك ما زلت أمام باحثة الماجستير فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، فى ثمانينيات القرن الماضى، التى انتبهت إلى موضوع فى غاية الأهمية لم يلتفت إليه أحد آنذاك، وهو «دور الصهيونية والقوى الضاغطة فى فرنسا»، قبل أن تنتقل للحصول على الدكتوراه بموضوع لا يقل أهمية هو «الأقليات والاستقرار السياسى فى الوطن العربى».
هذا الشغف لم يتوقف عند حصولها على «الأستاذية»، وامتد خارج أسوار جامعة القاهرة، لتشتبك مع المجال العام، بداية من عضويتها فى المجلس القومىّ للمرأة، ثم فى المجلس القومى لحقوق الإنسان حتى الآن، فضلًا عن منصبها كمقررة للجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان بالحوار الوطنى.
عن فوزها بجائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية هذا العام بأعلى نسبة تصويت من اللجنة العليا فى المجلس الأعلى للثقافة، ومحطات هذه المسيرة الحافلة، تحاور «حرف» الدكتورة نيفين مسعد فى السطور التالية.

■ بعد ٤٠ عامًا على التخرج فى العلوم السياسية تحصدين جائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية.. ما الذى تمثله هذه الجائزة لكِ؟
- جائزة الدولة تمثل لى جائزة العمر، أو جائزة المشوار العلمى والأكاديمى، لا أريد القول إنها جائزة نهاية العمر، بل جائزة على المشوار الطويل. سألتنى صحفية عقب فوزى بالجائزة: إذا كانت جائزة الدولة التشجيعية تُعطى عند بداية العمر، وتحفز على العمل والنشاط، فماذا عن جائزة الدولة التقديرية؟ فقلت: التقديرية معناها أنك عملت وتعبت. لكل جائزة وظيفة، ووظيفة التقديرية أنها تكريم وتقدير واعتراف بأن جهدك مُقّدر.
قلت لها أيضًا: لو أنكِ تريدين معرفة ماذا سأعمل غدًًا، فأنا سأناقش رسالة علمية فى الجامعة، ومستمرة فى هذا المسار الذى جعلنى جديرة بالجائزة، مواصلة السير فى المجالين الأكاديمى والعام. وأنت تكلمنى الآن، أُعد بحثًا عن الحرب الإسرائيلية الإيرانية وتأثيراتها.
■ د. نيفين مسعد عضو حالى فى المجلس القومى لحقوق الإنسان.. ما تقييمك لأوضاع حقوق الإنسان فى مصر بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣؟
- هناك تطورات كبيرة حدثت فى ملف حقوق الإنسان بعد ٣٠ يونيو، رغم كل التحديات التى تواجه مصر على المستويين الإقليمى والداخلى، ومنها جماعة «الإخوان» الإرهابية، التى ما زالت تحرك كل أتباعها فى عواصم مختلفة من العالم، بل وتصرح- كما جاء فى حديث لأحد أعضائها- بأن احتلال سيناء أمر إيجابى!
دشنّا حوارًا وطنيًا للنقاش حول مختلف قضايا الوطن، ووضعنا استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان، وهما خطوتان مهمتان لا بد من استكمالهما، وتنفيذ كل ما ورد فيهما، لأنهما يمثلان نقلة نوعية لحقوق الإنسان.
كما شكلت مصر لجنة للعفو الرئاسى للإفراج عن المحبوسين، بما يمثل نافذة من نوافذ تخفيف عدد المحبوسين.. كل هذه خطوات تحتاج للتعزيز من خلال استمرار الحوار الوطنى، الذى يجب أن يتناول قضايا مجتمعية، مع زيادة عدد المفرج عنهم، وتقليص عقوبة الإعدام إلى الحد الأدنى.
كذلك حدث تطور كبير فى وضع المرأة، عبر تخصيص ٢٥٪ من مقاعد مجلس النواب لحواء، وزيادة عدد الوزيرات وتكليفهن بحقائب وزارية نوعية، بالإضافة إلى إقرار قانونى بناء الكنائس والأحوال الشخصية للمسيحيين.

■ أنتِ مقررة لجنة «الحريات العامة وحقوق الإنسان» بالحوار الوطنى.. ماذا تقولين عن هذه التجربة؟ وما توقعاتك لمخرجاتها المستقبلية؟
- هذه اللجنة «محظوظة»، لأن بعض مخرجاتها وافق عليه السيد رئيس الجمهورية، ومنها إنشاء مفوضية لمكافحة التمييز، لكن هذه المفوضية لم تُشكَل حتى الآن بسبب عدم وجود قانون مُنظم، وكذلك قانون تداول المعلومات الذى دعت اللجنة إلى إصداره، ووافق عليه رئيس الجمهورية، لكن لم يرَ النور حتى الآن.
تجربتى كمقرر لجنة «الحريات العامة وحقوق الإنسان» بالحوار الوطنى جيدة، لأننى رأيت تمثيلًا دينيًا وجغرافيًا وتعليميًا وعمريًا فى القاعة، تمثيلًا لمصر بطبقاتها الاجتماعية وأنشطتها وأعمارها المختلفة من كبار سن وشباب جامعى، فإحدى المزايا هى مشاركة شباب الجامعات فى الحوار الوطنى، وما زلت حتى هذه اللحظة أطالب بأن يتحول الحوار الوطنى إلى مؤسسة، لا أن يكون «مناسبة وتُفَض».

■ حصلتِ على درجة «الدكتوراه» من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام ١٩٨٧، عن موضوع «الأقليات والاستقرار السياسى فى الوطن العربى».. إلى أين وصلت هذه القضية الآن؟
- عندما نوقشت الرسالة فى هذا التوقيت، كان من المبكر جدًا الحديث فى موضوع الأقليات بهذا الشكل العام، وعندما أعيد قراءة الرسالة الآن، أجد أن كثيرًا مما ورد فيها ينطبق على عالمنا اليوم، خاصة مع وجود مجتمعات شديدة التنوع مثل لبنان، التى تجد فيها ١٨ طائفة مُعترفًا بها موزعة على ٥.٥ مليون لبنانى، وكذلك العراق وسوريا.
وتوجد فى الوقت نفسه مجتمعات متوسطة التنوع، مثل المغرب التى يبلغ فيها نسبة الأمازيغ ٢٠ إلى ٢٥٪ من إجمالى السكان، وعدد اليهود بها كذلك، والجزائر التى تتكون من عرب وأمازيغ. كما أن هناك دولًا شديدة التجانس والتنوع فيها محدود مثل مصر وتونس.
من المهم بحث كيفية إدارة هذا التنوع بشكل يسمح للكل أن يشعر بأن البلد بلده، وأن الجميع شركاء فى الحفاظ على الوطن ونهضته وتطوره. التنوع صفة تميز جميع المجتمعات. لكن المشكلة تنشأ من سوء إدارة التنوع. على سبيل المثال، استخدم صدام حسين السلاح الكيماوى مع الأكراد، وحاول عمر البشير «أسلمة» الجنوب فانتهى الحال به إلى انفصاله عن الوطن الأم.
وقتها كنت أتساءل، فى وقت مبكر جدًا، كيف نحول هذا التنوع فى كل الدول العربية إلى ميزة وإضافة، وكيف أن حسن استعماله سيكون أساسًا كبيرًا للنهضة، وهو ما شهدته مصر فى وقت سابق بوجود الأرمن فيها، والشوام وتأثيرهم الكبير فى الصحافة والفن. ما أقصده أن التنوع عندما يحسن استخدامه ستجد لوحة الفسيفساء اكتملت.
ما ورد فى رسالتى التى حُولت إلى كتاب، يتحقق الآن، ومن ذلك التحذير من الاستعانة بالخارج فى حالة سوء إدارة التنوع، كما الحال فى سوريا.

■ يشهد قطاع غزة اليوم حرب تجويع، وهو ما يتصل بعنوان رسالتك للماجستير تحت عنوان: «الصهيونية والقوى الضاغطة فى فرنسا» عام ١٩٨٣.. كيف تقيّمين ممارسات الصهيونية اليوم بعد أكثر من ٤٠ سنة على الرسالة؟
- بالنسبة لعدد المهاجرين العرب إلى دول العالم المختلفة، وليكن إلى دولة مثل فرنسا التى وردت فى رسالتى للماجستير، حيث توجد بها جالية عربية كبيرة، والإسلام هو الدين الثانى هناك بعد المسيحية وقبل اليهودية، ما زال العرب لا يمثلون قوة ضغط فى فرنسا، مقارنة باليهود.
العرب فى فرنسا لم يشعروا بأن هناك قاسمًا مشتركًا يدفعهم للتحرك بشكل جماعى، بينما النفوذ اليهودى هناك يبدأ من الحدود، ويمتد إلى الصناعة الكهربائية والغذائية والإعلامية، ويتغلغل فى القطاع المصرفى.

■ ما أبرز ملامح السياسات الخارجية للحركات الإسلامية من واقع كتابك الذى يحمل نفس الاسم؟
- أصل الموضوع كان عبارة عن بحث باللغة الإنجليزية، أعدته زميلتى الدكتورة علا عبدالعزيز، قبل أن يطلب الدكتور على الدين هلال منى ومن زميلى الدكتور محمد عبدالعاطى إعداد هذا الموضوع باللغة العربية وتطويره، كان ذلك فى عام ٢٠٠٠.
وقتها كان عنوان هذا البحث غريبًا، لأن السياسة الخارجية تخص الدول كما تعلمنا، وليست للحركات، ولم يكن وقتها معروفًا مصطلح «الفاعلين من غير الدول»، سواء الجماعات أو حركات المقاومة، أو الأفراد مثل بيل جيتس، أو الشركات عابرة للحدود.
لكن ببحثنا هذا اكتشفنا كيف كانت للحركات الإسلامية سياسات خارجية، وهو ما أثبتناه وقتها، وكان أمرًا مستجدًا فى البحوث السياسية. عندما بحثنا مثلًا «عاصفة الصحراء» فى عام ١٩٩١، وجدنا أن لجماعة «الإخوان» سياسة خارجية تدعم الغزو العراقى للكويت، بعكس موقف الحكومات والدول العربية، وهو موقف يتسق مع القانون الدولى الذى يرفض الاعتداء على أراضى الغير.
لاحقًا تأكد هذا المعنى من خلال اتباع بعض الفصائل المسلحة فى العراق سياسة خارجية تختلف عن سياسة الدولة. فبينما تريد الحكومة العراقية النأى بنفسها عن الصراع الأمريكى الإيرانى، تصر بعض الفصائل المسلحة على استهدف المصالح والقواعد الأمريكية داخل العراق وخارجها، ما يجعل الدولة طرفًا فى صراع لا تريده.
مثال آخر، عندما تستهدف بعض المنظمات غير الحكومية بالنقد سياسات دول معينة لمصالح خاصة وبما يتعارض مع الموضوعية من جهة، ومع سياسات دولها من جهة أخرى، يسلط هذا الضوء على نفس الظاهرة، ظاهرة «الفاعلين من غير الدول».

■ من يقف وراء المظاهرات ضد مصر فى تل أبيب؟
- «الإخوان» بدعم من إسرائيل. رائد صلاح الممنوع من دخول المسجد الأقصى يحصل على تصريح بالتظاهر أمام السفارة المصرية، ليؤكد بذلك صحة ما أقوله، وهو أن ربنا يحب مصر ويحميها بأن أعطاها أعداءً يتميزون بالغباء. الجماعة الإرهابية كشفت نفسها، وأفرادها عندما يقولون إن النظام المصرى خصم أكثر من النظام الإسرائيلى، ينفون بذلك أى علاقة لهم بالوطن.
هؤلاء الكرسى بالنسبة لهم كل شىء، بدليل أنهم وقفوا إلى جانب النظام الجديد فى سوريا المهادن جدًا لإسرائيل، ولم تظهر معه شعاراتهم: «على القدس رايحين شهداء بالملايين». ما حدث «تحول سياسى مقصود»، فبدلًا من أن تتظاهر أمام مقر الحكومة فى إسرائيل، تتظاهر أمام السفارة المصرية، فى تصرف يعطى إسرائيل قُبلة حياة.
■ «أكتب والمحلول فى إيدى».. عنوان من لقاء تليفزيونى لكِ مؤخرًا.. هل لكِ أن تحدثينا عن تجربتك الصحية؟ وهل يمكن لجائزة الدولة التقديرية أن تحفزك أكثر للاستمرارية ومواصلة العمل والجهد؟
- كانت مفاجأة كبرى حين اكتشفت مرضى بالسرطان، فى أكتوبر ٢٠٢٣، مررت بكل خطوات البروتوكول العلاجى، وأعتبرها تجربة قاسية جدًا، لأن هذا المرض له تأثير على النفس أكبر من أى مرض آخر، ولأن تجربة علاجه قاسية، وتشعر معه بأنك تحت التهديد طوال الوقت، لذا فهو تجربة ليست سهلة.
فى مراحل كثيرة كانت توضع لى المحاليل لأسباب مختلفة، فكنت أثبتها فى يدى اليسرى حتى أستطيع الكتابة بيدى اليمنى، لأن يدى كانت تتورم. ظلت مرحلة العلاج من نوفمبر ٢٠٢٣ حتى نهاية يونيو ٢٠٢٤، وطوال هذه الفترة لم أتوقف عن الكتابة فى جريدة «الأهرام»، كنت أكتب مقالين زيادة للجريدة وأحتفظ بهما لتغطية فترة وجودى فى المستشفى. ولأننى ظللت منتظمة فى الكتابة، فوجئ كثيرون بمرضى، لأنتى لم أتخلف ولا أسبوع واحد عن الكتابة.

■ هل انتهت د. نيفين مسعد من مؤلفات جديدة؟
- خلال شهر أو اثنين سيصدر كتابى الجديد عن «الشخصية القبطية فى الأدب المصرب»، بعد أن اتفقت مع إحدى دور النشر على نشره بالفعل، وهو يتضمن سلسلة مقالاتى عن الشخصية القبطية فى الأدب المصرى.
هذه المقالات وردت ضمن دراسة نُشرت لى على صفحات مجلة «الكتب وجهات نظر»، فى أغسطس 1٩99، وتناولت أعمال نجيب محفوظ وإدوار الخراط وتوفيق الحكيم وأنيس منصور وبهاء طاهر ويحيى حقى، مثل «خالتى صفية والدير» و«البوسطجى» ليحيى، إلى جانب مقالاتى التى نشرت فى إحدى الصحف بعد يناير 2011، وتناولت فيها كيف أثرت ثورة يناير على تناول الشخصية القبطية فى الأدب المصرى، وأتمنى أن يصدر هذا الكتاب فى النسخة المقبلة من معرض القاهرة الدولى للكتاب.
وأود هنا الإشارة إلى أن حبى للكتابة فى الأدب مرتبط بالأساس بأمنية قديمة بدراسة الإعلام قسم الصحافة، وهو ما لم يحدث، رغم أننى كنت الأولى فى القسم الأدبى بمجموع 95%، لكن ما حدث وقتها أن نصحتنى أسرتى بدراسة السياسة. والكتابة فى الصحافة لا تتطلب دراسة من الأساس، وبإمكانى الكتابة بالصحف فى أى وقت، لكن طوال الوقت الأدب هو شغفى، ولدىّ أصدقاء كثيرون من المنتجين لكل أشكال الأدب.
