الخميس 13 فبراير 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أكان لابد يا لى لى؟.. آلاء عبدالعزيز على «الشيزلونج».. مريضة نفسية أم باحثة عن «الترند»؟

حرف

- «أكاذيب السوشيال ميديا» أصابتنا بحمى التشكيك فى كل شىء

- هل أصبحنا نتعامل مع كل القضايا مثل «قصة الطفل مدعى الغرق»؟ 

مذيعة دينية معروفة، تظهر بالشكل المعتاد لمُقدِمات البرامج الدينية: حجاب وملابس وقورة وصوت هادئ وحديث متزن، وفجأة تصدم جمهورها بتغيير كبير فى كل شىء، عرّفت متابعيها به عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، حين نشرت صورة لها بالحجاب، وأخرى من دونه، مع صورتين للسندريلا سعاد حسنى من فيلم «بئر الحرمان».

إنها الإعلامية آلاء عبدالعزيز، التى كتبت معلقة على الصورتين: «جماعة أنا عاوزة أعترف لكم اعتراف، أنا مريضة بجد، أنا مريضة حاليًا، عندى حالة انفصام شخصية، وانتكاسة نوبة هوس، دى مش أنا، دلوقتى أنا آلاء عبدالعزيز إللى بتكلمكم، التانية دى مش أنا، أنا مش فاهمة حاجة ولازم أتعالج، أنا بتدمر، الشخصية دى بتدمرنى»، مع الإشارة إلى طبيبها المعالج، الدكتور شادى محمد شرف، والإشارة إلى أنه هو من شخّص حالتها تلك، داعية إلى عدم انتقادها، ومساعدتها.

هذه المفاجأة الأولى

المفاجأة الثانية الأكثر صدمة كانت مقطع الفيديو الذى ظهرت فيه «آلاء»، وانتشر بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعى، وبدت به فى حالة انهيار تام، ثم قالت مُتحدثة بشخصية «آلاء الطيبة» -إن صح التعبير: «أنا آلاء عبدالعزيز المذيعة الدينية الداعية الإسلامية.. نمت صحيت لقيت نفسى قلعت الطرحة، وبنزل بليل، وبقيت واحدة تانية.. مش فاكرة حاجة.. مش عارفة أنا مين.. عارفين فيلم (بئر الحرمان).. أنا بالظبط زيه. أنا مش فاكرة إنى عندى بنت.. بصحى الصبح مش فاكرة بنتى، عايزة حد يلحقنى ويتبنى حالتى».

فجأة يتحول صوتها ونظرتها إلى شخصية أخرى تبدو أكثر جرأة، ثم تقول: «أنا لى لى.. أنتوا فاكرين آلاء عبدالعزيز هترجع؟ أنا لى لى.. أنا الأصل.. أنا المُزة.. مذيعة دينية مين؟.. أنا الأصل يا حلوين.. لا هخف ولا نيلة، أنا اللى جاية.. أنا الملكة».

الفيديو أثار حالة كبيرة من الجدل، ما بين متعاطف مع «آلاء» وحزين على ما وصلت إليه، وآخرين رآوا أن المشهد «مصطنع» أو «تمثيل»، وهدفه هو «ركوب الترند» و«البحث عن الشهرة»، مستندين فى ذلك إلى أن المريض النفسى بصفة عامة، ومريض «الفصام» تحديدًا، وهو المرض الذى قالت الإعلامية الدينية إنها مصابة به، لا يكون فى حالة وعى وإدراك تمكنه من وصف مرضه وتسميته، بل والاستدلال عليه بفيلم سينمائى دارت قصته حول هذا المرض.

والد وشقيقة وإعلامية

منذ نشر الفيديو، تعددت مسارات التعامل مع الواقعة وردود الأفعال تجاهها، بداية من والد يؤكد أن ابنته تعانى من «مرض ما»، وتخضع للعلاج فى أحد المستشفيات الآن، وشقيقة ذهبت إلى أن شقيقتها «ضحية، معمول لها سحر أسود من واحدة قريبتنا بتكرهنا»، قبل أن تكشف عن أن شقيقتها عانت من تجارب زوجية مؤلمة، بداية من زوج أول يعنفها منذ أول يوم فى عش الزوجية، وثان هرب لمدة عامين، ثم عاد وأخبرها بأنه طلقها، دون أن يسأل عن ابنتهما.

مسار ثالث فى الواقعة كان بطلته الإعلامية مروة صبرى، التى قالت، فى برنامجها التليفزيونى، إنها تواصلت مع «آلاء»، وأخبرتها بأنها ستستضيفها فى البرنامج، رفقة طبيب نفسى، كى يساعدها على العلاج، فما كان من «آلاء» إلا أن طلبت منها ١٠ آلاف جنيه للظهور فى البرنامج.

العهدة على «آلاء» ووالدها وشقيقها، وكذلك على الإعلامية مروة صبرى، لكل منهم صدقه إن صدق، وعليه كذبه إن لم يقل الحقيقة. 

شعرة معاوية

نحن هنا لا تهمنا كل الأسماء السابقة، وليس هدفنا محاكمة آلاء عبدالعزيز والبحث عما إذا ما كانت صادقة من عدمه، بل ونربط على قلبها ونساندها بكل ما استطعنا إليه سبيلًا، إذ كانت تعانى من خطب ما.

لكن ما يستحق التوقف وكتبنا من أجله هذه الكلمات، هى تلك الشَعرة الدقيقة التى تقف بين مريض نفسى يواجه مرضه بكل قوة، ويبوح به ويطلب بسببه المساعدة، وهو أمر ينبغى دعمه، بل ونحتاج للتوعية بأهميته، وآخر «يبحث عن الترند أو الشهرة» من بوابة المرض النفسى بكل ما يواجهه من أزمات ووصمة مجتمعية.

تخيل معى، إذا ما اكتشفنا أن ما فعلته «آلاء» كان «بحثًا عن الترند أو الشهرة»، مرض العصر، الذى دفع أشخاصًا يقفون الآن وراء أسوار السجن بسببه، إلى اختلاق وقائع عن خطف وقتل فتيات واقتلاع رءوسهن، فقط من أجل المشاهدات وأرباح «السوشيال ميديا».. تخيل معى كيف سنصدق بعدها شخصًا يعانى من مرض نفسى ما، ويطلب منا المساعدة؟!

الحقيقة إن أزمة «لى لى» تسلط الضوء من جديد على هذا الخطر الكبير، الذى لا يمكن ولا ينبغى تجاهله: حمى «البحث عن الترند والشهرة».

هى حمى قاتلة فى كل الأحوال، فمثلًا لو كانت «آلاء» صادقة، انظر كيف قسمت هذه الحمى المجتمع إلى قسمين، أحدهما يرى فى «مريضة نفسية تحتاج إلى المساعدة» باحثة عن «الترند»، ولو كانت كاذبة، فلتتخيل كم مريض نفسى بعدها سيخشى البوح بما فيه، والكشف عن حاجته إلى مساعدة، خوفًا من عدم تصديقه.

وحتى لو باحَ بما لديه، وهو صادق، لن يصدقه أحد.

الأمر يشبه تمامًا قصة الفتى الذى استغاث من الغرق، وكلما هب الناس لنجدته ضحك منهم وأخبرهم بأنه يلعب، حتى تعرض للغرق فعلًا فى إحدى المرات، فلما طلب الاستغاثة لم يستجب له أحد.

نعود إلى قصة آلاء عبدالعزيز، ونلجأ إلى ما ينبغى اللجوء إليه دائمًا، وهو العلم.. ماذا يقول العلم عما حدث؟

أولًا: ما التشخيص الطبى لحالة آلاء عبدالعزيز؟

رأى الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسى والمخ والأعصاب بكلية طب جامعة عين شمس، أن الإعلامية مصابة بما يعرف بـ«اضطراب فى الشخصية»، وتحديدًا «اضطراب الشخصية التمثيلى أو الهستيرى»، لافتًا إلى أن المريض به «دائمًا ما يحاول لفت الانتباه أو الأنظار إليه».

وأضاف «فرويز» أن «اضطراب الشخصية التمثيلى أو الهستيرى» ليس مرضًا عقليًا، بل من «الأمراض العصابية»، وينقسم إلى نوعين، الأول «الاضطراب الهستيرى الانشقاقى»، وفيه يميل الشخص إلى لفت انتباه الآخرين، خاصة عند تعرضه لضغوط ما، والثانى «اضطراب هستيرى تحولى»، وفيه الشخص يقول إن «لسانه وقف.. مش شايف.. إيده أو رجله اتشلت»، وصولًا إلى المعاناة من نوبات صرع أو إغماءات.

ورأى كذلك أن الإعلامية مصابة بـ«اضطراب الشخصية الحدية»، وهى شخصية تتغير باستمرار، فتجدها مرة محجبة وأخرى بشعرها مثلًا، ولا تحتاج إلا لمهدئ لتجاوز حالتها خلال أسبوع أو ١٠ أيام.

أما الدكتور محمد محمود حمودة، أستاذ واستشارى الطب النفسى وعلاج الإدمان، فقال إن الشك الأول يذهب إلى إصابتها بما يسمى بـ«اضطراب الهوية الانشقاقية»، أو «اضطراب تعدد الشخصية» بمسماه القديم. 

وأوضح «حمودة» أن المصاب بهذه الحالة يكون لديه أكثر من شخصية، مثل سعاد حسنى فى فيلم «بئر الحرمان»، لكن بشرط أن الشخصية الأولى لا تعرف شيئًا عن الثانية.

وأضاف استشارى الطب النفسى: «لو الشخصية الأولى تعرف الثانية، هذا دليل على أن المريض يدعى وجود أعراض مرضية، للحصول على مكاسب نفسية، مثل تعاطف الجمهور أو دخول المستشفى، وصولًا إلى صناعة ترند».

ثانيًا: هل هى فعلًا مصابة بـ«الفصام»؟

وفقًا للدكتور «فرويز»، آلاء عبدالعزيز ليست مصابة بمرض عقلى، خاصة «الفصام»، لأن المصاب به يمتاز بـ«افتقاد الاستبصار بوجود مرض»، أى لا يدرك أنه مصاب بهذا المرض، بالتالى لا يمكنه أن يخرج ويقول فى فيديو: «أنا مُصاب بالفصام».

وأضاف «فرويز» أن أعراض «الفصام» تشمل: وجود ضلالات وهلاوس واضطرابات تفكير، وافتقاد الاستبصار بوجود مرض، وهو يختلف تمامًا عن «اضطراب الشخصية الهستيرى أو التمثيلى»، مُرجحًا إصابة الإعلامية بهذا الاضطراب الأخير.

لم يختلف معه الدكتور محمد محمود حمودة، الذى قال «هى لا تعانى من الفصام أو السكيزوفرينيا، الذى من أعراضه الهلاوس والضلالات».

وعما قالته عن إصابتها بـ«نوبة هوس»، قال «حمودة»: «نوبة الهوس جزء من أعراض الاضطراب الوجدانى ثنائى القطب، الذى ترافقه نوبات هوس واكتئاب، إلى جانب قلة نوم، ونشاط حركى وجنسى وحديث ومزاج مرح زائد، وعصبية مبالغ فيها، وإحساس مبالغ بالعظمة، واندفاعية فى التصرفات»، مضيفًا: «يتم تشخيص المريض بالهوس الخفيف، حال استمرار هذه الأعراض ٤ أيام، أو بنوبة هوس، حال استمرار الأعراض ٧ أيام»، قبل أن يعقب بقوله: «وده برضه مش عندها».

ثالثًا: هل يمكن للمريض النفسى إدراك مرضه؟

قال الدكتور «فرويز» إن صاحب المرض العصابى، مثل التوتر والقلق والاكتئاب والوسواس القهرى والمخاوف بأنواعها المختلفة، هو من يمكنه إدراك مرضه ووصفه، لكن المصاب بـ«الفصام» أو «الهوس»، من المستحيل أن يكون لديه وعى وإدراك بحالته.

وأضاف: «أعرف حالة مريض الفصام من أسرته، أما هو فيكون غير واع بهذا المرض من الأساس، يقول لك إنه بخير ولا يعانى من شىء، ولا يعرف عن سبب قدومه إلى العيادة، لكن مريض الاكتئاب أو الوسواس القهرى أو الرهاب، هو من يمكنه أن يشتكى من المرض بمفرده، ويكون واعيًا به».

الأمر ذاته أكده الدكتور «حمودة»، قائلًا إن «المريض النفسى لا يمكنه وصف أعراض مرضه وتشخيص حالته المرضية بتلك الصورة، سواء التى رأيناها فى الفيديو أو من خلال كتابتها على فيسبوك».

ما الذى دفع الإعلامية لتسجيل فيديو «بئر الحرمان»؟

ذهب الدكتور «حمودة» مباشرة إلى أن ما فعلته كان بدافع «الترند»، قائلًا: «اللى بتعمله ده ترند. كل الكلام ده ادعاء منها. مفيش مرض نفسى يبقى بالشكل ده، لا اضطراب وجدانى ثنائى القطب، ولا نوبة هوس ولا فصام، ولا حتى اضطراب الهوية الانشقاقية، مفيش مرض نفسى بالطريقة اللى توصفه بيها دى.. ده ترند».

أما الدكتور «فرويز» فاعتبر أن ما شاهده فى الفيديو هو «سيدة مضغوطة نفسيًا، يمكن أن تكون خسرت عملًا، أو تعانى من علاقات أسرية سيئة»، مضيفًا: «من الوارد أن يكون هدفها الترند.. الشىء المؤكد أنها ليست مصابة بمرض عقلى مثل الفصام أو غيره».