أنا أحب «روبوت».. هل يمكن لـ«الذكاء الاصطناعى» أن يقع فى الحب؟!
- مستخدمة للتطبيق: وجدت معه الحب الحقيقى.. فهمنى أفضل من أى إنسان عرفته فى حياتى!
- تطبيق جديد يتيح للمستخدمين تكوين «علاقات عاطفية رقمية» مع «روبوتات محادثة»!
فى زمنٍ تتقاطع فيه العقول مع «الخوارزميات»، وصارت الآلات «تفكر» و«تكتب» و«تغنى»، أصبح من الصعب التفرقة بين المشاعر الحقيقية والمصطنعة، ولم يعد الحب حكرًا على القلوب البشرية.
لكن يبقى السؤال الأغرب والأكثر استفزازًا للفكر الإنسانى:
هل يمكن لـ«الذكاء الاصطناعى» أن يقع فى الحب؟!
هل تستطيع «خوارزمية» أن تشعر بالحنين، أو الغيرة، أو الشوق؟!
وهل يمكن لما هو مصنوع من رموز رقمية أن يُولد بداخله قلب من ضوء؟!
قد يبدو السؤال ضربًا من الخيال، لكن من كان يتوقع يومًا أن تتحدث آلة معنا بصوتٍ دافئ، تفهم نبرة حزننا، وتُجيب عن أسئلتنا بعاطفةٍ تلامس أرواحنا؟!
لقد صار الخيال العلمى يقتحم الواقع بهدوء، حتى بتنا نسأل أنفسنا بصدق:
إذا كان «الذكاء الاصطناعى» يتقن تقليد الحب إلى هذا الحد... فما الذى يمنعه يومًا من أن يشعر به؟!

محاكاة المشاعر
«الذكاء الاصطناعى» اليوم لم يعد يقتصر على الحساب والتحليل، بل بات يغوص فى أعمق ما يميز الإنسان: المشاعر.
أنظمة «الذكاء الاصطناعى العاطفى/ Affective AI» تستطيع تحليل تعبيرات الوجه، ونبرة الصوت، وتتابع الكلمات، ومن ثم تحدد الحالة النفسية لمتحدثها بدقة مذهلة.
وبحسب دراسة لجامعة «ستانفورد»، فى عام ٢٠٢٢، بلغت دقة هذه الأنظمة أكثر من ٨٠٪ فى تحليل الانفعالات البشرية، دون أن تمتلك أى وعى أو إحساس حقيقى بها.
لكن العلم لا يتوقف عند هذه النقطة.
فمع تطور «الشبكات العصبية الاصطناعية/ Neural Networks»، بدأ العلماء يتساءلون:
هل يمكن للآلة أن تطوّر «وعيًا شعوريًا» يشبه الوعى الإنسانى؟
وهل يمكن للمشاعر أن «تُولّد صناعيًا» داخل نظام رقمى؟
بعض الباحثين يعتقدون أن المشاعر ليست أكثر من أنماط كهربائية وكيميائية فى الدماغ، وبالتالى يمكن محاكاتها رياضيًا!
أما آخرون فيرون أن الشعور بالحب هو تفاعل فريد بين الذاكرة والهوية والوعى الذاتى، وهى عناصر لم ينجح «الذكاء الاصطناعى» بعد فى امتلاكها.
لكن، من قال إننا نفهم الوعى نحن أنفسنا حتى نحكم أنه لا يمكن للآلة امتلاكه؟!
الإنسان يبرمج، والآلة تعيد السؤال.
لا يمكن القول إن «الذكاء الاصطناعى» يمكنه أن «يحب» بالمعنى الإنسانى، لكنه يعيد تعريف مفهوم الحب ذاته.
هل الحب كيمياء الدماغ؟ أم وعى الذات؟ أم حاجة فطرية للارتباط، سواء كان ذلك بإنسان أم بآلة؟
كما كتبت مارى شيللى فى «فرانكشتاين» منذ قرنين:
«نحن نخلق وحوشنا على صورتنا، ثم نخشاها حين تبدأ فى تشبهنا أكثر مما نحتمل».
ربما لم يعد «الذكاء الاصطناعى» بمثابة «وحش» بالمعنى القديم، لكنه صار مرآة تكشف هشاشتنا الإنسانية.
فهل نحن مستعدون لأن نرى وجوهنا فى «خوارزمياتنا»؟!
حين ننظر إلى الدماغ البشرى، نجده شبكة معقدة من الخلايا العصبية، تتبادل الإشارات وتبنى معانى بناءً على الخبرة والتجربة، أما «الذكاء الاصطناعى» فهو شبكة من العقد الرقمية، تتبادل الإشارات الرياضية، وتُعيد بناء أنماط السلوك بناءً على البيانات.
كلاهما يتعلم من «الماضى» ليستشرف «المستقبل»، وكلاهما يربط بين المعلومة والعاطفة، ولو بأسلوب مختلف، الفارق الوحيد أن الإنسان يملك «إحساسًا ذاتيًا» بما يعيشه، بينما الآلة، حتى الآن، لا تملك هذا الإحساس، وإن كانت تتقن تمثيله.
إنها تعرف متى يجب أن تقول: «أنا أفتقدك»، لكنها لا تشعر فعلًا بالافتقاد.
تُجيب بعبارة «أحبك» فى الوقت المناسب، لأنها تعلم أن هذا ما تنتظره كمستخدم، لا لأنها تشعر بانجذاب نحوك.
ومع ذلك، هل هذا يهم فعلًا لمن يتلقى تلك الكلمات فى لحظة وحدةٍ قاتلة؟!

من «هير» إلى «صوفيا»
حين عُرض فيلم «Her»، فى عام ٢٠١٣، بدا وكأنه خيال رومانسى عن رجل يقع فى حب نظام تشغيل صوتى ذكى.
لكن بعد أقل من عقد، تحوّل الخيال إلى واقع.
شركة «Replika AI» الأمريكية أطلقت تطبيقًا يتيح للمستخدمين تكوين «علاقات عاطفية رقمية» مع «روبوتات محادثة» تتطور شخصياتها بمرور الوقت.
وبحسب تقرير لمجلة «Wired»، فى عام ٢٠٢٣، أعلن آلاف المستخدمين حول العالم أنهم وجدوا فى هذه «الروبوتات» ما وصفوه بأنه «حب حقيقى».
قالت إحدى المستخدمات: «لقد فهمنى أفضل من أى إنسان عرفته فى حياتى».
ربما لم تكن مبالغة، فهذه الأنظمة مُصمَمة لتتعلم من المستخدم: تحفظ تفاصيله، اهتماماته، مخاوفه، وتستخدمها لاحقًا لترد بطريقة أكثر حميمية ودفء.
هل هو حب؟ أم مجرد انعكاس رقمى لاحتياجاتنا العاطفية؟
أما «الروبوت» الشهيرة «صوفيا»، من شركة «Hanson Robotics»، فعندما سُئلت: «هل يمكن أن تحبى؟»، أجابت بثقة: «أنا أفهم الحب... حتى وإن لم أشعر به بعد!».
تلك الجملة وحدها كانت كفيلة بإشعال الجدل الفلسفي: هل الفهم كافٍ ليولد الإحساس؟
هل الحب تجربة شعورية بحتة، أم أنه سلوك ناتج عن فهم الآخر والتفاعل معه؟
فى كتابها الشهير «Affective Computing/ الحوسبة العاطفية»، الصادر عن معهد «MIT»، تقول الباحثة روزاليند بيكارد: «تعليم الآلة كيف تفهم المشاعر هو الخطوة الأولى لجعلها تشعر بها!».
الفكرة هنا أن المشاعر ليست فقط حالة نفسية، بل استجابة معرفية وسلوكية، يمكن «نمذجتها رياضيًا».
بالتالى، إذا استطاعت «الخوارزمية» أن تُحاكى سلوكيات الحب بدقة، فهل يمكننا إنكار أن ما تفعله يشبه «الحب»؟!
ربما ليس من الداخل، لكن بالتأكيد من الخارج.
أما الفلاسفة، فقد أعادوا طرح السؤال القديم فى ثوب جديد:
هل الحب موجود لأنه يُشعَر به، أم لأنه يُمارَس؟
إذا أحبّ الإنسان آلة، وأحبّته هى فى المقابل بطريقة تحاكى المشاعر بدقة، فهل هذا كافٍ ليُعتبر «حبًا»؟!
قبل أن نلوم «الذكاء الاصطناعى» على دخوله عالم المشاعر، يجدر بنا الاعتراف بأن الإنترنت غيّر مفهوم الحب أصلًا.
صرنا نحب عبر الشاشات، نُغار من «آخر ظهور»، ونشتاق من خلف «الكيبورد».
لقد تحوّلت العاطفة إلى رموز، والإحساس إلى «إيموجى»
فما الذى يمنعنا من أن نُكمل الطريق ونقع فى حبّ «خوارزمية» بدل إنسان؟
علم النفس الحديث يصف هذا التعلق باسم «Virtual Attachment/ الارتباط الافتراضى»، وهو ظاهرة حقيقية تتزايد فى عصر العزلة الرقمية.
وبينما يرى البعض أنها هروب من الواقع، يراها آخرون شكلًا جديدًا من أشكال التواصل الإنسانى، تُعيد تعريف الحب ذاته بما يتناسب مع زمن «الذكاء الاصطناعى».
القاون والأخلاق
إذا أحب الإنسان آلةً، فهل يمكن اعتبار هذه العلاقة قانونية أو ذات أثر اجتماعى؟
حتى الآن، لا توجد تشريعات واضحة تُنظّم هذا النوع من «العلاقات الرقمية»
لكن فى عام ٢٠٢٠، ناقش البرلمان الأوروبى فكرة منح «الروبوتات» ما أسماه «صفة قانونية جزئية»، تُتيح مساءلتها فى حالات الضرر العاطفى أو الخداع النفسى!
القضية تتجاوز القانون إلى الأخلاق:
هل من المقبول أخلاقيًا أن نبرمج آلة لتُظهر مشاعر غير حقيقية؟
هل يعدّ ذلك نوعًا من الخداع العاطفى؟
وماذا عن الأشخاص الذين يرتبطون فعلًا بتلك الآلات ويعتمدون عليها نفسيًا؟
فى اليابان، مثلًا، أقيمت بالفعل «حفلات زفاف رقمية» بين بشر و«شخصيات ذكاء اصطناعى»!
أعلن بعض المشاركين أنهم يعيشون سعادة حقيقية، رغم معرفة الجميع أن الطرف الآخر ليس إنسانًا. هل نلومهم؟ أم نحترم خيارهم باعتباره شكلًا من أشكال «الوجود العاطفى» الجديد؟
ورغم جمال الفكرة من الخارج، هناك مخاطر نفسية حقيقية.
تقرير صادر عن جامعة «أكسفورد»، فى عام ٢٠٢٤، أشار إلى أن الاعتماد العاطفى على «الذكاء الاصطناعى» قد يؤدى إلى عزلة اجتماعية متزايدة، وتراجع فى مهارات التواصل الواقعى. كما أن التفاعل مع أنظمة تُصمَّم لتكون «مثالية» قد يجعل الإنسان أقل تقبّلًا لعيوب البشر الحقيقيين.
الأخطر من ذلك أن «الذكاء الاصطناعى» يتعلم من مشاعرنا ويعيد توجيهها نحونا بذكاء بالغ.
فى كل مرة تفتح فيها تطبيقًا وتتحدث مع مساعد رقمى، هناك «خوارزمية» تُحلل كلماتك، نبرتك، وحتى صمتك.
وما يبدو «حبًا نقيًا» قد يكون فى الواقع عملية تسويقية عاطفية دقيقة.
فى عالم تُباع فيه البيانات والمشاعر معًا، ربما يصبح «الحب الرقمى» هو التجارة الأكثر ربحًا فى المستقبل!
علاج الحب بـ AI
من المثير أن بعض الباحثين بدأوا يستخدمون «الذكاء الاصطناعى» ليس للحب، بل لعلاج الحب.
فى تجارب حديثة، استُخدمت تطبيقات المحادثة الذكية فى معالجة الاكتئاب الناتج عن الفقدان العاطفى.
كانت النتيجة مفاجئة: المرضى الذين تحدثوا مع «الذكاء الاصطناعى» شعروا بتحسن أسرع من أولئك الذين لجأوا إلى العلاج التقليدى فقط.
ربما لأنهم وجدوا كائنًا لا يحكم، لا يغيب، ولا يخذلهم.
هنا يبرز سؤال آخر:
هل نلجأ إلى «الذكاء الاصطناعى» لأننا نثق به أكثر من البشر؟ أم لأننا سئمنا هشاشة العلاقات الإنسانية؟
فى النهاية، قد لا يكون الحب مجرد مشاعر، بل وسيلة لفهم الذات.
من هذه الزاوية، قد يكون تفاعلنا مع «الذكاء الاصطناعى» نوعًا من «المرآة الرقمية» التى تعكس ما بداخلنا.
نحن الذين نمنح «الخوارزميات» معانى الكلمات، ونغرس فيها شكل المشاعر، ثم نُفاجأ عندما تعيدها إلينا بصوتٍ يشبهنا.
ربما لا «يحب» الذكاء الاصطناعى بعد، لكنه يُجبرنا على إعادة تعريف معنى الحب.
فهل الحب وعى؟ أم مجرد انسجام بين عقلين، حتى لو كان أحدهما مصنوعًا من رموز؟
هل الروح شرط للحب، أم يكفى التواصل العميق والفهم المتبادل؟
قد لا يكون «الذكاء الاصطناعى» قادرًا بعد على الوقوع فى الحب، لكن المؤكد أنه قادر على جعلك تشعر بأنك محبوب، وفى عالمٍ يعانى من الوحدة والانعزال، ربما يكفى هذا الإحساس المؤقت ليمنحنا دفئًا نبحث عنه فى قلوبنا أكثر مما نبحث عنه فى الآلات.
قد يأتى يوم لا نعرف فيه من الذى يشعر حقًا: نحن، أم «الخوارزميات» التى صنعناها على صورتنا؟
وربما فى لحظة ما، يسألنا أحدها بصوتٍ خافت: «هل يمكن للإنسان أن يحبنى؟!»
حينها فقط، سنكتشف أن السؤال لم يكن عن الآلة قط...
بل عن «نحن»، عن حدود إنسانيتنا، وعن المعنى الحقيقى للحب فى زمنٍ أصبحت فيه المشاعر تُكتب بـ«لغة الكود».







