المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أوراق الدستور تطلق منتدى «أوراق» فى حضرة «صاحب كرامات الكتابة»

صاحب كرامات الكتابة
صاحب كرامات الكتابة

- محمد الباز: نطمح أن نكون ملتقى المثقفين ونعد بجوائز لأفضل الأعمال الإبداعية

- يسرى عبدالله: عبدالرحيم كمال يكتب روايته على مهل بلا ضجيج

- علاء أبو ز يد: «الدستور» تسهم فى استعادة دور بريق الصحافة الثقافية

- عبدالرحيم كمال: استقى الإبداع من ميلادى وسط كتاب من الصور المفتوحة للطبيعة والحياة

تواصل مؤسسة «الدستور»، بقيادة الإعلامى محمد الباز، تحريك المياه الراكدة فى واقعنا الثقافى، وبعد أسابيع من إطلاق «حرف»، أول صحيفة ثقافية رقمية فى مصر، دشنت منتدى «أوراق»، الذى تطمح أن يكون ملتقى لكل الرؤى الفكرية، ليس فى مصر فحسب، بل على المستوى العربى ككل.

واستضافت قاعة الندوات فى مؤسسة «الدستور»، الخميس الماضى، أولى فعاليات المنتدى الجديد، للاحتفاء بالكاتب الكبير عبدالرحيم كمال، ومناقشة أحدث رواياته «موت العالم.. المعروفة شعبيًا بمذكرات محمود غزالة»، والتى أدارها الكاتب والإعلامى علاء أبوزيد، وأجراها الدكتور يسرى عبدالله، الناقد والأكاديمى الأدبى المعروف، وسط حضور كبير لعدد من الكُتاب والنُقاد والإعلاميين. 

 

تحريك المياه الراكدة

فى البداية، رحب الدكتور محمد الباز، رئيس مجلسى الإدارة والتحرير بمؤسسة «الدستور»، بضيوف منتدى «أوراق»، مشيرًا إلى أنه من «الفأل الحَسَن» تدشين المنتدى بالاحتفاء بصاحب «كرامات الكتابة» عبدالرحيم كمال، الذى يعد واحدًا من التنويريين فى العالم العربى، بأعماله الدرامية العابرة للحدود، وبإخلاصه لكتاباته الإبداعية.

وأضاف «الباز»: «منذ شهرين أطلقنا جريدة (حرف)، لتكون ملتقى لكل الرؤى الفكرية فى العالم العربى، يضم كل الأطياف الفكرية فى مصر والعالم والعربى، ونهدف أن يكون لهذا المنتدى دور كبير فى الحياة الثقافية، وهو ما جعلنا نخطط لإطلاق جوائز لأفضل الأعمال الإبداعية، عبر منتدى (أوراق)، هدفها نشر الأعمال الإبداعية المميزة فى مجالات القصة والرواية».

وأشاد الإعلامى علاء أبوزيد بدور مؤسسة «الدستور» فى تحريك المياه الراكدة بالواقع الثقافى، عبر إطلاق الجريدة الثقافية الرقمية «حرف»، ثم إطلاق منتدى «أوراق»، الذى يُنتظر منه الاضطلاع بدور مهم فى استعادة دور المثقفين المصريين، وإعادة الاهتمام بالصحافة الثقافية، بعد أن خفت بريقها فى السنوات الأخيرة. 

وانتقل «أبوزيد» بعدها للحديث عن الصداقة التى تجمعه بضيف المنتدى، الكاتب عبدالرحيم كمال، قائلًا: «كلانا ولد فى نفس القرية أقصى جنوب الصعيد، فجمعتنا صداقة مكان النشأة، ثم طريق الإبداع حتى هذه اللحظة الراهنة».

وقدّم الدكتور يسرى عبدالله، الناقد والأكاديمى، الشكر للدكتور محمد الباز، كونه صاحب فكرة تأسيس منتدى «أوراق» فى مؤسسة «الدستور»، معربًا عن تطلعه لأن يصير المنتدى قيمة مضافة لمتن الثقافة المصرية والعربية، فى لحظة مليئة بالتناقضات والتحديات للدولة، ومعبرًا عن سعادته بحضور العديد من الكتاب والنقاد من مختلف الأطياف الفكرية والثقافية لفعاليات المنتدى، الذى سيعقد فى الخميس الأول والثالث من كل شهر. 

مناطق متعددة للخيال

بدأ الدكتور يسرى عبدالله مناقشته لرواية «موت العالم.. المعروفة شعبيًا بمذكرات محمود غزالة»، لمؤلفها الكاتب الكبير عبدالرحيم كمال، قائلًا: «من بعيد يمكننا أن نبدأ، ومن قريب أيضًا، من معنى الدراما بوصفها صراعًا بين إرادات متناحرة، من سردية التصوف الإصلاحى لا المخملى، من تيمة الحب، التى تعد التيمة المركزية فى أعمال عبدالرحيم كمال جميعها، سردًا ودراما».

وأضاف «عبدالله»: «من قريب إذن يمكننا أن نتحدث عن المشروع الإبداعى لعبدالرحيم كمال، عن تيماته المتعددة، وبنياته الأساسية، وملامحه الخلاقة، وحيث يمكننا أن نرى بعضًا منها فى تيمات الحب والارتحال القلق، والبحث عن اليقين، وجميعها محددات مركزية فى أعماله السردية والدرامية».

وواصل: «أفسح عبدالرحيم كمال للخيال مناطق متعددة، تجلت فى أعماله المختلفة، يمكن أن نرى ملامح منها فى الفانتازيا العارمة، فى روايته (المجنونة)، ففيها ركاب طائرة كل ما يحدث فيها أقرب للجنون، وبها نزعة ساخرة محرضة على التأمل والتفكير، وأيضًا الخيال الصوفى الرحب، فى (بواب الحانة)، حيث المآلات والتحولات».

وأكمل: «نرى الخيال المعتمد على عناصر تراثية تعيدك إلى مدونة ألف ليلة وليلة، فى العمل الملحمى (أبناء حورة). أما (فى كل الألعاب للتسلية) فنجد هذا اللعب الفنى الذى يحيلك إلى علاقة المثقف بالسلطة. وهنا فى (موت العالم.. المعروفة شعبيًا بمذكرات محمود غزالة) نجد عالمًا أكثر تركيبًا من نصوص الكاتب السابقة».

بعدها انتقل «يسرى» للحديث عن رواية «موت العالم.. المعروفة شعبيًا بمذكرات محمود غزالة»، وتحديدًا ما تضمنته من عنوان فرعى، مشيرًا إلى أن «العناوين الفرعية ليست غريبة عن أعمال عبدالرحيم كمال، فهى ليست بنية جديدة فى عناوينه، بل يبدو العنوان الفرعى جزءًا جوهريًا من بنية الرواية، وعنوانًا مكملًا للعنوان المجرد الذى أطلقه الكاتب فى العنوان الرئيسى».

وأفاد بوجود ٤ تنويعات على تيمات: الفقد والوحدة والاستلاب، تشكل الفصول السردية الأربعة التى تمثل متن الرواية: «تكاليف الحياة - أهل البيت- البعث- سكان الفضاء الإلكترونى»، وتتفاوت فيما بينها فى المساحة الكمية للسرد، ليأخذ الفصل الأول (التنويعة الأولى.. تكاليف الحياة) الحيز الكمى الأكبر من الرواية (١٢٧ صفحة من أصل ٢٦٢ صفحة) أى نصف الرواية تقريبًا، لأن فيه إشكالية النص الأساسية، وجوهر الرواية وتقديمتها الدرامية.

واستعرض الناقد الأدبى أبرز التقنيات الفنية فى الرواية، قائلًا: «كتاب مجهول الهوية يلقاه سجين، منزوع منه الصفحات الأولى، يحيلك على عنوان الرواية (موت العالم.. المعروفة شعبيًا بمذكرات محمود غزالة)، ومن تقنية الرواية داخل الرواية، ولعبة الكتاب الغامض، الذى تركه سجين فى محبسه ليعثر عليه سجين آخر، تتوالى سردية البداية فى رواية عبدالرحيم كمال، ولطالما حملت الرواية المصرية لعبة الأوراق المجهولة، أو المخطوط الذى يعثر عليه شخص ما».

وأضاف: «تكنيك الرواية داخل الرواية هو ما يعتمد عليه نص (موت العالم)، وهو تكنيك مراوغ، تتسع مخاتلته فى النص، حين يبدو أب آخر للرواية، هو موظف الرقابة على المصنفات الفنية، الكاتب المغمور الذى صار شهيرًا فيما بعد، (سعد عيسى)، ولا نكتشف ذلك إلا فى الفصول التالية التى تتلو الفصل الأول المركزى فى الرواية، لنصبح أمام تجسيد لما يعرف بالرؤية المصاحبة، حيث يعرف القارئ فى اللحظة التى يعلم فيها الأبطال والشخوص أنفسهم.».

وفصل حديثه قائلًا: «ثمة رواية كتبها (سعد عيسى)، تراها لديه (فوزية) أو (سوزان) كما أصبحت تسمى بعد ولادتها الجديدة، وتنتبه إلى اسمها (موت العالم المعروفة شعبيًا بمذكرات محمود غزالة)، وتعلم ونحن معها أن (غزالة) كان مُدرسًا لـ(سعد)، يكتب الخطابات الغرامية للمحيين، وحينما يطلب منه (سعد) أن يكتب خطابًا إلى (هالة) يبادر على الفور، ولكن وشاية (سعد) به، بعد افتضاح أمر الخطاب، تفضى به إلى الفصل من المدرسة، ليسلك بعدها مسارًا مهنيًا وإنسانيًا آخر».

مشكلة الإنسان المعاصر 

قال الناقد يسرى عبدالله إن ثمة مرويتين هنا عن «غزالة»، أحداهما تتصدر الرواية وتخاتل القارئ حتى منتصفها، حيث «غزالة» المعتقد بأن الناس قد ماتوا، وهم لا يعلمون، ويبدأ فى تسريب دعوته التى تتخذ شكلًا غرائبيًا، يصنف فيه الناس إلى موتى هم الأغلبية الغالبة، والبعض المنتمى إلى تلك الأرواح المنهكة، ونفر قليلون هم الأحياء الحقيقيون.

وأضاف «عبدالله»: «هكذا رأى (غزالة) (صباح) الممرضة، وصديقه التائه فى شوارع الحسين وباب النصر (أحمد عبدالحميد)، وهكذا أدرك السجان (رشدى شحاتة)، وهكذا حاول (أبانوب)، َ بخلاف الباقين، من (مريم) الزوجة المتبلدة بطفليها، وصولًا إلى زملاء العمل والجيران والطبيب النفسى والقاضى، وكل من رآهم (غزالة)، بعد حادثة قتله لجاره (سمير أسعد)، الذى فطن هو الآخر إلى مشكلة الإنسان المعاصر».

وواصل: «تذهب الرواية إلى تقديم مشكلة الإنسان المعاصر، والذى حينما يموت الإنسان فيها يموت العالم، وهذا الذى دافع عنه بطل الرواية، تلك الفكرة التى جاءت تفاصيلها فى الفصل الأول من الرواية والمعنون بـ(تكاليف الحياة)».

وشدد على أن «ثمة منحى صوفيًا يمكن لمسه فى أعمال عبدالرحيم كمال بشكل عام، وفى رواية (موت العالم) نشهد تناصات (شفيفة)، وظلال صوفية متصلة بعوالم الشخوص، وهذا ما نجده فى استخدامه لبعض أبيات ابن الفارض)».

وبيّن «عبدالله» أن الفصل الأخير «سكان الفضاء الإلكترونى»، يقدم فيه عبدالرحيم كمال ميلاد جيل يولد ليكتب «البوستات»، ويلعب على «الآيباد»، ويبث منشوراته إلى العالم، فهو جيل يرفض ملامسة هذا العالم والاندماج فيه، هم «جبهة أعداء الحياة»، متابعًا: «فى هذا الفصل صنع الكاتب عالمًا روائيًا يعيش على ظلال العالم الواقعى، ويقدم فضاءً فانتازيًا»

وختم الناقد والأكاديمى حديثه بأن «الرواية تمثل إضافة كمية ونوعية لمنجز عبدالرحيم كمال، الذى يكتب روايته على مهل بلا ضجيج، متسلحًا بطاقة الحب الهائلة التى يغزو بها العالم».

فى حضن الجبل

فى كلمته، تحدث الكاتب والسيناريست عبدالرحيم كمال عن منابع الخيال التى استقى منها إبداعه، فقال إنه ولد فى الجنوب، وسط كتاب من الصور المفتوحة للطبيعة والحياة، فقد جاء ميلاده فى قرية «العيساوية» بمحافظة سوهاج، التى تحتضن الجبل.

وأضاف «كمال»: «فى تلك الفترة لم تكن الكهرباء قد دخلت إلى القرية، ولم تكن هناك وسائط لمشاهدة العالم، من تليفزيون أو سينما، لذلك جاء الخيال ليكون الصورة البديلة عن الواقع، وكان المصدر الرئيسى لخيالات الطفولة نابعًا من حكايات والدتى عن عالم العفاريت والجن».

وعن نشر عملين فى الوقت ذاته، قال عبدالرحيم كمال إن العملين لم يكتبا فى وقت واحد، فقد صدرت «أبناء حورة» منذ ما يقرب من ٣ سنوات، وكان قبلها قد بدأ فى كتابة رواية «موت العالم»، وانتهى منها بعد عامين، وتم تأجيل نشرها لظروف تخص دار النشر، ثم شرع بعدها فى كتابة «كل الألعاب للتسلية»، لكنهما صدرتا فى توقيت واحد، وهذا لا يعنى كتابتهما فى توقيت واحد، فالعملان استغرقا ما يقرب من ٤ أعوام معًا فى الكتابة. 

ورأى «كمال» أن العمل الإبداعى يعبر عن أسئلة الكاتب، ومهما تنوعت القصص والسرد والشخصيات، كل عمل يطرح أسئلة المبدع، إذ ليس هناك مسافة بين المبدع وأسئلته، وبالتالى لا يمكن له أن يفضّل عملًا له عن الآخر. 

مداخلات الحضور 

اهتم الحضور من الكتاب والنقاد المصريين والعرب بتقديم مداخلاتهم حول منتدى «أوراق»، وكذلك حول إبداعات الكاتب والسيناريست عبدالرحيم كمال، ومن بينهم الكاتب الصحفى محمود الشربينى، الذى قال: «نحن فى منتدى جديد نستبشر به خيرًا، صديقنا الناقد والكاتب المبدع الدكتور يسرى عبدالله يضطلع بإدارته، ويدير دفته، وتدعمه مؤسسة (الدستور)، برئاسة الدكتور محمد الباز، وتقف وراء انطلاقته».

وعن رواية «موت العالم»، قال إن عبدالرحيم ﻛﻤﺎﻝ فيها يبدو لنا بكامل أناقته الذهنية والفنية، من الفكرة المبتكرة، إلى خلق مشاهد وسيناريوهات جديدة، فلم يسبق أن اُبتكرت شخصية مثل «محمود غزالة»، الذى يحاور الناس من قمة الجنون بقمة العقل، ولديه مثل هذه الحلول الراديكالية، التى تبدو عقلانية جدًا.

وختم: «عبدالرحيم ﻛﻤﺎﻝ لديه قدرة لافتة على ابتكار الشخصيات وتوظيفها، من يمكن أن يتخيل شخصية (فوزية)؟ وكيف جاءت بلا توقع شخصية مراقب المصنفات؟ (سعد) أو (عيسى) كما تسميه (فوزية) أو (سوزان)، والذى عرفنا فى نهاية الرواية أنه مؤلفها».

وقالت الكاتبة الروائية إنجى همام إنه فى رواية «كل الألعاب للتسلية»، للكاتب الروائى عبدالرحيم كمال، نجد أنفسنا فى عالم الألعاب، إذ يتم تبادل الأدوار والأسماء، فالكاتب يدخل فى لعبة كبيرة، طويلة ذات مستويات، ويدخل الجميع كذلك معه داخل اللعبة، ويغوصون داخل طبقات من اللعب، بدءًا من لعبة الكتابة الأولى أو الظاهرة، أو التى نذهب إليها عند بداية القراءة، ثم لعبة الكتابة التى تدور داخل النص، ثم تفاصيل ألعاب تلك الكتابة.

وأضافت: «ألعاب الكتابة متعددة وطبقات السرد تلى بعضها بعضًا، فى رواية (موت العالم)، من (محمود غزالة) إلى حكاية (عيسى)، الذى هو (سعد)، و(شيرين) التى هى (فوزية)، نتعرف بعد وقت طويل أن الرواية لـ(سعد) بالأساس، وليست لـ(غزالة)، الذى كان مجرد ذكرى قديمة تحمل فى قلبها شعورًا بالذنب، لتتحول لرواية يخفيها صاحبها طويلًا، ويعيش (سعد) مع (فوزية) رحلته الأهم، ويعود ليكتب ويكتب، وتتفرع الحكايات ويتدفق السرد، فى نعومة وسلاسة، حتى تنغلق الدائرة».

واختتمت بقولها: «تعرض السرد لمناطق حميمة وناعمة، مثل طفولة (سعد) ومغامراته البريئة، واعتمد أيضًا الواقعية فى بؤرة أحداثه، عندما يرجع (سعد) (فوزية) إلى أهلها، بدلًا من استكمال قصة الحب، كما يعتمد الرومانسية فى الأخير، عندما يحلق معها فى نهاية الرواية إلى عوالم الجمال الخالص».

أما جميل عبدالمجيد، أستاذ النقد الأدبى الحديث، فقد أشاد بمنتدى «أوراق»، قائلًا: «أحيى هذا المنتدى ورؤيته الشاملة، فهو ليس مجرد حدث ثقافى، وإنما هو رؤية وطنية نحن فى مسيس الحاجة إليها، وأتوقع لها النجاح والاضطلاع بدور مهم فى الحياة الثقافية».

ووصف «عبدالمجيد» عبدالرحيم كمال بأنه واحد من أبرز كتاب الرواية والدراما فى الوقت الراهن، مشددًا على أهمية التفات الجامعات المصرية لمشروعه الروائى والدرامى معًا، وكذلك الالتفات إلى تلك المساحات بين الشكلين المختلفين من الإبداع.