الجمعة 22 أغسطس 2025
المحرر العام
محمد الباز

سر التفاحة المسمومة.. آلان تورنج.. مأساة الأب الروحى للحاسب الآلى

حرف

- ولد آلان تورنج فى 23 يونيو 1912 وأظهر منذ طفولته المبكرة دلائل كثيرة على نبوغه

- نتيجة لإدانته بسبب ميول ونواز ع شخصية مُنع «تورنج» من متابعة عمله فى مدرسة الشفرة والكود الحكومية

يمثل البحث فى حياة عالم الرياضيات والحاسوب البريطانى «آلان تورنج» مثالًا لما ينبغى أن يكون عليه البحث فى الأصول الأولى، التى أدت إلى تشكيل العالم الحديث، فى جانبين أساسيين منه: الحاسوب، والذكاء الاصطناعى، وإذا أضفنا إلى هذه الحقيقة حقيقة أخرى بشأن الجانب الدرامى، الذى انطوت عليه حياة «تورنج» فستتكشف أمامنا خلفية المشهد العالمى، الذى شهد بواكير الثورة المعلوماتية، وتطوير الآلات التى عمل عليها آلان تورنج.

شكلت أوراق «تورنج» العلمية، الأساس للبحث فى موضوع الذكاء الاصطناعى، وتدين معظم شركات التكنولوجيا فى عصرنا الحالى بالفضل إليه، كونه مؤسس هذا المجال، فقد أسهمت أبحاثه فى اختراع أول جهاز حاسوب فى التاريخ، وهناك روابط قوية بين ابتكار الحاسبات، وظهور الذكاء الاصطناعى.

غير أن بداية الذكاء الاصطناعى كانت قبل فترة طويلة من ابتكار الحاسبات الحديثة، فقد نظر فلاسفة مثل «ديكارت» إلى الحيوانات من منظور أدائها الآلى، وكانت الآلات ذاتية الحركة أسلافًا للروبوت الشبيه بالإنسان اليوم، غير أن قصص الكائنات الاصطناعية، يمكن إرجاعها أيضًا إلى تاريخ أبعد من ذلك، فهى تعود إلى الأساطير اليونانية.

فى خمسينيات القرن العشرين «قبل فترة طويلة من ظهور الحاسبات الحالية» كتب تورنج بحثًا حاول فيه الإجابة عن السؤال: هل يمكن للآلة أن تفكر؟ مجرد طرح السؤال كان بمثابة ثورة، وبعد ذلك بفترة قصيرة صنع مينسكى مارفين وإدمونز دين ما يمكن وصفه بأنه أول حاسوب ذكاء اصطناعى، مكون من شبكة، تعمل وفقًا لنماذج الخلايا العصبية.

عندما اشتعلت الحرب العالمية الثانية كانت بريطانيا قد نجحت فى اعتراض وفك شفرات البرقيات الدبلوماسية والعسكرية الألمانية، لكن فى سنة ١٩٣٤ بعد سنتين من استيلاء هتلر على السلطة، أنشئ نظام اتصالات، طوره كبار علماء ألمانيا، وتحرك العملاء لمعرفة طبيعة هذا التوجه الجديد، لكن جهودهم باءت بالفشل.

كان تشفير، وحل الشفرات يجرى يدويًا، بعناء شديد، ويستغرق ساعات، لكن كان يمكن للآلة المعقدة الجديدة، واسمها إنيجما «كلمة يونانية قديمة تعنى أحجية» أن تنجز ذات العمل خلال دقيقتين أو ثلاث، وأكد العلماء أنه لا يمكن حل شفرة تلك الآلة، حتى فى حال وقوعها فى يد العدو، فإنها ستكون عديمة الفائدة، لأنه يتعين عليه معرفة إجراءات استعمال مفاتيح الرموز، التى كانت تتغير يوميًا.

لكن قسم حل الشفرات التابع للبوليس السرى البولونى، حصل على الجهاز، واستطاع اثنان من أشهر علماء الرياضيات، حل بعض أسراره، وقراءة الرسائل التى تم اعتراضها، ومع ذلك فإن هذا ليس له قيمة فى أوقات الحرب، لأنها كانت آلة رياضيات، تحتاج إلى أسابيع لحل شفرة رسالة قصيرة.

فى غضون ذلك قام شخص ألمانى، يدعى أنه ضابط فى وكالة تحليل الرموز الألمانية، بالتسلل إلى السفارة الفرنسية فى برن بسويسرا، التى كانت محايدة فى الصراعات الأوروبية المسلحة، هذا الألمانى الغامض أحضر معه كتيبًا، كتب على غلافه كلمة «سرى» بأحرف كبيرة، وكان يتضمن معلومات مفصلة عن كيفية تشغيل إنيجما، وأحضر معه عينة من صفحة فيها نص مشفر، مع ما يقابله من النص العادى.

وجد العلماء الفرنسيون أن المواد يمكن أن تؤدى إلى إنتاج نسخة مطابقة للجهاز، مع مراعاة التغييرات فى المفاتيح، التى يستخدمها الألمان، لإحباط أية جهة خارجية، قد تحاول فك شفرات إنيجما، وكان مصدر تلك المعلومات ذلك الشخص الغامض، وفى أوائل عام ١٩٣٩ تمكن الجواسيس البولونيون من تهريب إحدى الآلات من المصنع إلى وارسو، فى عملية خارقة.

 

بدأ فريق من طليعة العلماء والرياضيين البريطانيين، بقيادة آلان تورنج، تطوير الآلة، التى من شأنها أن تقوم بفك رموز إنيجما خلال دقائق، واختاروا مقرًا لعملهم، قصرًا يعود إلى العهد الفيكتورى فى شمال لندن، وكان تورنج أصغر علماء المجموعة، وهو عبقرى رياضيات، تتلمذ على يدى لاجئ ألمانى اسمه ألبرت أينشتاين، وفى شخصيته جانب طفولى، فقد كان يتصل يوميًا بوالدته، لتحكى له ما جرى فى مسلسل للأطفال اسمه «بلدة الألعاب».

عندما كانت الحرب على وشك الوقوع، قام بتحويل ماله إلى سبائك فضة، ودفنها، ثم نسى المكان، وفى إحدى المرات، رغم عدم وجود احتمال حدوث حرب غازات سامة، ألقى القبض عليه، وهو يتجول فى المدينة، مرتديًا كمامة مضادة للغازات.

ولد آلان تورنج فى ٢٣ يونيو ١٩١٢، وأظهر منذ طفولته المبكرة دلائل كثيرة على نبوغه، وكان مهتمًا بالدرجة الأولى بدراسة مادتى الرياضيات والعلوم، ومن هواة ممارسة بعض الألعاب الرياضية مثل الجرى، والتجديف، إلى جانب الاهتمام بعلوم الحاسوب، وكان مهتمًا أيضًا بالفيزياء وعلم الأحياء والكيمياء وأمراض الأعصاب، ويعانى من التلعثم عند الحديث.

يعد «تورنج» الأب الروحى للحاسب الآلى، وقد قدم الكثير من الأوراق البحثية المهمة، وأسهم بشكل كبير فيما يعرف بحرب «فك الشفرات» خلال الحرب العالمية الثانية، واشتهر بأبحاثه العلمية، لا سيما ورقته «آلة تورنج» التى عبر فيها عن عدم إمكانية وجود أى طريقة شاملة، لتحديد القيمة الصحيحة فى الرياضيات، وشرح أن الرياضيات سوف تحتوى دائمًا على مسائل غير مقررة.

هو «الأب الروحى لعلوم الحاسوب».. عالم الرياضيات.. مبتكر الآلة، التى عرفت باسمه «آلة تورنج» الذى حل لغز شفرة «إنيجما»... الرجل الذى هزم ألمانيا فى الحرب العالمية الثانية، كلها حقائق تليق به وكان أول عمل يقوم به هو اشتغاله على بحث بعنوان: «الأرقام القابلة للحساب» وأنهى هذا البحث عام ١٩٣٦.

كان هذا البحث سببًا فى اختراعه للآلة المعروفة باسمه: «آلة تورنج» وهى نموذج نظرى بسيط، يحاكى طريقة عمل الحاسوب، استطاع من خلالها أن يحاكى المنطق الخوارزمى، كانت ورقة البحث مهمة؛ لأنها مكنت تورنج ومن خلال الآلة التى ابتكرها، من أداء جميع العمليات الحسابية، وبهذا تمكن من وضع يده على المفهوم الأساسى لنظام الحاسوب.

التحق تورنج بجامعة كامبريدج بين عامى ١٩٣١ و١٩٣٤، وخلال تلك الفترة، قدم أطروحته التى أثبت من خلالها صحة نظرية الحد المركزى، وفى عام ١٩٣٦، طرح ورقة علمية بعنوان: «الأرقام المعدودة وتطبيقات لحل معضلة القرار» وضع فيها فكرة آلة شاملة، قادرة على أداء جميع العمليات الحسابية، أى أنها تضمنت ببساطة المفهوم الأساسى للحاسوب.

عمد تورنج خلال العامين التاليين إلى دراسة علم الشفرات، فى معهد الدراسات المتقدمة فى برينستون بنيوجيرسى، وبعد حصوله على شهادة الدكتوراه من جامعة برينستون عام ١٩٣٨ عاد مجددًا إلى كامبريدج، ومن ثم عمل بدوام جزئى فى مدرسة الشفرة والكود الحكومية، وهى عبارة عن مجموعة علمية مختصة بفك الشفرات.

خلال الحرب العالمية الثانية، كان تورنج مشاركًا رئيسيًا فى حرب فك الشفرات، لا سيما الشفرات الألمانية، حيث تمكن من تحقيق خمسة إنجازات فى مجال تحليل الشفرات، بما فى ذلك استخدام جهاز كهروميكانيكى للمساعدة فى فك شفرة الإشارات الخاصة بجهاز إنيجما الألمانى، وهى آلة تشفير كهروميكانيكية، تم استخدامها من قبل ألمانيا النازية؛ لحماية الاتصالات العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية.

بطبيعة الحال سارعت الشركات لتصميم هذه الآلة، وتصنيعها وتطويرها، وبهذه المناسبة بادرت «نيويورك تايمز» لإصدار كتاب بذات العنوان: «إنيجما ألهم صناع السينما» وجاء فى الكتاب: «ليس من المبالغة على الإطلاق أن نقول: إن عالم الرياضيات البريطانى آلان تورنج أنقذ الحلفاء من النازيين، واخترع الكمبيوتر، والذكاء الاصطناعى، وأحدث هزة فى مجال حقوق الإنسان الشخصية».

الكاتبة العراقية لطفية الدليمى توضح فى مقدمة ترجمتها لكتاب «آلان تورنج مأساة العبقرى الذى غير العالم» لمؤلفه «جم إليدرج» أن مأثرة تورنج العظمى- إلى جانب مساهماته العلمية والتقنية الكبرى- تكمن فى أن عمله المنجز، خلال الحرب العالمية الثانية، كانت له آثار استراتيجية ساخنة.

يرى كثير من الخبراء أن العمل الجبار، الذى اضطلع بأدائه، هو فك شفرة «إنيجما» الألمانية، التى أسهمت فى تقليص مدة الحرب العالمية الثانية، ما بين سنتين وأربع سنوات، ولولا جهود تورنج العظيمة لكان واردًا أن تعانى بريطانيا مجاعة، تدفعها بالضرورة إلى خسارة الحرب.

كان العالم الألمانى «آرثر شيربيوس» قد اخترع عام ١٩٢٣ آلة يمكن استخدامها فى اتصالات عالية السرية، وقد دعا هذه الآلة «إنيجما»، وتمتاز بأن الشفرات المستخدمة ما بين الفينة والأخرى، تتغير، وتعتمد على استخدام منظومة تشفير ميكانيكى، تمتلك تريليونات من احتمالات الحل الممكنة، لذا لا يمكن فك شفرة الرسائل المستلمة من الآلة.

عرفت البلدان المعادية لألمانيا بوجود تلك الآلة، واندفعت الهيئات الاستخباراتية لمعرفة الطريقة الكفيلة بفك مغاليق شفرتها، وفك الرياضيون البولنديون الشفرة، وعرف الألمان بالأمر، فطوروها حتى باتت عصية على الفك من الناحية النظرية.

فى يوم ٤ سبتمبر عام ١٩٣٩ دعى آلان تورنج لمهمة خاصة، وكان فى السابعة والعشرين من العمر، وكانت نتيجة العمل فك الشفرة، وفى نوفمبر ١٩٤٢ أرسل إلى أمريكا، وشرح للفريق العلمى كيفية فك الشفرة، ثم عاد إلى بريطانيا، وعمل على تحويل الكلام البشرى إلى شكل صوتى مشفر، وكان يعتمد فى هذا الأمر على بناء آلة قادرة على ذلك.

سعى آلان إلى المضى فى مواصلة عمله الذى شرع فيه أثناء سعيه لفك الشفرة الألمانية، ذلك العمل البحثى الذى انتهى بتخليق النماذج الأولية من الحواسيب الإلكترونية فى أمريكا، وكذلك عمل فى إطار مشروع لبناء آلة مفكرة حقيقية، معقدة التركيب والوظائف.

نجح تورنج خلال فبراير عام ١٩٤٦ فى إنجاز تصميم لحاسوب إلكترونى «آلته المفكرة العتيدة» وأدرك أن المعضلة الحقيقية فى بناء آلة مفكرة ذات مفاعيل مؤثرة، إنما تكمن فى سرعة الأداء، وأن العنصر الحاسم فى تصنيع آلة سريعة العمل هو ذاكرتها، وفى عام ١٩٥٠ نشر مقالًا بعنوان «الآلات الحاسبة والذكاء» وقدم ما صار يعرف لاحقًا باختبار تورنج.

بالرغم من أن آلان تورنج يعد أبو «الحاسوب الحديث» فإن شهرته ستبقى دومًا مرتبطة باختباره العبقرى، الذى تمكن من فك شفرة إنيجما الألمانية، وعلى كلٍ فقد حقق تطويرات مهمة فى ميدان الذكاء الاصطناعى، ودفع علوم الحاسوب إلى آفاق بعيدة، بعد أن طور نماذج بدائية من آلات تتحدث الكلام البشرى المنطوق وتفهمه، ما عساه يكون هدف آلان تورنج؟ هل يريد حاسوبًا بشريًا عضويًا هجينًا؟ أم آلة تصمم نفسها وتنتج نسخًا مطورة منها؟

يغطى كتاب «حياة وتراث آلان تورنج» لمحرره كريستوف توشر، طيفًا واسعًا من اهتمامات تورنج، ويضم الكتاب مسرحية أعدتها «فاليريا باتيرا» وتتناول قصة التفاحة القديمة بمنظور أنثربولوجى، فى إشارة إلى انتحار تورنج بتفاحة مشبعة بالسيانيد، وتعرض غموض الحياة والموت والقدر فى إشارة لهذا العالم، الذى فعل الكثير؛ لفك شفرة لغز «إنيجما» خلال الحرب العالمية الثانية.

فى عام ١٩٥٠، بحث تورنج فى مجال الذكاء الاصطناعى، ونشر ورقة بعنوان: «آلات الحوسبة والذكاء» وكان هذا البحث أحد العناصر الأساسية، التى قامت عليها فلسفة الذكاء الاصطناعى، وهو الذى مهد لقدرة الآلة على محاكاة العقل البشرى، وقدرته على التفكير، والاكتشاف، والاستفادة من التجارب السابقة، وكان له الفضل عبر أبحاثه الكثيرة، فى التنبؤ أن باستطاعة الكمبيوتر القيام بمهمات أكثر تعقيدًا، وقد صدقت توقعاته.

لم تقف مساهماته عند هذا الحد، إذ كتب ورقتين علميتين، أوضح فيهما النهج الرياضى المتبع لفك الشفرات، وانتقل إلى لندن فى منتصف عقد الأربعينيات من القرن الماضى، وباشر عمله فى مختبر الفيزياء الوطنى، وكانت أبرز مساهماته فى تلك الفترة الإشراف على أعمال التصميم لجهاز الحاسوب الآلى، وبالرغم من عدم صناعة الجهاز، فإن شركات التكنولوجيا فى جميع أنحاء العالم قد استخدمت مفهومه لعدة سنوات.

فى عام ١٩٣٦، اخترع جهازًا افتراضيًا؛ يحاكى آلة حساب التفاضل والتكامل، سميت «آلة تورنج» لها علاقة بتكنولوجيا المعلومات، وساعدت فى فهم الكثير من الحسابات؛ من خلال التلاعب بالرموز، هذه الآلة، تم تكييفها لمحاكاة منطق الكمبيوتر، وهو الذى أسهم فى تطوير علوم الحاسوب، الذى نشاهده اليوم.

لطفية الدليمي

هناك كتاب يرصد مسيرة تورنج العلمية، تحت عنوان فرعى: «العبقرى المضطهد الذى ساعد فى كسر شفرة إنيجما، وابتكار الكمبيوتر الحديث» وهو من تأليف ديفيد ليفيت، الذى يلتقط البعد الإنسانى فى رحلة هذا العالم، فى إشارة إلى ما أصابه من ملاحقة قانونية؛ بسبب تواضعه وتألقه وصراحته البالغة.

يقول ليفيت: «فى كل مرة أقوم فيها بفتح الجهاز الإلكترونى، الذى أكتب فيه هذه المراجعة، أشعر بالامتنان إلى آلان تورنج، وأعتذر له أيضًا، على الشاشة (التفاحة) حيث إن الشعار يذكرنى بفخر كبير بإنجازات تورنج، الذى نحزن على نهايته البائسة».

جاء فى الكتاب: «ليس من المبالغة على الإطلاق أن نقول: إن عالم الرياضيات البريطانى آلان تورنج، أنقذ الحلفاء من النازيين، واخترع الكمبيوتر، والذكاء الاصطناعى، وأحدث هزة فى مجال حقوق الإنسان الشخصية».

نتيجة لإدانته بسبب ميول ونوازع شخصية، مُنع «تورنج» من متابعة عمله فى مدرسة الشفرة والكود الحكومية، ما دفعه للانتحار، وهناك نظرية لتفسير هذا الحادث القاسى، ففى أوائل خمسينيات القرن الماضى، وعقب هروب اثنين من الجواسيس البريطانيين، ولجوئهما إلى الاتحاد السوفيتى، ساد شك مفاده وجود حلقة تجسسية تعمل لصالح السوفييت، وتتكون من طلبة كامبردج السابقين.

تركزت جهود هذه الحلقة فى أوساط طلبة كليتى ترينتى وكينجز، خلال الثلاثينيات، وكان تورنج قد التحق بكلية كينجز فى جامعة كامبردج، وانضم خلال الدراسة إلى المجلس الخاص بالتعاطف مع الشيوعية ومناهضة الحرب، وبسبب عمله اللاحق فى المشروعات الحكومية فائقة السرية، حاز على معلومات مهمة.

هذا هو الأمر الذى يدفع البعض للتخمين بأن تورنج قتل على أيدى المخابرات البريطانية، خشية لجوئه المحتمل إلى روسيا، ورتبت المخابرات ذاتها مشهد موته، ليبدو واقعة انتحار مقصود، هل مات آلان بفعل انتحار مقصود أم بفعل حادثة طارئة أم بعملية قتل مدبرة؟!

توفى تورنج فى ٧ يونيو سنة ١٩٥٤، وأظهر تشريح الجثة أن سبب الوفاة هو التسمم بالسيانيد، وقد عُثر على بقايا تفاحة بالقرب من الجثة، على الرغم من عدم وجود أى آثار لتفاح فى معدته، وهكذا خلص تقرير التشريح إلى وجود محلول السيانيد فى معدته، وأعضائه الحيوية، بالتالى أعلن الأطباء أنه انتحر.

كرم تورنج عدة مرات بعد وفاته، لا سيما فى مدينة مانشستر، حيث أمضى الفترة الأخيرة من حياته، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، مُنح وسام الإمبراطورية البريطانية، نظير جهوده الكبيرة أثناء الحرب وفى عام ١٩٩٩، صنفته مجلة TIME الأمريكية ضمن أهم ١٠٠ شخصية، خلال القرن العشرين، معتبرة أنه الشخص الوحيد، الذى قدم إسهامات علمية كبيرة.

كما أنه غير وجه العالم فى ثلاثة أشكال من الذكاء، لها صلة بالإنسان والتصنيع والجيش، كذلك احتل المرتبة ٢١ ضمن استطلاع أجرته قناة BBC حول أهم ١٠٠ شخصية بريطانية، وقد اعترف العالم بتأثيره الكبير على علوم الحاسوب.

أخيرًا منحت الملكة الراحلة إليزابيث عام ٢٠١٣ عفوًا ملكيًا نادرًا لتورنج، بعد مرور ٦٠ عامًا على موته، وفى عام ٢٠١٦، أعلنت الحكومة البريطانية عن «قانون تورنج» الذى يعفو عن آلاف المدانين، الذين يعانون مثلما عانى تورنج.