11 مهمة لاستعادة العالم.. على قطب يضع يده على مشكلات اليافعين
أفلحت روايات اليافعين فى إثارة انتباه الكبار، ونالت عددًا كبيرًا من الجوائز الإقليمية والعالمية، ثمرة لتعدد كتابها: كامل كيلانى، محمد سعيد العريان، أحمد نجيب، عفاف طبالة، محمود قاسم، محمود قرنى، محمد ناصف، محمد الشافعى، هالة مصطفى، ومحمد هاشم عاشور، محمد المطاريقى، أحمد طوسون، ولا يمكن أن ننسى جهود يعقوب الشارونى، وماما لبنى، وعبدالتواب يوسف، وغيرهم.
من أحدث هذه الروايات ما صدر عن بيت الحكمة للثقافة «١١ مهمة لاستعادة العالم»، للكاتب على قطب.
المؤلف- على قطب- من المؤمنين بأنه لا بد من وجود حكاية فى العمل الإبداعى. الحكاية إضافة إلى الخيال، سواء فى الرواية أو القصة.
لدينا قصة قوامها الحكاية، عنصر «اللعب» تتشكل من خلاله الأحداث. يقتنص السارد النتائج، وإن فقد نقاطًا تمثل ثوانى ودقائق من الزمن، فى إهدائه «للألعاب مفتاحنا الأول نحو الحياة»، العالم يتحول إلى مغامرة يتصارع فيها الاختيار، ومن ثم النجاح أو الإخفاق، وقد يكون إعادة المحاولة، أو العمل على الاختيار بين احتمالات متعددة.
لعل السؤال الذى يلقيه القارئ على نفسه قبل أن يطالع الكتاب: هل غاب العالم الذى نعيش فيه، بحيث نسعى إلى إعادته من خلال ١١ مهمة؟
الأسطر الأولى من الكتاب تجيب عن السؤال، فنعرف أن العالم الفسيح ليس هدف المهام التى أشار إليها العنوان، وإنما الهدف عالم آخر صغير بحجم الإنسان.
يضع الكاتب يده على مشكلات يعانى منها اليافع اليوم مثل الانسياق نحو التباهى بما يملك، الشعور بالضعف أمام المغريات، الحزن لفقد ما يملكه الآخرون، التحفيز على تخطى مشاعر فقدان حنان الأب أمام محبة الأم الدافقة، «أنت بطلى يا أسامة»، والحازمة فى الوقت نفسه، والحرص على إيجاد متصل بين الأب والابن، والذى يحض على حرية الاختيار، ومن ثم لا يعرف السارد- أسامة- إلا فى حينه.
تبدأ الرواية بفعل التذكر الذى يتردد داخل الرواية، كلما تنقلت الشخصية من مهمة إلى أخرى، هذا الفعل يجعل الرواية تنسل من الماضى، وتتجه إلى ما يمكن أن نسميه حلمًا، وليس إلى الحاضر الذى يعيشه السارد، لكن الحلم يستدعى المتابعة ، فله منطقه، ونحن لا نجد إلا أحداثًا مسلسلة لها منطقها، فأسامة لا يعرف الخوف، ألم تصفه أمه بأنه بطلها؟
التذكر ارتبط بفعل التمنى واستدعاء الحوارات بين الابن وأمه، والتى لم تسفر عن شىء، لكنه تمنى أن يكون وحيًدا فى هذا العالم، وحين تحقق ما تمناه، وأصبح أسامة وحيدًا فى بيته يبحث عن أمه، فإن فعل البحث يضعه فى لعبة المهام، ففى كل مهمة من هذه المهام يقترب أسامة من الولوج إلى عالم مزدوج بين الخيال والواقع، يتمثل الخيال بالعبارات التى توجهه نحو إتمام المهمة، وبين المكان كفضاء يعرفه ويخبره، ويشمل البيت، والطريق، والباص، والسيارة، والمدرسة، والملعب، والمخزن، وحجرة مدير المدرسة، والسطح، ومعمل العلوم، والفناء، وغرفة المدرسين. فى كل مكان من هذه الأماكن كان على أسامة أن يختار، الفوز يأتى حينما يأخذ العلامة المئوية الكاملة، وينجز المهمة فى أقصر وقت ممكن.
عندما تحرك أسامة من المبنى الإدارى إلى مكان آخر، كان عليه أن يمر بجوار مسرح المدرسة. ترى لماذا استبعد المسرح من تلك المهام؟ وهل أسامة من غير المتفوقين المحتفى بهم؟
أشار الكاتب إلى فكرة العقاب البدنى العنيف، ولماذا فقد أسامة الوعى؟ وماذا قالت والدته عندما عرفت بذلك؟ وما الحوار الذى دار بينها وبين مدير المدرسة؟
لكن هاهو أسامة أمام مهمة لا بد أن ينجزها. إنه طفل ذكى، يكره الخسارة والخوف، لذلك فهو يتجول فى المخزن، بحثًا عن أهم شىء فى هذه الحجرة التى أشعرته بالخوف سابقًا، يثق أن المهمة سهلة جدًا، لكن الاختيار لم يكن سهلًا ميسرًا كما ظن ما أغلى الموجود فى المخزن؟
أحس أسامة بالارتباك من هذه الأشياء الموجودة، فلم يظفر فى الغرفة بشىء ثمين، ومن ثم سيفكر بطريق والدته، هو يستعين بمن هو أكثر خبرة وتجربة.
تبتسم الأم وترد:
- أسامة، أنت الأغلى فى حياتى.
لا يمكن أن تنتهى المهمة دون أن يظفر أسامة بما يحقق له الفرح والبهجة. كانت صورته التى تجمعه بوالديه مبتسمين هدية، مقابل الاحتمالات المتشعبة، وبرغم الدفع نحو المغريات فإن إمكانية الفوز قائمة، فالصورة نادرة، وبخاصة بعد انفصال الوالدين.
ما أروع أن تكون القصة قريبة من لعبة «السلم والثعبان» التى كنا نلعبها ونحن صغار، على أسامة أن يصعد إلى سطح المدرسة، يلتقى بظواهر خيالية، ويبين اختلاف الذائقة فى الاستمتاع بأفلام الفانتازيا، يدمج الكاتب بين ما يحياه أسامة، ويمارسه، وبين ظواهر لا يدرى كيف يفسرها، فهو يعيش يومًا استثنائيًا، عليه أن يتقبل كل ما يحدث فيه.
«لا تحب ماما أفلام الأبطال الخارقين، لذا ففى العطلة الماضية اخترت فيلمًا يدور حول هجوم أطباق طائرة على الأرض».
المهمة التى تنسجم مع ذائقة أسامة، سمة من سمات كل الأجيال: حب المغامرة وإن اختلفت الوسائل والتقنيات.
- اجتهد وحاول، تمرن بشكل مستمر.
عبارة محملة بحكمة، يجد أسامة فيها طريقًا للنجاح.
تبتسم الأم دومًا عندما توجه أسامة فى فعل أمر.
إننا أمام ثلاث زوايا تمنح المهام/ المغامرة كنهتها، وهى:
- ما يتمناه أسامة.
- ما هو متاح بالفعل، وقابل للتحقق.
- مرجعية تربوية ممثلة فى ما تطرحه الأم.
تمت المهام فى أجواء سادها مشاركة أدوات وأشياء، أعانت أسامة على تحقيق هذه المهام التى أعتقد أنها فاقت الـ«١١ مهمة لاستعادة العالم».
يرجع أسامة إلى اليوم الاستثنائى غير العادى يستعيد فيه ما كان يمارسه فى السابق، أى أن هناك تلاعبًا تبادليًا، يشكل جوهر هذه الحكاية، ليظل الكاتب ممسكًا برابط التشويق، الذى يصل إلى حد الإرباك إذا حاول المتلقى أن يغفل التنبيهات والإرشادات. فأسامة يلتقى أصدقاءه فى الباص، يتبادل معهم الأحاديث والضحكات، ويمارس الأنشطة التى كان يمارسها، ليبين مدى التغيير الحادث فى نظرة الزملاء والأصدقاء تجاه أسامة بعدما كانوا يعيرونه بأنه أقل منهم ماديًا.
ثمة ما يحفز أسامة على الإنجاز، لكن أسامة يخفق - أحيانًا - فى الانجاز، لعل اللهفة تفقده التركيز، أو الحماس، كما حدث عندما تهيأ لامتحان العلوم، فهو لم يستذكر دروس العلوم، ما جعله غير مستعد للامتحان.
إنه يتساءل: هل لى معرفة المهمة قبل تحديد مشاركتى من عدمها؟
ونلمح تغير موقف الأم، فهى حازمة معه، دائمًا ما تردف قولها فيما مضى بالآنى، يقابل ذلك إذكاء روحه المعنوية، عندما يحصل على الدرجة النهائية، فالتأكيد على اللحظات الانفعالية لأسامة أحد أهم الأهداف التى يهتم بها على قطب.
من هنا، فإن أسامة- رغم حزم الأم- لم يعان فقد حبها له، واهتمامها به، عكس ما تبدى فى اللقاء الأخير بوالده، الذى افتقد فيه المحبة والود والاهتمام، فالأب لديه حياة أخرى، إشارة لظاهرة اجتماعية/ نفسية تواجه أولادنا، لامسها السرد، دون الحديث عن حلول لها، فالمهام كانت تتمركز حول أسامة، وعلينا معرفة لماذا هذا الفتور؟
«أنت بطلى يا أسامة».
عبارة سوف ترافق أسامة كلما أخفق فى تأدية المهمة حتى يعود إلى عالمه، فلا يمكن أن نعيش ملتفين حول ذواتنا.
السردية صلب هذه الرواية، وهى تعبر عن قدراتنا، ومدى الحفاظ على ذواتنا، وتنمية معارفنا.
لكن حياتنا مليئة بأشياء لها دور فى حياتنا، ولا تقل أهمية عن الهاى تكنولوجيا ووسائط الاتصال.
الإنسان فى حاجة متجددة إلى ما يعضد معارفه وقدراته واهتماماته.