الخميس 23 يناير 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أشعار بنت الشاطئ فى عشق أمين الخولى

عائشة عبدالرحمن
عائشة عبدالرحمن

رؤيا

طيف من أحببته طاف بنا 

فتنبهنا على وقع خطاه 

خلته قد آب من رحلته 

مرهف الشوق وقد طال سراه 

بعد يأس من رجاء الملتقى 

بلغ البين بنا أقسى مداه 

فطوانا الليل فى كهف الأسى 

نحتسى الوحشة من كأس دجاه

شدونا نوح غراب ناعق 

والندامى البوم من قاع فلاة 

جثمت فى الكهف لا تبرحه 

واطمأنت بعدما سدت كواه 

وانكفأنا فى غيابات الدجى 

تغزل الظلمة خيطًا لا نراه 

ونسجنا منه أكفانًا لنا 

حين لم يبق لنا خيط سواه 

وانزوينا فى مهاوى كهفنا 

عافنا الموت وعافتنا الحياة 

لم نكن نمنا ولكن غفوة 

من كلال نال منا منتهاه 

هجع السمار فيها برهة 

وغفا الناعق يجتر صداه 

فجأة نبهنا من غفونا 

رجع إيقاع أليف من خطاه 

وتهادت نحونا أنفاسه 

تحمل البشرى لنا عطر شذاه 

ردت الروح إلى أشلائنا 

وسرت فى قلبنا نبض حياة 

فاستقبلنا الباب لاستقباله 

وعلى الأفق شعاع من سناه 

لمحة من ناظريه بدلت 

ما كسانا الليل من ثوب عماه 

لمسة ساحرة من كفه 

عاد منها الكهف محراب صلاة 

قلت: أشكو من تباريح الهوى 

قال: لا، ليس ذا وقت الشكاة 

حسبنا أنا التقينا فاغفرى 

لزمان البين ما اغتالت يداه 

قلت: أخشى ما طوى من غدره 

ليت ما ذقناه منه قد كفاه 

قال: خلى هم أمس وغد 

أمس قد ولى ولم تأت الغداة 

قلت: ما أدرى، أحلم ما أرى 

أم بعثنا..

وانتهى الصوت وتاه 

وصحونا، فإذا تلك رؤى 

بعثرها الريح فى تيه الفلاة 

وإذا نحن كما كنا هنا 

فى قرار الكهف لم تفتح كواه 

نلعق المر ونقتات الجوى 

عافنا الموت وعافتنا الحياة 

عود على بدء 

كلما قلنا: برئنا 

من جراح القهر باليأس العقيم 

واسترحنا 

واستوى خير وشر 

واستوى رفض وصبر 

حومت مصر على أشباحنا 

تنبش الأنقاض عن جرح الهشيم 

أحيت الهامد من أشجاننا 

واستعرت موغلات فى الصميم 

وكأنا ما يئسنا 

وانطوينا وانتهينا 

كلما قلنا: اكتفينا 

بالذى قد كان 

من وهم السراب 

ومع التيه سرينا 

فى كهوف من ظلام وضباب 

واستوى ليل وفجر 

واستوى أمن وذعر 

عادت الروح فشدتنا إليها 

أبوثاق من حنين وولاء؟ 

وأتانا صوتها عبر الخواء 

ملؤه شجو ولوم وعتاب 

فاشرأبت نحوها أرواحنا 

وكأنا ما اغتربنا 

وانسحبنا وانتهينا 

كلما قلنا: فزعنا 

من معاناة جنون وصراع 

وأكاذيب الأمانى 

ودعاء لا يجاب 

وتمزقنا حطامًا 

إثر ما ولى وضاع 

وغفونا أو غفت أشلاؤنا 

بأكف الموج فى طى العباب 

واستوى بحر وبر 

واستوى مد وجزر 

كلما قلنا: جرعنا 

كأسنا: لم نبق قطرة 

وأسغنا كل ما سيط بها 

من نقع السم من صتب وحنظل 

وتداوينا منها بها 

عللا نجرعها بعد نهل 

واستوى صحو وسكر 

واستوى حلو ومر 

خايلتنا فى دياجير الغلس 

برؤى النبع الإلهى المقدس 

وبيمناها تراءت كأسها 

ذوب نور ونقاء 

ورحيق لم يدنس 

وبها طافت على أبنائها 

فى ثرى سينا على شط القناة 

وسقتهم جرعة من ترياقها 

عوذتهم برقاه الطيبات 

أن يسيغوا ما أسغنا من قذى 

أو يطيقوا ما أطقنا من عذاب 

جددت فيهم خلايا خصبها 

ورأت سحرها صباها والشباب 

وكأنا ما هرمنا وعقمنا وانتهينا 

يا حبيبى ما نسينا 

لا تخل أنا على بعد المزار 

قد سلونا أو نسينا عهدنا 

أو غفونا بين ليل ونهار 

ننشد الصبر ونأسو جرحنا 

أو تعبنا من سهاد وعذاب 

فالتمسنا مهرنا من بؤسنا 

أو مللنا من ضياع وسراب 

فابتغينا راحة فى يأسنا 

لا تخل أنا على مر الزمان 

قد عرانا الضيق من أطلالنا 

أو عيينا ببقايا من دمن 

لا تنى تبكى على ماض لنا 

سائلات فى وجوم وشجن 

أين مغنانا الذى كان هنا؟ 

ما درت تلك البقايا أنها 

رجعت فينا صدى أشجاننا 

ها درت أنا حطام بينها 

لا ترى فيه سوى أشلائنا 

قد يرانا يوم كالناس نمشى 

ما علينا من خطانا 

أو يرانا ليلنا كالناس نأوى 

وأسانا قد طوانا 

ربما بلعق من جوع طعامًا 

والشجى سهد لهانا 

ربما نجرع فى القيظ شرابًا 

والجوى يكوى حشانا 

ربما نأخذ فى لغو حديث 

ما نراه قد عنانا 

ربما نلبس للناس قناعًا 

ساترًا عنا أسانا 

ربما جاءت بنا أشواقنا 

فكتمت ما بنا 

عمن سوانا 

ربما استنفد دمعًا شجونا 

فانكفأنا نصطلى 

جمرًا كوانا 

غير أنا يا حبيبى ما نسينا 

وإلى لقيام تخدونا خطانا ورؤانا 

كلمات للذكرى 

ما علينا 

اشرب الكأس ولا تبق ثماله 

ما علينا 

يستوى حلو ومر 

وافترض أنا رفضنا شربها 

هل يبالى رفضنا دهر يمر؟ 

هون المر علينا أننا 

قد جرعناه طويلًا 

قطرة فى إثر قطرة 

ومضى الدهر علينا لاهيًا 

غافلًا لم يلق نظرة 

فلنسغ من كأسنا هذى الثمالة 

يستوى حلو ومر 

طال مسرانا ولم تبق ذباله 

ما علينا 

يستوى ليل وفجر 

عبثًا ترجو شعاعًا من ضياء 

ينسخ الظلمة من ليل بهيم 

غاب عنا نجمنا ذات مساء 

وتعللنا برؤيا فى المنام 

ومضى عام وعام إثر عام 

ما مللنا 

إنما مل السراب 

فتوارى يائسًا منا وذاب 

فى سراديب غمام وضباب 

وخبا ما كان من وهم عقيم 

وافترض أنا شكونا أو دعونا 

هل يبالى التيه شكوى أو ادعاء 

أو يرى فينا سوى بعض هشيم؟ 

ضل مسرانا ولا ضوء ذباله 

ما علينا 

يستوى ليل وفجر 

لن ترى فى اليم مرسى 

غير وهم وضلاله 

ما علينا 

يستور بر وبحر 

أى مرسى لغريب 

زاده يأس وقهر؟ 

كلما نادى أجيب 

عيب الملاح قبر 

ليس يرجى أن يئوب 

فإلى أين المفر؟ 

تاه فى اليم الطريق 

أينما وليت واجهت الضباع 

صارع الأمواج 

ما جدوى الصراع؟ 

مزق النوء الشراع 

وهوى المجداف فى قاع سحيق 

وافترض أنا التمسنا 

من دمار أى مخبأ 

فيم مسرانا بليل 

غاب فيه كل مرفأ 

واستوى بحر وبر 

واستوى مد وجزر 

كل دنياك ضياع واغتراب 

واكتئاب وملاله 

ما علينا 

يستوى رفض وصبر 

عاتب الأقدار 

ما جدوى العتاب 

وأمانينا طام ورفات وتراب؟

يستوى نفع وضر 

وافترض أنا هربنا 

من جنون وحبال 

هل لدى العقل جواب 

عن سؤال وسؤال وسؤال؟ 

هل درى أين المفر؟ 

أو أرى فى اليم مرسى

غير وهم وضلاله 

فاسر فى التيه فلا ضوء ذباله 

يستوى ليل وفجر 

واشرب الكأس ولا تبق ثماله 

يستوى حلو ومر 

بعد عام 

ومضى عام وما زلت هنا 

أنقل الخطو 

على الجسر إليك 

مرت الأيام يغذونى الجوى 

كيف لم أسلم أسى 

حزنًا عليك؟ 

كلما قلت دنا ميعادنا 

خاننى الظن 

ولم أرحل إليك 

مزقت أيدى المنايا شملنا 

وأراد دائمًا 

أما كنت هنا 

هل مضى عام؟ 

أما كنت هنا؟ 

منذ يوم فات كالدهر الطويل؟ 

لم نزل فى حيرة من أمرنا

هل مضى عام على يوم الرحيل؟ 

وصدى نعيك فى أسماعنا 

لم يزل يدوى فيغشانا الذهول 

عامنا، 

قد كان دهرًا من عذاب

ولئن خلناه كالحلم الرهيب 

دربنا، 

قد صار كالقفر اليباب 

غير طيف منك، عنه لا يغيب 

دارنا، 

لم يبق فيها من ثقاب 

غير رؤيا لمحة، فيها تئوب

طيفك الماثل يحدو خطوتى 

نحو مثوى لك 

دان وبعيد 

هاتفًا أن أحتمى فى وحشتى 

بيقين الملتقى 

خلف السدود 

لحظة تأتى فتنهى محنتى 

بالتئام الشمل

فى دار الخلود 

لحظة تتسخ ما كابدته 

من عذاب البين 

من رفض الحياة 

من وجود عافنى أو عفته 

عاث فيه اليأس 

واغتال مناه 

لم تغب رؤياك عنى فى الدجى 

وحديثى كله 

عنك ولك 

وأناجيك فيرتد الصدى 

من بعيد 

سائلًا عنى وعنك 

كيف أبقى بعد إيغال النوى 

وحياتى سرها 

فيك وبك؟ 

هل مضى العام وما زلت هنا 

أنقل الخطو 

على الجسر إليك؟ 

أبأنفاسك أحيا؟ أم ترى 

مات بعضه 

وبكى بعضى عليك؟