الخميس 09 مايو 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

ليس إلا أسطورة لا دليل عليها.. حقيقة مصحف فاطمة

مصحف فاطمة
مصحف فاطمة

فى مدينة «قم» الإيرانية، حيث الحوزة العلمية العالمية للمسلمين الشيعة دخل أحد علماء السنة إلى إحدى المكتبات، توجه إلى الركن الذى تباع فيه المصاحف، وأخذ يفتحها ويقلبها بين يديه، سأله صاحب المكتبة عما يريده، وما الذى يبحث عنه فى هذه المصاحف، فرد عالم السنة بأنه يريد أن يتأكد من وجود مصحف باسم السيدة فاطمة الزهراء يطلق عليه الشيعة مصحف فاطمة، وهل يوجد لدى الشيعة قرآن آخر غير القرآن الذى يعرفه المسلمون؟

لم يجد عالم السنة مصحفًا مكتوبًا عليه اسم فاطمة، كانت كل المصاحف هى نفسها التى يتم تداولها بين المسلمين فى كل مكان.

حادثة أخرى كان بطلها هذه المرة أحد علماء الشيعة، قام بزيارة مفتى أحد البلدان الإسلامية، سأله المفتى عن اعتقاد الشيعة بمصحف فاطمة، فأخرج له العالم الشيعى من جيبه مصحفًا كان يحتفظ به وهو بخط عثمان طه، وقال للمفتى: لقد ربانى أبواى على قراءة هذا المصحف فقط ولا شىء غيره.

لكن مع ذلك كله يظل فى الصدر شىء. 

فى كتابه «النداء الأخير» قال الخمينى: «نحن نفخر بأن مصحف فاطمة ذلك الكتاب الملهم من قبل الله تعالى للزهراء المرضية». 

كلام الخمينى خطير جدًا، فهو يعترف صراحة بأن لدى الشيعة مصحف فاطمة، ليس هذا فقط، بل إنه يعتبر هذا المصحف كتابًا ألهمه الله إياها، ولا ندرى مقصده، فهل يعنى أن السيدة فاطمة الزهراء كانت تتلقى الوحى من الله عن طريق جبريل عليه السلام، وإذا كان هذا حدث فهل تلقت هذا الوحى فى عصر الرسول أم بعد وفاته؟ أم أنه قصد بالإلهام أن الله قذف المعنى فى قلبها فكتبت كتابًا أطلقوا عليه مصحف فاطمة؟

هذه التساؤلات الكثيرة كانت مثار اهتمام دراسة علمية مهمة قام بها الباحث أكرم بركات وأصدرها فى كتاب «حقيقة مصحف فاطمة عند الشيعة». 

من يكفر الشيعة على كتاب له هذه المواصفات الأسطورية الغارقة فى الخرافة ليس عاقلًا أيضًا

يقول الكاتب فى مقدمته: مصحف فاطمة ثبت وجوده بالطرق والأسانيد الصحيحة، وعليه فالاعتقاد به سليم وصحيح، لذا فما أثير حوله من شبهات لا ينال مقامه العالى، واعتباره من قبل البعض نقطة سلبية وتهمة لا يضعف شخصية المعتقد وثباته، بل هو محل افتخار له طالما أنه يسجل كرامة لسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء رضى الله عنها.

هناك على مدى تاريخنا نصابون كثيرون تملأ أسماؤهم كتب التراث نسبوا للكبار ما لم يقولوه ثم وقعنا نحن فى الفخ

الأحاديث النبوية التى وردت فى الكتب الصحيحة وردت بها روايات عديدة بها إشارات لوجود «مصحف فاطمة». 

منها مثلًا ما رواه محمد بن مسلم عن الإمام جعفر الصادق قال: وخلفت فاطمة مصحفى فاطمة. 

وما رواه على بن سعيد عنه عليه السلام: وعندنا والله مصحف فاطمة ما فيه آية من كتاب الله. 

قد تكون هذه الأحاديث تحديدًا هى التى تقف وراء اعتقاد الناس بأن هناك مصحفًا للسيدة فاطمة، على اعتبار أن لفظ مصحف خاص بالقرآن الكريم، وعليه فمصحف فاطمة يعنى قرآن فاطمة، وبما أن روايات هذا الكتاب تصفه بأنه: فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، فإن هذا يعنى أن الشيعة يعتقدون بكون القرآن الموجود قد نقص منه الكثير من الآيات.

لكن الباحث أكرم بركات يرفض من البداية أن يكون لفظ مصحف يطلق على القرآن الكريم فقط، فمعنى المصحف فى لغة العرب هو الكتاب المجلد، وبهذا المعنى كان يطلق على كل كتاب يحمل هذه الصفة، ولذا كان يسمى الإنجيل بالمصحف، وبعد مجىء الإسلام اشتهر لفظ المصحف فى معنى القرآن الكريم، وقد يكون ذلك لأن القرآن أكثر الكتب وجودًا بين المسلمين، لكن هذه الشهرة الحاصلة لم تلغ استعمال لفظ المصحف فى غير القرآن من الكتب، بل ظل يستعمل بمعنى الكتاب المجلد على لسان الصحابة والتابعين وعلى لسان علماء المسلمين المتقدمين منهم والمتأخرين، وبهذا المعنى تحديدًا أطلق لفظ المصحف على كتاب نسب إلى السيدة فاطمة الزهراء وهو ليس بقرآن.

المفاجأة أن علماء الشيعة أنفسهم لم يبحثوا الأمر كما ينبغى، بل اقتصروا على رد الشبهات التى أثيرت من حوله، خاصة الشبهة التى تحوم حوله بأنه مصحف فيه بعض الآيات القرآنية التى رفعت من القرآن الكريم، وحاولوا الإجابة عن أسئلة عديدة من نوعية: ما هو محتواه؟.. ومن أملاه؟.. ومن كاتبه؟

هناك من يذهب إلى أن مصحف فاطمة يتضمن أمثالًا وحكمًا ومواعظ وعبرًا وأخبارًا ونوادر

الإجابات عن الأسئلة نقرأ فى ثنايا سطورها أن هناك كتابًا منسوبًا إلى السيدة فاطمة الزهراء، ويطلق عليه «مصحف»، لكنه لا يتضمن آيات قرآنية منزلة من السماء، فهناك من يذهب إلى أن مصحف فاطمة يتضمن أمثالًا وحكمًا ومواعظ وعبرًا وأخبارًا ونوادر، وقد ألفه أمير المؤمنين على بن أبى طالب وقدمه للسيدة الزهراء ليعزيها به عن سيد الأنبياء أبيها صلى الله عليه وسلم.

وهناك من يقول إنه كتاب يتضمن معارف فى التشريع والأخلاق والآداب وما سيحدث فى مستقبل الزمان من الأحداث والتقلبات، وقد جمعت الزهراء هذا الكتاب مما سمعته من أبيها وزوجها، لكن هناك من يذهب به الشطط ويقول إن مصحف فاطمة هو كتاب ملهم من قبل الله تعالى لها، والثانى أملاه عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا الخلط الكبير ربما يعود إلى أن هناك روايات عديدة عن كتب نسبت للسيدة فاطمة، منها مثلًا كتاب فى الأخلاق. 

فقد ذكر ابن جرير الطبرى عن ابن مسعود أنه قال: جاء رجل إلى فاطمة فقال يا ابنة رسول الله، هل ترك رسول الله عندك شيئًا تطرفينيه؟ فقالت يا جارية هات تلك الحريرة، فطلبتها فلم تجدها، فقالت ويحك اطلبيها، فإنها تعدل عندى حسنًا وحسينًا فطلبتها، فإذا هى قد قممتها فى قمامتها فإذا فيها، قال محمد النبى: ليس من المؤمنين من لم يأمن جاره بوائقه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليسكت، إن الله يحب الخير الحليم المتعفف، ويبغض الفاحش الضنين كثير السؤال الملحف، إن الحياء من الإيمان، والإيمان فى الجنة وإن الفحش من البذاء والبذاء فى النار.

هناك من يذهب به الشطط ويقول إن مصحف فاطمة هو كتاب ملهم من قبل الله

ليس لدى السيدة فاطمة الزهراء كتاب إذن كما يتصور البعض، فهو لفافة مكتوب فيها بعض من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم، فكما لها كتاب فى الأخلاق، لها كذلك كتاب فى التشريع به بعض الأحكام التى وردت فى القرآن الكريم، لكن أهم ما نسب للسيدة فاطمة هو «اللوح».

أنقل لكم أولًا نص اللوح: هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمد نبيه ونوره وسفيره وحجابه ودليله نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين، عظم يا محمد أسمائى واشكر نعمائى ولا تجحد آلائى، إنى أنا الله لا إله إلا أنا، قاصم الجبارين ومديل المظلومين وديان الدين، إنى أنا الله لا إله إلا أنا، فمن رجا غير فضلى أو خاف من عدلى عذبته عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين، فإياى فاعبد وعلى فتوكل إنى لم أبعث نبيًا فأكملت أيامه وانقضت مدته إلا جعلت وصيًا وإنى فضلتك على الأنبياء، وفضلت وصيك على الأوصياء، وأكرمتك بشبليك وسبطيك حسن وحسين، فجعلت حسنًا معدن علمى بعد انقضاء مدة أبيه، وجعلت حسينًا خازن وحيى، وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة، جعلت كلمتى التامة منه، وحجتى البالغة عنده، وزين أوليائى الماضين، وابنه شبه جده المحمود الباقر علمى والمعدن لحكمتى، سيهلك المرتابون فى جعفر، ولأسرته فى أشياعه وأنصاره وأوليائه، أتيحت بعد موسى فتنة عمياء حندس، لأن خيط فرضى لا ينقطع، وحجتى لا تخفى، وأن أوليائى يسقون بالكأس الوفى، من جحد واحدًا منهم جحد نعمتى، ومن غير آية من كتابى فقد افترى على، ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة موسى عبدى وحبيبى وخيرى فى على وليى وناصرى ومن أضع عليه أعباء النبوة وأمتحنه بالاضطلاع بها يقتله عفريت مستكبر يدفن فى المدينة التى بناها العبد الصالح، إلى جنب شر خلقة، لا يؤمن عبد به إلا جعلت الجنة مثواه وشفعته فى سبعين من أهل بيته كلهم استوجبوا النار، وأختم بالسعادة لابن على وليى وناصرى والشاهد فى خلقى وأمينى على وحيى، أخرج منه الداعى إلى سبيلى والخازن لعلم الحسن، وأكمل ذلك بابنه «م ح م د» رحمة للعالمين، عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيوب فيذل أوليائى فى زمانه وتتهادى رءوسهم كما تتهادى رءوس الترك والديلم فيقتلون ويحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين تصبغ الأرض بدمائهم ويفشو الويل والرنة فى نسائهم أولئك أوليائى حقًا، أدفع كل فتنة عمياء حندس وبهم أكشف الزلازل وأدفع الآصار والغلال أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون.

وعن هذا اللوح نقرأ ما جرى.

فقد سأل الإمام الباقر جابر بن عبدالله الأنصارى، قال له: إن لى إليك حاجة فمتى يخف عليك أن أخلو بك فأسالك عنها، فقال له جابر: أى الأوقات أحببته، فخلا به فى بعض الأيام. 

فقال له: يا جابر أخبرنى عن اللوح الذى رأيته فى يد أمى فاطمة بنت رسول الله، وما أخبرتك به أمى أنه فى ذلك اللوح مكتوب. 

فقال جابر: أشهد أنى دخلت على أمك فاطمة فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهنأتها بولادة الحسين، ورأيت فى يدها لوحًا أخضر ظننت أنه من زمرد ورأيت فيه كتابًا أبيض شبه لون الشمس، فقلت لها: بأبى أنت وأمى يا بنت رسول الله ما هذا اللوح؟ فقالت: هذا لوح أهداه الله إلى رسوله، فيه اسم أبى واسم بعلى واسم ابنى واسم الأوصياء من ولدى وأعطانيه أبى ليبشرنى بذلك.

يقول جابر: فأعطتنيه أمك فاطمة فقرأته واستنسخته. 

فقال له الإمام الباقر: فهل لك يا جابر أن تعرضه على. 

قال: نعم. 

فمشى معه الباقر إلى منزله، فاخرج صحيفة من رق، فقال: يا جابر انظر فى كتبك لأقرأ أنا عليك، فنظر جابر فى نسخته فقرأه الإمام الباقر فما خالف حرف حرفًا فقال جابر: أشهد بالله أنى هكذا رأيته فى اللوح مكتوبًا.

هذا الكتاب مهم جدًا للشيعة فهو ينص صراحة على أسماء أئمتهم، ولا مانع لديهم إذن من تقديسه والمبالغة فى الاحتفاء به وإضفاء بعض من الأسطورة على ما جاء فيه، فليس ما جاء به من عند السيدة فاطمة ولا من عند زوجها الإمام على ولا من عند الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه نزل من السماء رأسًا وأهداه الرسول لابنته، وفى ذلك ما فيه من الإشارات لارتباط أئمة الشيعة بالسماء رأسًا، ولذلك فهذا اللوح مهم جدًا للدرجة التى تجعل الشيعة يعلقون فى بيوتهم ومحلاتهم لوح فاطمة، وكأن اللوح قرآنهم الذى به يدينون. 

هذا عن اللوح... فماذا عن المصحف؟ 

فى دراسة أكرم بركات عن حقيقة مصحف فاطمة عند الشيعة، أورد بعض الروايات التى تشير ولو من بعيد إلى أن ما نسب للسيدة فاطمة كان وحيًا من السماء. 

وهذه الأحاديث هى:

عن أبى بصير عن أبى عبدالله أنه قال: وإن عندنا مصحف فاطمة، وما يدريهم ما مصحف فاطمة، إنما هو شىء أملاها الله وأوحى إليها.

وعبارة أوحى إليها هنا يمكن أن تحتمل معنى الوحى المباشر، ويمكن كذلك أن تحتمل معنى الإلهام، كما جاء فى الآية «وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه»، فالله لم يبعث جبريل إلى أم موسى ليقول لها أن ترضعه، لكنه ألهمها أن تفعل ذلك.

الرواية الثانية عن حماد بن عثمان أنه قال: سمعت أبا عبدالله يقول: تظهر الزنادقة فى سنة ثمان وعشرين، وذلك أنى نظرت فى مصحف فاطمة، قال: قلت له: وما مصحف فاطمة؟ قال: إن الله تعالى لما قبض نبيه دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، فأرسل الله إليها ملكًا يسلى غمها ويحدثها فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين، فقال: إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولى لى فأعلمته بذلك، فجعل أمير المؤمنين يكتب كلما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفًا.

وهى رواية خطيرة لو صحت بالطبع فليس معناها أن السيدة فاطمة هى وحدها التى كانت تتلقى الوحى عن جبريل عليه السلام، ولكن الإمام على رضى الله عنه هو أيضًا كان يتلقى الوحى ويسمع عنه مباشرة، وهو ما يلقى بالظلال على القضية كلها ويجعل منها مجرد اختراع محض لأنصار الإمام على، حيث يريدون أن يضيفوا إليه ما لم يكن لغيره من الصحابة الكبار رضوان الله عليهم.

الرواية الثالثة عن أبى عبيدة عن الصادق أن فاطمة مكثت بعد رسول الله خمسة وسبعين يومًا، وكان داخلها حزن شديد، وكان جبريل يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها فى ذريتها وكان على يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة.

هذه الرواية تؤكد أن هناك مصحفًا للسيدة فاطمة، لكنه ليس آيات قرآنية صريحة يمكن أن يتم التعبد بها، لكنها كانت أخبارًا خص جبريل عليه السلام بها السيدة فاطمة بعد أن مات الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ما يمكن أن يجعل منها كتاب تنبؤات بما يمكن أن يجرى حتى آخر الزمان، ولأن السيدة فاطمة لم تكن تجيد الكتابة فقد كانت أمية، فقد كان على رضى الله عنه هو الذى يتولى الكتابة نيابة عنها.

هذا التصور تحديدًا هو الذى يمكن أن يجعلنى أتشكك فى نسبة الكتاب المسمى بمصحف فاطمة إلى بنت الرسول، فهناك على مدى تاريخنا نصابون كثيرون تملأ أسماؤهم كتب التراث، نسبوا للكبار ما لم يقولوه، ثم وقعنا نحن فى الفخ، وبدأنا نقدس هذه الكتابات، لدرجة أننا نساوى بين هذه الكتب والقرآن الكريم شخصيًا.

لكن ما الذى جاء فى مصحف فاطمة بالضبط حتى يتسرب أنه قرآن من السماء؟ 

أجمعت روايات كثيرة على أنه لا شىء فى مصحف فاطمة من القرآن. 

عن ابن أبى حمزة عن عبد صالح قال: عندى مصحف فاطمة ليس فيه شىء من القرآن. 

أبوحمزة عن أبى عبدالله قال مصحف فاطمة ما فيه شىء من كتاب الله. 

على بن سعيد عن أبى عبدالله قال: وعندنا مصحف فاطمة ما فيه آية من كتاب الله. 

وعلى بن الحسين عن أبى عبدالله قال: وعندنا مصحف فاطمة أما والله ما فيه حرف من القرآن. 

مصحف فاطمة إذن شىء آخر، وعلى الأرجح فإن فيه حديثًا طويلًا عن مقام الرسول وعن مستقبل ذريتها وما سيحدث لهم بعدها، وكذلك فيه شيء كثير من الحوادث التى ستجرى، وليس فيه شىء من الحلال أو الحرام، فهو ليس كتاب تشريع، وبه أسماء الأنبياء والأوصياء، فقد قال الإمام على فى إحدى رواياته: ما من نبى ولا وصى إلا وهو فى كتاب عندى- ويعنى بذلك مصحف فاطمة-، وبه أيضًا أسماء الملوك وآباؤهم، حيث تنص إحدى الروايات التى تناولته أن فيه ما يكون من حادث وأسماء من يملكون إلى أن تقوم الساعة.

وقد يكون أهم ما يضمه كتاب فاطمة هو وصيتها الشرعية وجاء فيها: بسم الله الرحمن الرحيم.. هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمد أوصت بحوائطها السبعة العواف والدلال والبرقة والمثيب والحسنى والصافية ومال أم إبراهيم، إلى على بن أبى طالب، فإن مضى على فإلى الحسن، فإن مضى الحسن فإلى الحسين، فإن مضى الحسين فإلى الأكبر من ولدى، شهد الله على ذلك والمقداد بن الأسود والزبير بن العوام وكتب على بن أبى طالب.

وقد روى أن هذه البساتين السبعة كان رسول الله يأخذ منها ما ينفقه على أضيافه فلما قبض جاء العباس يخاصم فاطمة فيها فشهد على وغيره أنها وقف عليها.

الوصية السياسية مهمة جدًا فقد جاء فيها موجهة كلامها للإمام على: ثم إنى أوصيك فى نفسى وهى أحب الأنفس إلى بعد رسول الله، إذا أنا مت فغسلنى بيدك وحنطنى وكفنى وادفنى ليلًا، ولا يشهدنى فلان وفلان، ولا زيادة عندك فى وصيتى إليك وأستودعك الله تعالى حتى ألقاك، جمع الله بينى وبينك فى داره قرب جواره.

من وقائع التاريخ يمكن لنا أن نستنتج من طلبات السيدة فاطمة ألا يحضروا دفنها، فقد أغضبها أبوبكر الصديق- رضى الله عنه- عندما لم يمكنها من ميراثها من الرسول، لأنه سمع من الرسول قوله إن الأنبياء لا يورثون، وعمر بن الخطاب رضى الله عنه، لأنه كان صخرة صلبة تحطمت عليها أحلام زوجها فى الوصول إلى خلافة الرسول، هذه بالطبع محاولة للفهم، خاصة أن أحدًا من الذين تصدوا لمصحف فاطمة لم يحاولوا أن يذكروا الأسماء واكتفوا بالقول فلان وفلان، وقد يكون مستبعدًا أن تطلب السيدة فاطمة ذلك، أن تحرم من قامت الدولة الإسلامية على أكتافهم وكانوا يقفون إلى جوار أبيها حتى اللحظة الأخيرة من حضور جنازتها ودفنها، لكن ماذا نفعل ونحن محاطون من كل جانب بغابة من الأساطير والأكاذيب التى تسيطر على كتب التراث. 

فى رواية للطبرى تفاصيل أكثر ربما بعض الشىء عما ورد فى مصحف فاطمة. 

ففى سنده المتصل إلى أبى بصير قال: سألت أبا جعفر محمد بن على عن مصحف فاطمة فقال: انزل إليها بعد موت أبيها، قلت: أفيه شىء من القرآن؟ قال: ما فيه شىء من القرآن، قلت: فصفه لى، قال: له دفتان من زبرجدين على طول الورق وعرض حمراوين، قلت: جعلت فداك، فصف لى ورقه، قال: ورقه من در أبيض، قيل له كن فكان، قلت: جعلت فداك فما فيه؟ قال: فيه خبر ما كان وخبر ما يكون إلى يوم القيامة، وفيه خبر السماء، وعدد ما فى السموات من الملائكة وغير ذلك، وعدد كل من خلق الله مرسلًا وغير مرسل، وأسماؤهم وأسماء من أرسل إليهم، والكافرون من الأولين والآخرين وأسماء البلدان وصفة كل بلد فى شرق الأرض وغربها، وعدد ما فيه من المؤمنين، وعدد ما فيه من الكافرين، وصفة من كذب، وصفة القرون الأولى وقصصهم، ومن ولى من الطواغيت، ومدة ملكهم وعددهم، وأسماء الأئمة وصفتهم، وما يملك كل واحد واحد، وصفة كبرائهم وجميع من تردد فى الأدوار، قلت: جعلت فداك وكم الأدوار؟ قال: خمسون ألف عام وهى سبعة أدوار فيه أسماء جميع ما خلق الله وآجالهم، وصفة أهل الجنة، وعدد من يدخلها وعدد من يدخل النار، وأسماء هؤلاء وهؤلاء، وفيه علم القرآن كما أنزل، وعلم التوراة كما أنزلت، وعلم الإنجيل كما أنزل، وعلم الزبور كما أنزل، وعدد كل شجرة ومدرة فى جميع البلاد.

أعتقد أن هذا الوصف الدقيق لمصحف فاطمة يدعونى على الفور للتوقف عن الكتابة، إن من يصدق أن هناك كتابًا بهذه المواصفات فحتمًا ليس عاقلًا، ومن يكفر الشيعة مثلًا على كتاب له هذه المواصفات الأسطورية الغارقة فى الخرافة ليس عاقلًا أيضًا، لكن من قال إن الذين يتصارعون حول جثة الأديان عقلاء، إن هناك صراعات كثيرة بين السنة والشيعة على توافه الأمور.. لكن للأسف الشديد تقوم الدنيا ولا تقعد على الأشياء التافهة فقط.