الخميس 10 أكتوبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

ليلة النجوم.. سر اللوحة التى تعكس فهم فان جوخ قوانين الفيزياء

ليلة النجوم
ليلة النجوم

فى تحفته الفنية «ليلة النجوم» التى رسمها عام 1889، استخدم فينسنت فان جوخ بعض العناصر الفنية، مثل القرية الصغيرة الخيالية التى تقع فى الوادى، والهلال الساطع، لكن الأغرب هو أن الفنان قد رسم هذه اللوحة فى أثناء النهار وهو يجلس فى غرفة بلا نوافذ فى مصحة سان بول دو موسول العقلية.

وفيما يتعلق بتجسيد العوامل الفزيائية المؤثرة فى حركة الغيوم والهواء فى السماء التى ظهرت فى اللوحة، فقد كان فان جوخ دقيقًا بشكل استثنائى فى تحقيق ذلك، وهذا ما استنتجه الباحثون الذين درسوا ديناميكيات الغلاف الجوى فى «ليلة النجوم» بعمق، فوجدوا أن الفنان كان يمتلك حسًا فطريًا فى فهم والتقاط ما وصفوه بـ«ديناميكية السماء».

وباستخدام صورة رقمية عالية الدقة للوحة الموجودة ضمن مجموعة متحف الفن الحديث، ركز العلماء المتخصصون فى علوم البحار وديناميكا السوائل على الخطوط الدقيقة لضربات فرشاة «فان جوخ»، وقارنوها بالخطوط الناتجة عن قوانين الفيزياء.

فان جوخ

وفى الدراسة التى نُشرت نتائجها فى مجلة Physics of Fluids بتاريخ ١٧ سبتمبر الجارى، حدد الباحثون ١٤ شكلًا من الدوامات الرئيسية فى اللوحة ومنها دوامات بيضاء وزرقاء وصفراء والتى تلتف حول النجوم والسماء والقمر، وبعدها قاسوا حجم وتباعد ضربات الفرشاة داخل هذه الأشكال الدوامية، بالإضافة إلى درجة سطوع الألوان المختلفة فى الطلاء.

ووجد الباحثون أن نسب وتباعد ضربات الفرشاة تمثّل شكل وطاقة وحجم الخصائص الجوية، تمامًا كما ترفرف أوراق الشجر فى دوامات الريح، وأيضًا مثّل سطوع ضربات الفرشاة الطاقة الحركية، ثم قارنوا هذه الخصائص مع نظرية تدفق الطاقة المتتالية، والتى تشرح كيفية انتقال الطاقة الحركية من التدفقات الكبيرة إلى الصغيرة فى اضطرابات الغلاف الجوى.

وخلصت الدراسة إلى أن اللوحة بشكل عام تتوافق مع نظرية «كولموجوروف» الخاصة بالطاقة الحركية، ونظرية الاضطراب أو تدفق الهواء، التى تتنبأ بحركة الغلاف الجوى ومقياسها بناء على كمية الطاقة الموجودة.

وأوضح الباحث الرئيسى فى الدراسة، يونجشيانج هوانج، أن هذه الدراسة جاءت كرد على دراسات سابقة حول اللوحة، وقد صدرت أول دراسة بهذا الشأن عام ٢٠٠٦، وقد لفتت انتباهه عندما كان لا يزال طالب دكتوراه.

وجاء بالدراسة أن اللوحة تظهر طاقة الحركة بشكل مثالى، لكن صدرت بعدها دراستان فى عامى ٢٠١٩ و٢٠٢٠ شككتا فى هذا الاكتشاف، وهذه الدراسة الأخيرة تحسم المسألة إلى حد ما.

وقال «هوانج» إن ما اكتشفناه فيما يتعلق باللوحة مذهل، مضيفًا «اللوحة تتبع بدقة القانون الفيزيائى الذى اكتشفه كولموجوروف فى عام ١٩٤١، قبل أكثر من ٨٠ عامًا».

من أين جاء «فان جوخ» بهذه الدقة لتمثيل ظاهرة الاضطراب؟ ربما من دراسة حركة الغيوم والغلاف الجوى، كما قال «هوانج»، ومع ذلك، قد يكون ببساطة امتلك حسًا فطريًا فى كيفية التقاط ديناميكية السماء.

ولم تكن تلك هذه الدراسة الأولى التى تبحث فى لوحة «ليلة النجوم»، فقد أجريت دراسات سابقة قارنت خصائص الاضطراب، فى اللوحة بالسحب الجزيئية التى تشكل النجوم، ودرس الباحثون كيف استخدم «فان جوخ» نظرية الألوان، والطلاءات الجديدة التى كانت متاحة فى أواخر القرن التاسع عشر، لخلق مساحة تأملية داخل العقل.