السبت 15 نوفمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

اجعلوها إلزامية

حرف

حتى عام ١٩٦٧ وما حدث فيه من صدمة مروعة لكل المصريين، كانت هناك رحلة إلزامية مكررة على طلاب الثانوية العامة بالمدارس الحكومية، وكأنها جزء لا يتجزأ من البرنامج الدراسى، وهى رحلة إلى مدينتى الأقصر وأسوان بصعيد مصر.

كان اشتراك الرحلة يكاد يكون رمزيًا، فهو ثلاثة جنيهات فقط لا غير، مقابل أسبوع كامل، شاملًا الإقامة والأكل وزيارة كل المواقع الأثرية بالأقصر وزيارة السد العالى العظيم، وهذه الرحلة ورغم أجواء شهادة الثانوية العامة المشحونة بالتوتر والقلق كانت فرصة للمرح والترفيه، إضافة إلى كونها جرعة مركزة من الانتماء وحب الوطن دون زعيق أو ضجيج ديماجوجى لا يقدم أو يؤخر عادة، فمن خلال زيارة معبد الكرنك والمواقع الأثرية الأخرى التى يشاهدها الطالب ويتعرف عليها وجهًا لوجه يدرك مدى عظمة التاريخ المصرى وحضارة الجدود.

الطلاب المحظوظون الذين قدر لهم القيام بهذه الرحلة لم ينسوها أبدًا، والعديد منهم أكمل دراسته الجامعية، أما الذين لم يلتحقوا لسبب أو آخر بالجامعات وتفرقوا فى مسارب الحياة ظلت هذه الرحلة وقودًا لوطنيتهم طوال حرب الاستنزاف التى شاركوا فيها مع زملائهم الذين تخرجوا فى الجامعات، وظلوا لسنوات طويلة ضمن المدافعين عن أرض الوطن بالجيش المصرى العريق، بالطبع لم تكن هذه الرحلة السبب الوحيد أو الرئيسى لصمود جيل دافع عن سيناء ولاحق العدو حتى تحقق نصر أكتوبر العظيم عام ١٩٧٣، ولكن ربما كان لرحلة الأقصر وأسوان أثر الفراشة العجيب.

علينا أن نتذكر هذه التفصيلة البسيطة والتى مضى عليها زمن وزمن، ونحن بصدد الافتتاح الرسمى لمتحف مصر الكبير وهو الافتتاح الذى سوف يكون الحدث العلمى الثقافى الأهم خلال عام ٢٠٢٥، والمفخرة الحقيقية لنا خلال الفترة الأخيرة وندرك مدى ضرورة أن يكون هناك رحلة إلزامية بسعر زهيد لكل طلاب وطالبات مصر فى المرحلة الثانوية على الأقل للمتحف الكبير، وقضاء يوم كامل به ولسوف يكون ذلك درسًا لن يُنسى بالنسبة لهؤلاء الطلاب، عن حضارة مصر القديمة والتى للأسف ما زال هناك القليل المتعلق بها ضمن برامجنا التعليمية، بينما يعرف الآخرون عنها الكثير والكثير، فالبرازيل- على سبيل المثال- تدرس لتلاميذ الصف الثالث الابتدائى منهجًا كاملًا عن الحضارة المصرية القديمة، أما المدرسة الألمانية بالقاهرة فتدرس الحساب والرياضيات فى مصر القديمة لطلابها من المصريين وغيرهم.

المتحف المصرى الكبير ليس لتنشيط السياحة فقط، وليس للأجانب وليس للقادرين على دفع سعر تذكرة دخوله المرتفعة فقط، ولكن هو حق لكل المصريين، الفقراء والأغنياء وكل تلاوينهم الثقافية، لأنه أولًا وقبل كل شىء دليل حى على أصلهم التليد، ومحفز حقيقى للاعتداد بالذات والهوية والانتماء للوطن، ثم زيارة جموع الناس من كل بقاع الخريطة المصرية سوف يكرس مفهومًا مغايرًا للسياحة ووجوب احترام السائح، والحفاظ على هذا النشاط الاقتصادى المهم الداعم للدولة؛ لتقوم بوظائفها الخدمية فى مجالى التعليم والصحة وغير ذلك.