بمناسبة مهرجان الجونة
نجحت وزارة الثقافة المصرية منذ ستينيات القرن الماضى فى تأسيس علاقة عاطفية بينها كمؤسسة حكومية عامة، وبين ملايين من الناس المُحبة للفنون والآداب، رغم اختلاف مشارب وأهواء وثقافة هؤلاء الناس، فقد ظلت هذه الوزارة رئة حقيقية يتنفس منها الكثيرون أنفاس الإبداع الجميل بمختلف ضروبه وأنواعه.
ينتظر الآلاف كل عام مهرجان السينما الذى هو منارة حقيقية للثقافة السينمائية، بما يقدمه من نماذج متنوعة وفريدة أنتجتها السينما العالمية، وقبله مهرجان المسرح التجريبى الذى يخطو كل عام من نجاح إلى نجاح، وهناك مهرجان الموسيقى العربية، وله عشاق من كل حدب وصوب كما يقال، وكان هناك مؤتمر الشعر ومؤتمر الرواية المسكين وقد سقط شهيدًا فى ظروف غامضة دون معرفة الأسباب الحقيقية لموته.
لا أريد أن أُعدد ما تقدمه وزارة الثقافة من أنشطة تستمر على مدار العام، وتتراوح بين معارض كتاب محلية، وأنشطة فكرية وتشكيلية، وهذا الكلام ليس من قبيل الإلقاء والطبطبة، فالانتقادات للأداء الثقافى وغياب الخيال وتفشى الجمود البيروقراطى، تتناثر هنا وهناك، وهى انتقادات يجب أن تتواصل بموضوعية وبرؤية بناءة فى المقام الأول، لأن ما قدمته وأشرت إليه آنفًا من أنشطة- على سبيل المثال- يؤكد أن وزارة الثقافة وأنشطتها المتباينة تظل هى الركيزة الأولى التى يعتمد عليها المواطن المصرى الفقير ومحدود الدخل فى تواصله مع عالم الإبداع ودنيا الثقافة بكل ما فيهما من تنوع وتباين، إضافة إلى إطلاعه على تجارب إبداعية عالمية لا يمكن أن يعرفها بسبب ظروفه الحياتية.
أنشطة وزارة الثقافة تسعى باتجاه جميع أنحاء الخريطة المصرية بما يمكن أن يحقق جانبًا لا بأس به من العدالة الثقافية، وهى تعمل كحائط صد لكل ما يستهدف الوجدان المصرى من قبح وجمود، ويكفى معرض الكتاب الذى يؤمه ملايين المصريين، وما يُقدم فيه من أنشطة متنوعة.
وزارة الثقافة تحتاج دعم المثقفين، وتحتاج إلى عقولهم الواعية لدعمها، ولا يجب أن يعطى بعضهم ظهورهم لها، فعلى الجميع تفهم أهمية دورها فى بلد ملىء بالتناقضات الثقافية والقيمية كمصر، ولا يمكن قبول أفكار من نوع أن دور الدولة يجب أن يكون فى المجال الثقافى مجرد دعم لوجستى لجمعية هنا أو مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدنى هناك، فمصر وحتى الآن على الأقل تحتاج إلى دعم حكومى كبير فى هذا المجال الثقافى الذى يشمل ولا بد كل الجغرافيا السكانية على الأرض وفى كل مكان.
جميل أن تُخدم الثقافة على السياحة، فيكون هناك مهرجان العلمين أو مهرجان الجونة ولكن السينما ليست فساتين، والموسيقى ليست طبل وزمر وصواريخ تطلق فى الهواء، ولكن الثقافة يجب أن تؤكد مدلولها فى الناس من حيث طرائق تفكيرهم وسلوكهم ورؤيتهم لذواتهم وللآخرين.







