هل نعيش حقًا أم نستهلك أيامنا على «السوشيال ميديا»؟

- إنذار من محمد سعد وجاستن تيمبرليك وحسن البصرى: وقتك ينفد!
- لا شىء يغير الإنسان مثل إحساسه بأن وقته محدود
بعد يوم طويل فى دراسة «الألمانية»، وقليل من العمل، وفقرة قصيرة فى «الجيم»، كنت فى أمسّ الحاجة إلى شىء يُطفئ صوت رأسى، فقادنى الملل، أو ربما القدر، إلى فتح «نتفليكس»، وبما أننى ابنة هذا الزمان، فتحت الأكثر تداولًا فى مصر، لأجد فى الصدارة فيلمًا عربيًا بعنوان «الدشاش».
بصراحة، لم أكن لأضغط على الفيلم لولا أنه من بطولة محمد سعد، ليس إعجابًا مطلقًا به، بل لأننى من الفريق الذى قرر مقاطعة أعماله بعد أن أعاد إنتاج نفسه بشخصية «اللمبى» عشرات المرات، لدرجة أننى بدأت أشك أن هذا الرجل لا يعرف أن يكون إنسانًا طبيعيًا على الشاشة.
لكن «الدشاش» كان مختلفًا.. محمد سعد يتحدث كالبشر، يتحرك كالبشر، ويتصرف كأنما تخلّى أخيرًا عن ميراث الصراخ والتهريج.

ثم كانت المفاجأة الثانية: موضوع الفيلم.
رجل أعمال يكتشف أنه مصاب بورم فى المخ، لم يتبقّ له سوى ٣ أو ٤ أشهر للعيش. يُصدم فيتخلى عن كل شىء: المال والسلطة والعائلة، ويعتكف داخل المسجد فى لحظة زهد صافية. ثم يكتشف لاحقًا أن كل هذا كذبة مُدبّرة.
فى الليلة السابقة، وبمحض المصادفة، كنت قد شاهدت فيلمًا أمريكيًا بعنوان «In Time»، بطولة جاستن تيمبرليك وأماندا سيفريد، تدور فكرته حول مجتمع لا يتعامل بالمال، بل بالوقت. كل إنسان لديه عدد معين من السنوات تظهر على ذراعه، وعليه أن يعيش ويأكل ويتنقل مقابل الدقائق والثوانى. حين ينفد الوقت، تنفد الحياة.
وفجأة، وجدت أن هناك خيطًا رفيعًا لكنه شديد اللمعان يربط بين الفيلمين.
الخيط اسمه: الوقت.
سواء خدعتك الحياة كما فعلت بـ«الدشاش»، أو كنت محكومًا بعدّاد تنازلى كما فى «In Time»، لا شىء يغير الإنسان مثل إحساسه بأن وقته محدود.
نحن نعرف من الناحية النظرية أننا سنموت. نُردد الآيات والأمثال ونكتب الاقتباسات، لكننا نعيش كأن الموت شائعة غير مؤكدة.
أما حين يتحول «الإحساس» إلى «يقين»، نُعيد النظر فى كل شىء.
فى «In Time»، الناس يهرولون، الساعة الرقمية التى تظهر على الذراع تذكّر أصحابها فى كل لحظة أنهم فانون، وأن كل رشفة قهوة وكل مواصلة وكل مكالمة تُكلّفهم من أعمارهم.

تخيلوا لو كنا نملك مثل هذا العدّاد!
شخصيًا؟ أعتقد أننى كنت سأُصاب بالهلع، وربما كنت سأخترع «وضع طيران زمنى» كى أوقف النزيف. لكننا لا نملك عدادًا.. وهذا ما يجعلنا نضيع أيامنا بأريحية عجيبة، نركض خلف لا شىء، نتصبب مللًا فى وظائف نكرهها، نتحمل علاقات لا تفهمنا، ونعيش أغلب عمرنا بين «الانتظار» و«اللا شىء».
فيلم «الدشاش» مصرى، وفيلم «In Time» أمريكى. ثقافتان متباعدتان، عالمان لا يعرف أحدهما الآخر، ومع ذلك، كلاهما يتناول نفس القضية، كأن الرسالة كونية: الوقت هو الكنز الوحيد الذى نملكه، وها نحن نهدره يوميًا، سهوًا أو عمدًا، ثم نتساءل أين ذهب العمر؟
لنكن صرحاء..
كم مشروعًا حلمنا به وما زلنا ننتظر «الوقت المناسب»؟
كم لغة أردنا تعلّمها ولم نبدأ؟
كم رواية خططنا لكتابتها؟
كم مرة قلنا: «بس لما أفضى»، و«لم نفضى»؟
هل نحن نعيش حقًا؟ أم نستهلك أيامنا على «السوشيال ميديا»، «سكرول وسكرول»، ثم نغلق الهاتف بعيون مرهقة وضمير مستتر؟
ماذا لو توقّفنا لحظة؟
قال الحسن البصرى: «ما من يومٍ ينشقّ فجره إلا نادى: يا ابن آدم أنا خلقٌ جديد، وعلى عملك شهيد، فاغتنمنى، فإنى لا أعود إلى يوم القيامة».
الوقت لا يعود، ولا يُشترى، ولا يُهدى.
فهل نواصل الركض فى سباق لا نعرف نهايته؟
هل سنكمل حياتنا نشتكى ضيقها بينما نضيعها؟
هل نؤجل كل ما نحب حتى ننسى أننا أحببناه؟
هل سيتطلب الأمر فيلمًا ثالثًا، أو صدمة أكبر، لنفهم أن الوقت لم يعد فى صالحنا؟
أخبرونى أنتم...
لو ظهر «عدّاد رقمى» الآن على أذرعنا، كم ساعة تبقّت لنا؟