الأحد 27 يوليو 2025
المحرر العام
محمد الباز

سيدة النغم والألم.. أحزان أنغام.. ليه حظى معاكى يا دنيا كده؟

حرف

- والدها يُعنّف والدتها ويضربها وهى لا تزال طفلة ثم تُتهم بـ«الجحود» عندما تأخذ موقفًا منه

فى أحد التسجيلات القديمة لحفل غنائى قبل سنوات، تطل المطربة الكبيرة أنغام بتألق معتاد، تقف بكل الانكسار الذى فى الدنيا، وبصوتها المميز الذى يتغلب فيه الإحساس والصدق على النغم والعذوبة، أو قل يختلط فيه كل هذا، تسأل الدنيا بحزن، توجه إليها عتابًا، لعله يكون بردًا وسلامًا على قلب أنهكته الأوجاع: 

ليه فى الأحزان تفتكرينى؟

وفى عز الفرحة تنسينى؟

وأرسم لك ضحكة تبكينى؟

أغنية «ليه حظى معاكى يا دنيا كده»، لعمها الراحل عماد عبدالحليم، الذى يشكل هو الآخر محطة من محطات أوجاعها العديدة، فى رحلة عمرها الـ53 عامًا بحساب السنين، و1000 أو أكثر بحساب الأحزان والانكسارات والآلام والمرض والإساءات والاتهامات والشائعات، فيوم فى دائرة مثل تلك كألف سنة مما تعدون!

 

٨ دقائق كاملة، ذابت أنغام خلالها فى كلمات الأغنية فأذابتها، تذكرت مع كل حرف من حروفها مشهدًا من مشاهد عمرها القاسى:

والدها الذى يُعنف والدتها ويضربها وهى لا تزال طفلة، ثم تُتهم بـ«الجحود» عندما تأخذ موقفًا منه.

الوفاة المأساوية لعمها.

وفاة الأخت فى حادث مأساوى هى الأخرى، وبدلًا من مواساتها يتهمون إياها بالتآمر على الشقيقة الراحلة لمنع ظهورها فنيًا.

وبين هذا وذاك، شائعات تطاردها عن أدق تفاصيل حياتها الشخصية، تزوجت، انفصلت، تآمرت، خطفت زوجًا من زوجته، وصولًا إلى تهمة التآمر على زميلاتها من المطربات.

فى آخر الأغنية، تنظر أنغام إلى الخلف، وكأنها تسترجع الماضى بكل ذكرياته، ثم تنظر إلى الأرض فى انكسار غير معتاد، وتكتم دمعة تصر على فراق العيون، وكأنها تقول- معبرة عن مشوار حياتها الطويل-: لن أبكى رغم كل هذا العذاب، لن أبكى رغم معاناة هذا القلب، مهما فعلت فىّ هذه الدنيا، مهما كان حظى معها، مهما أوجعونى بكلامهم وشائعاتهم واتهاماتهم.. من كل وبكل هذا العذاب.. فقط سأغنى.

سيبونى فى حالى

تذكرت هذه الدمعة المكتومة فى هذا الحفل القديم، وأنا أشاهد أنغام تبكى بحرقة فى أحد البرامج التليفزيونية، قبل أيام، ردًا على اتهامها بتدبير حملات ضد زميلتها: شيرين عبدالوهاب.

قالت أنغام يومها: «حرام وعيب اللى بتقولوه عليا فى حملات الهجوم على شيرين عبدالوهاب.. مينفعش نوصل إننا نوجه الرأى العام كله، ونطلع أنغام شخص شيطان وبيشن حملات على زميلة.. الكلام ده ظلم وعيب وحرام».

لم تجد أنغام بدًا سوى أن تنفجر فى البكاء، وهى تقول بحرقة قلب: «سيبونى فى حالى»، قبل أن تكشف عن تعرضها لوعكة صحية، دخلت على إثرها المستشفى لتلقى العلاج، لعل الناس ترحم ضعفها، وتتركها بكل ما فيها من تعب، تواجهه بمفردها، كما اعتادت دومًا، قبل أن يخرج أحد الصحفيين ويؤكد إصابتها بـ«سرطان الثدى»، وسفرها للعلاج منه خارج مصر.

صحيح أنها خرجت ونفت صحة هذا الكلام، مؤكدة أنها سافرت لإجراء «فحوصات روتينية»، وسط حديث دائر عن مشكلة فى الكلى، أنغام تعانى بالفعل، تعانى من ألسنة لا ترحم، وأقلام لا تكتب سوى حقد، وقلوب لا تعرف غير الغيرة، وقبل كل هذا، ماضى أمدها بالإحساس الذى يخترق قلوبنا مع كل حرف تغنيه، لكنه ترك ندوبًا كثيرة فى قلبها الضعيف.

زعلانة منك ياسى بابا

الظهور الأول لأنغام على المسرح كان مع والدها الموسيقار محمد على سليمان، وهى لا تزال فى العاشرة من عمرها أو أكثر قليلًا، من خلال تلك الأغنية الشهيرة التى يعرفها جمهورها: «بنتى حبيبتى» أو «زعلانة منك يا سى بابا».

الأغنية تحكى عن خلاف يقع بين الأب والأم، فتتدخل «الطفلة» أنغام للصلح بينهما.

ترد الابنة على نفى والدها وقوع أى خلاف:

لا يا سى بابا زعلك باين جوه عينيك

فين البسمة؟

فين حنية لمس إيديك

ولا بتبوسنا لما تروح 

ولا بتبوسنا لما بترجع

ولا بتمسح دمعتها

كده يرضيك؟!

هل تعلم عزيزى القارئ أن الأغنية كانت تعيشها هذه الطفلة واقعًا فى منزلها؟!

لو سألت أى متابع للساحة الغنائية عن أنغام، سيذكر لكَ بدون تردد قصة «جحودها» مع والدها، الذى «صنعها وقدمها للجمهور»، فما كان منها إلا أن «نسيت فضله».

ظلت أنغام لسنوات طويلة تخبئ السر، الناس يوجّهون إليها هذه التُهم الصعبة، وهى تصمت ولا ترد، حتى فاض بها قبل عامين تقريبًا، حين خرجت وكشفت السر: والدها كثيرًا ما ضرب والدتها وعنّفها أمامها، وهى لا تزال طفلة، ضرب جعلها تقول دون أى لحظة تردد: لن أسامحه.

قالت أنغام إن ضرب والدها لوالدتها أمام عينيها أثر فيها نفسيًا بشكل كبير، وكان السبب الرئيسى وراء رفضها مسامحة والدها، مضيفة فى لقاء تليفزيونى: «كنت أحب والدى بشدة فى طفولتى، لكن هذا الموقف جعلنى أراه شخصًا آخر، وتغيرت علاقتى به تمامًا».

وتضيف كاشفة عن جانب مهم من جوانب حياتها: «شعرت بمسئولية تجاه والدتى بعد أن رأيتها تتعرض للضرب، لدرجة أننى لم أعد أسلم عليه، أو أقبله بعد هذا الموقف»، مشددة- وهى لا تزال طفلة- على أنها كانت تشعر بالراحة فى هذا القرار.

فلتتخيل معى ما كانت تتعرض له والدة أنغام لتجعلها تقول هذا عن والدها الذى ارتبطت به ارتباطًا شديدًا، فلتتخيل معى ما كان يحدث وجعل مطربة تحظى بما تحظى به أنغام من شهرة تقاطع والدها كل هذه السنوات الطويلة، ولا تبدى حتى مسامحتها له، فقط أمام الجمهور، وليبقى ما فى القلب فى القلب.

فى البحث عن علاقة أنغام بوالدها الموسيقار محمد على سليمان، وقع أمامى حوار قديم له مع مجلة «دنيا الفنون»، تحديدًا فى ٢ مايو ١٩٩٨، بعد أسبوع فقط من إعلانها الصلح معه، وسعادتها الكبيرة بذلك.

فلتنظر معى إلى ما قاله من عناوين فى هذا الحوار، واحكم بقلبك على الدوافع التى جعلت مطربة «يا أعز وأغلى وأطيب قلب» تقاطع والدها كل هذه السنوات:

- أنغام ماتت كُرهًا فى أبيها والوسط الفنى وكل من حولها.

- أنغام ماتت عندما خرجت من «المحراب الفنى» الذى وضعته لها.

- هى لم تبتعد عن محمد على سليمان بقدر ما ابتعدت عن الفن الصادق.

- الألحان التى تغنت بها أنغام بعيدًا عن محمد على سليمان كانت أشبه بالمصنوعات التايوانية.

- لا توجد مصالحة مع أنغام بل توجد «قلة أدب» و«عقوق».

- زوجها «مجدى عارف» مهندس صوت فاشل لم أسمع به من قبل.

- أُحبطت من «جحود» أنغام التى كلفنى بناء صوتها عمرى كله.

- الجحود حالة مرضية ورثتها أنغام من خالاتها اللاتى تسببن فى قتل زوج إحداهن، الملحن محمد العجمى، وتحاول الآن قتل الرجل الطيب فى داخلى، على طريقتهن.

كل هذا فى حوار واحد: «قليلة أدب» و«عاقة» و«مريضة» و«قاتلة»، وأعمالها بعيدًا عن والدها «تايوانى»! 

والد أنغام كان وما زال يشعر بأنها مِلكه الخاص، عجيبته التى «صُنعت على عينه»، فلا تكون لأحد غيره. 

لعل ذلك ما يكشفه بوضوح ما قالته أنغام نفسها، فى حوار مع مجلة «المصور»، عام ٢٠٠٧: «كان يصر على أن يلحن الألبوم كله، فتناقشت معه وتوصلنا إلى أن المرحلة الحالية لا يمكن فيها أن أقدم ألبومًا كاملًا بملحن واحد، وأنى أحتاج إلى الدم الجديد الموجود فى السوق حاليًا».

رغم أن الحوار أكد تقديم الوالد لحنين اثنين لأنغام فى هذا الألبوم، لم يحدث ذلك، وخرج الألبوم المقصود «كل ما نقرب لبعض» بدون لحن واحد للأب.. يبدو أنه أصر على أن تكون أنغام له وحده.

غنوة

وجه آخر من أوجه الألم فى حياة أنغام مرتبط بشقيقتها «غنوة»، التى توفيت فى حادث مأساوى قبل سنوات. اتهموا أنغام بمحاربتها والوقوف ضدها خوفًا من منافستها إياها «عشان صوتها أحلى منها».

صمتت أنغام كعادتها لسنوات أمام هذا الاتهام، لم ترد، لم تدافع عن نفسها، حملت ذلك فى قلبها، وعكسته فى صوتها على المسرح والاستديو، وبعد الوفاة المأساوية للشقيقة الصغرى، خرجت لترد:

قالت أنغام: «وفاة غنوة أصعب لحظة مرت علىّ فى حياتى. الموقف كان قاسى جدًا، مكنتش عايزة أصدق خالص لحد ما أنا غسلتها بإيدى، كنت عايزة أصحيها. على الرغم من إننا مكناش على علاقة كويسة ببعض، بس مكنتش أتخيل دا يحصل، اللى أقدر أقوله بمنتهى الأمانة، عمرى ما كنت سبب إنى (غنوة) تزعل منى، أو يحصل بينا المشكلة».

وأرجعت خلافها مع «غنوة» إلى «سوء تفاهم»، ووجود من كان ينفخ النار بينهما، مضيفة: «كانت بنتى مش أختى، الفرق بينا أكثر من ١٦ سنة، لو عمرها طال شوية كان ممكن الأمور تتغير، وممكن كانت عذرتنى، لكن ربنا أراد كدا، هى معرفتش تعذرنى، وهى كمان معذورة الله يرحمها، لأنها ملقتش اللى يحنن قلبها».

وواصلت: «وحشتنى جدًا، (غنوة) بنتى الصغيرة، مش (غنوة) اللى كانت زعلانة وغضبانة، وحشتنى البنوتة اللى كنت بسرح ليها شعرها وأخدها فى حضنى».

ولا تزال أنغام ترعى ابن شقيقتها الراحلة «ياسين»، الذى وصفته بأنه «أحلى حاجة سابتها (غنوة) ليا فى الدنيا».

هذا ما قالته أنغام عن شقيقتها، فماذا قالت الراحلة نفسها؟

- علاقتى مع أنغام زى أى اتنين إخوات بيحصل بينهم مشاكل.

- ده رأيى الشخصى، وأنا محدش يقدر يجبرنى على رأى شخصى، أنا كبرت لدرجة ما تخليش لحد يقولى مثلى ما تمثليش.. غنى ما تغنيش.

ورغم ما يبدو من كلامها السابق من أن أنغام طلبت منها ما يتعلق بعملها فى الفن، أرجعت «غنوة» توقفها عن الغناء لفترة إلى رغبتها فى التفرغ لابنها «ياسين».

فى كل الأحوال، ما حدث بين الشقيقتين يبدو فى كثير من تفاصيله ليس كما يُروج عن أنغام، خلافًا أسريًا يحدث بين كثيرين، كما قالت الشقيقة الراحلة، اختلاف آراء وارد الحدوث بين اثنتين فارق العمر بينهما ١٦ عامًا كاملة، وتعملان فى مجال تُسلط فيه الأضواء على كل حركة وهمسة، مجال «بيعمل من الحبة قبة».

وجع عمره ما راح

الوجع الكبير الثالث فى حياة أنغام يتمثل فى وفاة عمها عماد عبدالحليم، الذى تصف وفاته ووفاة شقيقتها غنوة بأنهما «وجع عمره ما راح».

تقول أنغام عن عمها الراحل: «كان صاحبى وكنت مهمة أوى عنده، كان فتى أحلامى والراجل اللى بحب شكله، وكان دمه خفيف وطيب جدًا وحنون على الكل، لكنه مات صغير وعمره ٣٥ سنة بسبب الإدمان»، مشددة على أنها تحبه لدرجة أنها لا تريد أن تتذكر فكرة وفاته من الأساس.

٣ أوجاع عائلية كبرى، بينها علاقات زواج غير ناجحة، أقرت من خلالها أنغام بأنها لا تجيد اختيار الرجال، وصولًًا إلى أزمة اتهامها بتدبير حملة ضد شيرين، التى لا تترك مناسبة إلا ووصفتها بالمطربة الكبيرة. تقول أنغام عن شيرين، قبل ١٨ عامًا كاملة، فى حوار مع مجلة «المصور»: «من البداية لديها فكرة واضحة وشخصية غنائية، لذا صنعت شهرتها من اليوم الأول، هى ذكية وموهوبة جدًا».

لم تترك مثل هذه الشائعات أنغام يومًا واحدًا، لدرجة أنها عانت من التهاب فيروسى فى الحنجرة، عام ١٩٩٩، ظلت بسببه فى المستشفى عدة أيام، وأجبرها الطبيب على الصمت التام لمدة ١٠ أيام كاملة، فخرجت الصحافة وقتها لتقول إن هذه «تمثيلية» اعتراضًا منها على عدم تلبية مسئولى التليفزيون طلبها بمعاملتها كمعاملة المطربة ماجدة الرومى، خلال حفل «ليالى التليفزيون» وقتها. 

كما يكشف موضوع صحفى نشرته «الأخبار» عن معاناة أنغام من نوبات ألم فى الكلى، منذ عام ١٩٩٧، مع العلم أن المشاكل التى تعانى منها مؤخرًا فى الكلى أيضًا، وفق ما قيل.

كل هذا وأكثر، وما زال البعض يسأل عندما يستمع إلى أنغام، أو يشاهدها على المسرح: من أين لها كل هذا الإحساس؟!

يا صديقى، كيف لا يكون لها كل هذا الإحساس، بعد أن عاشت كل هذا الحزن؟!.