الإثنين 20 مايو 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

على هامش ضجيج بلا طحن ورماد بلا نار

المزاح السمج.. طه حسين يهزم يوسف ز يدان وفراس السواح من قبره

افتتاحية العدد الثامن
افتتاحية العدد الثامن عشر

بعد ساعات قليلة من الضجة التى أثارها الحوار الثنائى بين الدكتور يوسف زيدان وفراس السواح حول طه حسين على منصة تدشين مؤسسة «تكوين» من المتحف المصرى الكبير، تواصلت مع الدكتور زيدان. 

تصادف أنه كان يجلس إلى جوار فراس فى جلسة ودية بعد أن أشعلا النار فى الساحات الثقافية. 

سألت يوسف عما جرى، فقال بحسم: كان مزاحًا.. لم يكن أكثر من مزاح. 

طه حسين

وبدأ يشرح لى ما جرى، قال: كنا نتحدث عن السياق الذى عمل فيه طه حسين، وعن الأدوات والوسائل التى كانت تساعده فى نشر أفكاره وكتاباته، وقلت إن توزيع كتبه لم يكن على نطاق واسع، بينما عندما كنت أبحث عن كتاب لفراس السواح- الذى كان يجلس بجوارى على المنصة - وجدت أنه نفد، وسألت فراس: هل أنت أهم أم طه حسين؟ وكنت بالطبع أمزح معه، فبادلنى هو الآخر بمزاح قال: أنا وأنت أهم من طه حسين. 

زادنى يوسف زيدان: لم يكن قصدى حتمًا مقارنة مع طه حسين، كما فهم الناس، ولكن كنت أتحدث عن سياق محدد، وأعتقد أن فراس التقط ما قصدت، فرد علىّ بعفويته. 

يمكننى أن أقدر ما قاله لى يوسف زيدان وينتهى الأمر عند هذا الحد. 

لكن يظل السؤال معلقًا فى رقبتى زيدان والسواح، وهو: 

كيف تحول المزاح إلى جد؟ 

كيف أصبح الهزل محلًا لجدل عنيف؟ 

كيف تحولت الدعابة إلى غضب وعنف ورفض؟ 

ظاهر الأمور يقول إن الدكتور يوسف زيدان كان هو السبب المباشر فيما حدث، عندما نشر على صفحته الفيديو الذى لا يستغرق أكثر من دقيقة وثلاثين ثانية لما دار بينه وبين فراس. 

يوسف زيدان وفراس السواح 

التقطت بعض المواقع وصفحات السوشيال ميديا الفيديو من على صفحة يوسف، وترجمت ما دار بينه وبين فراس إلى عناوين زاعقة كانت سببًا فى استهداف من يقولون على نفسيهما إنهما أهم من طه حسين. 

هنا الدكتور يوسف زيدان هو من نزع ما قاله من سياقه العام، أخذ من حواره الطويل عبارات وجعل منها السياق، ولذلك فاللوم يقع عليه وحده، فلو أن أحدهم هو من أخذ هذه الفقرة وحدها وأذاعها لاتهمته بأنه يريد تشويه الحوار مع سبق الإصرار والترصد وبسوء نية. 

عن نفسى أُصدق الدكتور يوسف فيما قاله، وأتفهم أيضًا ما جرى منه. 

فالدكتور زيدان بعيدًا عن علمه وإنتاجه الفكرى والروائى رجل ظريف خفيف الظل لا تمل من الحديث إليه، يمتلك حس الدعابة، كما المصريون أولاد البلد، لكن يبدو أن اهتمامه بتصدر الصورة جعله يقتطع هذا الجزء من الحوار تحديدًا، لأنه يعرف بخبرته فى عالم السوشيال ميديا أنه سيكون حديث الجميع، ولأنه لا يخاف من النقد أو الهجوم فقد أقدم على النشر الذى كان يعرف جيدًا أنه سيجعله هدفًا مباحًا ومستباحًا للجميع دون أن تهتز منه شعرة. 

فكم من الأزمات التى أحاطت به وخرج منها سالمًا. 

وكم من حملات هجوم استهدفته، ولم يزده الأمر إلا بريقًا ولمعانًا وقراءً وزيادة فى المبيعات والانتشار. 

هذا هو اختياره الذى يصر عليه والذى أعتقد أنه يراه الأصلح له، ولا يمكننى أن ألومه عليه، لكن أيضًا لا يجب هو أن يلوم الآخرين الذين يفهمون كلامه ويفسرونه بطريقتهم، فالعملية الاتصالية فى النهاية إرسال واستقبال. 

كان رد الفعل عنيفًا وهو الأمر المنطقى والطبيعى. 

فإذا لم يغضب الناس لطه حسين فلمن يغضبون. 

وإن لم يستنفروا طاقاتهم للذود عنه فلمن يهبون.

طه حسين

إنه طه حسين صاحب المشروع الوحيد المكتمل فى فكرنا المعاصر، والذى لم يستطع مشروع آخر أن يتجاوزه، ولو أردتم الانصاف فإن كل أصحاب المشروعات الفكرية من بعده «عيال» عليه. 

ولأن هدف مؤسسة «تكوين» التفكير وإثارة الجدل الصحى فى المجتمعات العربية، كما أعلنوا هم أنفسهم، وليس إثارة الصخب الفارغ، كان لا بد من تصحيح لما جرى. 

فى اليوم الثانى من أيام منتدى «تكوين» والذى عقد بالمناسبة لإحياء ذكرى طه حسين الخمسين، وقف الزميل العزيز الإعلامى اللامع عمرو عبدالحميد بين يوسف زيدان وفراس السواح، ليدور بينهم حديث ثلاثى، من المهم أن أضعه أمامكم. 

عمرو: هل أنت أهم أم طه حسين؟... هذا هو السؤال الذى طرحه المفكر الدكتور يوسف زيدان على المفكر الدكتور فراس السواح فى الجلسة الافتتاحية لإطلاق منتدى تكوين الذى أطلقته مؤسسة تكوين، الإجابة التى قالها الدكتور فراس كانت ربما صادمة للكثيرين وتابعنا الضجة التى أثيرت حول هذه الإجابة فى مواقع التواصل الاجتماعى وفى المواقع الإخبارية، دكتور فراس قلت لدكتور يوسف أنت أهم من طه حسين وأنا أهم من طه حسين هل قصدت ذلك؟

فراس: أنا رجل عاقل وكاتب عاقل على ما أعتقد ولا أعتقد أن كاتبًا عاقلًا يمكن أن يقول وهو جاد إنه أفضل من طه حسين من حيث المبدأ، لكن من أوقعنا بهذه الورطة صديقى يوسف زيدان، أراد أن يقدمنى فى الجلسة فسألنى سؤالًا غريبًا قال: هل أنت أهم أم طه حسين؟ ظننته يمزح فأجبته بدعابة فقلت له: أنت وأنا أفضل من طه حسين، كانت دعابة. 

عمرو: كيف تلقيت دكتور يوسف هذه الدعابة؟ 

يوسف: والله طبعًا أنا دُهشت مما جرى، وتذكرت دكتور جابر عصفور لما صدرت رواية عزازيل واحتفى بها العالم كله، كتب عنها أربع مقالات فى جريدة الحياة كان عنوانها إيه؟ «ثقافة مريضة»، وقال: يا جماعة رواية زى دى تطلع فى الأدب العرب وإحنا نقعد نهاجم فيها، كده إحنا لازم نتعالج من الأمراض الثقافية، ومنها هذا المرض، يا أخى أنت الذى تهاجم لا شفت الجلسة ولا عارف السياق بتاع الكلام كان ماشى إزاى، إحنا امبارح وإحنا بنأسس لإطلاق المؤسسة بعد سنة ونص تجهيز الكلام جاد جدًا، وكل المتابعين عارفين إن أنا من أشد الناس احتفاءً بطه حسين ودايمًا أعمل ندواتى يوم الأربع عشان حديث الأربعاء ولى كتابات كتير عنه، إنما أعداء الثقافة والفكر والتطوير بيترصدوا فيلتقطوا إشارة كده شاردة، الأستاذ فراس السواح جاد جدًا على طول، وعلى سبيل كسر الجدية قلت له: أنت مقروء جيدًا فى القاهرة فأنت أهم أم طه حسين؟ فرد علىّ بما قاله، فإذا بالحرائق تشتعل، وحدث ضجيج بلا طحن ورماد دون نار... يا جماعة فيه إيه؟

عمرو: ربما فات هؤلاء أن منتدى تكوين الأول كان بعنوان نصف قرن على رحيل طه حسين ومسألة التجديد..

يوسف: نعم وأصرينا على هذا فى مجلس الأمناء يعنى كلانا عضو فى مجلس أمناء المؤسسة، واستقر رأينا على أن يكون اليوم الأول بالكامل عن طه حسين كأننا نشير إلى التواصل، فإذا بالأمر يشتهر إعلاميًا كأنه تقاطع. 

عمرو: اتهموك بالغرور.. فهل أنت مغرور يا دكتور فراس؟ 

فراس: قلت أنا رجل عاقل، وكاتب عاقل، وأكرر لا يمكن لكاتب عاقل أن يقارن نفسه بطه حسين. 

عمرو: سؤالى نفسه يا دكتور يوسف؟ 

يوسف: سيبك إن أنا مغرور ولا متواضع، الأخ اللى هو اتهمنى بكده يمكن ملوش صلة شخصية، بس يمكن أنا عارف إن هو كاتب كويس يعنى يمكن نلتقى، أخوه كان صديقى أوى إنما يمكن نلتقى وهيعرف إن مفيش كاتب مغرور، وإن موضوع طه حسين ده أكبر من الأحكام الشخصية يعنى هو أنا مغرور ولا متواضع إيه دخل ده فى مكانة طه حسين؟ أنا أرجو الناس أن يهدأوا قليلًا، ولما تشوف مانشيت يعنى تتبع موضوع الجلسة، يمكن تلاقوا كلام مفيد أكثر من الهرج اللى تم نشره، فياريت تشوفوا فيديو الجلسة كاملة عشان تعرفوا، مش عايز أقول كم الجهد بس يعنى كم العمل اللى بذل خلال السنة ونص الماضية لإطلاق هذه المؤسسة التى تسعى لهدف أساسى هو تحريك الرواكد الثقافية العربية، ولا يعقل أن نبدأ هذا بالهجوم أو بالتعالى على طه حسين العلامة الكبرى للثقافة العربية فى القرن العشرين. 

فراس: أنا جيت إلى القاهرة لأحضر وأشارك باحتفالية طه حسين فهل جئتُ إلى هنا لكى أقول إننى أفضل من طه حسين؟ 

عمرو: هذا سؤال منطقى طبعًا.

فراس: أنا جئتُ هنا للاحتفاء بطه حسين. 

لم يكن هذا الحوار الثلاثى إلا محاولة لتفادى الضجة التى أثيرت، وأختلف تمامًا مع الصديق العزيز يوسف زيدان فى تفسيره لها، فهو من أشعل النار، وكان يكفيه اعتذارًا عما جرى، لا أن يهاجم من تلقى ما نشره هو بنفسه على صفحته. 

يمكننا أن ننسى ما حدث، فالمقامات محفوظة. 

يمكننا أن نكتفى بما قاله فراس السواح فلا يوجد عاقل يمكنه مهاجمة طه حسين أو التقليل من شأنه، ويمكننا أن نعتمد توضيح الدكتور يوسف زيدان بأن ما جرى كان دعابة، مجرد مزاح، لكننى أهمس فى أذنه أن المزاح كان ثقيلًا وسمجًا ولا يتوافق مع خفة ظله. 

تعالوا نعتبر ما جرى وكأنه لم يكن من الأساس، تعالوا نطوى هذه الصفحة تمامًا، ونترك الفرصة لهذه المؤسسة «تكوين» لتقديم نفسها من جديد. 

لكننا وقبل أن نطوى هذه الصفحة لا بد أن نتوقف قليلًا عند دلالات ما جرى. 

فلدينا قيمة فكرية وثقافية كبيرة فى حياتنا اسمها طه حسين، وأنا أعتبر ما جرى له إعادة اعتبار كاملة، فبعد عقود طويلة من الهجوم عليه وتشويه صورته والإساءة إلى منجزه الفكرى، نجد أنفسنا أمام غضبة غير منظمة وغير متفق عليها خرجت من أجيال مختلفة ومن فئات متفرقة ومن مراحل عمرية متباينة، كلها ترفض الإساءة إلى العميد، فهو عند الجميع لا يمكن أن يقارن بأحد، ولا يمكن لأحد أن يضع نفسه فى مقارنة معه. 

قد تكون هذه فرصة لأن نستعيد طه حسين من جديد، وأن نستعين بمنهجه فى التفكير، وأن نسلط الأضواء على طرحه الثقافى وقدرته الفائقة على التجديد، وأعتقد أنه على مؤسسة «تكوين» القيام بالجزء الأكبر فى هذا الجهد.

لا أخفيكم سرًا أننى كنت أتابع حالة الجدل التى أثارها طه حسين وهو راقد فى قبره منذ خمسين عامًا بفرحة غامرة. 

لقد استطاع الرجل وهو لا يملك من متاع الدنيا شيئًا أن يهزم حتى المازحين على هامش سيرته، وتخيلوا أن ميتًا منذ نصف قرن لا يزال حاضرًا بيننا، بينما يغيب كثيرون لا يزالون يعيشون ويصدعوننا بطرحهم الغث الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع. 

لقد كتبت أن طه حسين هزم يوسف زيدان وفراس السواح وهو فى قبره، فاستنكر الدكتور يوسف ما كتب فعلق عليه بقوله: لم نتصارع لينتصر أحد أو ينهزم. 

صحيح لم يكن هناك صراع، لكن كانت لدينا محاولة لمعركة وأدها طه فى مهدها، وهو ما يحسب لقوة مشروعه وتمكنه فى مجالنا العام. 

على الهامش.

لا بد أن أقول إن إعجابى بيوسف زيدان يزداد يومًا بعد يوم، فهو رجل لا يهتز فى مواجهة العواصف، لا ينافق الجماهير، وبعيدًا عن هذه المعركة فأنا على ثقة أنه لا يرى نفسه أهم من طه حسين، لكنه يعتقد أنه كفؤ له، وهو حر فى ذلك. 

لكننى توقفت أمام حالة الاهتزاز الشديدة التى بدا عليها فراس السواح، الرجل الذى هرب من المواجهة، وتنصل من الحكاية كلها، معتبرًا أن زيدان هو من ورطه فى الموقف كله، وأعتقد أننا عندما نعرف من هو فراس السواح وما أنتجه، فلن نتعجب من موقفه أبدًا... لكن هذا على كل حال له حديث آخر.