السبت 05 أكتوبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

شيرى تيركل: الاتصالات الرقمية توفر لنا وهم الرفقة دون متطلبات الصداقة

شيرى تيركل
شيرى تيركل

فى التسعينيات من القرن الماضى، ومع بزوغ وسائل التواصل الاجتماعى من غرف الدردشة على الإنترنت إلى التطبيقات المتضمنة بشكل متزايد فى تكنولوجيا الهاتف المحمول، واليوم مع تطبيقات تتيح تحويل الحياة الاجتماعية من الواقعى إلى الافتراضى، والرفقة من البشر إلى الروبوتات، ثمة تهديدات تحيط بحياة البشر الاجتماعية بعد أن صاروا أكثر ارتباطًا بالتكنولوجيا من البشر. 

فى كتاب «وحدنا معًا.. كيف سحرتنا التكنولوجيا وماذا قدمنا لبعضنا البعض؟»، الصادر عن «دار آفاق» بترجمة عربية أنجزتها شهرت العالم، تناقش شيرى تيركل؛ أستاذ الدراسات الاجتماعية للعلوم والتكنولوجيا فى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، هذا الواقع الذى فرضته التكنولوجيا وتدق ناقوس الخطر الذى صار إدمان التكنولوجيا يقود إليه. 

توضح «تيركل» أن التكنولوجيا تجعلنا ننسى ما نعرفه عن الحياة، فتصبح المحادثات وجهًا لوجه صعبة ومحرجة وغير مرغوب بها مقارنة بالرسائل النصية، وهو ما يجعل البشر اليوم أكثر ميلًا لعالم خالٍ من الاحتكاك يشعرهم بالراحة، ولكنه فى المقابل يسلبهم مهارات التواصل الاجتماعى مع الآخرين من البشر. 

وترى أننا صرنا على استعداد لمنح العلاقات الاجتماعية الافتراضية أكثر مما تستحقه، نظرًا لما تُقدمه لنا من شعور بالتقدير والتواصل مع تجنب التحديات التى تفرضها العلاقات الاجتماعية الحقيقية. ومن ثم، فعلى الرغم من أن سهولة التواصل الافتراضى قد تجنب البعض الشعور بالوحدة، فإنها تدفع البشر إلى الاتجاه لملذات هواتفهم بدلًا من تعزيز علاقات حقيقية. 

تُلبى التكنولوجيا نقاط ضعفنا البشرية؛ الخوف من الوحدة ومن الحميمية فى الآن ذاته، ومن هنا تأتى الاتصالات الرقمية والروبوتات الاجتماعية لتقدم وهم الرفقة دون متطلبات الصداقة، فتتيح لنا علاقات تعفينا من المسئوليات والأعباء وتلبى احتياجاتنا، وهو ما تُعلّق عليه المؤلفة بقولها: «نحن ننحنى للجماد باهتمام جديد، نخشى مخاطر وخيبات الأمل فى العلاقات مع إخوتنا البشر.. نتوقع المزيد من التكنولوجيا والأقل من بعضنا». 

لقد صارت الذات الإنسانية منقسمة بين الشاشة والواقع المادى، وبات الوجود متعينًا من خلال التكنولوجيا، على الرغم من أن الآلة ليست سوى مجموعة ذكية من طرق أداء تدعى الاهتمام والتفهم والأصالة ولا تمتلك القدرة البشرية على التعاطف الحقيقى. 

ومع أنه يبدو ظاهريًا أن العلاقات التى تتيحها تطبيقات تكنولوجية متطورة لا تكلف البشر شيئًا يذكر فى مقابل ما يُجنى من فوائد، فإن المؤلفة تُسلط الضوء على ما يدفعه البشر للحصول على كل المميزات المتاحة، وهو خصوصيتهم، إذ تقول: «التحدى الحالى الذى يواجهنا محاربة الشعور بأنه من الطبيعى أن نفقد الخصوصية من أجل الشعور بالتواصل الاجتماعى. رأيت فى عالم «وحدنا معًا» الروبوتات الاجتماعية بوصفها حقل تجارب، مكانًا نسمح فيه بعلاقات غير مبررة مع الجماد تُقلّص من إنسانيتنا. تريد منك الآلات الاستمرار فى استخدامها، فهذه هى الطريقة التى يمكنهم من خلالها الحصول على المزيد من بياناتك لبيع المزيد لك وللآخرين». 

يقدم الكتاب رسالة تحذيرية تدعو إلى الاستفادة مما تتيحه التكنولوجيا من مميزات، مع الحذر مما ندفعه بالمقابل من خصوصيتنا، وهو ما يتطلب اكتساب عادات جديدة أكثر انضباطًا يفرضها سؤالنا عما إذا كانت التكنولوجيا توسع قدراتنا وإمكانياتنا أم تستغل نقاط ضعفنا؟.