حسين عثمان يكتب: الأيــام.. من عتمة الليل النهار راجع
طه حسين: «ولست أخاف على المصلح عدوًا أكثر مما أخاف عليه الرأى العام، فإن للجمهور على النفوس سطوةً قاهرةً، قلما يقاومها إلا أشد الناس بأسًا وأصدقهم عزمًا، وأقواهم عارضة»
نجيب محفوظ: «اعتبرنا جميعًا فى شبابنا أن ثورة طه حسين ضد المناهج القديمة هى انتفاضة عقلية موازية للثورة الحقيقية التى فجرها سعد زغلول على أرض الواقع»
لويس عوض: «طه حسين خرج بالمثقفين من عزلتهم السياسية، وحطم ذلك الحاجز السميك الذى كان يفصل الفكر عن الحياة، والأدب عن المجتمع، والخاصة عن الجماهير»
«السيرة والمذكرات» منطقتى المفضلة فى القراءة من صغرى، فيها وجدت سحر الحياة وسرها، جنونها وحكمتها، فرحها وغضبها، وأيضًا رضا الإنسان وتمرده، تجبره واستسلامه، توهجه وانطفاءه، وفى مساحات متباينة بين الواقع والخيال، الصدق والكذب، الزهو والتواضع، الحب والكره، الحلو والمر، قضيت الأيام والليالى وخاصة فى سنوات التكوين، فلم أجد سيرة ومذكرات المشاهير فى مختلف المجالات إلا قصص نجاح مُلهمة، بخلاف أنها جاءت دائمًا مدخلًا لقراءة دفتر أحوال البلد فى حياة صاحب السيرة أو المذكرات، كل هذا مَثل الدافع الأكبر نحو التخصص بالأساس فى هذا المجال وقتما أصبحت ناشرًا، وهنا فى «حرف» نفتح ملفًا نستعرض فيه بعضًا مما قرأت فى «السيرة والمذكرات».
أتذكر جيدًا شتاء ١٩٧٩، تحديدًا مطلع العام فى يناير، توقيت العرض الأول لمسلسل «الأيام» عن سيرة عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، قام بدوره فى المسلسل أحمد زكى، وأخرجه يحيى العلمى، ولا يمكن الحديث عن بطولات المسلسل دون ذكر روائع الثلاثى الذهبى سيد حجاب وعمار الشريعى وعلى الحجار، تتر المسلسل وفواصله الغنائية، والتى كانت فتحًا فى مسيرة الدراما التليفزيونية، فإذا ما عدت إلى تلك الأيام، لا أنسى حرص والدى، رحمة الله عليه، على أن تجتمع الأسرة يوميًا لمشاهدة المسلسل، كنت صبيًا لا يتجاوز عمره ٨ سنوات، وكان الوالد من رجال التربية والتعليم، ويعلم جيدًا قدر طه حسين، كما يعلم ما يمكن أن يتركه المسلسل من أثر فى تكوين صبى فى مثل عمرى، خاصة أن المسلسل يبدأ بطفولة العميد، ولا بد أن يجذب طفل على شاشة التليفزيون انتباه نظيره الجالس يشاهده، فما بالك والطفل بطل المسلسل يعانى فقدان بصره، كان المسلسل وكواليسه الأسرية بداية اتصالى بعالم طه حسين الاستثنائى، أحد أفضال أبى العظيم صاحب الفضل كله، وبعدها بسنوات قليلة كانت «الأيام» ضمن اختياراتى لقراءة الإجازة الصيفية بعد حصولى على الشهادة الإعدادية، وكنت قد قرأت قبلها «أنبياء الله» للأطفال لـ«أحمد بهجت»، فوضعا معًا حجر الأساس لشغفى بقراءة السيرة والمذكرات، هكذا بدأ التكوين.
طبعة المكفوفين
صدرت «الأيام» لأول مرة عام ١٩٢٩، وكان عمر طه حسين وقتها ٤٠ عامًا، فهو من مواليد «مغاغة» بمحافظة المنيا عام ١٨٨٩، كتبها إذًا فى سن النضج المتعارف عليها، وإن كانت معايير السن والنضج مع العميد تختلف قطعًا عنها فى العموم، ثم صدرت «الأيام» بعد ذلك فى طبعات متعددة على مدار سنوات طويلة وعن دور نشر مختلفة فى مصر وخارجها، ومع شيوع حقوق مؤلفات طه حسين حال مرور ٥٠ عامًا على وفاته فى أكتوبر الماضى ٢٠٢٣، أصبحت «الأيام» ملكًا للجميع فى مصر وخارجها أيضًا، بضاعة طه حسين رائجة فى كل وقت، ليتنا ندرك قيمة مضمونها النفيس قدر ما ندرك قيمة تجارتها الرابحة.
من ضمن طبعات «الأيام» صدرت طبعة خاصة للمكفوفين بطريقة برايل، صدرها عميد الأدب العربى فى ١٥ ديسمبر ١٩٥٤ بمقدمة نقلتها لأول مرة من طبعة المكفوفين طبعة «الأيام» الكاملة بأجزائها الثلاثة الصادرة فى كتاب واحد عن مركز الأهرام للترجمة والنشر عام ٢٠٠٤، تعالوا نستمتع بقراءتها معًا:
«هذا حديث أمليته فى بعض أوقات الفراغ لم أكن أريد أن يصدر فى كتاب يقرأه الناس، ولعلى لم أكن أريد أن أعيد قراءته بعد إملائه وإنما أمليته لأتخلص بإملائه من بعض الهموم الثقال والخواطر المحزنة التى كثيرًا ما تعترى الناس بين الحين والحين.
وللناس مذاهبهم المختلفة فى التخفف من الهموم والتخلص من الأحزان، فمنهم من يتسلى عنها بالقراءة، ومنهم من يتسلى عنها بالرياضة، ومنهم من يتسلى عنها بالاستماع للموسيقى والغناء، ومنهم من يذهب غير هذه المذاهب كلها لينسى نفسه ويفر من حياته الحاضرة وما تثقله به من الأعباء. ولست أدرى لماذا رجعت ذات يوم إلى ذكريات الصبا، أتحدث بها إلى نفسى فيما بينى وبينها، وإنما تحدثت إليها حديثًا مسموعًا، فأمليت هذا الكلام على صاحبى فى رحلة من رحلات الصيف، ثم ألقيته جانبًا ونسيته أو كدت أنساه.
ثم طلبت إلى مجلة الهلال فى عهدها الماضى طائفة من الأحاديث وألحت فى الطلب حتى لم أجد بُدًا إلى إجابتها، ولم أكن أملك الوقت الذى يتيح لى أن أكتب إليها الأحاديث التى أرادتنى عليها. فعرضت هذا الكلام على صديق ليقرأه ويشير علىّ فيه، أيصلح للنشر أم لا يصلح، فقرأه الصديق وأشار علىّ بألا ألقى إليه بالًا. فاعتذرت إلى (الهلال) ولكنها أبت إلا الإلحاح، فدفعت إليها هذا الكلام على كُرهٍ منى، وقد نَشَرَته. فرضى عنه بعض الناس ثم جمعه بعض الأصدقاء فى سفرٍ واحد.
وكذلك وُجِد هذا الكتاب على غير إرادة منى لوجوده، وما أكثر ما تحدثت بهذا الحديث إلى الذين قرأوا هذا الكلام، فمنهم من صدقه ومنهم من أنكر.
وأنا مع ذلك لم أقل إلا الحق، ومهما يكن من شىء، فقد وُجِد كتاب الأيام، وأُضيف إليه جزء ثانٍ، كُتِب على نحو ما كُتِب الجزء الأول. وليس أحب إلى نفسى ولا أحسن موقعًا فى قلبى، من أن يُقَدم هذا الكتاب إلى زملائى وأصدقائى فى هذه المحنة، ولا أرى فيها قسوةً أو شيئًا يشبه القسوة. وإنما هى آفة من الآفات الكثيرة التى تعرض لبعض الناس فى حياتهم فتؤثر فيها تأثيرًا قويًا أو ضعيفًا.
والذين يقرأون هذا الحديث من المكفوفين، سيرون فيه حياة صديقٍ لهم فى أيام الصبا تأثر بمحنتهم هذه قليلًا حين عرفها، وهو لم يعرفها إلا شيئًا فشيئًا حين لاحظ ما بينه وبين أخوته من فرق فى تصور الأشياء وممارستها.
وقد تأثر بهذه المحنة تأثرًا عميقًا قاسيًا، لا لشىء إلا لأنه أحس من أهله رحمةً له وإشفاقًا عليه، وأحس من بعض الناس سخريةً منه وازدراءً له، ولو قد عرف أهله كيف يرعونه دون أن يُظهِروا له رحمةً أو إشفاقًا، ولو قد كان الناس من رُقى الحضارة وفهم الأشياء على حقائقها بحيث لا يسخرون من الذين تعتريهم بعض الآفات، لا يرْثون لهم ولا يُظهِرون لهم معاملة خاصة يتكلفونها تكلفًا، لو قد كان من هذا كله، لعرف ذلك الصبى وأمثاله محنتهم فى رفق، ولاستقامت حياتهم بريئة من التعقيد، كما تستقيم لكثير غيرهم من الناس.
والحمد لله على أن هذا الصبى لم يستسلم للحزن ولم تدفعه ظروفه إلى اليأس وإنما مضى فى طريقه كما استطاع أن يمضى، محاولًا الخير لنفسه وللناس ما أُتيح له أن يحاول من الخير. وما أكثر الذين قهروا هذه المحنة خيرًا مما قهرها، وانتصروا عليها خيرًا مما انتصر عليها، وقدموا لأنفسهم وللناس أكثر وأنفع وأبقى مما قدم، ولكن كل إنسان مُيَسر لما خُلِق له، لا يبذل من الجهد إلا ما تبلغه طاقته.
وأنا أتمنى أن يجد الأصدقاء المكفوفون فى قراءة هذا الحديث تسليةً لهم عن أثقال الحياة كما وجدت فى إملائه وأن يجدوا فيه بعد ذلك تشجيعًا لهم على أن يستقبلوا الحياة مبتسمين لها كما تبتسم لهم ولغيرهم من الناس، جادين فيها لينفعوا أنفسهم وينفعوا غيرهم، متغلبين على ما يعترضهم من المصاعب وما يقوم فى سبيلهم من العقبات بالصبر والجهد وحسن الاحتمال وبالأمل المتصل والرجاء الباسم.
فالحياة لم تُمنح لفريقٍ من الناس دون فريق، وحظوظها من اليسر والعسر ومن الشدة واللين ليست مقصورة على المكفوفين وأصحاب الآفات دون غيرهم من الناس، ولو قد عرف الإنسان ما يلقى غيره من المصاعب وما يشقى به غيره من مشكلات الحياة، لهانت عليه الخطوب التى تعترضه ولعرف أن حظه خير من حظوظ كثيرٍ من الناس وأنه فى عافية مما يُمتحن به غيره من الأشقياء والبائسين على ما أُتيح لهم من الصحة الموفورة ومن تمام الآلة واعتدال المزاج واستقامة الملكات.
والمهم هو أن يلقى الإنسان حياته باسمًا لها لا عابسًا، وجادًا فيها لا لاعبًا وأن يحمل نصيبه من أثقالها ويؤدى نصيبه من واجباتها، ويحب للناس مثلما يحب لنفسه ويؤْثِر الناس بما يؤْثِر به نفسه من الخير، ولا عليه بعد ذلك أن تثقل الحياة أو تخف وأن يرضى الناس أو يسخطوا، فنحن لم نُخلق عبثًا ولم نُترك سدى ولم نُكلف إرضاء الناس عنا، وإنما خُلِقنا لنؤدى واجباتنا وليس لنا بدٌ من تأديتها، فإن لم نفعل فنحن وحدنا الملومون وعلينا وحدنا تقع التبعات».
دروس وعبر
يا الله!.. أهذا حديث للمكفوفين فقط؟!.. لا والله هو إلهام إنسانى لعموم الناس.. مُقَدمة أحسن مركز الأهرام للترجمة والنشر أن قرر تصدير طبعته لـ«الأيام» بها لأول مرة، فهى فى اعتقادى تُظِهر دوافع طه حسين فيما وراء كتابته لسيرته الذاتية الملهمة العابرة للأجيال، وكيف أن كتابته لها شكلت نوعًا من أنواع التجرد من العقدة فى سن النضج، وإلى حد وصفها بقوة بالآفة بثقة وفى أكثر من موضع، كما تعطى لقارئها دروسًا وعِبرًا فى كيفية مواجهة تحديات الحياة إنسانيًا ومهنيًا، وأيضًا تؤسس لثقافة التعامل مع اختلاف البشر، والذى احتجنا لعقود طويلة بعد طرح رؤية العميد هذه ليصبح عنوانًا هامًا لواحدة من أهم القضايا فى حياتنا، وإن كان مجتمعنا لا يزال فى معظمه على حال جهله فى التعاطى معها، ومع هذا كله نلمس فى مقدمة العميد للمكفوفين مرارةً لم تغادر أحاديثه على مدى عمره، خاصة حينما يتعلق الأمر بسؤال الجدوى فى حياته، وله كل الحق، فحتى الآن لا نستطيع أن نجزم بالاستفادة من منجزه، كما كان يتمنى ويطمح.
كتاب «الملاح» المدخل
مثل طه حسين من المفكرين أصحاب المشروعات الإنسانية والمهنية الثرية الملهمة، متعددة أوجه المعرفة والتنقيب والتجديد والإبداع، فى إطار أشكال أدبية وفكرية ونقدية عديدة ومتنوعة، طوال سبعة عقود أو يزيد من العطاء المتواصل والمستمر، مثل هؤلاء يحتاج القارئ فى الغالب إلى خارطة طريق ترشده فى سهولةٍ ويسر، وتضع يده بسلاسة على ملامح المشروع وأهم محطاته، وما أحاط به من أجواء وخلفيات ساهمت بشكلٍ أو بآخر فى تأسيسه والعمل عليه، ولعلك تلاحظ أن أسئلة القراءة حاليًا تدور بين جموع القراء حول.. من أين نبدأ؟.
فإذا ما أردت مدخلًا لقراءة «مشروع طه حسين» فعليك بكتاب الناقد والكاتب والباحث المتخصص فى التراث الثقافى إيهاب الملاح، وهو الصادر عن دار الرواق للنشر والتوزيع عام ٢٠٢١، الكتاب يأتى فى أربعة أبواب، يفسر أولها أهمية تجديد ذكرى العميد، قبل أن يطل بنا «الملاح» على سيرة العميد ومراحله التكوينية، ثم علاقة طه حسين بأساتذته فى الجامعة وعلاقته بتلاميذه بعدما صار أستاذًا جامعيًا، وينتهى بنا وقوفًا على صلته الوثيقة بناشره الأشهر «دار المعارف» والتى عرفته بأقدم قائمة لمنشوراتها عام ١٩٣١ هكذا: «الدكتور طه حسين، عميد كلية الآداب فى الجامعة المصرية، من دهاقين الأدب العربى وأساطينه، صاحب الصيت الذائع بمباحثه الرائعة فى مختلف فنون الآداب والعلم، أما مؤلفاته فهى من الطراز الأول فى غزارة المادة، وقوة البيان، يتهافت عليها قراء العربية فى جميع الأقطار والأصقاع، وتهافت الجياع على القصاع».
بينما يستعرض الباب الثانى «حول العميد.. طه حسين فى مرايا الأجيال» سيرة العميد طرف الآخرين، ومن بينهم صاحب نوبل نجيب محفوظ، زوجة العميد الفرنسية سوزان بريسو شريكة حياته طوال ٥٠ عامًا وكتابها «مَعَك»، سامى الكيالى المثقف والأديب والشاعر السورى الكبير، تلميذته الأثيرة سهير القلماوى، الباحث عبدالرشيد الصادق المحمودى جامع تراث العميد بالفرنسية، ولويس عوض.
أما معارك طه حسين، والتى لا يزال صداها حاضرًا مهما غاب، فقد خصص لها إيهاب الملاح الباب الثالث من كتابه تحت عنوان «سجالات حول العميد.. قديمًا وحديثًا».. وكان لا بد وأن تكون معركة «فى الشعر الجاهلى» هى فاتحة هذا الباب، يقول «الملاح»: «لم يُثِر كتاب فى تاريخ الثقافة العربية الحديثة ما أثاره كتاب (فى الشعر الجاهلى) الذى أصدره طه حسين فى مارس من العام ١٩٢٦، قامت الدنيا ولم تقعد بسبب هذا الكتاب- وربما حتى اللحظة- حيث زُج بالدينى والسياسى فى التفسيرات التى قدمت له، واندلع طوفان من الهجوم الدعائى الجارف ضد طه حسين، وحملة غير مسبوقة على الكتاب وصاحبه، لم ينلهما كتاب مثله فى تاريخ الفكر العربى الحديث حتى يومنا هذا».
ميثاق شرف
ومن الباب الرابع «ملحق النصوص والصور» أقف بكم عند كلمة طه حسين فى الاحتفال باليوبيل الذهبى لناشره مؤسسة دار المعارف، والتى أعدها دستورًا حاكمًا وميثاق شرف لعلاقة الناشر بالمؤلف، ومنها نقرأ معًا:
«أما أنا فلم يُتح لى الاشتراك فى العيد الفضى لمطبعة المعارف ومكتبتها، ولستُ أدرى أكنت فى ذلك الوقت أدنى إلى الشباب من السادة الذين أحيوا هذا العيد، ولكن المحقق أنى كنت فى أوروبا أُتم دراستى فى باريس. كما أنى لم أُدع إلى الكلام فى إحياء هذا العيد الذهبى، ولكنى طلبت أن يُؤذن لى بالكلام، لأنى أحسست حاجةً قوية إلى أن أشارك فى تكريم مطبعة المعارف ومكتبتها، وإلى أن أعترف بفضلها فى تشجيع الإنتاج الأدبى، ودفع الأدباء إليه.
سيرته لا بد أن تستمر حاضرة بقوة فما أحوجنا لاستحضار بصيرته النافذة حتى نستعيد يومًا سطوة العقل وصوت الحكمة
ولقد رجعت من أوروبا، وفى نفسى صورة ممتازة لما انتهت إليه الصلة بين الأدباء والناشرين فى هذا العصر الحديث، فهى صلة تقوم على التعاون ولا تقوم على الاستغلال، فالناشر ينظر إلى الأديب المُنتِج على أنه شريكه فى خدمة المعرفة والثقافة وتمكين العقل من أن يوصل ثمراته إلى أبعد مدى، وإلى أكثر عدد ممكن من القراء، والأديب ينظر إلى الناشر على هذا النحو نفسه، وقد انتهى ذلك العصر الذى كان نشر الثقافة فيه تجارة يسعد بها الناشر والطابع، ويشقى بها العالم والأديب.
رجعت من أوروبا، وفى نفسى هذه الصورة الرائعة، ولست أخفى عليكم أنى أنفقت وقتًا غير قصير ألتمس هذه الصورة فى مصر، فلم يُتح لى الاهتداء إليها إلا حين اتصلت بمطبعة المعارف ومكتبتها، هنالك لم أحس الارتياح إلى العلاقة بينى وبين الذين أخذوا ينشرون كتبى، وإنما أحسست شيئًا أكثر من ذلك وأقوى، أحسست تعاونًا يقوم على المودة والوفاء، وما لى لا أصارحكم ببعض الحق، وما طلبت الكلام إلا لأصارحكم ببعض الحق».. وأترك لكم هنا التعليق قياسًا على أحوال التأليف والنشر حاليًا.
سيرة عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين لا بد أن تستمر حاضرة بقوة، فما أحوجنا لاستحضار بصيرته النافذة حتى نستعيد يومًا سطوة العقل وصوت الحكمة.