قلبى مليان بالآهات.. الحب والدموع فى حياة داليدا.. «السيدة التى تجلب الحظ السيئ للرجال»

- زوجها الأول لوسيان موريس انتحر بعد انفصالهما بسبب غيرته الشديدة
رغم مرور ٣٨ عامًا على انتحارها، تظل داليدا رمزًا وأسطورة، ولا يزال حبها الكبير من الجمهور فى مصر وفرنسا وإيطاليا وجميع دول العالم قائمًا ونابضًا وحيًا. وصحيح أن «بنت شبرا» كانت فنانة موسيقية عظيمة، لكن حياتها العاطفية لم تكن ناجحة بنفس القدر، وظلت لآخر لحظة فى عمرها تعانى آلام الوحدة، وتبحث عن الحب الحقيقى.
ومع إحياء الذكرى الـ38 لوفاتها المأساوية، فى 3 مايو 1987، قدمت وسائل الإعلام المختلفة، خاصة فى فرنسا، العديد من التقارير والبرامج حول الفنانة العالمية، وعلى رأسها برنامج «Le Grand Échiquier»، الذى تقدمه المذيعة الفرنسية كلير شازال على قناة «فرانس 2».
تزامن ذلك مع تنظيم عدة فعاليات استعراضية وفنية لإحياء ذكرى الفنانة الراحلة، سواء فى فرنسا التى عاشت وماتت فيها، أو إيطاليا حيث ينتمى والداها، وصولًا إلى بلدها الأم مصر، حيث ولدت بحى شبرا فى يناير 1933، قبل سفرها واستقرارها فى باريس أواخر 1954، مع وجود العديد من الكتب التى دارت حول حياتها، تستعرض «حرف» بعضًا منها فى السطور التالية.

أخى.. ستكتب مذكراتى
يُعد كتاب «Dalida: Mon frère, tu écriras mes Mémoires» أو «داليدا: أخى، ستكتب مذكراتى»، عن دار نشر «بلون»، من أبرز الكتب التى تناولت السيرة الذاتية للنجمة داليدا، خاصة أنه شارك فى كتابته أخوها الأصغر برونو جيجليوتى المعروف باسم «أورلاندو»، رفقة الروائية وكاتبة السيناريو كاثرين ريهويت.
الكتاب الصادر فى ٣ نوفمبر ٢٠١٦، ويضم بين دفتيه ٥٠٤ صفحات، يعد السيرة الذاتية الرسمية الوحيدة عنها، ويتحدث عن «داليدا» تلك الفتاة الصغيرة ذات النظارات الكبيرة، التى ولدت فى إحدى ضواحى القاهرة الشعبية، وأصبحت ملكة جمال مصر، ثم نجمة عالمية باعت أكثر من ١٤٠ مليون تسجيل فى جميع أنحاء العالم، ويحيط بها أشهر قادة فرنسا، ومنهم فرانسوا ميتران وجاك شيراك.
ويكشف الكتاب، الذى صدرت نسخة جديدة منه فى عام ٢٠٢٢، عن زواجها الأول من لوسيان موريس، مدير البرامج فى إذاعة «أوروبا ١»، وهو الزوج الرسمى الوحيد لـ«داليدا»، الذى تزوجته فى ١٩٦١، واعتقدت أنه حب حياتها، لكنهما طُلقا بعد فترة قصيرة من الزواج، بسبب غيرة الزوج من نجاحها الكبير.
ويوضح «الكتاب» أنه بعد نجاح أغنية «بامبينو» لـ«داليدا»، وتحطيم أغانيها كل الأرقام القياسية، فى الفترة بين ١٩٥٧ و١٩٦١ فى فرنسا، يبدو أن زوجها لوسيان موريس واجه صعوبة فى التعامل مع هذا الصعود المدوى، خاصة بعدما أصبحت زوجته تحظى باهتمام كبير من قبل المعجبين الرجال، وهو ما لم يرضه كثيرًا، حتى إنه كان يغضب من مجرد رؤية رجل إلى جانبها.

ويكشف «الكتاب» عن أنه عندما أرسل مُغنٍ ورودًا حمراء لـ«داليدا»، فى نهاية جولة موسيقية، رأى «لوسيان» بطاقة المُرسِل. وفى اليوم التالى، أطلق النار فى الهواء بالقرب منه ليخيفه. وبعد فترة وجيزة من زواجهما، تركت «داليدا» لوسيان موريس من أجل جان سوبيسكى، الممثل الذى تحول إلى رسام، لينتحر «لوسيان» عام ١٩٧٠ بإطلاق النار على نفسه، فى شقته بالعاصمة باريس، عن عمر يناهز ٤١ عامًا.
وقعت «داليدا» أيضًا فى غرام المغنى الإيطالى لويجى تينكو. لكن فى يناير ١٩٦٧، وبعد خيبة أمل فى مهرجان «سانريمو» الغنائى الإيطالى، الذى حضراه معًا، أطلق «لويجى» النار على نفسه، فى غرفته بالفندق. «داليدا» هى من اكتشف جثته، لذا لم يكن فى ذهنها بعد هذا المشهد سوى فكرة واحدة، وهى الانضمام إليه!
بعد شهر من الحادث، قررت اتخاذ إجراء لإنهاء حياتها، فابتلعت عدة أقراص من عقار الـ«باربيتيورات»، داخل غرفتها فى أحد فنادق باريس، لكن تم إنقاذها. وحسب الكتاب «منذ انتحار لويجى تينكو اختفت داليدا تمامًا، وهى فى سن الـ٣٤، ولم تعد مرة أخرى».
كان «تينكو» أول رجل أرادت داليدا الانتحار من أجله. فبعد أشهر قليلة من وفاته وقعت فى حب إيطالى آخر: «لوسيو»، وهو طالب يبلغ ١٨ عامًا، ارتبطت معه بعلاقة قصيرة الأمد، قبل أن يختفى من حياتها بسرعة كبيرة، رغم أنها كانت حاملًا منه. لم ترغب «داليدا» فى الاحتفاظ بالطفل. وبما أن الإجهاض كان محظورًا فى إيطاليا آنذاك، خضعت لعملية جراحية سرية فى ظروف كارثية تركتها عقيمة للأبد.
وأورد الكتاب قصة مواعدة «داليدا» للممثل الفرنسى ريتشارد شانفراى، فى أوائل سبعينيات القرن العشرين، الذى لُقب بـ«كونت سان جيرمان» لادعائه أنه وُلد قبل ١٧ ألف عام، وأنه كانت لديه القدرة على تحويل أرخص المعادن إلى ذهب. الغريب أنها عاشت مع هذا الرجل واحدة من أطول قصص الحب فى حياتها، إذ ظلا معًا لمدة ٩ سنوات، من ١٩٧٢ إلى ١٩٨١.
وقال شقيقها «أورلاندو»: «كانت فى أسعد حالاتها مع ريتشارد شانفراى. لكن ولسوء الحظ أنهى حياته أيضًا، مختنقًا بغاز عوادم سيارته». لعل هذا ما جعلها تُدلى بملاحظة حزينة لاحقًا قالت فيها: «أنا أجلب الحظ السيئ للرجال الذين أحبهم».
واعترف شقيق «داليدا» بأنه كانت هناك مشاعر بينها وبين الرئيس الفرنسى الراحل فرانسوا ميتران، قائلًا: «كان بينهما شىء ما. بداية صداقة عميقة ثم شىء آخر»، مؤكدًا أنها كانت «وفية لميتران كصديق ورجل تُكن له إعجابًا كبيرًا»، دون أن يكشف كم من الوقت دامت هذه العلاقة.
واعتبر «أورلاندو» أن علاقتها الرومانسية مع عملاق السينما الفرنسية آلان ديلون «أفلتت من عدسات المصورين»، مضيفًا: «كل شىء بينهما بدأ بعد عامين على رحيلها من مصر إلى فرنسا، حيث سكنت مع صديقة لها، وكان جارهما آنذاك آلان ديلون، لكنه لم يكن مشهورًا بعد».

وفى بداية حياتهما المهنية ومحاولاتهما دخول مجال الفن، أصبحت «داليدا» و«ديلون» لا ينفصلان. وعندما يتعثر أحدهما فى اختبارات التمثيل أو الغناء، يكون الآخر موجودًا لدعمه. وفى المساء، عندما لا يتبقى لديهما ما يأكلانه، يكتفيان ببيضة مسلوقة تحت أسطح منازل باريس.
وبعد الوصول إلى مرحلة النجاحات الأولى، اتخذ كلاهما مسارات مختلفة، ولم يتبق شىء من الحب الذى جمعهما. لكن بعد سنوات قليلة، يقرر القدر أن يجمعهما معًا، فبينما يتعافى «ديلون» من انفصاله عن رومى شنايدر، يلتقى بـ«داليدا» عام ١٩٦٣، فى روما، حيث استعادا علاقتهما الغرامية لفترة قصيرة تحت شمس إيطاليا، بعيدًا عن أعين المصورين.
وبعد مرور ١٠ سنوات، اجتمع «ديلون» و«داليدا» مرة أخرى، من خلال «دويتو» فنى من نوع خاص فى أغنية «كلمات، كلمات»، التى حققت نجاحًا كبيرًا فى فرنسا ودوليًا بسبب «الكيمياء» بين الثنائى.
ويكشف شقيقها «أورلاندو»، فى كتابه، عن أنه لم يكن على علم بعلاقتهما، فلم تتحدث «داليدا» معه أبدًا عنها. لكن بعد انتحارها، اعترف له آلان ديلون بتلك العلاقة.
وربما يكون شقيقها «أورلاندو»، البالغ ٨٩ عامًا الآن، هو أعظم قصة حب فى حياة «داليدا». فبرونو جيجليوتى «الاسم المولود به» هو الأخ الأصغر ليولاندا جيجليوتى «اسم داليدا الحقيقى»، وكان يهتم دائمًا بها، منذ طفولتهما المبكرة فى القاهرة حتى انتحارها عام ١٩٨٧.
وفى ليلة الثالث من مايو ١٩٨٧، أقدمت «داليدا» على الانتحار بتناول الـ«باربيتورات»، وهى فى عمر ٥٤ عامًا، وكان شقيقها آنذاك ٥١ عامًا. بعدها شعر بالدمار، وغرق فى ذكرياته عن «داليدا»، حتى لو كان ذلك يعنى العيش فى حالة إنكار لرحيلها، حتى إنه يقول فى كتابه: «داليدا، ستبقى حية. نتحدث عنها بصيغة المضارع، وسنظل هكذا».

الأسطورة والذاكرة
حول الحياة المهنية للنجمة الخالدة، صدر كتاب: «داليدا: الأسطورة والذاكرة»، فى سبتمبر ٢٠٢٠، عن دار نشر «Le mot et le reste» الفرنسية، من تأليف باربرا ليبرون، أستاذة الدراسات الثقافية الفرنسية فى جامعة «مانشستر».
تقول المؤلفة فى الكتاب: «داليدا واحدة من أشهر مغنيات النصف الثانى من القرن العشرين فى فرنسا، حققت نجاحًا تجاريًا لا يمكن إنكاره، وكانت محبوبة من قبل الآلاف، بل الملايين من المعجبين»، متطرقة إلى الأسباب التاريخية والثقافية لمسيرتها المهنية، واختياراتها الجمالية، من خلال التعامل معها باعتبارها «أسطورة».
وتحلل أستاذة الدراسات الثقافية، فى الفصل الأول المعنون بـ«نوع جيد من الروك»، تطور «داليدا» فى الستينيات، موضحة أن «داليدا، التى كانت أكبر سنًا من النجمات المراهقات، عملت على (تحديث ذخيرتها) وتسريع إيقاعاتها والتكيف مع الجديد، ما سمح لها بالبقاء كنجمة لسنوات طويلة، من حيث النجاح التجارى والظهور الإعلامى».

وفى الفصل المعنون «داليدا والموت»، تحلل «ليبرون» الحياة الشخصية لـ«داليدا»، بعد انتحار لويجى تينكو، شريكها الفنى والرومانسى، فى ١٩٦٧، ثم محاولتها هى الانتحار، مؤكدة أن «هذه المأساة أصبحت جزءًا لا يتجزأ من شخصية الفنانة الكبيرة».
وترى أن «التغطية الإعلامية لتجربتها الانتحارية، هى التى جعلت داليدا تكتسب مكانة الرمز»، مضيفة: «أغانيها تميزت بالألم فى حياتها الشخصية، وفُسرت من قبل نقاد الموسيقى وجمهورها على أنها تعبيرات سيرة ذاتية، وبالتالى صادقة وأصيلة».
وتنبه إلى أن «مظهر داليدا وأدائها على المسرح وغنائها أصبح أكثر جدية، بعد انتحار لويجو تينكو ومحاولة انتحارها هى نفسها. لم تعد مجرد فتاة مثيرة للاهتمام، بل إن المعاناة منحتها مكانة «سيدة الأغنية»، وتُرجم ذلك النضج الوجودى إلى اعتبارات نقدية. ومن خلال اختياراتها الجمالية الخاصة، أصبحت داليدا، فى أوائل سبعينيات القرن العشرين، فنانة مأساوية تضاهى المغنيات المأساويات العظيمات».
وتعتبر أن «داليدا» أكدت مكانتها كفنانة شرقية، من خلال تسجيل أغنية «سالمة يا سلامة» عام ١٩٧٧، متابعة: «هذا الانفتاح على اللغة والثقافة العربية يمثل تطورًا مهنيًا لافتًا، وكذلك دورها فى فيلم «اليوم السادس»، الذى نال استحسان النقاد السينمائيين.

حلم الرحيل
تضم قائمة الكتب عن حياة «داليدا» كتاب: «داليدا: حلم الرحيل»، الصادر فى فبراير ٢٠٢١، عن دار نشر «كليشى إيدشينز»، من تأليف الصحفى الإيطالى المعروف تونى دى كورسيا.
وسرد المؤلف بعض الحقائق فى حياة «داليدا»، بداية من حياتها فى مصر، حيث كان والدها جوزيبى عازف الكمان الأول فى دار الأوبرا المصرية، ووالدتها فيلومينا جوزيبينا دالبا تعمل كخياطة، مشيرًا إلى معاناتها فى طفولتها من «الحول»، ما أجبرها على ارتداء نظارات سميكة، والخضوع لعمليات جراحية دقيقة.

ونوه إلى اختيارها كـ«ملكة جمال مصر» عام ١٩٥٤، قبل أن تؤدى أزمة قناة السويس إلى منعها من تمثيل بلدها فى مسابقة ملكة جمال العالم. وخلال العام التالى، فُتحت لها أبواب السينما المصرية، واختارت «دليلة» كاسم فنى لها. وبعد ذلك، دفع المخرج ماركو دى جاستين الذى أخرج لها فيلم «قناع توت عنخ آمون»، ثمن تذكرة طائرتها إلى باريس، لتصل إلى العاصمة الفرنسية فى يوم عيد الميلاد، وتذهب للعيش فى شقة صغيرة بالقرب من «الشانزليزيه»، ونصحها الكاتب ألفريد ماشارد بجعل اسمها الفنى أكثر موسيقية، فقبلت الاقتراح وأصبحت «داليدا».
وفى بداية أبريل ١٩٥٦، شاركت «داليدا» فى مسابقة بمسرح «الأولمبيا»، حيث التقت شخصيتين رئيسيتين فى حياته المهنية، وهما منتج التسجيلات، إيدى باركلى، ومدير البرامج فى إذاعة «أوروبا ١»، لوسيان موريس، الذى أصبح فيما بعد زوجها. وفى أغسطس ١٩٥٦، صدرت أول أغنية لها باسم «مادونا».
الأغنية حظيت باستقبال فاتر إلى حد ما من جانب الجمهور الفرنسى، قبل أن تصدر بعدها أغنية «بامبينو». وساعد حدس «موريس» فى برمجة الأغنية عدة مرات يوميًا على «أوروبا ١» فى جعلها ناجحة وتحقق مبيعات كبيرة، لتصبح «داليدا» بعدها أشهر مغنيات فرنسا آنذاك.