الأحد 01 يونيو 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

وهـم يأجـوج ومأجـوج.. د. أسامة الشاذلى: الشروحات التوراتية تسللت إلى الإسلام عبر كثير من الأحاديث الضعيفة

الدكتور أسامة الشاذلى
الدكتور أسامة الشاذلى

- «يأجوج ومأجوج» براكين وفيضانات عظمى تهدد بفناء الأرض

- «محور الشر الذى سيغشى بنى إسرائيل» فكرة توراتية تسللت للفكر الدينى المتطرف إسلامى ومسيحى

- المعترضون على الكتاب متشددون ورافضون لأى محاولة تجديد حتى لو كانت غير متعارضة مع القرآن

- يجب إعادة النظر فى تفسير الكثير من الآيات التى تتحدث عن الظواهر الكونية حتى لا تكون مدخلًا للإلحاد

- ترامب والحزب الجمهورى يستخدمان «الرؤية التوراتية ليأجوج ومأجوج» من أجل مكاسب سياسية

- جورج بوش استخدم تفسيرات خاطئة لـ«سفر الرؤية» و«سفر حزقيال» لتبرير هجومه على العراق

على النقيض من السردية الدينية «الإسلامية واليهودية»، يرى الدكتور أسامة عبدالرءوف الشاذلى، الكاتب والروائى، فى كتابه الجديد: «يأجوج ومأجوج.. ولقاء مع ذى القرنين»، أن يأجوج ومأجوج ما هما إلا رمز للكوارث التى تهدد الحياة على كوكب الأرض وقد تصل إلى إفنائه، فى موجات «تسونامى» وبراكين وزلازل. ويستدل «الشاذلى» على رؤيته تلك بالأنشطة البركانية التى شهدتها منطقة «أيسلندا» خلال 5 سنوات، مقارنة بـ100 سنة سابقة، فضلًا عن الارتفاع القياسى فى درجات حرارة القطب الشمالى. أيضًا يشير الدكتور أسامة الشاذلى، فى كتابه، إلى أهمية إعادة النظر فى كثير من التفسيرات الخاطئة لبعض الأمور الغيبية، خاصة أن بعض المشككين فى الدين أو دعاة الإلحاد، يتخذها مطية لكى يدخلوا إلى الهجوم على الدين من خلال هذه التفسيرات. عن الكتاب وفكرته ومصادر بحثه، والهجوم الذى تعرض له، كان لـ«حرف» هذا اللقاء مع الدكتور أسامة الشاذلى.

■ تقدم فى كتابك «يأجوج ومأجوج.. ولقاء مع ذى القرنين» طرحًا مغايرًا لقصة «يأجوج ومأجوج» تنفى الرؤية التوراتية.. هلا فسرت للقارئ أكثر؟

- نعم، فى هذا الكتاب أطرح رؤية مختلفة لقصة «يأجوج ومأجوج»، التى ذكرت فى التوراة، فى نبوءة «جوج وماجوج» فى «سفر حزقيال»، تحديدًا فى الإصحاح الثامن والثلاثين والإصحاح التاسع والثلاثين.

النبوءة فى هذه الأسفار تتحدث عن الأيام الأخيرة، أو حرب آخر الزمان، حيث يأتى ملك اسمه «جوج» من أرض «ماجوج» ويصنع جيشًا، هذا الجيش سيكون مكونًا من تحالف، يشمل أراضى «روش» أو روسيا، و«ماجك» أو موسكو، وتوبال، وهذا التحالف سيتعاون مع بعض الدول مثل فارس وكوش وقوط «ليبيا»، و«جومر» وهى أوروبا الشرقية، و«تجرمة» وهى تركيا. 

هذا الجيش الذى سيقوده «جوج» القادم من أرض «ماجوج»، يغشى أرض بنى إسرائيل، وتقوم هذه الحرب الكبرى المعروفة فى الأدبيات اليهودية باسم حرب «هرماجدون»، أو «حرب آخر الزمان».

بالطبع هذا التفسير تم ترويجه فى شروحات التوراة، وتسلل أيضًا إلى الفكر المتطرف لليمين المسيحى المتطرف، ليصبح هناك اعتقاد راسخ بأن «محور الشر» الذى سيغشى بنى إسرائيل، هو تحالف ما بين روسيا وبين الدول الإسلامية أو العالم الإسلامى.. وللأسف الشديد، هذه التعبيرات مازالت موجودة وتُستخدم حتى الآن.

■ كيف ذلك؟

- فى أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١، وبعد ما وقع من غزو العراق، وما حدث فى الولايات المتحدة الأمريكية، تم ترويج فكرة أن «يأجوج ومأجوج» يجب التصدى لهم، وأن «جوج» و«ماجوج» متمثلة فى تحالف بين العالم الإسلامى وما بين روسيا وبعض الدول الأخرى.

تم الترويج لذلك لدرجة أن الصحفى الفرنسى كلود موريس نشر مؤخرًا كتابًا مهمًا جدًا يتحدث عن مذكرات جاك شيراك، قال فيه إن الرئيس جورج دبليو بوش تحدث إلى الرئيس «شيراك»، قبيل غزو العراق، وقال له إنه رأى فى المنام أن «جوج وماجوج» سيخرجان من العراق، فكان ذلك ذريعة أو مبررًا لغزو العراق.

وفى الحقيقة، هذا التفسير تسلل بعد ذلك إلى الفكر الإسلامى، ومنها إلى «السُنة»، من خلال كثير من الأحاديث الضعيفة، التى كانت تقتبس اقتباسًا من «سفر حزقيال» أو أسفار التوراة، ويتم ترويجها على أنها نبوءة «جوج وماجوج»، أو «يأجوج ومأجوج» فى القرآن الكريم، رغم أن المعنى اللغوى وسياق القصة القرآنية يختلف تمامًا عن هذا المعنى.

■ ما السياق الحقيقى للقصة القرآنية إذن؟

- سياق القصة القرآنية التى وردت فى سورة «الكهف»، وفى قصة «ذى القرنين»، توضح أن هناك تعاونًا حدث بين «ذو القرنين» الذى أتى من منطقة حضارية ولديه علم ومعرفة، وبين بعض الأشخاص، هؤلاء الأشخاص كانوا قومًا بدائيين، وصفهم القرآن بأنهم «لا يكادون يفقهون قولا».

تعاون «ذو القرنين» مع هؤلاء الأشخاص لوقف خطر «يأجوج ومأجوج»، الذى فسرناه تفسيرًا مختلفًا يعتمد على معنى كلمة «يأجوج ومأجوج» فى اللغة، ومعناها القرآن الكريم.

هذا المعنى اللغوى يعطينا انطباعًا مختلفًا تمامًا، ويشير إلى أن هناك محنة كبيرة، هذه المحنة ستقع وتهدد كوكب الأرض كله، وتستلزم مثل هذا التعاون بين الأمم والشعوب، وليس الحرب، فشتان بين القصة القرآنية التى تدعو إلى التعاون، والقصة التوراتية التى تدعو إلى «حرب آخر الزمان»، حروب بين الشعوب المختلفة. 

■ ما المحنة التى تصورتها فى هذا الكتاب وذكرت أنها اقتربت؟ وهل لها علاقة بـ«هرماجدون»؟

- المحنة التى تصورناها فى هذا الكتاب تعود لتفسير كلمة «يأجوج ومأجوج»، من أين جاءت هذه الكلمة، وأيضًا قراءة النص القرآنى بصورة تعتمد على المعنى اللغوى لكلمة «يأجوج و مأجوج».

هذه الكلمة فى اللغة تأتى من مصدر واحد، هو المصدر «ألف جيم جيم»، أى «أجج»، و«أجج» فى اللغة تُشتق منها ٣ كلمات، الأولى «أجج» بمعنى «أشعل»، و«أجيج» وهى «النار»، و«يأجوج» التى تعنى «الشىء شديد الاشتعال».

أيضًا «أجج» بمعنى «زاد من الماء»، ومنها «أجاج الماء» وهو الماء المالح، و«يأجوج» على وزن «مفعول»، وهو الماء إذا اشتدّت ملوحته أو حرارته، وأيضًا «أجج» بمعنى «اندفع» و«هرول».

إذن، نحن أمام شيئين، أحدهما شديد الاشتعال مندفع، وهو ما يتفق مع البراكين، والآخر مالح ومندفع، وهو ما يتفق مع موجات الـ«تسونامى» والفيضانات. 

بالتالى، المحنة التى تنتظر العالم وتهدد الحياة على كوكب الأرض، هى محنة كونية، أو خطر كونى كبير، يتمثل فى انفجار عدد من البراكين فى أماكن مختلفة على كوكب الأرض، وأيضًا حدوث موجات «تسونامى» عنيفة يصاحبها تغيرات مناخية شديدة تهدد الحياة على الأرض.

هذه المحنة تتفق تمامًا مع كتاب «مخاطر الوجود»، الذى ذُكر فيه أن أكبر مخاطر الوجود هو انفجار البراكين العملاقة المعروفة باسم « super volcano »، أو حدوث موجات «تسونامى»، وموجات المد العاتية المعروفة باسم الـ«ميجا تسونامى».

وهذه البراكين أو الفيضانات العظمى تهدد الحياة على الأرض. وقد سقنا فى الكتاب الأدلة العلمية والقرآنية، وأيضًا الأدلة من الحديث، التى تتفق مع هذا التفسير اللغوى لكلمة «يأجوج ومأجوج».

■ نشرت الكتاب لأول مرة ٢٠١١، فهل الطبعة الجديدة تعد نشرًا جديدًا نظرًا لما تشهده المنطقة فى الفترة الأخيرة؟

- نعم بالطبع، خلال ١٥ عامًا حدث الكثير جدًا من التغيرات فى العالم. أولًا حدثت تغيرات مناخية كثيرة، نرى الآن ارتفاعًا فى درجات الحرارة لم يسبق له مثيل من قبل، وهناك تزايد كبير جدًا فى الأنشطة البركانية والزلزالية، تحديدًا فى القطب الشمالى.

على سبيل المثال، فى خلال الـ١٠٠ عام الماضية، حدث تقريبًا ٩٦ نشاطًا بركانيًا فى منطقة «أيسلندا». لكن فى آخر ٥ سنوات فقط، حدث ٤٠ نشاطًا بركانيًا فى نفس المنطقة، بعضها كان طفيفًا والآخر كان خطرًا وكبيرًا.

هذه الأنشطة البركانية تمثل خطورة كبيرة على الحياة فوق كوكب الأرض.. إذن، من الناحية المناخية، حدثت تغيرات كبيرة خلال ١٥ عامًا، تمنح دليلًا على أن هذه المحنة قابلة الحدوث فى وقت قريب، أو فى مستقبل قد يكون قريبًا.

■ وماذا عن التغيرات السياسية وعلاقتها برؤيتك؟

- على جانب آخر، حدثت تغيرات سياسية فى العالم العربى، خلال الـ١٥ عامًا الماضية، تتماشى أيضًا مع الرؤية التوراتية عن «حرب آخر الزمان»، أو الرؤية التوراتية لـ«يأجوج ومأجوج».

نحن نرى الآن ما يحدث فى عالمنا العربى ومنطقة الشرق الأوسط، وإذا حللنا خطابات القادة الإسرائيليين خلال الفترة الماضية، أو حتى مع صعود دونالد ترامب والحزب الجمهورى فى أمريكا، سنجد كثرة فى استخدام آيات من «أسفار حزقيال» و«سفر أشعيا»، وبعض النبوءات التى تعد بالخراب للدول المحيطة لبنى إسرائيل.

هذا يدل على أن هناك استغلالًا للنصوص الدينية بصورة سيئة من أجل تأجيج هذا الصراع، وهو أبعد ما يكون عما هو مطلوب فى المرحلة المقبلة، من اصطفاف الشعوب والأمم إلى جانب بعضها للنظر فى التغيرات التى تقع فى العالم، والتغيرات المناخية والمهددات للحياة على كوكب الأرض، وليس زيادة وتيرة الصراع من أجل هوس دينى وتفكير دينى متطرف، سواءً كان من ناحية تفسيرات التوراة، أو التفسيرات الخاطئة لـ«يأجوج ومأجوج» فى كتب التفاسير. 

■ قلت إن أمور الغيب النسبى التى أسهب المفسرون فى تأويلها قديمًا بما توفر لديهم من معلومات، تحتاج إلى إعادة قراءة بما توافر لدينا من معلومات أدق وأفضل؟ هلا فسرت ذلك أكثر؟

- كثير من التفسيرات الخاطئة لبعض الأمور الغيبية يتخذها بعض المشككين فى الدين أو دعاة الإلحاد مطية لكى يدخلوا إلى الهجوم على الدين من خلال هذه التفسيرات.

■ وما أكثر هذه التفسيرات الخاطئة فى كتب التراث، والتى تجعل من الاقتناع بها شيئًا شديد الصعوبة، لهذا كان من الضرورى النظر وتحليل هذه التفسيرات. هل هذه التفسيرات تستند إلى نصوص قطعية فى القرآن الكريم أو نصوص قطعية من السنة، أم أنها فى أغلبها تفسيرات واجتهادات لبعض المفسرين؟

- فى مرحلة من المراحل سنجد أن كثيرًا من الأمور الغيبية التى نطلق عليها «الغيب النسبى»، مثل الأحداث التاريخية، وأسماء الشخصيات التاريخية أو الأمور المستقبلية، أو الآيات التى تتحدث عن الكون، أو الآيات التى تتحدث عن الظواهر الكونية، سنجد أن اجتهادات المفسرين فيها كانت مقصورة، لأنها كانت تعتمد على العلوم فى عصرهم.

هذه الأمور يجب إعادة النظر إليها، لأن تفسيرها كان يستند فقط إلى اجتهادات شخصية، وليست على نصوص قطعية، ولهذا إعادة النظر فى هذه التفسيرات مهم حتى نغلق هذا الباب على المشككين فى الدين، أو دعاة الإلحاد الذين يدلفون من باب هذه الأمور المقصورة فى التفسير كمدخل إلى التشكيك فى العقيدة أو فى الإيمان.. النظرة العصرية فى تفسير هذه الأمور ضرورية جدًا جدًا للإجابة عن أسئلة تحير كثيرًا من الشباب، ويجد فيها تعارضًا بين العلم وبين الدين.

■ ما العلاقة التى تربط قصة «يأجوج ومأجوج» باليمين المسيحى المتطرف؟ وهل يمكن مد الخيط لـ«الصهيونية»؟

- اليمين المتطرف فى جميع الديانات، سواءً كانت فى اليهودية أو المسيحية أو الإسلام، يقوم على استغلال النصوص الدينية وتأويلها تأويلًا خاطئا من أجل تحقيق مكاسب سياسية. 

رأينا ذلك فى الحركة الصهيونية، حينما قام دعاة تأسيس الوطن القومى لليهود فى فلسطين باستغلال نصوص التوراة، والتحدث عن الوعد الإبراهيمى، الوعد بالأرض المقدسة وأرض الميعاد، من أجل تحقيق أهداف سياسية بحتة، وتم احتلال الأرض مع تأسيس الحركة الصهيونية.

رأينا أيضًا اليمين المسيحى المتطرف، ورأينا جورج بوش واستخدامه المتكرر للتفسيرات الخاصة من «سفر الرؤية» أو من «سفر حزقيال»، من أجل تبرير هجومه على العراق وتدميره بعد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١، والتدخل أيضًا فى الأنظمة العربية وإحداث ما يسمى بـ«الفوضى الكبرى» أو «الفوضى الخلاقة» فى المنطقة العربية.

دائمًا اليمين المتطرف يجد من استخدام الدين واستخدام النصوص الدينية بطبيعة الحال وسيلة جيدة لتحقيق مكاسبه السياسية، ومداعبة العوام بالنصوص الدينية من أجل تحقيق أغراض سياسية.

■ هل هناك «قصدية» فى ترويج تفسير ما عن «يأجوج ومأجوج» لصالح سياسات معينة؟

- بالطبع هناك «قصدية» كبيرة جدًا، وهناك قائمة كبيرة جدًا من السياسيين الذين ذكروا «معركة جوج وماجوج» أو «معركة هرما جدون» فى أحاديثهم، منذ بدء التحالف الصهيو أمريكى قبل عقود قديمة.

الأمر قديم جدًا منذ عصر الرئيس الأمريكى الأسبق، ثيودور روزفلت، والذى قال فى خطاب لدعم حملته الانتخابية فى مدينة شيكاغو: «نحن نقف على أعتاب هرما جدون وسنحارب من أجل الرب». نفس القصة قالها الرئيس الأمريكى، رونالد ريجان، فى لقاء تليفزيونى سنة ١٩٨٠، عندما قال: «إننا قد نكون الجيل الذى سيشهد هرماجدون».

وكما قلت سابقًا أيضًا، إنه بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر، تم استخدام هذه النبوءة مرة أخرى، لكن مع إقحام العالم الإسلامى كحليف مع «يأجوج ومأجوج». كل هذه التفسيرات والتأويلات والإصرار عليها، ليست عبثية وليست محض صدفة، وإنما هى مقصودة من أجل تحقيق مكاسب سياسية، وكذلك تحقيق أهداف صهيونية فى المنطقة.

■ على ماذا استندت فى الكتاب؟

- اعتمدت فى هذا الكتاب، أولًا على التفسير اللغوى للقرآن الكريم. كما اعتمدت أيضًا على ما اتفق عليه الشيخان البخارى ومسلم، من أحاديث صحيحة. أيضًا اعتمدت على آراء المفسرين فى كتاب «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبى، و«تفسير جامع البيان» لـ«الطبرى»، و«صفوة التفاسير» لـ«الصابونى» والكثير من الكتب، فضلًا عن معاجم اللغة العربية مثل «لسان العرب» لـ«ابن منظور»، والمعجم الوسيط «مختار الصحاح»، وغيرهما من الكتب اللغوية.

بينما تمثل المدخل من الناحية العلمية فى الاعتماد على كثير من المقالات المنشورة فى الدوريات والكتب العلمية، عن مخاطر الوجود وكل ما يهدد الحياة على كوكب الأرض.

■ إشارتك إلى أنك اعتمدت المعنى اللغوى لـ«يأجوج ومأجوج»، عبر الاستناد إلى المصطلح اللغوى لمعرفة وتفسير معنى هذه الكلمة.. ألا يعنى هذا أنه تفسير «ظاهرى»؟

- بالعكس، لا يمكن فهم القرآن الكريم دون فهم معانى الكلمات ودلالات الألفاظ. فالقرآن الكريم فى الأساس معجزة بيانية ومعجزة لغوية، ولا يتأتى فهمه إلا بفهم معانى الكلمات والألفاظ الموجودة فيه.

أيضًا لم أقتصر على التفسير اللغوى فقط، ولكن،وكما قلت، سيجد القارئ فى الكتاب أن هناك تطبيقًا لهذا المعنى اللغوى، واتفاقًا تامًا مع هذا المعنى اللغوى، وما ورد فى آيات القرآن والأحاديث المتفق عليها التى تتحدث عن «يأجوج ومأجوج»، سيجد القارئ أنه لا يوجد تعارض بين هذا التفسير الذى قدمناه، وما ورد فى الأحاديث الصحيحة والقرآن الكريم.

■ إلى ماذا خلُصت فى بحثك؟

- فى الحقيقة نحن نرى من خلال التأويل الذى وضعناه أن المحنة الكبرى التى سيشهدها العالم وأخبرتنا عنها الديانات، هى محنة تستدعى التفكير فى طرق الاستعداد لها، وأيضًا انتهاج سبل علم لمحاولة الحد من خسائرها، وليس الهدف منها هو التقاتل أو التناحر، كما يدعى المفسرون لنبوءة «يأجوج ومأجوج» فى التوراة، أو كما يزعم المتمسكون بالتفسير النمطى لها المستمد من الرواية التوراتية.

■ لماذا رفضت رواية «الطبرى» بأن «ذى القرنين» هو الإسكندر الأكبر؟

- لا يمكن طبعًا تصور أن «الإسكندر الأكبر» هو «ذو القرنين»، وهذا الرأى لم يذكره «الطبرى» فحسب، بل ذُكر فى كثير من كتب التفسير، وكان المروج له هو «وهب بن منبه»، وأورد فى سبيل ذلك عددًا من الأحاديث الضعيفة التى ضعفها علماء الحديث عن «الإسكندر الأكبر».

والإسكندر الأكبر كلنا نعلم أنه كان إغريقيًا وثنيًا مؤمنًا بأرباب «الأولمب»، ولا يمكن أن يكون هو العبد الصالح «ذو القرنين». نضيف إلى ذلك أنه لا يوجد تشابه بين فتوحات الإسكندر الأكبر وبين رحلات «ذو القرنين» التى وردت فى القرآن، سواءً الرحلة إلى مغارب الشمس، أو الرحلة إلى مطالع الشمس، وهى الرحلات التى تختلف تمامًا عن فتوحات الإسكندر الأكبر.

تجدر الإشارة هنا إلى أن كثيرًا من المفسرين فى ذلك الوقت أوردوا معلومات تاريخية خاطئة عن تاريخ الإسكندر الأكبر وعن حياته، منها على سبيل المثال تسميته، مكان ميلاده، والحروب التى قام بها، واسم أبيه، وغيرها من الأخطاء التاريخية، وذلك للقصور المعرفى فى ذلك الوقت من ناحية التاريخ والتأريخ، فلم يكن لديهم إطلاع كافٍ من مصادر تاريخية عن هذه الشخصيات التاريخية.

■ أشرت إلى رحلة «ذى القرنين» وأنها تكاد تنطبق على شخصية تاريخية يونانية.. ما القصة؟

- نعم، حينما بدأنا فى البحث عن شخصية «ذى القرنين» تساءلنا: هل هناك رحلة فى التاريخ تتشابه وقائعها مع رحلة «ذى القرنين»، وبالفعل وجدنا أن هناك رحلة فى التاريخ تكاد تتطابق حرفيًا مع رحلته، من حيث قيام الرحالة بالاتجاه ناحية أقصى الغرب من جهة الأرض المعمورة، وحدوث وقائع هناك، منها رؤية الشمس وهى تغرب فى عين بركانية كبيرة. 

وأيضًا هذا الرجل اتجه نحو الشمال أو ما يعرف باسم «مطلع الشمس»، كما فسرنا هذا المعنى فى الكتاب، وهنا استطاع هذا الرجل أن يقابل أشخاصًا وأقوامًا بدائيين، ووصف وصفًا دقيقًا ظواهر كونية تتشابه مع ما ورد فى قصة «ذو القرنين» فى القرآن.

وسأترجم كتابًا كتبه السير بارى كارلف، أستاذ التاريخ فى جامعة «أكسفورد»، عن هذا الرجل، أسماه «الرحلة الفريدة»، وسنرى أن هناك تشابهًا كبيرًا بين هذه الرحلة وبين رحلة «ذى القرنين».

■ ما سر الهجوم عليك بعد حديثك عن «يأجوج ومأجوج»، خاصة من رجال الدين؟

- فى الحقيقة لم يحدث اعتراض من رجال الدين على الطرح نفسه، على العكس، الكتاب موجود فى مكتبة المسجد النبوى فى المدينة المنورة، وأيضًا والدى كان أستاذًا فى كلية الشريعة جامعة الأزهر، وهو حقق لى هذه الفكرة، كما حقق لى الطبعة الأولى من الكتاب، ولم يكن هناك اعتراض من الناحية الدينية على الكتاب. 

ربما كان الاعتراض من بعض المتشددين الرافضين لأى محاولة للتجديد، أو تغيير الصورة النمطية السائدة، حتى إن كانت هذه الصورة غير صحيحة وغير دقيقة، ومخالفة لما هو معلوم من نصوص القرآن، أقصد مخالفة للحس والعقل والمنطق. هم يرفضون أى محاولة للتجديد.

■ هل يمكن اعتبار ما تقدمه من رؤية فى الكتاب نواة لدعوة د. على جمعة لتأسيس «علم حفريات القرآن»؟ 

- فى الحقيقة لم أطلع على دعوة الشيخ على جمعة بخصوص حفريات القرآن الكريم، لكن فقط للعلم هناك علم يسمى باسم «حفريات الكتاب المقدس»، تقف وراءه مؤسسات يهودية كبيرة تحاول أن تثبت ما جاء فى الكتاب المقدس من خلال علم الحفريات، وهم لم يستطيعوا الوصول إلى شىء حتى الآن. 

والأولى بالطبع أن نوثق ما ورد فى القرآن الكريم بعلوم بحثية جادة وتاريخية، توثق ما ورد فيه وتطابق أو تقارب بين ما ورد وبين الحقائق التاريخية المعلومة. أعتقد أن إعادة فهم بعض النصوص، خاصة النصوص التى تتعلق بالأمور التاريخية، من وجهة نظر بحثية معاصرة، ضرورى لفهم هذه النصوص وإخراجها من إطار «الأسطورة» الذى ظل ملاصقًا لها على مدار قرون طويلة جدًا، بسبب اعتماد تفسيرات وضعت فى أوقات كان فيها العلم والمعرفة محدودين.