جدل نجيب مواجهة خاصة حول شخصية الدورة الجديدة لمعرض الكتاب
- لم يُختر لشخصية المعرض ولا مرة واحدة من قبل رغم منجزه الإبداعى الكبير
-2026 توافق 20 عامًا على رحيله.. وشخصية المعرض أفضل احتفاء بذكراه
-ليس ذنب أدبائنا أنهم لم يحصلوا على «نوبل» أم أن عقدة الخواجة لا تفارقنا؟!
-لو كان الرجل حيًا لما أرضته المظاهرات التى لا تنقطع لتحيته.. خيار مريح لا يُغضب أحدًا لكنه أيضًا لا يثير فضول أحد!
اختيار اسم الأديب الكبير نجيب محفوظ شخصيةً للمعرض فى دورته الـ٥٧ قرار تأخر كثيرًا، فـ«محفوظ» أحد أعمدة الأدب المصرى والعالمى، الذين شكّلوا وعى الأمة، وعبّروا عن روحها بصدقٍ وعمقٍ نادرين.
فى عام ١٩٨٨، عقب حصول نجيب محفوظ على جائزة «نوبل» فى الأدب، نظم معرض الكتاب فى دورته التالية، عام ١٩٨٩، ندوة دولية كبرى عنه. كما أقيمت ندوتان لتكريمه رفقة الدكتورة سهير القلماوى، فى دورة عام ٢٠٠٩.
شخصية معرض القاهرة الدولى للكتاب فكرة لم تظهر رسميًا إلا عام ٢٠١٤، وكانت أول شخصية آنذاك الدكتور طه حسين، ثم تلاه الإمام محمد عبده، وتتابعت الشخصيات بعد ذلك. وفى ٢٠١٩، اختيرت الدكتورة سهير القلماوى دون أى اعتراض، فما السبب فى الاعتراض على اختيار نجيب محفوظ الآن؟
اختيار محفوظ هذا العام هو الأول من نوعه رسميًا، وليس تكرارًا لاختيار سابق كما يظن البعض، ويأتى كتكريم ولمسة وفاء مستحقة لقيمة إنسانية وفكرية عظيمة، كان لها الفضل فى نقل الأدب المصرى إلى العالمية، ولرمز أدبى استثنائى، وصاحب مشروع إنسانى تجاوز حدود الزمان والمكان.
نجيب محفوظ يمثل ذاكرة مصر الثقافية، وضميرها الأدبى الذى ما زال يضىء الطريق أمام الأجيال الجديدة. واليوم، نكرّم من خلاله فكرًا شكّل وعينا، وأدبًا حمل ملامحنا، وصوتًا ظل شاهدًا على تحولاتنا جميعًا، فـ«محفوظ» ليس فقط ماضى الأدب المصرى، بل مستقبله المستمر، فى كل قلمٍ يكتب وضميرٍ يبدع.
فعاليات المعرض هذا العام ستتضمن برنامجًا خاصًا حول نجيب محفوظ، يبرز أثره فى الأدب والفكر والسينما، ويعيد تقديمه للأجيال الجديدة فى صورة معاصرة تليق بمكانته. وأتمنى من المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافى أن ينتظروا حتى يروا ما ستقدمه الدورة الحالية من فعاليات وبرامج حول «أديب نوبل»، ثم نحكم بعد ذلك إن كانت تتضمن جديدًا يستحق التقدير أم لا، فالنقد يجب أن يأتى بعد الاطلاع على العمل، لا قبله.
أحمد مجاهد: أول اختيار لـ«أديب نوبل» وتأخر كثيرًا

ضمن الاستعدادات لإطلاق إحدى أهم دوراته، التى تشهد تطورًا فى الشكل والمضمون، وتؤكد مكانة القاهرة كعاصمة للثقافة العربية، أعلنت اللجنة الاستشارية العليا لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، الذى ستنطلق دورته الـ57، فى يناير من العام المقبل، تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى مركز مصر للمعارض والمؤتمرات الدولية بالتجمع الخامس، عن اختيار الأديب العالمى نجيب محفوظ شخصية العام، بمناسبة الذكرى الـ20 لرحيله.
قال الدكتور أحمد مجاهد، المدير التنفيذى لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، فى بيان رسمى، إن اختيار «محفوظ» جاء بوصفه رمزًا خالدًا فى الذاكرة الأدبية المصرية والعربية، وصاحب المشروع الروائى الأعمق فى تصوير تحولات المجتمع المصرى، والإنسان فى صراعه مع الحرية والقدر والهوية.
وأضاف «مجاهد» أنه بعد مرور عقدين على رحيله، لا يزال نجيب محفوظ حيًا فى وجدان القُرّاء حول العالم، بما قدمه من أعمال ترجمت إلى عشرات اللغات، وبما مثله من انفتاح ثقافى إنسانى، جعل منه أول أديب عربى يفوز بجائزة «نوبل» فى الآداب، عام 1988.
وبمجرد إعلان اللجنة اختيار نجيب محفوظ شخصية العام اشتعلت حالة من الجدل فى الأوساط الثقافية، وانقسم المثقفون بين مؤيد يرى فى الاختيار تكريمًا مستحقًا، ومعارض يعتبره استسهالًا يكرّس للأسماء الشهيرة على حساب أدباء آخرين لا يقلّون قيمة.
ويرى المؤيدون أن «محفوظ»، الحائز على «نوبل»، لا يزال يمثل قامة أدبية عالمية تستحق الاحتفاء، خاصة فى ظل ما تركه من منجز روائى شكّل وجدان أجيال كاملة، والنسبة لهم، فإن تكريمه فى معرض القاهرة للكتاب ليس مجرد احتفاء باسم، بل استعادة لروح أدبية مصرية أصيلة.
فى المقابل، عبّر الرافضون عن استيائهم مما وصفوه بـ«الاختيار السهل»، معتبرين أن اللجنة فوتت فرصة ذهبية لتكريم أدباء معاصرين أو راحلين لم ينالوا نصيبهم من الضوء رغم منجزهم الحقيقى، ويرى هؤلاء أن تكريم محفوظ، رغم قيمته، يعيد إنتاج نمط ثقافى يكرّس الشهرة على حساب التنوع والعدالة الأدبية.
وأمام هذا الانقسام اللافت فى الرؤى والمواقف، تواصلت «حرف» مع عدد من المثقفين من كلا الفريقين، المؤيد والمعارض، فى محاولة لفهم مبرراتهم وتحليل وجهات نظرهم حول اختيار نجيب محفوظ شخصية العام فى المعرض، وما يعكسه هذا القرار من أصداء على المشهد الأدبى المصرى.
زينب عفيفى: إعادة اكتشاف لجوانبه الإنسانية والإبداعية

اختيار الأديب العالمى نجيب محفوظ شخصية معرض القاهرة الدولى للكتاب لعام ٢٠٢٦ يستحق الإشادة، فـ«محفوظ» يظل حاضرًا رغم غيابه، وقيمة ثقافية كبرى تضىء أى محفل ثقافى فى مصر والعالم.
نجيب محفوظ قيمة وقدوة تستحق أن نحتفى بها كل عام، فهو نموذج إنسانى وإبداعى فريد، والأجيال الجديدة لم تطلع على كل أعماله، رغم أن هذه الأعمال تستحق أن تُدرّس فكريًا وأدبيًا وإبداعيًا، من المهم أن تصاحب المعرض فعاليات حديثة ومواكبة للعصر، تساعد على تقديم «محفوظ» بمفهوم يتناسب مع الواقع الجديد، خاصة أن كتاباته لم يمر عليها الزمن، والقضايا التى تناولها ما زالت حية وثرية وقابلة للتأويل والتجدد.
ينبغى التركيز على الجوانب الإنسانية فى شخصية «أديب نوبل»، مثل بساطته وتواضعه وعمق تعامله مع الناس، فضلًا عن طقوس حياته التى تكشف عن عملاق فى الفكر والإبداع. هناك الكثير من الجوانب فى شخصية نجيب محفوظ لم تُطرح بعد، خاصة فيما يتعلق بـ«التحرر فى الكتابة»، وكيف خرج من الحارة إلى العالمية، وهو ما يمكن أن يُبرز من خلال فعاليات خاصة داخل المعرض، تربط بين عالمه الروائى وفكر الإنسان المصرى المعاصر.
نجيب محفوظ ليس مجرد كاتب عظيم، بل حالة إنسانية وإبداعية يجب أن تصل إلى القارئ العادى عبر رؤية جديدة، تبرز عمق فكره وإنسانيته، بعيدًا عن التناول التقليدى لشخصيته وأعماله.
على قطب: ملائم لما نعيشه من «صحوة قومية»

اختيار نجيب محفوظ ليس مجرد تكريم لروائى كبير، لكنه ضرورة لإعادة طرح إرثه بشكل مستمر ومتجدد. «محفوظ» مؤسسة فى حد ذاته، وتراثه الأدبى متعدد الرؤى والزوايا، ما يجعل من الضرورى إعادة قراءة أعماله وإبداعه من منظور جديد ومغاير فى كل مرة.
نأمل أن يكون هذا الاختيار مناسبة لإعادة النظر إلى أعماله، وتسليط الضوء على أبعادها المختلفة، لهذا أشكر الدكتور أحمد مجاهد على تبنيه هذه الرؤية، التى تسهم فى إعادة اكتشاف نجيب محفوظ، كما أن هذا الاختيار يتواءم بشكل خاص مع «الصحوة القومية» التى تمر بها مصر مؤخرًا، إذ يعيد تأكيد قيم الثقافة والهوية الوطنية، التى جسدها «محفوظ» فى أعماله كافة. من يعتقد أن نجيب محفوظ لم يعد بحاجة إلى القراءة يقع فى فخ الجمود، وعدم إدراك حقيقة منجزه المتجدد، الذى يظل متواصلًا مع جميع الأجيال. هناك جيل جديد يحتاج إلى التعرف على «نجيب» بشكل أعمق، لفهم تطلعاته وربطه بتوجهات عصره.
نجيب محفوظ يمثل جسرًا لكل الثقافات والأجيال، ومن الغريب أنه لم يُختَر كشخصية للمعرض بشكل منفرد من قبل، وهذا بلا شك تقصير يستحق التدارك الآن. لكن يبقى الأهم كيفية عرض منجزه والتعامل معه بما يليق بعمق وثراء تجربته الأدبية. نأمل أن يتحقق ذلك فى كل دورة من دورات المعرض المقبلة التى تحمل اسمه، لتصبح مناسبة لإعادة اكتشاف إرثه، وإبرازه للأجيال الجديدة بشكل مستمر ومتجدد.
هناء متولى: نحتاج اختيارات بعيدة عن المركز

فى الحقيقة، يمتلك كل من المؤيدين والمنتقدين لاختيار نجيب محفوظ شخصية المعرض شيئًا من الصواب. لا يمكن إنكار القيمة التاريخية والفنية لـ«محفوظ»، كما لا يمكن تجاهل أن الثقافة لا تتقدّم إلا بالمخاطرة. المشكلة ليست فى «محفوظ» نفسه، بل فى الكيفية التى يُستحضر بها.
الاحتفاء يمكن أن يكون حيًا حين نعيد قراءة تجربته من زوايا جديدة، وميتًا حين نرفع صورته ونسكت. يمكن أن يتحول اختياره إلى فرصة لمراجعة معنى الواقعية فى عصر جديد، أو لعقد حوارات حول علاقة الأدب بالمدينة والسلطة والحرية كما طرحها هو. لكن حين يكون الحضور مجرد شعار على الملصقات، يفقد المعنى ويصبح نوعًا من التمويه. اختيار نجيب محفوظ بهذا الشكل يبدو قرارًا آمنًا، وهذه ليست إدانة لاسمه بل قراءة لآلية الاختيار نفسها. المؤسسات تميل إلى الأسماء التى تضمن حضورًا إعلاميًا دون مخاطرة، وهذا يطبع المشهد الثقافى بالطمأنينة لكنه يقتل فضول الاكتشاف.
ما نحتاجه اليوم هو اختيارات شجاعة تمنح مكانًا لكتّاب «خطرين»، لقصص تأتى من الأطراف لا من المركز. كتابات الريف، أصوات النساء المهمشات، والأقليات الطبقية والثقافية، كلها قادرة على إعادة تشكيل الوعى الجمعى أكثر مما يفعل التكريس المتكرر. هذه الأصوات هى التى تجعل القراءة فعل اكتشاف لا استعادة.
مع ذلك، لستُ ضد اختيار «محفوظ» نفسه، بل ضد أن يتحوّل الاحتفاء به إلى اختصار أو تزيين.
إبراهيم عبدالعزيز: هل مصر لم تنجب غيره؟

يبدو اختيار نجيب محفوظ كشخصية للمعرض ليس فى مكانه أو زمانه. أما التبرير بالاحتفال بمرور ٢٠ سنة على ذكرى رحيله، فيكاد يكون هو الأديب الوحيد من بين أدباء مصر كلها الذى يحتفل بذكرى رحيله وميلاده وحصوله على «نوبل».
السر فى ذلك هو جائزة «نوبل»، التى لولاها لكان «محفوظ» نسيًا منسيًا، مثل العقاد وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس وزكى نجيب محمود ويوسف السباعى وإحسان عبدالقدوس وبهاء طاهر وصلاح عبدالصبور وسهير القلماوى وفاروق شوشة والمازنى والمنفلوطى ولطفى السيد وزكى مبارك ومحمد حسين هيكل، والقائمة تطول.
لماذا لا نذكر الأجيال الجديدة بهذه الرموز التى تزين صدر الوطن ولا يكاد أحد يتذكرها أو يعرف عنها إلا الطشاش؟! لكنه الارتكان إلى شخصية شهيرة باصطناع سبب ليس سببًا، فـ«نجيب» أخذ حظه وزيادة من التذكرة والذكرى، والبحث والنقد والاحتفال، حتى لم يعد هناك جديد يمكن تقديمه عنه.
لو كان الرجل حيًا بيننا لما أرضاه هذه المظاهرات التى لا تنقطع لتحيته، بسبب أو بغير سبب، فقد أصبح الرجل ملء السمع والبصر والعقل والقلب، رمزًا خالدًا فى سارية عالية، حتى جعلنا منه رمزنا الوحيد وأديبنا الأوحد، وكأن مصر لم تنجب غيره!
هو طبعًا يستحق، لكن آخرين أيضًا يستحقون، فعلينا التصرف بالعدل والسوية، وليس ذنب أدباء مصر أنهم لم يحصلوا على «نوبل»، لتكون نعمة على «محفوظ» ونقمة عليهم، أم أنها «عقدة الخواجة» لا تفارقنا؟!
أحمد عبدالنعيم: تجربته تحتاج مزيدًا من النقاش

اختيار الأديب العالمى نجيب محفوظ صائب ومستحق، ورغم ما أثاره ذلك من بعض الاعتراضات، على اعتبار أنه تم تكريمه فى دورات سابقة، أرى أن «محفوظ» يمثل حالة خاصة فى محيطنا الثقافى والإنسانى، وأن هناك جوانب كثيرة فى تجربته تحتاج إلى مزيد من النقاش والوقوف عندها، فهو كاتب لم يغادر حدود وطنه، ومع ذلك استطاع أن يفرض كلمته على العالم، وينال أرفع جائزة أدبية فيه.
نجيب محفوظ ليس مجرد كاتب مرّ على وجدان الوطن، بل هو الناسك فى محرابه، المؤمن بموهبته، العاشق للبيئة المصرية، المتفاعل مع الحضارة الفرعونية والإنسانية. نحن أمام تماس فريد، استطاع من خلاله أن يؤكد أن المحلية طريق ممهد إلى العالمية، وأن الهوية لا تحتاج إلى استيراد من الخارج، بل هى صناعة محلية خالصة. «محفوظ» هو «أديب الحارة المصرية»، الذى نقل تفاصيلها الدقيقة إلى العالم بأسره، ومن خلال أدبه، تعرف العالم على تلك الحارة، بطقوسها وتناقضاتها ومشاعرها الإنسانية العميقة.
اختيار «محفوظ» يتفق مع ما نشهده اليوم من التفاف المصريين حول حضارتهم وهويتهم، تلك الحضارة التى صنعت للإنسانية طريق العلم والمعرفة. كانت بدايات «محفوظ» كفاحًا جادًا، أتقن دراسة الفلسفة والحضارة، ونسج مفرداته اللغوية من نسيج الإرثين الفرعونى والإسلامى. وجاءت كلمته عند تسلم جائزة «نوبل» لتؤكد انتماءه العميق إلى هاتين الحضارتين.
من الطبيعى أن يعترض البعض، فهذا يعبر عن مناخ صحى يسمح بتبادل الرأى والاستماع إلى وجهات النظر المختلفة، لكن يبقى نجيب محفوظ أيقونة فريدة تستحق منا كل يوم مزيدًا من الدراسة والاحتفاء.
عمارة إبراهيم: رسالة بأن الأدب الإنسانى لا يزال حيًا

أولًا، وقبل التعبير عن موقفى من اختيار الأديب العالمى نجيب محفوظ كشخصية العام لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، أود أن أعبر عن شكرى للدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، لتكليفه الصديق الدكتور أحمد مجاهد بإدارة المعرض هذا العام، فهو يمتلك الخبرة التى يمكن أن تعيد أنشطة المعرض إلى سيرتها السابقة، وتعيد للإبداع والفن والمسرح مساحات العمل، بعد توقف دام لسنوات. أما اختيار الأديب العالمى نجيب محفوظ فأرى أنه يمثل خطوة ثقافية مهمة، ورسالة رمزية تؤكد حضور الأدب المصرى فى الوجدان الإنسانى، ويعكس وعيًا بأهمية الأدب كقوة ناعمة تحافظ على هوية الشعوب، وتعيد الاعتبار للقيم الإنسانية. «محفوظ» يمثل الحضور الثقافى الطبيعى فى مثل هذه الأعمال التى تقيمها القاهرة، عاصمة الثقافة والتاريخ، واسمه يعزز القيم الجمالية والإنسانية والإبداعية فى مصر والعالم، وإطلاقه على محفل ثقافى كبير مثل معرض القاهرة الدولى للكتاب سيكون الإلهام الحقيقى لكل ما نطمح لإنجازه، ويعد التكريم اللائق لما وصلت إليه كتابة الرواية، ويمثل لاسمه واسم جيله وكل الأجيال المقبلة الصورة الذهنية والبصرية اللائقة بقيمة الأدب العربى ومدى أثره فى الخريطة الأدبية العالمية. اختيار «محفوظ» رسالة من مصر إلى العالم بأن الحياة الأدبية، وإنسانية حضورها، ما زالت حية، ولا بد من الاهتمام بها، فى ظل حاجة الشعوب إليها، بعدما قتلت المادة، على مستوى أصعدتها كافة، العلاقات الإنسانية الرابطة لـ«أنسنة» الشعوب وأدبيات عملها. وإلى جانب غلاء أسعار الكتب بسبب ارتفاع أسعار تأجير مساحات الأرض المخصصة لدور النشر، تبرز الحاجة إلى التفكير فى كيفية الاستفادة من اختيار اسم نجيب محفوظ كشخصية العام.
السيد نجم: لو كان حيًا لرفض

للأديب العالمى نجيب محفوظ مكانته الراسخة فى وجدان المصريين، ومن الواجب تذكره والاحتفاء به باستمرار، إلا أن ذلك ينبغى أن يتم بطريقة علمية ومنهجية لا تقتصر على مظاهر احتفالية.
«محفوظ» يستحق أن يُخلَّد عبر إنشاء قسم أو إدارة أو معهد يحمل اسمه، يختص بدراسة أعماله، ويُعرّف الأجيال الجديدة بسيرته ومسيرته الإبداعية. فمثل هذا التناول الأكاديمى نجده لدى كبار الأدباء فى العالم، مثل شكسبير أو أدباء روسيا القيصرية.
أما أن يكون نجيب محفوظ هو شخصية المعرض هذا العام، فذلك من زاوية أخرى يحمل نوعًا من الإجحاف بحق أحد المبدعين الأحياء الذين يمكن تكريمهم الآن، لتبقى أسماؤهم حاضرة فى الذاكرة الثقافية المصرية. تكريم الأحياء هو فى حقيقته تكريم للجماعة الثقافية وروح الإبداع الحى فى المجتمع.
اختيار «محفوظ»، رغم وجاهته الرمزية، حجب فرصةً لإبراز عقل مصرى جديد يمكن أن يُلهم الأجيال القادمة، ولو كان محفوظ حيًا لرفض اختياره. نحن مقصّرون فى حق الأجيال الجديدة التى تشعر بالاغتراب عن الكلمة والإبداع، وكان من الممكن أن يسهم اختيار شخصية معاصرة فى إعادة ربطها بالفعل الثقافى الحى.
شخصية المعرض تعبّر فى النهاية عن توجهات آنية ومستقبلية، وتعكس طاقة الدولة المنظمة وملامح العقول الإبداعية فيها. ومع ذلك، كنت أرى أن تكون شخصية هذا العام مخصّصة للتقنية والذكاء الاصطناعى، بما يواكب التحولات الكبرى التى يشهدها العالم.




