«كان» زمان.. نجوم مخمورون فى الشارع و«مايوهات» بدلًا من «البدل والسواريه»

- كتاب جديد يرصد المهرجان العريق خلال الثمانينيات والتسعينيات فى 80 صورة
بالتزامن مع الدورة 78 من مهرجان «كان» السينمائى الدولى، التى تُعقد فى الفترة من 13 إلى 24 مايو الجارى، صدر كتاب «Cannes» أو «كان» عن دار «Idea» للنشر، ومقرها العاصمة البريطانية لندن، الخميس الماضى.
الكتاب من إعداد المصور الصحفى المخضرم ديريك ريدجرز، الذى يوثق فيه فترة عمله خلال سنوات مجد مهرجان «كان» السينمائى فى الثمانينيات والتسعينيات، ويتضمن الكثير من الصور التى تبرز أسلوبه فى التصوير الفنى، إلى جانب صور عفوية لنجوم كبار يُكشف عنها لأول مرة، بعد 3 عقود من التقاطها.
يقدم «ريدجرز»، فى الكتاب البريطانى المصور الذى حظى بالكثير من الاهتمام الإعلامى، نظرة مختلفة على واحد من أعرق المهرجانات السينمائية، تحديدًا فى فترة الثمانينيات والتسعينيات، التى يصفها بأنها «سنوات المجد» لـ«كان»، مستفيدًا بعمله فى تغطية فعاليات المهرجان العريق على مدى 12 عامًا، فى الفترة من 1984 و1996، لعدة مجلات عالمية شهيرة.

أفريكا بامباتا
بدلًا من التركيز على السجادة الحمراء، وجّه ديريك ريدجرز كاميرته نحو الحشود والأجواء الغريبة والحيوية المحيطة بمهرجان «كان»، وهو ما يظهر فى كتابه الجديد، والذى ينقل تلك اللحظات العفوية، من المعجبين الذين يطاردون المشاهير، إلى المصورين المجهولين الذين يملأون المكان، ليلتقط بذلك حيوية وألوان المهرجان العريق من منظور آخر.
بداية عمل «ريدجرز» فى تغطية مهرجان «كان» كانت فى ١٩٨٤، وهو العام الذى شهد فوز فيلم «Paris Texas» أو «باريس، تكساس» بجائزة «السعفة الذهبية»، إلى جانب العرض العالمى الأول لفيلم «Once Upon a Time in America» أو «ذات مرة فى أمريكا».
وقتها وصل إلى شارع «كرويزيت» الشهير لأول مرة، فى مهمة تصوير مُنسق الأغانى ومغنى الراب «أفريكا بامباتا»، الذى كان فى المدينة للترويج لظهوره القصير فى فيلم «Beat Street» للمخرج ستان لاثان، لصالح مجلة «NME» الموسيقية، ليجد «ريدجرز» نفسه أمام «سيرك فوضوى»، وهو ما يجسده فى كتابه الجديد «كان».

الانطباعات الأولى للمصور البريطانى عن المدينة التى تقع على «الريفييرا» الفرنسية، ونشاط المهرجان ككل، كانت مذهلة. يقول عن ذلك: «شعرت بالدهشة، فأنا لم أر شيئًا كهذا من قبل، آلاف الناس يتجولون فى شارع (كرويزيت) محاولين رصد نجوم السينما المشهورين. فى البداية، كانت الحشود تتدافع فى اتجاه، ثم تتدافع فى اتجاه آخر، أشبه بأصوات طيور (الزرزور)».
ويضيف: «مع بدء فعاليات المهرجان، بدا وكأن فرنسا بأكملها قد تجمّعت فى (كان)»، مشيرًا إلى أنه على مر السنين، زار مدينة «كان» مرتين، فى غير وقت مهرجان «كان»، فلم «تكن المدينة تتمتع بنفس النشاط والحماس على الإطلاق».
ومما جعل مهرجان «كان» مكانًا مثاليًا لأعماله الفوتوغرافية، وجاذبًا للتصوير رغم الفوضى، يقول: «أينما تتجمع حشود كبيرة بهدف واحد، فمن المرجح أن تكون جذابة للتصوير، مثل مهرجانات موسيقى (الروك) الكبيرة فى الهواء الطلق، والكرنفالات والفعاليات الرياضية كسباق الجائزة الكبرى (فورمولا ١) فى موناكو، التى تبعد نصف ساعة فقط بالسيارة عن (كان)».
ويضيف: «مثل هذه الأحداث يجعل المصور يشعر كأنه طفل فى متجر حلوى، بالإضافة إلى شمس (كان) الساطعة فى شهر مايو، والناس الجميلين على الشاطئ، والسيارات الفاخرة، ورائحة المأكولات البحرية المشوية المنبعثة من جميع المقاهى المطلة على الشاطئ»، واصفًا كل هذه المشاهد بأنها «مزيج ساحر».

قول للزمان
وفقًا لمؤلف كتاب «كان»، هناك اختلاف كبير بين أجواء المهرجان السينمائى العريق فى الماضى والحاضر، موضحًا «خلال فترة عملى من ١٩٨٤ حتى ١٩٩٦، المصورون كانوا أقرب إلى النجوم، فيمكن للمصور التجول حينها ببساطة فى ردهة أى من الفنادق الكبيرة، والتعثر بنجم هوليوودى لامع، وأحيانًا عدة نجوم».
وأضاف: «كان يمكن رؤية هؤلاء النجوم يتناولون الطعام على شرفات الفندق، أو فى أحد المطاعم الفاخرة العديدة فى المدينة، وكان من الممكن أيضًا معرفة الغرفة المقيمين فيها، والاتصال بهم، وإخبارهم بالرغبة فى تصويرهم، وفى بعض الأحيان كانوا يسمحون للمصور بتصويرهم. فعلت ذلك بنفسى عدة مرات».
وواصل: «فى وقت متأخر من الليل، بعد أن يغادر جميع مصورى الشاطئ وعشاق السينما، كان من الممكن أحيانًا رؤية نجوم كبار يسيرون، وأحيانًا يترنحون، عائدين إلى غرفهم فى الفندق بعد سهرة ممتعة. بينما احتمال حدوث أى من ذلك فى الوقت الحاضر معدومة».
من الملامح الواضحة فى الكتاب وجود قدر كبير من العُرى، كانت هذه فرنسا فى الثمانينيات، حيث من الممكن رؤية النجوم وزوار المهرجان يستحمون تحت أشعة الشمس عراة، أو يركضون فى نافورة أمام المصورين. لذا يعتقد «ديريك» أن المهرجان آنذاك كان مثيرًا، ومحاولة المشاركة فيه بمثابة معركة ممتعة، مضيفًا: «كل ذلك كان جزءًا من المتعة».

وعن الطريقة التى اتبعها فى التصوير، قال المصور البريطانى: «لم أشعر قط بأننى أصور الجانب الراقى لمهرجان (كان). لم أصور النجوم على السجادة الحمراء، فاهتمامى تركز على تصويرهم فى الطرقات أو الفنادق على حقيقتهم، دون حضور أى من جلسات التصوير المنظمة فى المهرجان».
وبسؤاله: «هل تعتمد على الحدس أم على التجربة عند اختيار اللحظات التى يلتقطها فى مكان حيوى مثل مهرجان (كان)»، قال: «فى كل لحظة من كل يوم، هناك صورة تنتظر الالتقاط، ومع التجربة، يتعلم المرء الانفتاح على كل الاحتمالات، وربما يعنى ذلك أن الأمر أصبح غريزيًا».
وأضاف: «لكن أكثر ما كان يجذبنى خلال فعاليات مهرجان (كان) ويحثنى على التصوير، هو كل الجنون على شاطئ (كان)، حيث كنت مُنجذبًا إلى مظاهر الحياة، واستلقاء النجوم على الرمال»، مؤكدًا أنه التقط الكثير من الصور للنجوم والحشود على الشاطئ، خلال فترة تغطيته للمهرجان.
وأفاد بأنه من الأشياء التى تعلمها من مهرجان «كان»، أنه رغم وجود صورة جيدة تُلتقط أينما نظرت تقريبًا، لا تكون فرصة تصوير الأفضل غالبًا أمام المصور، فمن المحتمل أن تكون خلفه، أو فى الاتجاه المعاكس لوجهة نظر معظم الجمهور. لذا على المصور أن يكون ذكيًا جدًا، ويتعلم توقع ما قد يحدث. وهو لا يعتبر نفسه يمتلك أى موهبة خاصة فى هذا الصدد، فعلى مدار ١٢ عامًا من تغطيته لمهرجان «كان» السينمائى، التقط آلاف الصور، لكن لا شك أن هناك آلاف الصور الرائعة الأخرى التى ربما فاتته، على حد قوله.

80 صورة وصورة
يضم الكتاب الجديد حوالى ٨٠ صورة، تُظهر مهرجان «كان» السينمائى فى أوج جنونه وحماسه، كما يصفه «ديريك»، خاصة أنها تسلط الضوء على الجانب «العارى والثمِل والعفوى» للمهرجان الشهير فى الثمانينيات والتسعينيات، من خلال مجموعة من اللقطات الصاخبة والجذابة والشبه عارية التى التقطها المصور البريطانى.
منذ انطلاقه عام ١٩٤٦، استضافت السجادة الحمراء لمهرجان «كان» وشارع «كرويزيت» بعضًا من ألمع نجوم التاريخ، بمن فيهم ديانا روس وجريس كيلى والأميرة ديانا، من بين آلاف غيرهن. وفى الوقت الذى كان «ريدجرز» يُكلف فيه بمهمة تصوير لصالح مجلات وصحف مثل «ذا فيس» و«تايم آوت» و«إن إم إى»، كان أبرز نجوم المهرجان هم رواد الشاطئ والشارع، آملين فى التقاط صورهم، لذا كانت الصور فى ذلك الوقت أكثر حيوية من صور البدل «السموكينج» وفساتين «السواريه».

ولالتقاط صورة، كان «ريدجرز» يصل إلى شارع «كرويزيت» حوالى التاسعة صباحًا، ولا يغادره إلا فى منتصف الليل فى معظم الأمسيات. التقط صورة جون ووترز، الذى كان فى المدينة لحضور العرض الأول لفيلمه «Cry Baby»، أو «طفل باكى» وهو يُجرى مقابلة على الشاطئ، وكذلك فعل مع إليزابيث بيركلى، بطلة فيلمى «Saved by the Bell» أو «أنقذه الجرس» و«Show Girls» أو «فتيات الاستعراض» من إخراج المخرج الهولندى بول فيرهوفن.
وحسب المصور البريطانى، كان هناك الكثير من مظاهر الحياة الغنية خلال مهرجان «كان»، وفرص رائعة للتصوير فى كل مكان تقريبًا. مُستخدمًا الألوان والأبيض والأسود، التقط «ديريك» صورًا لنجوم مثل كلينت إيستوود وهيلموت نيوتن وجون ووترز، بالإضافة إلى عارضات أزياء صاعدات آنذاك مثل فرانكى رايدر، التى تظهر على غلاف الكتاب مرتديةً الماس والفراء، بينما ارتدى الجمهور المحيط بناطيل الجينز والقمصان الكاجوال، بالإضافة إلى فنانين حضروا حفل توزيع جوائز صناعة أفلام الكبار، بمن فيهم الراحلة لولو فيرارى.

وكشف «ديريك» عن نوع الكاميرا التى استخدمها فى التصوير بمهرجان «كان» آنذاك، وهى «نيكون FM٢ »، كاميرا يدوية لا يوجد بها الكثير من العيوب، ويمكن حملها طوال اليوم تحت أشعة الشمس دون الحاجة إلى تبريدها، مُبينًا أن صورته المفضلة فى الكتاب لم تكن صورة لإحدى النجوم أو النجمات، بل لامرأة ترتدى معطفًا مخططًا أمام اللافتات، خلال وجودها فى مهرجان «كان».
ومن الملاحظات على صور ديريك ريدجرز، التى التقطت فى الثمانينيات والتسعينيات وضمنها فى كتابه، إنه لا يوجد هاتف محمول واحد، وبالكاد كاميرا تصوير فورية، حيث كانت لحظات صناعة النجوم والتصريحات السياسية وتاريخ الموضة، تُغطيها وسائل الإعلام التليفزيونية والمطبوعة عادةً، وليست وسائل التواصل الاجتماعى.
