الأربعاء 04 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

مختارات للشاعر الكبير كمال عبدالحميد.. أتدلى من العدم وحيدًا

كمال عبد الحميد
كمال عبد الحميد

(١)

ليسَ لدىَّ شىءٌ كثيرٌ

لأتخيَّلَ وجُوبَهُ أو ضرورته

ليَمُرَّ الإنسانُ بين حيواتهِ

بألمٍ أقل

ليستْ لدىَّ مُقاومةٌ

لمصيرِ الفرائسِ فوقَ رقابنا

أنا بشرىٌّ بائسٌ

آدمىٌّ ماتتْ أُمُّهُ

فقرَّرَ أن يكون رَجُلًا سبّابًا

ليلعنَ أُمَّ العالَمِ

ما دامَ لن تأتـيه بِشارة مُوسَى:

(فَرجَعناكَ إلى أُمِّكَ كى تَقَرَّ عينُهَا ولا تحزنَ).

(٢)

وَحْدَكِ الآن مهدَّمةً دون سببٍ ما 

دون حاجةٍ لتأويلٍ مبتكرٍ

عن الحياة والموتِ

أنتِ مطويَّةٌ بإتقانٍ كافٍ لأن نتبادل العزاء ونمضى

فمَنْ أوهمكِ أننا شركاء للأبدِ، وأننا لن نكتفى بعدكِ بالتبغِ والشاىِ، وما تيسَّرَ من ذكر اللهِ.

من أوهمكِ أننا سنطرق أبوابكِ بعنفٍ مُحمَّلينَ بالهدايا لحراسكِ الخرافيِّين. هذه ميتتُكِ وحدكِ فخُذيها كاملةً.

(٣)

يَخطر لى أَنْ أمسكَ الشمسَ وأشطرها نصفينِ، لا.. لأعطيكِ نصفها، بل لألهو بها فى وحدتى. يبدو الأمرُ دعابةً لكنه ليس كذلك حين أخرجُها من جيبى لأدفعها أمامى كالكرة، وربما أجدُ مبررًا لأصفعها بقوةٍ حتى تفسر لى: لماذا أبقى وحيدًا طالما اللَّهُ فوقنا؟

(٤)

لماذا يأتى كلُّ شىءٍ ناقصًا ومتأخِّرًا؟

فى البيتِ الذى أستأجرُه

منذ ثلاث سنواتٍ

سألتُ أبى فى موتهِ فقال:

بالتجربةِ والوقتِ

يتحايلُ القرويُّونَ على البقاءِ

وتَخِفُّ نسبةُ السَّذاجةِ على الأرضِ

وتُصبحُ غابة.

(٥)

اقتربى

حياتى الآن تجسسٌ يومىٌّ

على روحى المهجورة

كحيوانٍ مسعورٍ 

على أطراف الحقول

حيوانٌ طيبٌ يصرخ فى البرية

دون أن يعرف

لماذا عليه أن يضيع هكذا فى الحُبِّ 

لماذا عليه أن يُشْعلَ شمعةً واحدةً

على سريره

وهو يتدلى من العدم وحيدًا

يتوهم امرأةً جميلةً

تُغنّى خلفهُ: هابى بيرثداى.

(٦)

- يقول الطبيبُ المُجنَّسُ: خُذْ نَفسًَا عميقًا ثم اكتمه

- أقولُ لحبيبتى: كم تعلّمنا أن نتنفّسَ سرًا.

- انتبه سوف أضغط هنا بقوّةٍ،

هل ثمة ألم فى كُلْيَتِكَ اليسرى؟

- ليس للألمِ بيتٌ

- دعنا نجرب السعال الخفيف..

كم سيجارةً فى اليوم؟

- أربعون 

- والشرابُ؟

- كلُّ أرقٍ ظمأٌ لا يُرْوى إلا بخمرٍ.

(٧)

عجائزُ كثيراتٌ عرفننى من صور الحائطِ

من ألبومِ الجدران حول سريرِ أُمى

كثيراتٌ وبضوء خافتٍ فى العيون

لوَّحنَ بأصابعهنَّ اليابسة تجاه غُرفتى

قُلنَ فيما يشبهُ الهذيان: 

منها وحيدًا خرجَ

إليها وحيدًا يعودُ. 

(٨)

لا أُريدنى كما قتلتنى حبيبتى

كما أنا الآنَ

ميتًا، أتأملُّ الكارثةَ بعُمق

أُريدُنى كما تعرفُنى أُمِّى

أَصابِعى كما هى

فمى كما هوَ

ونحافتى مُهيَّأةٌ للطيرانِ.