الأربعاء 30 أبريل 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

تاريــخ القرمشة.. قصيدة فى حب البطاطس

حرف

- تعتبر المملكة المتحدة رقائق البطاطس طبقًا وطنيًا وجزءًا مملوكًا من الهوية البريطانية

- علماء الأغذية بدأوا فن النكهات المقلدة 1950.. وشركة أيرلندية أنتجت طعم الجبن والبصل

«دونر كباب.. خل وملح.. فلفل حار.. جبنة فرنسية.. وغيرها من النكهات التى نسمع عنها يوميا».. عالم رقائق البطاطس تغير بشكل لا يمكنك التعرف عليه، فلم يعد تقليديًا كما كان، منذ أن تم إنتاج هذه الوجبة الخفيفة تجاريًا فى أوائل القرن العشرين لأول مرة.

وفى خلال ذلك، تأخذنا ناتالى ويتل، الصحفية البريطانية المتخصصة فى الطعام والشراب فى كتابها «قرمش: قصيدة لرقائق البطاطس»، فى جولة سريعة للتعرف على نكهات رقائق البطاطس التى يمكننا العثور عليها الآن فى جميع أنحاء العالم.

الكتاب صدر فى أكتوبر الماضى، عن دار نشر «فابر وفابر» الإنجليزية، فى ٢٥٦ صفحة، وهو عبارة عن رسالة حب موجهة إلى البطاطس المملحة، وترصد فيه تطورها من بساطة أكياس الملح فى أوائل القرن العشرين، إلى النكهات المفضلة لدى الأطفال فى الثمانينيات، إلى شعبية النكهات الذواقة «المطبوخة يدويًا» اليوم.

حيث تعتبر رقائق البطاطس هى الطبق الوطنى فى بريطانيا، ما دفع «ويتل» إلى أن تقدم قراءة على مدى ١٥٠ عامًا من التاريخ الهش للبطاطس، استكشفت فيها سبب ارتباط البطاطس المقرمشة بأفكار الطفولة والحنين والراحة، بعد تتبع جامعى البطاطس المقرمشة، ومزارعى البطاطس، ومعالجات النكهة.

حجز الزاوية

خلال رصدها هذا التاريخ الطويل للبطاطس المقرمشة، تروى الكاتبة قصة كيف أصبحت هذه الوجبة الخفيفة الموثوقة حجر الزاوية فى ثقافة الطعام البريطانية، وذلك بدءًا من «لآلئ البطاطس» الأولى التى تم رصدها فى باريس إلى كيفية قيام الشركة البريطانية لتصنيع الأطعمة الخفيفة «ووكرز» بابتكار نكهات ما بعد الحداثة مثل توست الجبن مع فاصوليا هاينز المطبوخة. 

وتكشف المؤلفة عن عدد من الحقائق الغريبة، على سبيل المثال، أن مجموعة من رقائق البطاطس تسمى «ذا هول شابانج» تباع فقط فى السجون الأمريكية، ويتم تقديمها بنكهة واحدة فقط، وهى مزيج من عدة نكهات مختلفة من الشواء إلى الملح والخل، وتنتجها شركة «كيف» المتخصصة فى خدمة السجناء.

وفقًا لـ«ويتل»، تتمتع رقائق البطاطس بقوة غامضة. ولذا لا فائدة من محاولة الأمريكيين تناول رقائق البطاطس البريطانية: فهم لا يستطيعون تذوق «القطع غير الموجودة داخل العبوة». 

وترى الكاتبة أن رقائق البطاطس تعيش فى الذاكرة مثل أى شىء آخر. كان أهم ما يميز عطلة التخييم التى قضتها فى طفولتها فى الثمانينيات هو تذوق عينات من رقائق البطاطس الفرنسية.

وتستحضر المؤلفة ذكرياتها الشخصية، لتصف إعلانات منتصف التسعينيات التى تظهر لاعب كرة القدم الإنجليزى السابق «جارى لينيكر»، وهو يحيى المعجبين بلطف، قبل خطف كيس من رقائق البطاطس من طفل.

مستقبل مشرق

تتحدث «ويتل» فى بداية كتابها عن تراث الهوس بالبطاطس المقرمشة فى بريطانيا والذى يتقاسمه الأطفال، لتحكى قصتها الشخصية معها والتى بدأت فى المطبخ، فتقول: لم يكن هناك شىء خلف باب الخزانة نقى مثل عبوات المقرمشات. 

كل المواد الغذائية الأخرى الموجودة على الرفوف كانت لها قابلية واضحة للتقادم، وهى حقيقة حزينة كانت واضحة حتى للأطفال الصغار. يمكننا أن نرى أن الأعشاب الخضراء المجففة أصبحت شاحبة وأثرية فى جرارها الزجاجية؛ دقيق الكعكة مملوء بحفر الحشرات. لكن كيس رقائق البطاطس كان يشير على الفور إلى مستقبل مشرق. 

وتضيف: كنا نعيش فى منتصف الطريق فى حارة عادية فى الريف. وخلف المنزل وحوله كان هناك مخزن ثانٍ به أشياء طازجة للأكل: الفراولة البرية، وزهر العسل، وفطر أبيض كبير مدهون بندى الصباح. لقد أحببنا كل ذلك، لكننا أردنا رقائق البطاطس.

وتقول: لا أتذكر أى وجبات سريعة أخرى فى طفولتنا، ولا أزال أسمع شجارنا العنيف حول من كان «يسرق» رقائق البطاطس بمجرد إفراغها فى وعاء. وغالبًا ما كان مشهد استهلاكنا المقرمش، يترك والدى شاحبًا فى حالة من الفزع.

توضح الكاتبة، الكيفية التى أصبح بها البريطانيون مفتونين عبر الأجيال بشرائح البطاطس المقلية والمملحة، وتقول إنها تتطلب إدراك ما تعنيه الرحلة الصناعية والاجتماعية والتكنولوجية فى نصف القرن الماضى، على وجه الخصوص بالنسبة لهذه الوجبة الخفيفة المحبوبة.

وتضيف: عند التفكير فى كيفية ارتباط بريطانيا بشدة برقائق البطاطس، فإن إحدى المراحل الأكثر دلالة جاءت فى الثمانينيات، عندما خرجت البلاد من عقد من الأوقات الصعبة. 

حيث كان تضخم أسعار المواد الغذائية فى السبعينيات مذهلًا، بعد أن ارتفع بنسبة ٣٠٠٪ فى خلال عشرة أعوام، وأصبح الطعام مؤشرًا على ما يمكنك تحمله بطريقة أو بأخرى، هويتك.

وتستكمل: طارت رقائق البطاطس تحت رادار مثل هذه الاعتبارات حتى هذه اللحظة. من العشرينيات حتى السبعينيات، كان أكبر سوق لهم هو تجارة الحانات والفنادق، لتعمل مرافقة لأشياء أخرى - البيرة، والنزهات، وحفلات الكوكتيل، وصناديق الغداء المدرسية.

وتشير إلى أنه عام ١٩٦١، كان ٦٥٪ من حجم مبيعات رقائق البطاطس فى السوق، يأتى من التجارة المرخصة، وفقًا لمجلة الاقتصاد الصناعى. وبحلول عام ١٩٦٩، انخفض هذا الرقم إلى ٢٥٪. وبدأت محلات السوبر ماركت فى النمو، وتغيرت أشياء أخرى فى المجتمع البريطانى أيضًا. 

وكانت النساء يحصلن على فرص تعليمية أفضل، ويعملن أكثر. وقام عدد متزايد من الطبقات الثرية بطهى الطعام لأنفسهم. وتم تسويق رقائق البطاطس فى هذا الإطار: لذيذة ولكنها أيضًا موفرة للوقت.

ناتالى ويتل

التواريخ الأقدم

لكن تشير المؤلفة إلى هناك بعض التواريخ الأقدم التى يمكن إرجاع هذه القصة إليها. قد تعود إلى أمريكا اللاتينية، حيث تم جمع البطاطس البرية ونشرها فى أوروبا منذ القرن السادس عشر فصاعدًا. وتقول: «كل قطعة مقرمشة تشتريها تدين بشىء ما للخصوبة المذهلة لجبال الأنديز».

وتؤكد أن البطاطس لم تجد شكلها الأنحف والأكثر قرمشة «الرقائق» إلا فى أواخر القرن التاسع عشر، رغم أنها كانت عنصرًا أساسيًا فى النظام الغذائى للبشر منذ آلاف السنين، لكن هذا التحول استغرق وقتًا.

والبداية كانت عند ظهور «رقائق ساراتوجا» عام ١٨٥٣ فى شمال ولاية نيويورك الأمريكية، حيث تقول الأسطورة إن أحد رواد مطعم «ساراتوجا» الساخطين طلب بطاطس مقلية أنحف وأرق بعد أن وجدها سميكة، وطلب أن يقوم الطباخ بترقيقها.

فاستشاط الطاهى غضبًا وأراد أن يضايق زبونه، فقام بتقطيع البطاطس إلى شرائح رقيقة جدًا وأضاف الكثير من الملح، وبعد أن قلاها قدمها له، فكانت النتيجة غير متوقعة، حيث لاقت الكثير من الإعجاب، وأطلق عليها «شرائح ساراتوجا» الهشة مثل الورق.

وفى عام ١٨٧٨، أعلن أحد الصحفيين عن أن البطاطس المقرمشة خيار معقول للمسافرين و«مثيرة للإعجاب كطبق إفطار». وسرعان ما بدأت شركة «ميكيسيل»، وهى شركة فى ولاية أوهايو الأمريكية، فى إنتاجها بكميات كبيرة فى عام ١٩١٠.

وفى أوائل القرن العشرين، كان البريطانيون لا يزالون يشترون البطاطس المخبوزة الكاملة والساخنة من الباعة المتجولين فى الشوارع. وزار تاجر من لندن باريس عام ١٩٠٩، ولاحظ بائعًا يبيع «لؤلؤ باريس»: رقائق البطاطس المقلية بكميات من الزيت. 

فقام بتجنيد الفرنسى وأعاده إلى لندن. وفى غضون عقد من الزمان، كانت المصانع فى جميع أنحاء إنجلترا، تنتج هذا النوع من المقرمشات أيضًا.

اختلاف الأذواق

منذ حوالى ثمانين عامًا، كان «آرتشر مارتن» و«ريتشارد سينج» رائدين فى تحليل الفصل اللونى، والذى سمح بتحديد المواد فى المخاليط المعقدة وتحديدها بسهولة، وهو ما جعلهما يفوزان بجائزة نوبل فى الكيمياء عام ١٩٥٢. 

وإلى جانب الاستخدامات الأخرى، ساعدت هذه التقنية صانعى المقرمشات على تحديد النكهات، وإعادة إنشائها عن طريق مزج مركبات مختلفة.

حسبما رصدت «ويتل»، بدأ علماء الأغذية فى إتقان فن النكهات المقلدة فى المركبات عام ١٩٥٠، ومنذ ذلك الحين أصبحت رقائق البطاطس تظهر على أرفف المتاجر فى إصدارات وأطعمة خاصة ومختلفة ومتنوعة.

وأنتجت شركة «تايتو»، وهى علامة تجارية أيرلندية، رقائق البطاطس بالجبن والبصل. وفى أمريكا، تم تقديم توابل الشواء، وتوجد اليوم أكثر من ١٠٠٠ نكهة مقرمشة فى جميع أنحاء العالم، بدءًا من المايونيز بالخردل إلى سوشى السلمون والفاصوليا المطبوخة والبيض المملح.

وتشير الكاتبة إلى أن الأذواق تختلف جغرافيًا فى النكهات الموضوعة على رقائق البطاطس، على سبيل المثال، أسكتلندا لديها تفضيل كبير للنكهات «المخللة»، لكنها توضح أنه ليس من السهل أبدًا تطوير خطوط جديدة - فقد كان لدى «ووكرز» عدة عقبات فى «الهوت دوج والكاتشب»، قبل أن يتم التوقف عن إنتاجها.

ودفعت الاتجاهات الصحية الحديثة شركة «تيريل» البريطانية إلى تطوير النسخة الخالية من الملح. أما الولايات المتحدة فهى تقوم بالعكس تمامًا، حيث تقدم مزيجًا من كل النكهات معًا. 

وتذكر المؤلفة النكهات الشعبية المتوقفة التى تحن لها مثل صلصة «ورشستر» ومكعبات مرق لحم البقر «أوكسو»، موضحة نكهتها المفضلة وهى كوكتيل الجمبرى.

وتعتقد «ويتل» أنه رغم أن رقائق الفلفل الحلو كانت تعتبر غريبة فى وقت سابق، إلا أنه مع ثورة تنوع النكهات ربما يكون «ترياكى» أو مزيج «جارام ماسالا» للتوابل الهندى، هو التالى فى الخط للانضمام إلى البطاطس البريطانية المقرمشة.

زمن الحرب

تتحدث الكاتبة فى فصل من الكتاب عن زمن الحرب والاعتماد المتبادل على البطاطس، فتقول: «لقد ملّ الناس من البطاطا المتواضعة، لكنهم اعترفوا بأهميتها فى المجهود الحربى». ولذلك تمت صياغة قوانين مؤقتة للسماح بعمل الأطفال أثناء الحصاد.

وتضيف: كانت رقائق البطاطس شائعة أثناء الغارات الجوية فى الحرب العالمية الثانية، لأنه كان من السهل الاستيلاء عليها أثناء اندفاعك إلى الملجأ.

وتلفت إلى أن «هربرت إى مورجان» - رئيس مجلس إدارة شركة «سميث كريسبس» البريطانية، قال للمساهمين فى الاجتماع السنوى العام للشركة عام ١٩٤١، إن سكان لندن كانوا يأخذون رقائق البطاطس الخاصة بالعلامة التجارية إلى ملاجئ الغارات الجوية.

وأضاف: «كما هو الحال فى أوقات السلم، كانت رقائق البطاطس الخاصة بنا بمثابة احتياطى وصديق يمكن الاعتماد عليه دائمًا».

وتعمل المؤلفة فى هذا الجزء، على تأكيد فكرة أنه رغم أن رقائق البطاطس محبوبة بشكل عام، لكنها غير مُرضية فى الأساس، أو كافية لا أكثر للبقاء على قيد الحياة، لذلك تم الاعتماد عليها فى أثناء زمن الحرب، فهى عبارة عن طعام حشو بين الغداء والعشاء، وملاحق للوجبات.

التاج العالمى

تعتبر المملكة المتحدة رقائق البطاطس طبقًا وطنيًا، وجزءًا مملوكًا من الهوية البريطانية، لكن وفقًا لـ«ويتل» يعود التاج العالمى للوجبات الخفيفة إلى اليابان، حيث بلغ نصيب الفرد من حجم المبيعات عام ٢٠٢٢ حوالى ٣٤ كيلوجرامًا - وهو ما يفوق بكثير المملكة المتحدة، بما يزيد قليلًا عن خمسة ونصف كيلوجرامات فى نفس العام. وتتضمن الوجبات الخفيفة: البسكويت والمقرمشات ورقائق البطاطس ورقائق التورتيا والمعجنات، وتبلغ قيمة سوق رقائق البطاطس وحدها ٩٨ مليار دولار، ويتم تحقيق أكبر حصة من الإيرادات فى الولايات المتحدة، حيث كان من المتوقع أن تصل المبيعات إلى ٣٣ مليار دولار عام ٢٠٢٤. وتشرح الكاتبة عملية التصنيع التى تمر بها رقائق البطاطس، فتقول: أولًا يتم تقشير البطاطس التى تصبح رقائق باستخدام نوع خاص من ورق الصنفرة، ثم تتم إضافة التوابل من خلال السماح لها بالسقوط فوق الرقائق، فيما يعرف باسم «الستارة». وتضيف: فى كل عام، نأكل كأمة وزن إحدى أكبر سفن الحاويات فى العالم بشكل هش حوالى ١٨٦ ألف طن، أو ما يعادل حسب بعض التقديرات، بيع حوالى ٦ مليارات علبة من رقائق البطاطس فى بريطانيا كل عام. وتشير المؤلفة إلى أنه كان من الصعب الحفاظ على اتساق المنتج مع تغير العالم بسرعة؛ لذا نقوم بتوسيع شهيتنا لتشمل أنواعًا مقرمشة «صحية»، فى أشكال مخبوزة و«مفرقعة» وقائمة على البروتين، وتقول: «نحن نحب رقائق البطاطس بقدر ما نحب الجنون والتفاوت فى بريطانيا نفسها».