الخميس 10 أكتوبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

جريمة فى قصر محمد على.. تدمير عناصر أثرية مهمة و«صنايعية رخام» لإصلاح التلفيات!

قصر محمد على
قصر محمد على

- حملة «الدفاع عن الحضارة»: الدولة أنفقت 750 مليون جنيه فى الترميم.. و«المستثمر» شوه ««مزهريات» البحيرة

- استخدام مواد غير مطابقة للأصول العلمية واتساخات شديدة ملتصقة بالتماسيح الأثرية

- ترميم خاطئ للعناصر الرخامية والإزار الزخرفى المطل على البحيرة وشباك خشبى 

لا يستطيع أحد أن ينكر حجم الجهد المبذول فى قطاع الآثار على مدار الـ10 سنوات الماضية، إذ تم ترميم وتطوير عدد هائل وغير مسبوق من المواقع الأثرية على مستوى الجمهورية، وهى الأعمال التى تكلفت مليارات الجنيهات، فى أعلى مستوى إنفاق شهده القطاع على مدار تاريخه.

قد توازى مع التطوير إدخال نموذج جديد فى التعاون مع القطاع الخاص فى الاستفادة من المواقع الأثرية بشكل استثمارى، يضمن الحفاظ عليها وفى الوقت ذاته تحقيق عائد مالى يمكن من الإنفاق على المواقع وترميمها وتطويرها بشكل مستمر، وهو نموذج أشاد به كثيرون، من خبراء الآثار والمهتمين، خاصة مع وضع بنود واضحة فى التعاقدات مع المستثمرين تضمن الحفاظ على القيمة الأثرية.

ومن بين أهم المواقع الأثرية التى طالها التطوير الشامل خلال السنوات الماضية قصر محمد على فى شبرا، إذ بلغ حجم الإنفاق على أعمال الترميم نحو ٧٥٠ مليون جنيه، تحملتها الدولة بشكل كامل.

هذه الأعمال شملت ترميم وإعادة تأهيل القصر بشكل كامل، بعد دراسات أجراها مركز هندسة الآثار والبيئة بجامعة القاهرة مع قطاع الآثار الاسلامية والقبطية واليهودية بوزارة السياحة والآثار، وتضمن التطوير مبنى قصر الفسقية والغرف التى يتكون منها القصر، ومنها: «غرف العرش والأسماء (أسماء أسرة محمد على)، والطعام، والبلياردو، والحديقة، والممشى السياحى، والمرسى».

وشملت أعمال قصر الفسقية فك الرخام القديم وترميمه، وإعادة تركيب للأرضيات والحوائط الرخامية، ورفع كفاءة البحيرة والجزيرة الوسطى، وترميم العناصر الأثرية بها، مع معالجة الأخشاب بالجمالون الخشبى وتغيير الأخشاب المتهالكة، والترميم والتدعيم الإنشائى للقباب والحنايا والأروقة.

أيضا تم إنشاء «سياج شجرى» حول البرجولة الواقعة فى هذه المنطقة لإضفاء مظهر جمالى عليه، ووضع بطاقات تعريفية للأشجار النادرة بالحديقة تشرح أنواعها وأعمارها بالجزء الخلفى لمبنى الفسقية، مع توفير مظلات ومقاعد للزائرين بحديقة القصر، وتركيب لوحات إرشادية وتفسيرية، وتأهيل مسارات الزيارة وإتاحتها لذوى الاحتياجات الخاصة، وذلك لتحسين مسار الزيارة، عبر إجراء بعض التعديلات لرفع كفاءة الخدمات المقدمة للزائرين لتحسين تجربتهم أثناء الزيارة.

وقد جرت أعمال التطوير على أكمل وجه، غير أن الأزمة فيما جرى بعد ذلك.

والذى جرى تكشفه حملة «الدفاع عن الحضارة المصرية»، برئاسة الدكتور عبدالرحيم ريحان، حيث تكشف عن أن المستثمر الذى تسلم القصر تسبب فى تلف عناصر أثرية مهمة جدًا، إذ حاول إنشاء مسارح داخل البحيرة، وتعرّضت المزهريات وكل ما حول البحيرة للتلف.

ووفق د. ريحان فإن المفتش الموجود فى القصر «لم يبلغ عن هذه التلفيات أو يقوم بتحرير محضر وطلب قطاع المشروعات للمعاينة»، على أن يتحمل المستثمر أى تلفيات.

والكارثة تتمثل فى استدعاء «صنايعية رخام»، لإصلاح الأشياء المتضررة باستخدام مواد غير مناسبة، بينما كانت هذه العناصر الأثرية مصنعة بخامات عالية الجودة، ما يمثل جريمة بحق الأثر.

وتنحصر التلفيات من خلال الصور قبل وبعد التلف فيما يلى:

١- ترميم خاطئ للعناصر الرخامية التى تم تكسيرها بمعرفة المستثمر.

٢- ترميم خاطئ للإزار الزخرفى المطل على البحيرة.

٣- ترميم خاطئ على جوانب أحد الشبابيك الخشبية بالأروقة.

٤- تراكم التلف الحشرى المتمثل فى أعشاش العنكبوت والبقايا الحضرية بزخارف الأكشاك.

٥- تأثر المجرى الرخامية نتيجة تركيب المسرح داخل النافورة.

وتظهر الصور:

١- تمت إعادة لصق الوحدات الرخامية بواجهة الأكشاك بطريقة فنية خاطئة واستخدام مواد غير مطابقة للأصول الأثرية، حيث تتطلب عملية الترميم واللصق للعناصر الرخامية استخدام الأرالديت مضافًا إليه مادة الميكروبالون مع التقفيل الجيد لأماكن الالتقاء للعناصر الزخرفية المختلفة.

٢- اتساخات شديدة ملتصقة بالتماسيح الأثرية تحتاج إلى أعمال تنظيف مستمرة واستخدام مياه نظيفة أثناء ملء البحيرة.

٣- تعرض الإزار للتلف وتم ترميمه بشكل خاطئ واستخدام دهانات بلاستيك بدرجات لونية غير مطابقة للون الأصلى ولا تتماشى مع الطبقات اللونية المجاورة لها.

٤- تأثير تلف مجرى الصرف أعلى الجمالونات على الإزار الزخرفى، وهو الأمر الذى يتطلب سرعة التدخل حتى لا تتعرض الطبقات الأثرية للتلف.

٥- تعرض جوانب أحد الشبابيك للتلف وتم ترميمه بشكل خاطئ واستخدام طبقات معجون ملونة وتطبيقها بطريقة سيئة جدًا.

ويذكر د. عبدالرحيم ريحان أن قصر محمد على باشا بشبرا الخيمة افتُتح فى ٢٦ ديسمبر ٢٠٠٥، بعد انتهاء وزارة الثقافة من ترميمه وتطويره كمركز عالمى لاستضافة المؤتمرات وكبار الزوار وكمزار سياحى، إذ شهد أحداثًا تاريخية مهمة فى تاريخ مصر الحديثة، وهو فى حد ذاته تحفة معمارية نادرة على مستوى العالم، خاصة أنه جمع فى عمارته وفنونه بين العالمين الغربى والإسلامى، ويبلغ عمره ٢٠٠ عام.

من جانبه، قال خبير الترميم حمدى يوسف إن مبنى الفسقية أهم مبانى قصر محمد على وذو طبيعة خاصة جدًا، كونه مبنى خشبيًا بنسبة أكثر من ٦٠٪ من عناصره المعمارية؛ فهو عبارة عن ٤ أروقة، الجدار الخارجى حجر جيرى والغرف فى الأركان الأربعة أيضًا، ومن الداخل يرتكز على أعمدة «رخام إيطالى بيانكو» من أفخر أنواع الرخام فى العالم، تتوسطة النافورة المحمولة على تماسيح.

وأضاف: «الممرات رخام، و(الدرابزينات) رخام، والمقاصير عبارة عن لوحات رخام منقوش عليها طائر الرخ، وفى الأركان أربعة أسود من الرخام البيانكو تخرج من أفواهها مياه أمامها فى شكل ربع دائرى محفور على أرضياته وأفاريزه الأسماك النيلية، بالإضافة إلى المزهريات الرخام».

وأشار إلى أن السقف، و«هو صاحب كل المشاكل»، عبارة عن سقف مستو يعلوه جمالون من الخشب العزيزى ثم طبقة العزل، لافتًا إلى أن هذا المبنى معرّض للجو الخارجى بشكل مباشر، بالإضافة إلى أن الكورنيش العلوى باللون الأصفر تم تنفيذه على أرضيه من الجص المنفذ على خشب بغدادلى، والأسقف الداخلية للأروقة أيضًا ألواح خشبية عليها زخارف طراز ركوكو.

وتابع: «فى ظل وجود كل هذا فى الأجواء الخارجية بالإضافة إلى مياه النافورة مع وجوده فى حرم كلية الزراعة وكلها مزروعات، يؤدى إلى ارتفاع الهواء المشبع بالرطوبة فى داخل الفسقية».

ويظهر التأثير فى النقاط التالية:

١- ظهور شروخ الفواصل بين ألواح الأخشاب بسبب التفاوت فى درجات الحرارة صيفًا وشتاءً وليلًا ونهارًا بسبب الرطوبة العالية.

٢- كل طبقات اللون تتعرض إلى التقشر بفعل الحركات الميكانيكية للألواح الخشبية بالأسقف والكرانيش والأفاريز العلوية، وبالتالى يحدث تلف للعناصر الزخرفية وتلف وسقوط للطبقة الجصية الحاملة للألوان.

٣- تشغيل النوافير يؤدى الى اصفرار الرخام وكذلك تحول الرخام إلى اللون الأسود نتيجة لفطريات العفن الأسود الذى يظهر على الأسود بسبب الرطوبة وتلوث المياه التى يجب أن تحتوى على كلور للتنقية و القضاء على أى فطريات أو عفن. 

٤- أى ترميم للأرضيات الرخام لا بد أن يتم بشكل دورى، عملية جلى للرخام مع عدم استخدام أى أحماض أو قلويات فى التنظيف. 

٥- ضرورة غلق الفسقية من الداخل باستمرار إما بالستائر البلاستيكية أو يتم وضع نظام غلق يلائم المبنى، أو إفراغ الفسقية من المياه بالكامل للقضاء على ارتفاع نسبة الرطوبة داخل حرم الفسقية. 

ويلفت خبير الترميم إلى أنه سبق هذا المشروع الأخير عدة مشروعات، فقد تم ترميم الزخارف على يد نبيل شاروبيم بإشراف الدكتور ابراهيم بدوى، وتم ترميم الرخام بواسطة قدرى كامل ثم الأستاذ فاروق شرف.

ويبين أنه تم ترميم المبنى أيام وزير الثقافة فاروق حسنى، عندما كانت الآثار تابعة لوزارة الثقافة، إذ حدث انفجار بالقرب من القصر أدى إلى انهيارات وتلفيات فى أحد أركان القصر، وتم عزله بشكل خاطئ بألواح الرصاص، وتسببت فى تلفيات لعزل العلوى أيضًا، وحدثت تلفيات فى الفسقية عند تشغيلها بسبب أخطاء فى عزل الأرضية، و ظل المبنى مغلقًا إلى أن تم المشروع الأخير.