الأربعاء 30 أبريل 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

روايات القرن.. 

من «جاتسبى» إلى «المحاكمة».. العالم يتذكر أعمال «العام الذهبى للأدب»

حرف

يحتفل العالم هذا العام بمرور 100 عام على نشر أعظم الأعمال الأدبية، التى كانت نتاج حصاد مجيد لعام 1925، الذى شهد ما يمكن اعتباره «ذروة» الأدب الروائى فى القرن العشرين، وربما طوال تاريخ البشرية، وفقًا لما يراه كثيرون.

وتضم قائمة الروايات والقصص القصيرة العظيمة التى تحتفل بالمئوية هذا العام: رواية «جاتسبى العظيم» للكاتب الأمريكى سكوت فيتزجيرالد، الصادرة فى أبريل 1925، و«المحاكمة» للأديب الألمانى فرانز كافكا، الصادرة أيضًا فى أبريل من نفس العام، إلى جانب «السيدة دالاوى» للكاتبة البريطانية فيرجينيا وولف، التى صدرت لأول مرة فى مايو 1925.

وتضم القائمة كذلك رواية «مأساة أمريكية» للأمريكى ثيودور درايزر، و«تحويلة مانهاتن» للأمريكى جون دوس باسوس، و«سر جريمة تشمينز» أو «أسرار المداخن» للبريطانية أجاثا كريستى، و«ابنة الساموراى» لليابانية ايتسو ايناجاكى سيجيموتو، و«الرجال يفضلون الشقراوات» للأمريكية أنيتا لوس، إلى جانب المجموعة القصصية «فى زماننا» للروائى الأمريكى إرنست همنجواى، والمجموعة القصصية «مذكرات طبيب شاب» للكاتب الروسى ميخائيل بولجاكوف.

وسلطت كبرى وسائل الإعلام العالمية الضوء على الاحتفال بالذكرى المئوية لميلاد أعظم الأعمال الأدبية. ونشرت صحف ومجلات مثل «التايمز» و«الجارديان» البريطانيتين، و«بيبول» و«نيويورك تايمز» الأمريكيتين، وغيرها من المنصات الدولية ذائعة الصيت، إعادة قراءة لبعض أعمال العام الذهبى للأدب 1925.

الرجال يفضلون الشقراوات.. ثورة الكوميديا الساخرة التى نفدت طبعتها الأولى فى 24 ساعة

نشرت مجلة «إير ميل» الأمريكية تقريرًا مطولًا عن الاحتفاء بمرور ١٠٠ عام على صدور رواية «الرجال يفضلون الشقراوات» أو «السادة يفضلون الشقراوات» للكاتبة الأمريكية أنيتا لوس. 

التقرير حمل عنوان «لوس.. الروائية التى تغلبت على سكوت فيتزجيرالد فى ملعبه»، وأعدته المجلة التى أسسها جرايدون كارث، رئيس تحرير مجلة «فانيتى فير» السابق، وأليساندرا ستانلى، المراسلة السابقة فى «نيويورك تايمز».

وذكر التقرير أنه قبل قرن من الزمان، استطاعت هذه الرواية القصيرة أن تسحر القراء العاديين وعمالقة الأدب، على حد سواء، من خلال نقدها اللاذع للمجتمع الأمريكى فى عصر «الجاز»، مستعرضة بشجاعة مواضيع الشهوة الأمريكية، والطموح نحو الثروة، والرغبة فى القبول الاجتماعى، والارتقاء الطبقى الذى كان يشكل جزءًا أساسيًا من الحلم الأمريكى آنذاك.

وسلط التقرير الضوء على كيفية تفوق أنيتا لوس على سكوت فيتزجيرالد فى معالجة هذه الموضوعات الاجتماعية، رغم أنها كتبت فى نفس الحقبة التاريخية التى برز فيها «فيتزجيرالد» كواحد من أهم كُتاب جيله، مبرزًا الأسلوب الساخر واللاذع الذى ميز كتابات «لوس»، وجعل من روايتها عملًا أدبيًا استثنائيًا لا يزال يحتفظ براهنيته حتى اليوم.

أنيتا لوس

نُشرت الرواية الكوميدية «الرجال يفضلون الشقراوات» فى الأصل على شكل حلقات فى مجلة «هاربر بازار»، خلال ربيع وصيف عام ١٩٢٥، ثم قررت دار «بونى وليفرايت» نشرها كرواية كاملة، فى نوفمبر ١٩٢٥، لتنال إشادة العديد من الكُتّاب، منهم سكوت فيتزجيرالد، مؤلف «جاتسبى العظيم»، وجيمس جويس وويليام فوكنر، وغيرهم.

كما أشادت بالرواية الكاتبة الأمريكية إديث وارتون، وهى أول امرأة تفوز بجائزة «بوليتزر» للأدب فى عام ١٩٢١، واصفة إياها بـ«الرواية الأمريكية العظيمة»، بعدما جسدت شخصية «لوريلى لى» الجشع والانغماس فى الملذات، اللذين ميّزا أمريكا فى عشرينيات القرن الماضى، خلال رئاستى وارن هاردينج وكالفن كوليدج.

وتروى القصة مغامرات «لوريلى لى»، وهى فتاة شقراء شابة تبحث عن المال، وصديقتها المتمردة «دوروثى»، خلال عصر «الجاز». ونُشرت هذه الرواية الخفيفة فى العام نفسه الذى نُشرت فيه رواية «جاتسبى العظيم» للكاتب الأمريكى سكوت فيتزجيرالد، وكواحدة من عدة روايات أمريكية بارزة صدرت عام ١٩٢٥. وعلى عكس التوقعات، تفوقت رواية «الرجال يفضلون الشقراوات» على رواية «جاتسبى العظيم» التى صدرت فى أبريل ١٩٢٥، وحققت الأولى نجاحًا تجاريًا ونقديًا لافتًا. 

عندما نُشرت رواية «لوس» كحلقات مسلسلة فى مجلة «هاربرز بازار»، شهدت المجلة زيادة غير مسبوقة فى التوزيع، وبعد صدورها كرواية، فى نوفمبر من نفس العام، نفدت الطبعة الأولى فى يوم واحد، ثم تلتها الطبعة الثانية التى بلغت ٦٠ ألف نسخة ونفدت بسرعة قياسية، لتحتل المرتبة الثانية فى قائمة الأكثر مبيعًا عام ١٩٢٦. 

فى المقابل، لم تتجاوز مبيعات «جاتسبى العظيم» التى سبقتها فى الصدور بعدة أشهر، حاجز الـ٢٠ ألف نسخة، أى أقل بـ٤٠ ألف نسخة من رواية «لوس» الكوميدية. ورغم اختلاف النهج الأدبى بين العملين، إذ اتجه «فيتزجيرالد» نحو المأساة، بينما اختارت «لوس» الكوميديا الساخرة، حظيت الأخيرة بإشادة نقدية وتجارية أكبر وقت صدورها. 

وكشف الصحفى روبرت مكروم أن رواية «الرجال يفضلون الشقراوات» حققت انتشارًا غير مسبوق، ونفدت طبعاتها المتتالية بسرعة، ووصلت إلى أكثر من ٨٠ طبعة، وتُرجمت إلى ١٤ لغة حول العالم. وفى قائمته لـ«أفضل ١٠٠ رواية»، وضع «مكروم» رواية «لوس» فى المرتبة العاشرة، معتبرًا إياها أفضل بكثير من رواية «فيتزجيرالد» التى صدرت فى نفس العام.

ونشأت فكرة رواية «الرجال يفضلون الشقراوات» فى ذهن أنيتا لوس، خلال رحلة قطار من نيويورك إلى لوس أنجلوس، حيث كانت ترافق الممثل والمخرج دوجلاس فيربانكس وفريقه. 

واعترفت «لوس» لاحقًا بتفاصيل ميلاد الفكرة، قائلة: «كانت معنا شقراء طويلة القامة تنطلق إلى هوليوود لتصبح نجمة فى فيلم (فيربانكس) المقبل، ورغم كونى قصيرة (أقل من ١٥٠ سم)، لاحظت كيف تحظى تلك الفتاة بكل الاهتمام والخدمة من الرجال، بينما تركوا لى حمل الحقائب الثقيلة دون أى اعتبار».

وعرضت «لوس» قصتها على الصحفى «إتش.إل. مينكين»، المعروف بإعجابه بالشقراوات، والذى اقترح نشرها فى مجلة «هاربرز بازار»، لتتحول هذه القصة الساخرة من دعوة للأخلاق المعاصرة إلى ظاهرة أدبية، ويشهد رئيس التحرير زيادة كبيرة فى الإعلانات والمبيعات، حتى تضاعفت ٣ مرات.

ورغم مظهرها الخفيف، حملت الرواية عمقًا حادًا فى نقدها الاجتماعى، فالرواية التى تُروى على لسان البطلة، تقدم نقدًا لاذعًا للسعى وراء الثروة، متبعةً تقليدًا أدبيًا استخدم فى «توم جونز» لـ«هنرى فيلدينج» و«بارى ليندون» لـ«وليم ثاكرى».

تتبع الرواية مغامرات «لوريلى» و«دوروثى» الاجتماعية والعاطفية، بما فى ذلك لقاء «لوريلى» بـ«الدكتور فرويد»، الذى أُعجب بفتاة تبدو دائمًا مسيطرة على رغباتها. وتبرز فلسفة «لوريلى» فى عبارتها الشهيرة: «القبلة على يدك قد تجعلك سعيدًا، لكن سوار الألماس يدوم للأبد»، ما يعكس سعيها لزواج مادى ناجح من رجل ثرى.

وتتميز «الرجال يفضلون الشقراوات» بأسلوبها الساخر، من خلال شخصية «لوريلى» التى تكتب بأخطاء إملائية ولغوية متعمدة، وتعترف بصراحة غير معتادة بجشعها الذى لا تراه عيبًا بل ضرورة حياتية. وتترك الكاتبة القارئ فى حيرة بين الضحك على الشخصية أو معها، فى تجربة أدبية فريدة تخلط بين السخرية والتعاطف. 

وقالت أنيتا لوس، فى مقدمة إحدى الطبعات اللاحقة: «بنظرتى الطفولية القاسية، لم أستطع أبدًا رؤية السلوك البشرى إلا كمجرد حماقة.. نظرتى للحياة كطفل فى العاشرة يضحك أمام المصائب». هذا الاعتراف يكشف عن فلسفتها التى تعتمد على السخرية كوسيلة لفهم الحياة، إذ جعلت من الضحك نفسه هدفًا أدبيًا بحد ذاته. 

وُلدت أنيتا لوس عام ١٨٨٩ فى شمال كاليفورنيا، امرأة قصيرة القامة «أقل من ١٥٠ سم» ونحيفة الجسم، لكنها استطاعت بذكائها الحاد وحسها الفكاهى الدقيق أن تترك بصمة كبيرة فى عالم الأدب والسينما، وعملت كاتبة سيناريو ومسرحيات قبل أن تصل إلى الشهرة بروايتها الأشهر التى حولتها إلى أيقونة ثقافية. 

حققت الرواية انتشارًا غير مسبوق، واشترى أمير ويلز ١٩ نسخة منها، ونالت إعجاب العائلة المالكة البريطانية. كما فتحت للكاتبة أبواب الصحافة العالمية والأوساط الأرستقراطية الأوروبية ومجتمع هوليوود الفاخر، لتصبح كل رحلة تقوم بها عبر المحيط الأطلسى حدثًا إخباريًا يتابعه الجميع.

ظهرت موهبة أنيتا لوس الأدبية فى سن مبكرة جدًا، ونُشرت أول أعمالها وهى فى الثامنة من عمرها فقط، عندما فازت بمسابقة مجلة عن إعلان ملصق كتبته بأبيات شعرية مقفاة. 

وفى مطلع العشرينيات من عمرها، دخلت عالم «هوليوود» الناشئ بجرأة، بعدما أرسلت سيناريو إلى المخرج الأسطورى «دى. دبليو. جريفيث»، الذى أصبح مرشدها وأخرج أول عمل لها بعنوان «قبعة نيويورك» عام ١٩١٢، بطولة ليونيل باريمور ومارى بيكفورد وليليان جيش.

أصبحت «لوس» من رواد كتاب السيناريو فى هوليوود بحلول عام ١٩١٥، لتكتب نحو ١٤٠ سيناريو خلال عصر السينما الصامتة فقط. ومن أبرز أعمالها اللاحقة فيلما «امرأة ذات شعر أحمر» و«النساء»، واللذان كتبتهما بعد فشل سكوت فيتزجيرالد فى كتابة النسخ السينمائية. كما قدمت نسخة مسرحية من عمل «جيجى» لـ«كوليت» على مسرح «برودواى».

واجه أسلوب «لوس» الساخر فى استخدام اللغة تحديات كبيرة فى عصر السينما الصامتة، وانتقدها المخرج «جريفيث» ذات مرة، قائلًا: «الناس لا يذهبون إلى السينما للقراءة!». لكنها أثبتت خطأه من خلال رفع مستوى الأفلام المعروضة إلى آفاق جديدة من السخرية والتورية والحوار الذكى. كتبت لاحقًا فى مذكراتها «فتاة مثلى» عام ١٩٦٦: «الأفلام المقتبسة عن أعمال أدبية ساخرة وكوميدية قد غزت الشاشة». 

طبقت أسلوبها الساخر على حياتها الخاصة أيضًا، خاصة عند وصف زواجها الصعب من الممثل والمخرج جون إيمرسون، الذى وصفته باللص النرجسى الذى عانى من وسواس المرض. ورغم خياناته المتكررة وسرقته لأموالها، ظلت «لوس» تدعمه ماديًا ومعنويًا حتى وفاته، معبرة عن ذلك بسخرية مميزة واصفة نفسها بـ«الضعيفة» و«العروس المازوخية».

عاشت «لوس» حياة طويلة ومفعمة بالإنجازات الفنية، وتوفيت عام ١٩٨١ عن عمر يناهز ٩٣ عامًا، تاركةً إرثًا فنيًا غنيًا تم توثيقه فى العديد من الدراسات والأبحاث. وعلى النقيض من حياة «فيتزجيرالد» المأساوية الذى توفى فى الرابعة والأربعين من عمره بسبب إدمان الكحول، ولم يشهد نجاح روايته «جاتسبى العظيم» التى نُسيت فى حياته، استطاعت «لوس» أن تحقق النجاح والشهرة فى حياتها وتترك أثرًا فنيًا دائمًا.

المحاكمة.. خالدة كافكا التى نثر سحرها على العالم

تحل الذكرى المئوية لإصدار رواية فرانز كافكا الشهيرة «المحاكمة»، خلال أبريل الجارى، بعد نشرها لأول مرة فى أبريل عام ١٩٢٥، بعد عام واحد من وفاة مؤلفها.

وسلطت صحيفة «ماين كامبس»، التى تعد إحدى أقدم الصحف فى ولاية مين الأمريكية، ويعود تاريخ تأسيسها إلى عام ١٨٧٥، الضوء على جماليات رواية «المحاكمة»، وشهرتها التى جعلتها تُترجم إلى أكثر من لغة حول العالم.

تبدأ رواية «المحاكمة» باعتقال «جوزيف. ك.». لكنه لا يبدو أنه يستطيع معرفة التهمة الموجَهة إليه. وبينما يشق طريقه عبر شبكة معقدة من «الفخاخ البيروقراطية»، فى محاكاة ساخرة للنظام القانونى، يواصل ارتكاب أفعال تجعله يبدو مذنبًا، وفى النهاية، يقرر متهموه بأنه مُذنِب، فيُعدم فورًا.

كافكا

فى «المحاكمة»، التى تعتبر من أشهر روايات القرن العشرين، يعتمد «كافكا» على ما يُعرف بـ«الأسلوب المُقيّد»، وهو العنصر السرى الذى يجعل هذه الرواية، التى تدور حول موظف بنك يشق طريقه عبر «البيروقراطية»، قصةً شيقةً ونوع من السخرية الدرامية.

ويشير الروائى ديفيد فوستر والاس، فى مقال له بعنوان: «الضحك مع كافكا»، إلى أن «هذه هى حيلة كافكا وطريقته الأدبية، وهذا ما يجعله مُضحكًا للغاية، عبر حجب المعرفة عن البطل والقارئ. يُعلق كافكا وعدًا بأن كل شيء سيُكشف فى النهاية، لكن مع كل جملة يستوعبها القارئ، يزداد احتمال بقاء سبب اعتقال جوزيف لغزًا».

مع تعمق «المحاكمة» فى مسارها المأساوى داخل عالم «جوزيف» المُنعزِل والمُهدَد والمُغرر به جنسيًا، يتضح تدريجيًا أن الإجابة لم تكن واردة. وفى الواقع، يُلمّح «كافكا» إلى جهل الراوى منذ البداية: «لا بد أن أحدهم قد شوّه سمعة جوزيف.. ففى صباح أحد الأيام، دون أن يرتكب أى خطأ، أُلقى القبض عليه». لماذا هذا التخمين حول ما «لا بد» أن يكون قد حدث، إلا إذا كان الراوى، الذى يروى القصة بصيغة الماضى، لا يعلم؟ هذا الجهل يُضفى على الفكاهة طابعًا خاصًا: ففى لحظات مُحددة من رحلة «جوزيف»، يصبح إحباطه من جهله لا يُطاق، وعندها لا يبقى أمامه خيار سوى الضحك.

جاتسبى العظيم.. «نص فاشل» يصبح «ثانى أعظم رواية فى القرن العشرين»

احتفت أكثر من وسيلة إعلام عالمية بالذكرى المئوية لصدور رواية «جاتسبى العظيم»، طوال شهر أبريل الجارى، على رأسها قناة «CBS» الأمريكية، التى أفردت تقريرًا مهمًا للعمل الأدبى الخالد بعنوان: «رواية جاتسبى العظيم تبلغ عامها المئة: بعد أن فشلت بداية فى المبيعات، تُعتبر الآن الرواية الأمريكية العظيمة».

وذكرت القناة الأمريكية، فى التقرير، أنه «عندما كتب سكوت فيتزجيرالد رواية (جاتسبى العظيم) فى ذروة ازدهار عشرينيات القرن الماضى، لم يكن ليتخيل أبدًا أنها ستصبح من أبرز ١٠٠ رواية فى القرن العشرين».

وأوضحت أنه عندما توفى «فيتزجيرالد»، الذى أوصلته روايته الأولى «هذا الجانب من الجنة» إلى عالم الشهرة فى سن الـ٢٤، عام ١٩٤٠، فى سن مبكرة عن عمر يناهز ٤٤ عامًا، كانت روايته «جاتسبى العظيم» فى غياهب النسيان. الآن، بعد مرور ١٠٠ عام على نشرها لأول مرة فى ١٠ أبريل ١٩٢٥، لا تزال واحدة من أبرز «قصص الغطرسة الأمريكية».

سكوت فيتزجيرالد

وتحكى رواية «فيتزجيرالد»، التى لطالما كانت مادة أساسية فى فصول الأدب بالمدارس الثانوية، قصة «نيك كاراواى»، وهو شاب من الغرب الأوسط الأمريكى (بديل مُتخفٍّ لـفيتزجيرالد نفسه) يُفتن بأسلوب حياة عصر «الجاز» المُفعم بالحيوية فى «لونج آيلاند»، خاصةً تأثيرات «جاى جاتسبى». ومثل «كاراواى» تمامًا، «جاى جاتسبى» شاب من الغرب الأوسط الأمريكى، هاجر إلى الساحل الشرقى ليُصبح مشهورًا.

عندما نُشرت الرواية لأول مرة، كانت المراجعات إيجابية فى الغالب، لكنها لم تكن مُجمعة، ليشاهد «فيتزجيرالد» روايته وهى تتراجع فى السوق التجارية، وبيع منها أقل من ٢٠ ألف نسخة فى البداية، ولم تحقق هذا القدر من التقدير الذى تتمتع به الآن خلال حياة المؤلف نفسه، الذى لم يمضِ وقت طويل على وفاته حتى انطلقت شهرته الأدبية.

ورغم أن الراوية بمثابة تحفة فنية الآن، تباينت ردود الفعل وقت صدورها، حتى إن أحد النقاد كتب حينها قائلًا: «لا أعرف حتى ما إذا كانت مفهومة تمامًا لأى شخص لم يطّلع على طبيعة الحياة التى تُصوّرها». فى ذلك الوقت، كانت الحياة التى عاشها «فيتزجيرالد» عالمًا فاخرًا مُخصصًا للأثرياء وأصحاب النفوذ، وفى روايته يحضر «نيك كارواى»، تجمعات جاره من الأثرياء الجدد الفاخرة فى صيف عام ١٩٢٢، فى وقت كانت فيه العديد من العائلات الأمريكية تعيش فى فقر.

ورغم وفاة «فيتزجيرالد»، لا تزال روايته عن الحنين إلى الماضى والحب والطبقية وأمريكا تلامس قلوب كل جيل جديد، مُلهمة الفنانين والقراء بلغتها الرائعة وقصتها المأساوية الخالدة، والشخصيات والسياسات التى تناولتها ولا تزال تتردد فى الأذهان، من المشاعر القبيحة لليمين المتطرف، والانقسام بين الساحلين الشرقى والغربى، وغطرسة الأغنياء، ومحاولات إحياء الماضى.

ولم تُحقق رواية «جاتسبى العظيم» نجاحًا كبيرًا إلا بعد توزيع نُسخ ورقية صغيرة الحجم منها على الجنود الأمريكيين خلال الحرب العالمية الثانية. ويبدو أن الشباب خلال فترة تجنيدهم، وهم بعيدون عن حياتهم العادية، ومشتاقون لخطيباتهم، تعلقوا بشخصية «جاتسبى»، التى تعمد «فيتزجيرالد» حجبها ليتمكن أى قارئ من رؤية أحلامه فيها. ومع انتهاء الحرب، ربما رأوا أنفسهم فى «نيك كاراواى»، العائد من الحرب العالمية الأولى، والذى لا يتأقلم تمامًا مع أي من الظروف الاجتماعية التى وجد نفسه فيها.

قبل ساعات من حلول عام ٢٠٠٠، طلبت مكتبة «مودرن» من الكُتّاب والمؤرخين والنُقاد والناشرين تصنيف اختياراتهم لـ«أفضل روايات القرن العشرين عالميًا»، فتصدّرت «جاتسبى العظيم» جميع الروايات الأمريكية فى القائمة، وجاءت فى المركز الثانى من بين كل الروايات المتنافسة عمومًا. منذ ذلك الحين، قُدمت الرواية فى عدة أفلام سينمائية، إلى جانب تقديمها فى المسرح. ومنذ طرحها للتداول فى عام ٢٠٢١، أصبحت موضوعًا لعدد لا يُحصى من عمليات إعادة التخيل والمزج.

وأُقيمت عدة فعاليات للاحتفال بالذكرى المئوية لرواية «جاتسبى العظيم»، أبرزها فى ولاية مينيسوتا. وفى نيويورك، أعلن مبنى «إمباير ستيت» عن خطط لإضاءته باللون الأخضر، فى إشارة إلى الضوء الأخضر الذى يرمز للرواية. كما أُقيم حفل صاخب داخل مطعم« إمباير ستيك هاوس» فى نيويورك، والذى كان دار أوبرا فاخرة فى عهد «فيتزجيرالد»، ووُصف هذا الحدث بأنه «الاحتفال الأكثر إسرافًا فى المدينة»، وتضمن عزف موسيقى جاز حية، ورقصًا من العصر الذهبى، وخُطب من مسئولى مكتبة نيويورك العامة. وفى «سانت بول»، مسقط رأس «فيتزجيرالد»، شملت الفعاليات معرضًا عن حياة الكاتب وعصره، داخل مركز «مينيسوتا» التاريخى، بالإضافة إلى فعاليات متنوعة مستوحاة من أجواء الرواية المُلائمة للحفلات فى عصر حظر الكحوليات.

ابنة الساموراى.. أول مذكرات لأمريكية من أصل آسيوى تلهم نساء العالم

شهد عام ١٩٢٥ صدور رواية «ابنة الساموراى» للكاتبة اليابانية إيتسو إيناجاكى سوجيموتو، والتى يحتفل العالم هذا العام بمرور قرن كامل على نشرها لأول مرة. 

تقدم هذه الرواية سيرة ذاتية استثنائية لامرأة شكلت جسرًا بين قرنين متباينين: التاسع عشر والعشرين، ومنقولة بين عالمين: صرامة وقيم عائلة «الساموراى» اليابانية التقليدية من جهة، وحريات وتطلعات الغرب الحديث من جهة أخرى.

تتناول الرواية حياة المؤلفة التى عملت مدرسة للغة اليابانية والتاريخ فى جامعة «كولومبيا» بالولايات المتحدة، وتصور «سوجيموتو» فيها برهافة مشاعر امرأة نجحت فى التنقل بين ثقافتين متباينتين، لتصبح أول امرأة أمريكية آسيوية تنشر مذكراتها، بأسلوبها الأدبى الرشيق، وتروى رحلتها الملحمية كامرأة عنيدة، وزوجة مخلصة، وأم أرملة، ومعيلة ثنائية اللغة تبحث عن مكانها وصوتها فى عالم جديد وغريب.

ولدت «سوجيموتو» عام ١٨٧٤ وتوفيت ١٩٥٠، وبدأت مسيرتها فى الكتابة بمقالات عن اليابان فى صحف سينسيناتى بأوهايو باللغة الإنجليزية، ثم نشرت فى مجلة «آسيا» قبل أن تصدر كتابها الذى حقق انتشارًا عالميًا.

تحولت هذه السيرة الذاتية إلى ظاهرة أدبية، فتُرجمت إلى الفرنسية (١٩٣٠)، والسويدية (١٩٣٤)، والألمانية (١٩٣٥)، والدنماركية (١٩٣٧)، والفنلندية (١٩٣٧)، والبولندية (١٩٣٧) .

وجاءت الترجمة اليابانية للرواية عام ١٩٤٣ فى ذروة الحرب بين اليابان والولايات المتحدة، بعدما تعاونت «سوجيموتو» بحذر مع المترجمة أويوا ميو لتجاوز رقابة الحرب، ما أضاف بعدًا آخر لقصتها الاستثنائية.

وتظل «ابنة الساموراى» شهادة أدبية نادرة على قوة المرأة وصمودها، ووثيقة تاريخية ثقافية تجسد لقاء الشرق بالغرب فى مطلع القرن العشرين.

السيدة دالاوى.. رائعة فيرجينيا وولف تغير الأدب الإنجليزى إلى الأبد

يشهد مايو المقبل الاحتفال بالذكرى المئوية لصدور رواية «السيدة دالاوى» للكاتبة البريطانية فيرجينيا وولف، كواحدة من ضمن إبداعات «العام الذهبى للأدب» ١٩٢٥، والتى قالت عنها صحيفة «التايمز» البريطانية: «مزيج مُبتكر من السرد والشعر الغنائى والمونولوج الداخلى والقضايا المعاصرة عن معاناة إحدى الشخصيات الرئيسية من صدمة الحرب، ما أضفى عليها طابعًا أكثر جرأة».

فى ربيع عام ١٩٢٤، ألقت فرجينيا وولف، التى كانت آنذاك فى الأربعينيات من عمرها، محاضرة شهيرة، نُشرت لاحقًا تحت عنوان: «السيد بينيت والسيدة براون»، قالت فيها: «نحن على أعتاب عصر من أعظم عصور الأدب الإنجليزى»، وربما كانت تتحدث عن نفسها، ففى السنوات الـ١٥ التالية، وقبل انتحارها، غيّرت «وولف» المشهد الأدبى الإنجليزى إلى الأبد.

فرجينيا وولف

و«السيدة دالاوى» هى الرواية الرابعة لـ«وولف»، نُشرت بواسطة دار «هوجارث» فى لندن، يوم ١٤ مايو ١٩٢٥، فى طبعة ضمت ٢٠٠٠ نسخة، وتعد من أعظم إنجازات الكاتبة البريطانية، ولا تزال أحداثها تُلهم أجيالًا جديدة من الكُتّاب والقُرّاء.

تدور الرواية فى يوم واحد، ١٣ يونيو ١٩٢٣، والبطلة فيها امرأة إنجليزية من الطبقة العليا تعيش فى «وستمنستر»، وتُخطط لحفل خاص بزوجها، وهو سياسى محافظ من الطبقة المتوسطة. مع تقدّم أحداث يوم السيدة التى تدعى «كلاريسا دالاوى»، فى «مايفير» وما حولها، نكتشف أنها لا تتلقى العلاج فى شارع «هارلى» من اكتئاب حاد فحسب، وهو موضوع مألوف لدى «وولف»، بل تخفى أيضًا ماضيًا مضطربًا زاخرًا بالحب غير المعلن، وإيحاءات بالمثلية الجنسية. وتعانى الشخصية الرئيسية الثانية فى الرواية، وهى «نسخة» صريحة منها، من نفس الاضطراب.

ويُعانى «سيبتيموس وارن سميث» من صدمةٍ نفسية، فهو محارب قديم تعرض لصدمة نفسية خلال الحرب العالمية الأولى، وهو الآن فى طريقه إلى استشارة الطبيب النفسى لـ«كلاريسا». وفى خضمّ الاستعدادات للحفل، يلقى «سيبتيموس»، الذى كان ينتظر نقله إلى مصحة، بنفسه من النافذة، ويصبح خبر انتحاره موضوع نقاش فى حفل السيدة «دالاوى»، الذى تشير «وولف» إلى تعاطفها العميق مع معاناة الرجل المنتحر، قبل أن تنتهى الرواية دون حل، لكن بنبرةٍ من التهديد المُثير للترقب.