السبت 27 يوليه 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

«قصة أزمة».. كتاب يوضح الانقسامات الحادة والهويات المتصارعة بالمجتمع الإسرائيلي

اليهود
اليهود

- هناك سكان غير يهود تسيطر عليهم إسرائيل بشكل مستمر منذ عام 1967

صدر فى إسرائيل، فى يناير الماضى، كتاب «قصة أزمة.. إسرائيل تبحث عن هوية»، الذى يصنف ضمن فئة التاريخ والسياسة والرواية، للكاتبين جادى هيتمان، رئيس قسم الشرق الأوسط والعلوم السياسية فى جامعة «أريئيل»، وناحوم شيلا، الخبير فى تاريخ الشرق الأوسط.

ويسرد الكتاب الحالة التى يعيشها المجتمع الإسرائيلى على مدار 6 سنوات، فى ظل المعاناة من أزمة هوية حادة، وغياب الرؤية المشتركة لجميع الإسرائيليين، بمن فى ذلك اليهود بينهم.

يحلل كتاب «قصة أزمة.. إسرائيل تبحث عن هوية» تلك الأوضاع، بدءًا من الأزمة السياسية التى عاشتها تل أبيب منذ نوفمبر ٢٠١٨، والمتمثلة فى إجراء ٥ انتخابات فى ٤ سنوات، بالإضافة إلى أكبر احتجاج اجتماعى منذ عام ١٩٤٨، مشيرًا إلى أن ذلك أدى إلى تفاقم فجوة الهوية بين المعسكرين الدينى والليبرالى.

ويُعرّف الكتاب هذا الانقسام بأنه حرب بين المعسكر الدينى، الذى يسعى جاهدًا لإقامة دولة محافظة وليست بالضرورة ديمقراطية، ومعسكر الدولة، الذى يدعو إلى الديمقراطية الليبرالية، ويقول إنه لا يمكن حتى اليوم تحديد زعيم يملك القدرة على رسم رؤية مشتركة لجميع فئات المجتمع الإسرائيلى، وتشكيل هوية مشتركة حول هذه الرؤية.

وقال الكاتبان فى مقدمة الكتاب: «تمت كتابة هذا الكتاب كخدمة للجمهور الإسرائيلى، لتقديم صورة عن حالة المجتمع الإسرائيلى فى عام ٢٠٢٣، وهو مقدم للقارئ الإسرائيلى بالنسخة العبرية، وتوجد أيضًا نسخة باللغة الإنجليزية».

وأضافا: «اخترنا تقديم الكتاب لعدة أسباب: أولًا، نحن إسرائيليون ويهود، أو يهود وإسرائيليون، وبالنسبة لنا هذه هويات مشتركة وليست متضادة، وثانيًا، إن وضعنا القانونى هو وضع المواطنين الإسرائيليين، ونتابع الأمر بعد التحولات التى شهدها المجتمع الإسرائيلى فى العقدين الأخيرين، وبقلق على المستقبل، وثالثًا، لا نعرف كتابًا صدر مؤخرًا يقدم للقارئ الإسرائيلى صورة شاملة عن الوضع تكشف الانقسامات فى المجتمع الإسرائيلى قسمًا قسمًا، ورابعًا، نعتقد أن إسرائيل، كدولة وكمجتمع، تبحث عن هوية جديدة».

وتابعا: «ميزت الدراسات السابقة بين مصطلحى الدولة اليهودية والدولة الديمقراطية، أو بين اليمين واليسار.. ونعتقد أن بعض هذه المصطلحات، الموجودة فى وسائل الإعلام والخطاب العام، لم تعد ذات صلة بالمجتمع الإسرائيلى، وأن البحث عن هوية جديدة مستمر منذ فترة طويلة، وهو نتيجة لعمليتين عميقتين مر بهما المجتمع فى إسرائيل».

ويحدد الكتاب العملية الأولى بأنها تمت على المستوى الجغرافى، بما فى ذلك قيام الدولة، وزيادة مساحة سيطرة إسرائيل فى يونيو ١٩٦٧، والانكماش الإقليمى فى الأعوام ١٩٨٢، و١٩٩٥-١٩٩٤، و١٩٩٨ و٢٠٠٥، وفى الوقت نفسه أدى المشروع الاستيطانى فى أراضى الضفة الغربية إلى تغيير ديموجرافى واسع النطاق فى هذه المنطقة، لدرجة أنه يشكك فى «حل الدولتين» لشعبين. 

ويشير الكاتبان إلى أن الكتاب لا يتناول مصير الضفة الغربية أو باقى المناطق، فالأمر أعمق من ذلك بكثير، فهو يتناول البحث عن الهوية أيضًا بسبب وجود سكان غير يهود تسيطر عليهم إسرائيل بشكل مستمر منذ عام ١٩٦٧.

كما يحدد الكتاب العملية الثانى التى مر بها المجتمع فى إسرائيل بأنها تمت على المستوى الأمني السياسى، بعدما شهدت إسرائيل صدمتين، الأولى هى حرب أكتوبر ١٩٧٣، والثانية هى اغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين فى نوفمبر ١٩٩٥. 

ويضيف الكاتبان: «تجلت الصدمة الأولى فى فشل المفهوم، والعدد الهائل من الضحايا، فى الحرب، والثمن السياسى الذى فرضته فى انتخابات مايو ١٩٧٧، أما الصدمة الثانية فقد تجسدت فى عدم التصديق بأن يهوديًا قد يغتال زعيم حكومة منتخبة فى بلد نموذج نظامه هو الديمقراطية التمثيلية».

وتابعا: «كل هذه الأحداث، السياسية والأمنية، ليست سوى جزء صغير من التغيرات فى المجتمع الإسرائيلى.. وفى داخل المجتمع نفسه، يبدو أن الاستقطاب بين مختلف المجموعات أصبح أكثر تطرفًا، بما يتجاوز الخطاب العشائرى للرئيس السابق رؤوفين ريفلين، وكان هذا هو الحال بين المحاربين القدامى والوافدين الجدد منذ الأيام الأولى للدولة، بين اليهود والإسرائيليين، بين الأشكناز واليهود الشرقيين».

واستطردا: «بعد سماعنا دعوات السياسيين إلى الوحدة، نقترح التوقف عن استخدام هذا المصطلح لأن المجتمع الإسرائيلى ليس موحدًا.. وإنما يسعى إلى هوية ليست بالضرورة موحدة ومتفقًا عليها من قبل جميع المواطنين الذين ينتمون إلى نفس المجتمع السياسى».

وأوضحا أن الافتقار إلى الوحدة ينعكس أيضًا على الساحة السياسية منذ نوفمبر ٢٠١٨، عندما استقال أفيجدور ليبرمان من منصبه كوزير للجيش، لتشهد إسرائيل بعدها حالة من عدم الاستقرار السياسى، وهو ما انعكس فى ٥ انتخابات فى أقل من ٤ سنوات.

وخلصا إلى أن الزوبعة السياسية التى سقط فيها المجتمع الإسرائيلى ليست فقط نتيجة لعدم قدرة هذا المرشح أو ذاك على تشكيل أغلبية فى الكنيست، أو عدم القدرة على تمرير ميزانية الدولة حتى منتصف عام ٢٠٢١، وشل العديد من الأنظمة العامة، وإنما يصاحب الزوبعة السياسية خطاب عام عنيف، «جسديًا أيضًا»، يزيد من حدة الزوايا والهويات العديدة الموجودة فى المجتمع الإسرائيلى، بين اليهود والعرب، وبين اليهود واليهود، وبين العرب والعرب.

ولفت الكاتبان إلى أن مصطلحى الهوية والتقسيم هما الرابط الذى يربط بين جميع فصول الكتاب، مضيفين: «منذ تأسيس إسرائيل حظيت بظروف انفتاح مثالية لتنمية مجتمع منقسم، مجتمع ديموجرافى غير متجانس، ونظام ديمقراطى يسمح بالحرية المفاهيمية وترجمتها إلى ممارسة، وصراع بينها وبين جيرانها يؤثر على الأقليات التى تعيش داخلها. وفى داخل إسرائيل، توتر مستمر بين مصطلحى (يهودية) و(ديمقراطية).. وبالفعل، اخترنا التركيز على أربعة انقسامات بارزة فى المجتمع الإسرائيلى، كل منها يجعل من الصعب إيجاد هوية مشتركة، كما حلم الآباء المؤسسون لإسرائيل».

وحول مؤلفَى الكتاب فهما: جادى هيتمان، رئيس قسم الشرق الأوسط والعلوم السياسية فى جامعة أريئيل، والحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة بار إيلان، وهو مؤلف أربعة كتب سابقة، بينها كتابان عن الأقلية العربية فى إسرائيل، وواحد عن الانقسام السياسى الفلسطينى، وكتب أيضًا عددًا كبيرًا من المقالات حول عواقب الربيع العربى على منطقة الشرق الأوسط، بما فى ذلك السياسة الخارجية لإسرائيل، ودول الخليج وعلاقات العالم العربى مع إسرائيل.

أما الكاتب الثانى فهو ناحوم شيلا، الخبير فى تاريخ الشرق الأوسط، وهو حاصل على درجتى الماجستير والدكتوراه فى دراسات الشرق الأوسط من جامعة تل أبيب.