الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

حسام المقدم يكتب: مُتطوع

مُتطوع
مُتطوع

أمام هذا الشاب الثلاثينى، سبع دقائق وعدة ثوان، ثم يموت بعدها! 

عرفتُ ذلك من خلال قُدراتى الخاصة، حين رأيتُ وجهه، وتابعتُ خطواته فى الشارع القاهرى الهائج. 

كيف أُخبره بالحقيقة، دون أن أتسبب فى موته المُفاجئ بالسَّكتَة، قبل انقضاء الدقائق الباقية؟ وهل أنتظر حتى أُفكر؟ أسرعتُ نحوه واستوقفتُه قبل أن يدخل محلًا للموبايلات: 

«اسمع، لا وقت، أنت ستموت بعد ست دقائق من الآن. ماذا ستفعل؟ ما الذى تحب أن تفعله فى هذا الوقت القصير جدًا؟ انطق، ما رَدُّك، بسرعة». نظر لى نظرة أكلت كُل وجهى، وكُل جسدى. نزل الدرجتين الفاصلتين بيننا، حتى أصبحنا فى مستوى واحد. ضحكَ ضحكة مفاجئة وحادة مثل طلقة: 

«طيب، ماذا تتوقع أن أفعل؟ حتى لو كان ما تقوله صحيحًا، هل معك مصباح علاء الدين مثلًا؟».

«للأسف لا، لكن لا بد أن أُخبرك».

«شكرًا يا سيدى، عُلِم. سأستعد للموت حالًا. لا تقلق. خذ بالك أنت من الطريق. الشارع، كما ترى، مخنوق».

«انتظر، أعرف أنك تشُك فى عقلى. لا وقت لذلك، باق أربع دقائق وثوان قليلة. قُل ما تريد، أو على الأقل أُمنية كُنتَ تتمنى أن تُحققها». لفَّ برأسه يمينًا وشِمالًا. نفخَ هواء حارًا، لفحَ وجهى أكثر من شمس يوليو القاعدة فوق رأسينا:

«سأكون صبورًا على غير عادتى، وسأقول إننى الآن لا أذكر أُمنية مُحددة».

«لا تكن مُستهتِرًا. هل هناك أى رسالة تريدنى أن أوصلها لأى شخص؟ قُل بسرعة، وأعطنى عنوانه أو رقم تليفونه».

«يا عم، قلت لك إن الموضوع لا يشغلنى. تَوكّل على الله». 

«اهدأ، العدّاد يَعد. ثلاث دقائق فقط تفصلك عن الموت. هل أنقل شيئًا للبنت التى كنت تحبها؟ البنت زميلتك»؟

«البنت زميلتى؟ كيف عرفتَ؟ لا أريد لها مشاكل. تزوجتْ وسافرت إلى الخارج».

«وصديقك الذى تتكلم معه يوميًا عن البلد وظروفه، والدنيا الواقفة، واقتراب نُقطة الحَسم، ألن تقول له شيئًا».

«هل تعرفه؟ أنت قريبه؟ شكلك ليس غريبًا علىَّ».

«ومديرك فى الشغل، هل أقول له إنك لم تقصد ما قلته منذ يومين، وإن لسانك خانك؟». 

«إنه رجل حقير، لكننى لا أريد أن أخسره».

«دقيقة واحدة هى الباقية، حاول، ستخرج آخر أنفاسك بعد ثوان. هل تطلب منى شيئًا».

«لا. سلاااااام».

صعدَ الدرجات قفزًا، ودخلَ المحل. وقفتُ لحظة أتابعه يتكلم، ثم دُرتُ للوراء، عابرًا الشارع. 

واصلتُ طريقى بنفس الحماس. انجذبت عيناى لرجل يمشى بهدوء عن يمينى. تأكَّدتُ ككل مرَّة، بمُعَاونة قُدراتى الخاصة اللائقة بِمُمثِّل مُتطوِّع؛ أن الرجل جاهز لاستقبال الخبر الصادم، ومن بعده أسئلتى، عن موته القادم بعد دقائق.