الأحد 13 يوليو 2025
المحرر العام
محمد الباز

جريمة السحار.. اغتيال الخديو إسماعيل فى «ألمظ وعبده الحامولى»

وردة الجزائرية
وردة الجزائرية

- لا يعرف من صنعوا الفيلم الفرق بين إسماعيل وتوفيق

عُرض فيلم ألمظ وعبده الحامولى عام 1962 بطولة نجمى الغناء وقتها- وردة الجزائرية وعادل مأمون- عن قصة لـعبدالحميد جودة السحار، واشترك فى كتابة السيناريو نيازى مصطفى ومحمد أبويوسف وحلمى رفلة، وقام بكتابة الحوار، وبعض أغانى الفيلم صالح جودت، ومن إخراج وإنتاج حلمى رفلة.

يبدأ الفيلم بدليسبس الفرنسى- أدمون توما- وقد جاء بعاهرة فرنسية- نادية الجندى- ليهديها إلى الخديو إسماعيل ومعه عَقد لقرض فرنسى بمبلغ كبير بفائدة قدرها 60%- وتقدم العاهرة الفرنسية أكواب الشراب، وتنظر ناحية الخديو بما يعنى أنها تتآمر ضده، وتستغل سكره وتجعله يوقع على الإتفاق الظالم الغادر، فيأتى جمال الدين الأفغانى، يقابل أتباعه وتلاميذه فى قهوة البوسطة، ويوعيهم، ويحذرهم من سفه وفساد الخديو إسماعيل، ففوائد القرض العالية جدًا ستدفع  من دم وعرق الشعب المصرى الغلبان.

قام بدور الخديو إسماعيل الممثل العظيم حسين رياض، فأتقن أداء الدور، ما جعلنا نكره الخديو الذى لا يهمه سوى البحث عن النساء، وبخسة شديدة. فهو يتابع النساء من ثقب دخول المفتاح فى الباب. 

عبدالحميد جودة السحار

إننى لا أميل لأسرة محمد على، فقد احتلوا مصر كلها، أخذوا كل أراضيها الزراعية وقاموا بتوزيعها من جديد على من يرضون عنهم، تعاملوا مع الشعب فى تعال وظلم واضح. وقد سمعت الدكتور مصطفى الفقى فى برنامج تليفزيونى وهو غير راضٍ عن تغيير أسماء الشوارع التى كانت تحمل أسماء أسرة محمد على. ودهشت من رأيه هذا، فكيف نقبل أن تكون كل شوارع مصر الكبيرة والمهمة بأسماء الأسرة العلوية. لو تم تكريم بعض حكامهم وأطلقوا أسماء من يستحق منهم، على القليل من الشوارع؛ كنا قبلنا. لكن كل شىء فى مصر كان منسوبًا إليهم بطريقة مستفزة ولا تعنى إلا أننا عبيد لهم.  ففى الإسكندرية- مثلًا- معظم المستشفيات الحكومية كانت تحمل أسماءهم: مستشفى الولادة اسمه دار إسماعيل، مستشفى العظام اسمه ناريمان، مستشفى العيون اسمه فاروق، مستشفى الأطفال اسمه الملكة نازلى، الاستاد اسمه ملعب الملك فؤاد، وأسسوا مستشفى قريبًا جدًا من كوبرى راغب باشا وقرروا أن يطلقوا عليه اسم واحدة من بنات الملك فاروق، لكن ربنا ستر، فقد قامت ثورة يوليو ٥٢ وأعلنت الجمهورية قبل بدء العمل بالمستشفى، فعند افتتاحه؛ أطلقوا عليه اسم الجمهورية.

أسرة محمد على الذين حكموا مصر، بعضهم أفاد البلد، وبعضهم كان خائنًا ولا يستحق حتى الترحم عليه. محمد على باشا صنع مصر الحديثة، وأراحنا من المماليك، وأرسل البعثات، وأقام المشاريع العظيمة. وربيبه إبراهيم كان وطنيًا لكنه مات قبل أن يصنع شيئًا وجاء عباس حلمى، شخص معقد، شاذ، جاهل، يرى أن حكم شعب جاهل أفضل من حكم شعب متعلم، فأغلق المدارس التى أنشأها جده محمد على، لدرجة أن مدرسيها اضطر بعضهم لأن يعمل خادمًا فى البيوت.

وكان سعيد نهمًا للأكل، ومات صغيرًا فلم يترك أثرًا يستحق الثناء عليه، إلى أن جاء إسماعيل. فرمم البنيان المتصدع بسبب أفعال عباس حلمى. وحول الخديو إسماعيل مجلس المشورة- الذى أسسه جده محمد على باشا- إلى مجلس شورى النواب، وأتاح للشعب اختيار ممثليه. وافتتح أولى جلساته فى ٢٥ نوفمبر ١٨٦٦. وحوّل الدواوين إلى نظارات. ووضع تنظيمًا إداريًا للبلاد، وانشأ مجالس محلية منتخبة للمعاونة فى إدارة الدولة، وأصبح للمجالس المحلية حق النظر فى الدعاوى الجنائية والمدنية، وانحصر اختصاص المحاكم الشرعية فى النظر فى الأحوال الشخصية. وألغى المحاكم القنصلية وبدلها بالمحاكم المختلطة. 

وفى عصر الخديو إسماعيل تم الانتهاء من حفر قناة السويس، فأقام احتفالًا كبيرًا فى افتتاحها. وأنشأ دار الأوبرا المصرية والمسرح الكوميدى، وأقام قصر عابدين وأنشأ كوبرى قصر النيل، فى إطار تخطيطه لوسط القاهرة على غرار مدينة باريس التى عاش فيها وأعجب بها، وأدخل الطرق الحديثة فى الاتصالات كالبرق والبريد وتطوير السكك الحديدية، وأضاء الشوارع ومد أنابيب المياه. وبعث النهضة العلمية والفكرية بإنشاء المدارس والمعاهد، وأنشأ أول مدرسة لتعليم البنات، المدرسة السنية، وأنشأ دار العلوم ودار الكتب ودار الآثار«المتحف المصرى» والجمعية الجغرافية، وفى ظل حكمه، عام ١٨٧٥ أنشئت صحيفة الأهرام. وتأسست الجمعيات العلمية، وشجع التأليف والصحافة، ورعاية الفنون والآداب. وأكمل فتح السودان، ومد حدود الدولة المصرية إلى منابع النيل وشواطئ المحيط الهندى، وعنى بتنظيم الجيش وترقية التعليم الحربى وإنهاض البحرية المصرية وإقامة أعمال العمران فى جميع النواحى، وحفر ترعتى الإسماعيلية والإبراهيمية، وزادت مساحة الأرض الزراعية عمومًا، وأنشأ ١٩ مصنعًا للسكر. 

فيلم ألمظ وعبده الحامولى غيّر التاريخ، ولا أدرى كيف فعل عبدالحميد جودة السحار هذا، فالخديو إسماعيل- فى رأيه- رجل تافه، لا يهمه سوى الوصول للنساء اللاتى يرغب فيهن. وعندما يقول ديلسبس- أدمون توما- لخادم الخديو الخاص- حسن فايق- إن نسبة الفوائد غالية شوية، تصل إلى٦٠٪. يجيب الخادم: الخديو متهمهوش النسبة إللى يهمه الحصول على المال. 

وعندما يرى المطربة ألمظ، يعجب بها، وهى فتاة كانت تعمل، مثل الكثيرات فى ذلك الوقت، فى عمل البناء، يحملن المونة على رءوسهن ويصعدن بها لأعالى البنايات، وكانت تغنى وهى تعمل، واستطاعت أن تصل إلى المطربة ساكنة، أشهر عالمة فى ذلك الوقت، فغنت فى فرقتها. واشتهرت. وتعرفت على عبده الحامولى، أشهر مغنٍ فى عصرها، فساعدها لكى تغنى فى بيوت الأكابر، ومنهم الخديو إسماعيل الذى أفتتن بجمال وجهها وجسدها وصوتها وأرادها له، كعادته ، كلما رأى امرأة جميلة. 

لكنها رفضت أن تكون محظيته، وتزوجت عبده الحامولى الذى أراد حمايتها منه، وعندما ألح الخديو إسماعيل فى أن تغنى أمامه، قرأت القرآن، فلم يستطع الاعتراض. وأسرها فى نفسه، ناويًا الانتقام منها ومن عبده الحامولى زوجها. 

تشترك ألمظ وعبده الحامولى مع الثوار الذين تأثروا بأفكار جمال الدين الأفغانى، واستطاعوا إسقاط الخديو إسماعيل الفاسد الداعر وخلعه. وجاءوا بابنه توفيق حاكمًا جديدًا لمصر، فقد كان توفيق من أتباع جمال الدين الأفغانى. وكان يسمع خطبه فى القهوة التى يقابل فيها تلاميذه ،محمد عبده وعبدالله النديم وباقى أفراد الشعب. 

من هو الخديو توفيق الذى جاءت به ثورة الشعب المصرى فى فيلم ألمظ وعبده الحامولى؟

توفيق هو الابن الأكبر للخديو إسماعيل من مولدة اسمها شفق نور، ولم يكن إسماعيل يريده واليًا للعهد وإنما أرادها لابنه حسين كامل من زوجته المقربة إليه نور فلك. لكن الظروف أتت بما لا يشتهى، فقد تم عزله فجأة، وتم تعيين ابنه الأكبر توفيق بدلًا منه.

تربية توفيق فى القصر أثرت على علاقاته مع الجميع بعد توليه الحكم، فقد كان مترددًا ضعيف الشخصية، فقد تزوج أمينة إلهامى، ابنة إبراهيم إلهامى ابن عباس حلمى الذى قُتل فى بنها فى ١٣ يوليو ١٨٥٤. والتى كان لها دور إيجابى على زوجها وعلى البلاد وعلى ابنها بعد موت زوجها توفيق.

لقد كان توفيق أكثر أبناء أسرة محمد على ظلمًا وبعدًا عن الوطنية، فقد قام الأسطول الإنجليزى فى عصره بضرب الإسكندرية وتدمير قلاعها وتدمير أجزاء من أحيائها واضطر الكثير من أهالى الإسكندرية للهروب من المدينة، وواصل الأسطول الإنجليزى القصف فى اليوم التالى، فاضطرت المدينة إلى التسليم ورفع الأعلام البيضاء بعد تدمير أغلب أحيائها، وبدلًا من أن يغضب الخديو توفيق ويحزن على البلاد التى يحكمها ويبدأ فى مقاومة المحتلين؛ استقبل الأميرال بوشامب سيمور قائد الأسطول البريطانى، الذى يضرب مدن بلاده، فى قصر الرمل بالإسكندرية، وانحاز إلى الإنجليز المحتلين، وجعل نفسه وسلطته الحكومية رهن تصرفهم حتى قبل أن يحتلوا الإسكندرية. فأثناء القتال أرسل الإنجليز ثلة من جنودهم ذوى الجاكتات الزرقاء لحماية الخديو أثناء انتقاله من قصر الرمل إلى قصر رأس التين عبر شوارع الإسكندرية المشتعلة. ثم أرسل الخديو إلى أحمد عرابى فى كفرالدوار يأمره بالكف عن الإستعدادات الحربية، ويحمّله تبعة ضرب الإسكندرية، ويأمره بالمثول لديه فى قصر رأس التين؛ ليتلقى منه التعليمات.

كلما شاهدت فيلم ألمظ وعبده الحامولى أدهش، ألا يعرف من صنعوا الفيلم الفرق بين إسماعيل وتوفيق، يتأثر الشعب بكلمات جمال الدين الأفغانى، ويثور لكى يعزل الحاكم الوطنى المحب لبلاده، ويأتى بابنه الخائن الذى سمح للإنجليز باحتلال البلاد.