المتمـردة.. رشا سمير: أرفض كل القوالب.. وأبحث عن الشخصيات المنسية فى التاريخ
- كل رواياتى تمت سرقتها وحماية الملكية الفكرية فى مصر فقيرة جدًا
- تحويل الأدب إلى دراما يضيف للكاتب ويضر بالأعمال
- الأدب الجيد يبقى.. والاستمرارية أهم بكثير من المبيعات
- جائزتى هى القارئ.. والطبعات اختراع عربى لا يوجد بالخارج
من «حواديت عرافة» و«معبد الحب» و«حب خلف المشربية» إلى «بنات فى حكايات» و«جوارى العشق» و«سألقاك هناك» و«للقلب مرسى أخير» و«المسحورة»، ترسم رشا سمير قصصها للحياة بكل مرها وحلوها، فتحكى سطورها عن تجارب متمردات، تسأل كل منهن «يعنى إيه راجل؟».
ففى كثير من الأوقات تبدأ قصص الحب باثنين ليمون وشجرة وتنتهى فى محكمة الأسرة، لتبدأ رحلة البحث عن الحرية والحياة الضائعة وسط أنقاض الذكريات.. «حرف» حاورت الروائية الكبيرة، رشا سمير، حول مسيرتها الأدبية التى بدأت فى سن الخامسة عشرة، بكتابة القصص القصيرة ثم الرواية. لتتولى مسئولية إدارة صالون «إحسان عبدالقدوس» الثقافى، وتؤسس مبادرة «كاتبان وكتاب» التى استضافت أهم أدباء الوطن العربى، وتكتب لمجموعة من الصحف المصرية، وهى حاصلة على ماجستير جراحة الفم والأسنان.

■ من هم أكثر الكتّاب الذين كانوا ملهمين لكِ فى بداياتك؟
- مما لا شك فيه أن جميع جيلى كان ملهمًا بإحسان عبدالقدوس، وأتذكر أن أول رواية والدتى اشترتها لى فى عمر الـ١٤، عندما بدأت أكتب خواطر، كانت رواية «أنا حرة»، وقالت لى إذا كنتِ تريدين فهم معنى الحرية، فلا بد من قراءتها.
أيضًا كنت أعشق يوسف السباعى، لكن نجيب محفوظ- وهو مشروع متكامل- جاء فى مرحلة النضج.
لم يكن هناك كاتب معين أرغب فى أن أصبح مثله، لكن كنت أريد أن أكون كاتبة، عندما كنت أرى الإنتاج الأدبى لكتّاب مثل فتحى أبوالفضل ومحمد عبدالحليم عبدالله، كنت أتعجب من قدرتهم على الكتابة، وكنت أريد أن أكون مثلهم، فالكتاب لم يكونوا متواجدين مثل الوقت الحالى، كنا نسمع عنهم فقط ولا نراهم.

■ ما أنواع الكتب التى كنتِ مهتمة بقراءتها فى البدايات؟
- الكتب المدرسية والروايات، حيث كان مقررًا علينا دراسة أعمال تشارلز ديكنز مثل «قصة مدينتين»، وشكسبير، و«نساء صغيرات» للمؤلفة لويزا ماى ألكوت.
حاليًا أقرأ كل الإصدارات الجديدة، لكن أحب أكثر قراءة الأدب المترجم، مثل المكسيكى والكورى والهندى، والذى أشعر بالانبهار عندما أرى ما فيه من عمق وأفكار وتنوع.
خارج الروايات أحب مجال التنمية الذاتية، وهو ما لم أكن أتخيل أننى سأكون مهتمة به، لكن هناك محتوى مفيدًا به.
■ كيف جاءت فكرة روايتك الأولى «بنات فى حكايات»؟
- اعتقد أنه لا يوجد كاتب فى العالم لم يبدأ بكتابة الخواطر ثم القصة القصيرة ثم انتقل منها إلى الرواية، بالتأكيد هناك كتّاب مثل يوسف إدريس- وهو فارس القصة القصيرة- لكن أغلب الروائيين تدرجوا بنفس الأسلوب.
بعد إصدار عدة مجموعات قصصية بدأت أفكر فى روايتى الأولى «بنات فى حكايات»، وكانت ابنتى مراهقة فى هذا التوقيت، وتعرفت على أمهات أصحابها ومشاكل هذه السن الشائكة، ومن هنا جاءت الفكرة، حيث تم التطرق لمشاكل بنات فى مدرسة دولية.
كنت مرعوبة من التجربة ولم يكن أحد يعرفنى، لكن استيقظت ذات يوم ووجدت مقالًا للأستاذ جمال الغيطانى فى «الأخبار» عن الرواية، لم أكن أصدق نفسى، لكنه قال لى إن الرواية أصيلة جدًا، وإننى كتبت عن بيئة عايشتها عن قرب بشكل جيد جدًا، والحمد لله الرواية صدرت فى ١٠ طبعات حتى اليوم، وأعتز بها.

■ تحدثتِ من قبل عن سرقة هذه الرواية.. فى رأيك ما أثر تحويل الأعمال الأدبية إلى درامية؟
- كل رواياتى تمت سرقتها، بدءًا من «بنات فى حكايات» وأيضًا جزء كبير من «سألقاك هناك» و«جوارى العشق»، وللأسف حماية الملكية الفكرية فى مصر فقيرة جدًا، حتى لو كنت صاحبة الحق.
منذ ٦ سنوات كان هناك مشروع لتحويل رواية «جوارى العشق» إلى عمل درامى، لكن المشروع لم يكتمل، وحاليًا لا توجد مشروعات جديدة، ولكن أتمنى.
فكرة التحويل إلى الدراما لها بعدان، بالنسبة للعمل الروائى لا يوجد عمل واحد تم تحويله إلا وتم إفساده، ودائمًا ما أشعر بأن الرواية أفضل بكثير، ولذا تكون عملية السرقة أسهل، لأنه يتم أخذ روح العمل فقط وليس العمل ذاته.
أما بالنسبة للكاتب، فالعمل الدرامى يرفع اسمه ويعرفه على الناس بشكل أكبر ويسوق باقى أعماله، ما يزيد من المبيعات، لكن العمل يخرج حسب رؤية السيناريست، أو بمعنى أصح التحويل يضيف للكاتب ويضر بالعمل.

■ دائمًا ما تكون رواياتك فى قائمة الأكثر مبيعًا.. فى رأيكِ ما تأثير ذلك؟
- منذ أن بدأت النشر وأنا أبلغ من العمر ٢١ عامًا، لم أفكر أبدًا فى أن أحقق مكاسب من الكتابة أو بيع الكتب، لكن كان دائمًا لدى مشروع مختلف ومقتنعة بأن الأدب الجيد يبقى، وأن الاستمرارية أهم بكثير من المبيعات.
لكن الحمد لله، وهذا فضل من الله، حققت المعادلة الصعبة واستطعت الموازنة بين الأمرين؛ بتقديم أدب له قيمة وأيضًا يتواجد فى قوائم الأكثر مبيعًا، مثلًا رواية «جوارى العشق» صدرت فى ١٤ طبعة، رغم أنها رواية كبيرة، ٥٦٠ صفحة، وبها تاريخ.
يهمنى أن يصل العمل للقارئ وأن يكون له أثره على حياته، ودائمًا أقول إن جائزتى هى القارئ، وإنه الناقد الذى أخاف منه، فقيمة الرواية ليست لها علاقة بالبيع ولا الجوائز، ومع احترامى لا يوجد شىء اسمه الطبعة الـ٤٥، وفى الخارج لا يوجد ما يسمى بالطبعة رقم كذا، فهذا الأمر هو اختراع عربى تقريبًا.

■ كيف ترين دور الجوائز الأدبية فى حياة الروائى؟
- بالتأكيد أى روائى يحصل على جائزة سيشعر بالفرح والإشباع والتقدير، لكن للأسف القوائم الطويلة والقصيرة للجوائز تكون أقوى ألف مرة من الرواية الفائزة، فنحن فى هذا الوسط ونعرف جيدًا المجاملات، فالمسألة كلها أصبحت تربيطات، ومثل التكريمات الفنية أصبحت عملية تسويق، فهناك كثير من الناس تنتظر الكتاب الحاصل على جائزة، سواء كانت له قيمة أم لا، لكن هناك جائزة أحترمها جدًا وأراها حيادية، وهى جائزة السلطان قابوس.
■ ما أكثر شخصيات رواياتك التى تحبينها بشكل شخصى؟
- عمومًا أعيش مع شخصيات رواياتى، لدرجة أن أقول أنا «قمر» بطلة «جوارى العشق»، ودائمًا ما أتفاعل بشكل كبير مع الشخصيات النسائية المتمردة فى رواياتى مثل «مهشيد»، بطلة «جوارى العشق» أيضًا.
وأتذكر جيدًا أننى سُئلت ذات مرة ما الشىء الذى يجمع بين كل بطلاتى؟، فقلت: متمردات، و«رشا» نفسها متمردة إلى حد كبير على كل الأوضاع والقوالب الخاطئة، وأحيانًا عندما أكتب رأيى فى المقالات الصحفية أشعر بأنه سيسبب ضررًا كبيرًا لى، لكنى دائمًا أصر على أن أعبّر عنه.
فكرة رواية «للقلب مرسى أخير» الأساسية هى أن الإنسان يمكن أن يأخذ قرارًا يراه الناس نوعًا من الجنون أو التمرد، لكن بالنسبة له هو ما كان يسعى إليه طوال الوقت.
■ ما أهم اقتباس أو جملة تحبينها أو تتذكرينها من رواياتك؟
- فى رواية «للقلب مرسى أخير» كانت «مريم» البطلة راقصة باليه، واستنبطت قصتها من قصة امرأة لبنانية قررت أن تصبح راقصة باليه وتحدت الدنيا وقتها.
يقول الاقتباس: «تعودت أن ترقص فوق النار، تلاحقها عيون المعجبين مثل الآلهة الإغريقية التى ترقص حافية فوق فوهة البركان.. ترقص بألف إيقاع.. هل سطا على مشاعرها رجال عصابات المتعة وقراصنة المشاعر؟ أم سطت الدنيا على كل أحلامها حين أصبح الرقص هو حلمها الوحيد؟»، وهى من الجمل التى أحبها بشدة، لأنها تصف المرأة التى هى بداية وأصل كل شىء.

■ هل لديكِ طقوس خاصة فى الكتابة؟
- لا أستطيع الكتابة بشكل يومى، فأنا لست متفرغة ولدىّ مسئولياتى، كما أننى أحب أن أكتب وأنا فى مزاج لطيف وفى هدوء شديد، وغالبًا فى الصباح الباكر فى الساعة السابعة أو الثامنة مع القهوة التى أعشقها، وفى مكان به شمس، وأفضل أيضًا أن أكون محاطة بزرع أو أمامى بحر.
ليس لدىّ طقس معين، لكن الرواية تستغرق منى وقتًا طويلًا، فأطول وقت أكتب فيه هو ساعتان أو ثلاث ليس أكثر من ذلك، والمجهود الأكبر يكون فى عملية البحث، لأنى أكتب روايات تاريخية.

■ كيف جاءت عملية مزج التاريخ فى الروايات؟
- اكتشفت نفسى فى حب التاريخ، وهذا الحب لم يأتِ إلا بعد انتهاء المدرسة، لأن دراستى كانت علمية، لكن فيما بعد عرفت أن من يقرأ الماضى يستطيع أن يرى المستقبل، فالتاريخ يُكتب بنفس القلم.
واستهوتنى فكرة لماذا لا أبحث فى وسط التاريخ عن أشياء غير معروفة أو حدث لم يتم تسليط الضوء عليه جيدًا، أو ما أقول عنهم «الشخصيات المنسية» فى التاريخ، فالجميع يكتب عن المعروفين مثل هتلر.
بعدها بدأت أكتشف البلاد والحقب التاريخية، ووجدت أن الرواية هى أفضل شىء لتعليم التاريخ للأجيال المقبلة، وقررت أن يكون مشروعى ليس فقط الكتابة عن تاريخ مصر، ولكن كل حقبة فى أى دولة، لأنى مؤمنة بأن البشر، فى كل زمان ومكان، يمرون بنفس الأحداث والتحديات، بالطبع التاريخ يعيد نفسه والبشر لا يقرأون.
■ ما نصيحتكِ للروائيين الشباب؟
- النصيحة التى قيلت لى من كل أساتذتنا الكبار هى القراءة كثيرًا، وثانيًا ممارسة الكتابة، فالكتابة عملية ممارسة، وأنا أحببت الصحافة لأنها «خلّت إيدى ماشية». اليوم من الصعب أن يكون هناك كاتب مثل نجيب محفوظ فى وسط مناخ السوشيال ميديا، والذى أسميه «فرح العمدة»، فكل من كتب كلمتين على «فيسبوك» قرر أن يكون كاتبًا.
وهذا لا ينفى أن هناك كتّابًا شبابًا جيدين جدًا، ولكن للأسف هناك كتّاب لهم قيمة كبيرة جدًا لكنها ضاعت فى «زفة الماركتينج»، التى أصبحت هى المتحكم، ولكن رغم ذلك فالأدب الجيد يبقى.

■ فى رأيكِ ما أهم عوامل نجاح الرواية؟
- التميز فى الرواية هو فكرتها، على سبيل المثال رواية «سألقاك هناك» نجحت لأن فكرتها كانت مختلفة، كاتبة مصرية تكتب عن إيران فى حقبتين تاريخيتين بينهما ٩٠٠ عام، وأيضًا عدم تكرار الفكرة، بحيث لا يستطيع أحد توقع فكرتك المقبلة، هذا مع أسلوب يحترم القارئ بالتأكيد.
■ هل تتذكرين نقدًا متحيزًا تعرضت له إحدى رواياتك؟
- بكل أسف وألم، هناك بعض الكتاب يحرضون بعض الناس على عمل تقييمات ضعيفة للروايات على مواقع القراءة، وأتذكر عندما صدرت رواية «للقلب مرسى أخير» فى القاهرة، بعدها بيوم وجدت قارئة فى إحدى الدول العربية تقوم بتقييمه بـ٣ نجوم، ولم يكن الكتاب تم توزيعه هناك من الأساس.
وهناك بعض التقييمات الأخرى التى تزعجنى أحيانًا وأكون مدركة أن هؤلاء مدسوسون، حين أجد أحد القراء يكتب تعليقًا عن رواية لم يختلف عليها أحد: «ده كتاب تعبان أنا مقدرتش أكمله»، أو «ده روائى فاشل.. دى رواية زى الزفت».

■ هل واجهتِ تحديات نتيجة كونك امرأة تعمل كروائية وكاتبة؟
- لم أواجه صعوبات نظرًا لكونى سيدة، وهناك سيدات كثيرات يكتبن بشكل جيد جدًا فى الوطن العربى، فى السعودية وسوريا واليمن وليبيا، لكن فى النهاية، الرجال يسيطرون على المشهد، ودائمًا ما يُنظر لكتابة المرأة فى الجانب الاجتماعى، ولذلك أحب الكتابة فى التاريخ جدًا.
■ ما دور الرجل فى حياة رشا سمير؟
- الرجل فى حياتى هو أبى، وتعلمت منه كل القيم المحترمة والأخلاق واحترام النفس، وبالنسبة لزوجى فهو، أيضًا، أتاح لى الفرصة وكان مشجعًا ولم يكن فى يوم ما أبدًا عائقًا.
■ ماذا أضافت لك الكتابة الصحفية؟
- العمود أو المقال الأسبوعى كان بالنسبة لى مثل الإدمان، فهذا النوع من الكتابة له أثر فورى، إنما الرواية فيجب أن ننتظر شهورًا حتى تتم قراءتها وتصدر ردود الأفعال عنها، وعندما بدأت الظهور فى التليفزيون للتعليق على الصحافة، بدأ يحدث رواج أكثر للروايات، ومن هنا أدمنت فكرة أن أقول رأيى وأعبّر عنه.
أتذكر أول قصة قصيرة كتبتها فى الصحافة كانت فى مجلة «صباح الخير»، بعنوان «كلمات فى الحب لا تموت»، عن نزار قبانى الذى أعشقه، وذلك بناء على دعوة من الأستاذ رشاد كامل- وهو السبب فى دخولى مجال الصحافة- وكان موقفًا محترمًا جدًا منه، وكان ذلك فى صفحات باسم «قلم زائر».
عندما وجدت اسمى وصورتى فى المجلة شعرت بسعادة كبيرة، وبعدها بأسبوعين تواصل معى الأستاذ وائل الإبراشى، ودعانى أيضًا للكتابة فى «صوت الأمة»، وكتبت مقالات اجتماعية وعن مصر لمدة سنة، ثم بعد ذلك جاءت النقلة للكتابة فى «الفجر».

■ مرّ على «كاتبان وكتاب» 6 سنوات.. ما العوامل التى تؤدى إلى نجاح المبادرات الثقافية؟
- أولًا لا بد أن يكون هناك شغف من القائم على المبادرة، وثانيًا أن يدعمها راعٍ، ولذا عندما توقف صالون إحسان عبدالقدوس الثقافى فى أثناء «كورونا» كنت أريد عمل مبادرة ثقافية بنفس القيمة لكن من المنزل، وحاولت الاستفادة بعلاقاتى الجيدة بأدباء الخارج، فقامت الفكرة على استضافة كاتب يستحق، حتى أشجع الناس على القراءة له، وبالفعل استضفت كتّابًا من تونس والجزائر والأردن والمغرب، ومؤخرًا كتابًا أجانب، ودائمًا ما أبحث عن كاتب يقدم شيئًا مختلفًا.







