السبت 27 يوليه 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

السويس.. بين المقاومة وفقر الإبداع

السويس
السويس

المدينة التى تطل على أهم مجرى ملاحى، التى فُرض عليها العدوان، المدينة التى اختارت المقاومة، ولعل خيار المقاومة وما تبعه هو الذى شكل ملامح الإبداع، وأثر بالإيجاب والسلب على المنتج الإبداعى، وقد فرض ملامح خاصة لتجربة الكتابة بجناحيها النثرى والشعرى، ولعل خير مثال هو تشكل النموذج لدى جناحى الكتابة قبل وبعد نكسة ٦٧ «الراوى- غزالى»، وقد كانا التعبير الحقيقى والمؤسس للتجربة فى هذه الحقبة.

محمد الراوى وكتابة الوعى

الراوى واحد من الروائيين الذين يحتلون مكانًا فى الصف الثانى لجيل الستينيات، ولعل عزلة الأقاليم عن المركز الثقافى فى تلك الفترة عطلت مشروع الراوى، وأسس الراوى لكتابة؛ المدينة هى متنها فى أغلب رواياته ومجموعاته القصصية، لكنها كتابة تتبنى بُعدًا فلسفيًّا، ذلك أنه كان وجوديًّا، وأسس الراوى بعد العودة من التهجير ندوة الكلمة الجديدة التى ضمت كثيرين من رفاق الكتابة الروائية، منهم «على المنجى، محمد عطا»، ولعلها لم تنتج غير عدد قليل من المبدعين «أمينة زيدان، سناء فرج» وتوقفت التجربة، وظل الراوى شيخًا وصاحب طريقة كبيرة لم تُفسح المجال لإنتاج مشاريع روائية كبيرة فى الأجيال التى تلتها، غير أن جيلًا من الشباب الآن يحاول إنتاج كتابة بجهد فردى، ودون دور للمؤسسات الثقافية التى باتت معطلة، ومن الأسماء التى تحاول أن تنتج كتابة جديدة «ماريان أنور، مريم سمير، إيمان الوكيل، محمد أيوب، طارق الأزنجى».

خندق غزالى

الظرف التاريخى «حرب الاستنزاف» ظهر جليًّا فى حركة الشعر فى السويس، فرض شعر المقاومة نفسه باعتباره المعبر عن الحدث الوطنى، وبالطبع اختار العامية المصرية كلغة للتعبير وتوارت الفصحى، وأصبح قاموسه محصورًا فى مفردات قليلة ترتبط بحالة الحرب والصمود والمقاومة، بل إنه تخلى فى كثير من الأحيان عن فنيات الشعر لصالح الخطاب و«الشعارية»، أزاح حتى التجارب الإنسانية، ومنها تجربة الشاعر عطية عليان، وكان الكابتن غزالى هو المُعبِّر الحقيقى عن هذه التجربة، لكنها تجربة اتسمت بالإقليمية ولم تحفر فى العقل الجمعى مكانًا خاصًا، وكانت هناك تجارب أخرى مثل تجربة الشاعر كامل عيد رمضان كتعبير عن المقاومة؛ وإن كانت تجنح إلى الإنسانية وهموم الذات فى أحيان كثيرة، ومن الغريب ومن الفهم المغلوط للأصالة والهوية، لا تزال كتابات كثيرة تنتهج نفس النهج فى محاولة لاستنساخ تجربة انتهى ظرفها، حيث تفشت ظاهرة كتابة الزجل باعتباره قصيدة عامية ودون أى جماليات فنية وجهل بالفروق بين أشكال الشعر.

الانتصار للشعر

مع جيل الثمانينيات بدأت بعض التجارب الحقيقية والمشاريع فى كتابة تحاول أن تنتصر للشعر؛ أمثال كتابات «محمود جمعة، محمد التمساح، أحمد أبوسمرة، حاتم مرعى، مجدى عطية»، ولحقت بهم كتابات لشعراء التسعينيات، ومنهم «محمد عبدالمعبود، أمير لبيب، إبراهيم أبوسمرة» هذا بالنسبة للعامية، لكن الأمر مختلف بالنسبة للفصحى، حيث لم تنجز مشاريع شعرية فى جيل الثمانينيات إلا لشاعر واحد هو الراحل درويش مصطفى، والشاعر سيد عبدالرحيم الذى توقف عن الكتابة، وأحمد عايد كتسعينى، وبعض التجارب الشابة.

السويس على مستوى الكتابات النقدية فقيرة جدًا، وكان لذلك أثر كبير على المنتج الإبداعى فى المدينة، حتى من تصدوا لقراءة الأعمال كانوا غير مؤهلين وبغير موهبة؛ أستثنى من هؤلاء صالح السيد وإبراهيم عاطف كباحثين لهما منتج من القراءات النقدية لكنها لا تلتفت إلى كتابات السويس.

المؤسسات الثقافية أسهمت بشكل كبير فى فقر المنتج الإبداعى، بل إنها عبر سلاسل الكتب الصادرة عنها منحت الكثير من الكتابات صفة إبداعية، ورغم عدد المنتديات والصالونات الكثيرة فى السويس إلا أنها أصبحت كجزر لا تعبر إلا عن أصحابها، ولم تسهم فى تشكيل حركة كتابة حقيقية.