المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أساطير الغرام فى الغناء الشعبى 2.. حسن المغنواتى: الدين لله.. والحب لنعيمة

حسن ونعيمة
حسن ونعيمة

ليس بعيدًا عنها.. بالقرب من ملوى.. هناك فى بطن الجبل.. ترقد مدينة كاملة تركها رجال أخناتون اسمها «تونة الجبل».. هناك، وعلى جدران السراديب، رسم المصريون قصتها.. فيما ترقد هى تنتظر شمعة من يد الحبيب ووردة حمراء من يد العميد. 

تتمدد «إيزادورا» سعيدة.. هكذا يتخيلها العشاق إذ تبتسم للعابرين الذين جاءوا من كل أرجاء الدنيا ليشهدوا ويباركوا قصة الأميرة التى غرقت طمعًا فى حب «ابن الناس الغلابة».

يصفها الكاتب عبده جبير فيقول: «فتاة طويلة على خلاف طول الفتاة المصرية. لها شعر طويل أيضًا. ومن ملامحها يمكنك أن تقول إنها كانت فاتنة الجمال.. أميرة من أيام العصر البطلمى.. أحبت شابًا من الفقراء.. من العوام كان يعمل «حارسًا».. وعرف أبوها.. فمنعها عن رؤياه.. لكنها تسللت إليه ذات ليل.. ركبت مركبًا وجدّفت فى النيل حتى تصل إليه على الشط الغربى.. لكنها لم تصل.. غرقت.

ربما أتعبها التجديف.. ربما أنهكها أيضًا المرة الأخيرة التى سترى فيها حبيبها.. بعد أن وعدت أباها بأنها لن تراه مجددًا.. ربما خطفها الموج حين راحت تلم أطراف شعرها الطويل الذى «انشبك» بالمجداف.

لا أحد يعرف.. ربما أغرقها الكهنة ليتخلصوا من فضيحة عشق بنات الأكابر شابًا من العوام.. لكن المصريين الذين جاءوا من بيوت فقيرة مجاورة على الشط أخرجوها من «بحر يوسف».. أسندوها على ضهر «نخلة» وراحوا يغنونها فى مساءاتهم التى تلت.. حنطوها فى تابوت صامت.. لكنها تبتسم وتحكى.

وعميد الأدب العربى.. ابن المنيا ذاتها.. يسمع.. لم يكتف العميد بأنه سمع حكاياتها بقلبه.. لم يرها وهو البصير الكفيف.. لكنه «حسها».. أحبها وكأنه «الحارس» الذى أحبته.. وراح وهو الوزير المسئول يسرق أيامًا وشهورًا لبيت بالقرب منها فى استراحة خصصها له سامى جبرة، المسئول عن الآثار وقتها.

وقال الرواة إن طه حسين كان يذهب إليها كل يوم ليضع بجوار رأسها وردة حمراء.. كل يوم.. مثله مثل حارسها العاشق الذى ظل يذهب إليها كل مساء ليشعل شمعة بالقرب من جيفها حتى يضىء.

 التناقض هو ما أتاح لسيرة نعيمة وحسن أن تبقى وأن تنمو

ربما أراد طه حسين أن يكمل كتابة رسائل جده العاشق.. ربما.. فلا شىء مؤكدًا فى هذه القصة سوى أن العميد كتب روايته «دعاء الكروان» فى تلك الاستراحة مستهلمًا حكاية «إيزادورا».

لقد اكتشف سامى جبرة مقبرة إيزادورا عام ١٩٣١.. بينما كتب طه حسين روايته بعدها بثلاث سنوات فقط.. وبعدها بثلاث سنوات أخرى كان فريق من صحفيى مؤسسة «أخبار اليوم» على بُعد دقائق من رأس «إيزادورا» يفتش عن حقيقة شهيدة أخرى للحب اسمها «نعيمة» وعن حبيبها الذى وجدوه غريقًا فى ذات البحر.

«بحر يوسف» لأنه مثل جده عاشق «إيزادورا» مجرد رجل فقير.. واسمه حسن المغنواتى..

 

البحث عن حبيبة «حابى»

يحكى الأثريون فى «تونة الحبل» أن الضابط الشاب «حابى» رأى الأميرة الجميلة «إيزادورا» وقت خروجها مع الأميرات والأمراء للاحتفال.. احتفال المدينة بالإله «تحوتى» رمز الحكمة.. ويضيفون بأن عمرها كان ١٦ سنة.. وأنها عشقت الضابط الذى جاء من فقراء الشعب ليحرس الاحتفال بـ«حابى» من أول نظرة.. ويقول الرواة الشعبيون إن فتاة «منشأة اليوسفى» نعيمة كان عمرها ١٦ سنة أيضًا.. وإنها كانت تنظر من شباك منزلهم.. منزل والدها أحد كبار أعيان البلد.. فخطفتها نظرة المغنواتى الفقير ابن قرية «بنى واللمس» حسن.. فهل خلط المصريون بين «إيزادورا» ونعيمة.. أم أنهم كانوا فى حاجة إلى سند قوى ليدفعوا عن «نعيمة» تهمة الحب؟!

فى الرابع من فبراير عام ١٩٣٧ نشرت جريدة «أخبار اليوم» تحقيقًا صحفيًا مصورًا من قرية منشأة اليوسفى بالقرب من البهنسا بمحافظة المنيا.. راح صانعوه يبحثون عن سر «نعيمة».. فأكد الأهالى، وفى مقدمتهم عمدة القرى أيمن مصطفى طلبة، أنه لا توجد فى قريتهم فتاة اسمها نعيمة.. وأن حسن الذى تتحدث عنه «الأسطورة» جاء إلى قريتهم سنة ١٩٠٧ ليحيى أحد الأفراح.. يصفه العمدة فيقول:

«كان شابًا قصير القامة.. نحيل الجسم.. أبيض اللون.. أشقر». 

العمدة ومن معه أكدوا فى تقرير «أخبار اليوم» أن حسن أمضى فى قريتهم عشرين ليلة.. فقد كانت «الدميرة» وقت الفيضان حيث يقوم الفلاحون بتزويج بناتهم.. وأحيا حسن عددًا كبيرًا من الأفراح فجمع مبلغًا كبيرًا من المال دفع «الحرامية» إلى أن يتربصوا به وتولى أحدهم واسمه محمد إبراهيم عبدالمغيث وكان اتفق مع «زمار» فرقة حسن على سرقته.. دعاه إلى منزله.. وفى آخر الليل قتله.. ورماه فى بحر يوسف.. لتخرج جثته بعد أيام ثلاثة.. لكن الحادث تم قيده «ضد مجهول».

ماتت قصة حسن.. التى يرويها أهل قرية نعيمة.. لكن راويًا شعبيًا أحياها بعد ثلاثين سنة من حدوثها، فراح الناس يبحثون عنه وعن نعيمة التى ينكر أهل قرية منشأة اليوسفى وجودها من الأصل.. ويعتبرونها مجرد «خيال مؤلف».

الحُب خلى الغزالة اتعلقت بالنس 

«أصل القضية بنيَّة/ حلوة ونعيمة

وأهلها أغنيا بالمال ونعيمة/ لكن الهوى لو هوى

فى بحر نعيمة..

الحب خلى الغزالة اتعلقت بالنمس/ وفاتت الأهل/ لساك تقول المبادئ.. 

تتبلى.. بالنمس»

موال محمد طه الذى كتبه زجال من شبرا الخيمة اسمه مصطفى مرسى.. هو أول خطاب إدانة لنعيمة ابنة الحسب والنسب التى استجابت لنداء قلبها ومالت، تخلت عن المبادئ، وتعلقت وهى «الغزالة» بالنمس، وهو حيوان برى مكروه فى الفلاحين والصعيد، تلك الإدانة الشعبية التى انتشرت كالنار فى هشيم ليالى الفقراء فى بحرى والصعيد ربما كانت هى الدافع وراء نفى أهالى قرية منشأة اليوسفى لإنكار وجود فتاة اسمها نعيمة فى قريتهم.. الأمر مختلف فى قرية حسن.. حيث يوجد بالفعل أقرباء وأبناء وأحفاد لأشقاء «مطرب الغلابة».

صحيفة «أهل مصر».. حاولت تقصى حقيقة وجود حسن ونعيمة على طريقة «أخبار اليوم» فذهبت محررتها نجلاء فتحى إلى قرية بنى واللمس على بُعد كيلومترات من مركز مغاغة، حيث التقت نجل شقيقة حسن.. «يعنى حسن خاله».. الذى قال إن خاله كان جميل الصوت.. وإنه حسب رواية والدته شقيقة حسن.. كان أهل القرى المجاورة يتغنون بمواويله.. وإنه كان وسيمًا.

الشاب ضاحى يسرى حسن.. ابن أخت العاشق المغدور أكد وجود «نعيمة»، وزاد بأن حسن تقدم إلى أهلها طالبًا يدها لكنهم رفضوا لأنه «مغنواتى» ولأنها كانت مخطوبة لابن عمها.

وأكمل: «نعيمة عندما علمت أنها لن تتزوج من حسن جاءت إلى منزله ومكثت به يومين.. وظلت عذراء».. وجاء أهلها وأخذوها بعد أن وعدوا حسن بأنهم لن يتعرضوا لها ولن يصيبها مكروه.. لكنهم أصروا على الثأر لشرفهم وقاموا بقتله»! ورموه فى «بحر يوسف» لتطفو جثته بعد ثلاثة أيام وتعرّف عليه الأهالى من الوشم الذى كان على «دراعه».

أما نعيمة.. فحسب أحد أحفاد أشقاء حسن فقد ظلت ثلاث سنوات بعد رحيل حسن ترفض الزواج ثم استجابت لأهلها وتزوجت وأنجبت!!».

نعيمة ظلت ثلاث سنوات بعد رحيل حسن ترفض الزواج

إذا كانت نعيمة.. قد تزوجت وعاشت وأنجبت فلماذا ينكر أهالى قريتها وجودها من الأصل؟!

الباحث خالد سعد فى روايته لمنصته «المصطبة» يؤكد رواية ثالثة حيث يقول: «لم تكن مهنة حسن هى المانع لزواجه من نعيمة.. ديانته كانت السبب».

ويضيف: «فى قرية البهنسا أحب حسن نعيمة المسيحية فى قرية ذات أغلبية مسيحية مجاورة لقريته ذات الأغلبية المسلمة. حاولت الهرب معه واستعادوها مرة أخرى قبل أن يتم الزواج وأُلقيت جثته فى الترعة وتنكشف الجريمة».

لم يعد أحدنا يعرف على وجه الدقة ماذا جرى منذ ما يقرب من مائة عام.. لكن وجود «منزل حسن» بقريته «بنى واللمس» يؤكد وجوده.. ويؤكد مقتله.. لم يكن خيالًا.. لكن نعيمة صارت كما أراد الناس.. «حبيبة حسن».

فرج فودة.. شاعر نعيمة المجهول 

فى عام ١٩٨٤.. أعاد السيناريست إبراهيم موسى، لم يكن معروفًا فى عالم الدراما، مع المخرج فتحى عبدالستار تقديم سيرة «حسن ونعيمة» من بطولة عمر فتحى وشيريهان.. حامت القصة حول السيرة الشعبية ولم تقدم جديدًا يذكر.. لكن المفاجأة كانت فى أغنيات المسلسل التى قال «التتر» إنها من كلمات مؤلف المسلسل.. وألحان محمد قابيل.. لكن قابيل وفى موسوعته عن الغناء المصرى التى صورت قبل وفاته عن هيئة الكتاب قال إن من كتب أغنيات المسلسل هو «المفكر» فرج فودة.. وقد عرفت عنه فى دوائر صغيرة أنه يكتب الشعر بالفصحى ولم يضبط شاعرًا يكتب الأغانى سوى مرة واحدة فى أغنية لحنها خالد صقر وغناها محمد العزبى فى احتفاليات بناء السد العالى.

كون فرج فودة يكتب شعرًا فهذا أمر معروف، حيث نُشر له بعض القصائد الفصيحة فى بعض الدوريات لكن أن يتخفى ولا يتحمس لكتابة اسمه فى مسلسل شعبى فهذا هو الغريب، فهل خجل فودة، وهو المفكر الشجاع الذى راح ضحيته رأيه من سيرة نعيمة، أم أنه كان ينظر إلى الغناء باعتباره فنًا من «الدرجة الثانية» لا يجب أن يلتصق باسمه؟

«يا حبيبة حسن يا نعيمة/ يا حبيبة حسن

يا غنوة شوق عجيبة/ بتتحدى الزمن»

صدق فرج فودة.. تحدث نعيمة الجميع

الصعيد بتقاليده والأغنياء بعاداتهم وقوانينهم.. وأهل قريتها الذين أنكروها.. تحدتهم جميعًا.. مثلها مثل «إيزادورا».. أميرة البطالمة التى أحبت «حابى» الفقير.. فأصبحت نعيمة «جوليت» الشعب يستعيدها كما يشاء بالصورة التى يشاء فى الوقت الذى يشاء.

أحمد رشدى صالح.. فى كتابه المهم «فنون الأدب الشعبى» يرصد تناقضًا مهمًا بين المبادئ التى يعتنقها جمهور الأدب الشعبى والعادات التى يتبعها وبين الطريقة التى يصور بها الأدب الشعبى أنواع العلاقات بين الرجل والمرأة.

ذلك التناقض هو ما أتاح لسيرة نعيمة وحسن أن تبقى وأن تنمو وأن تجد لها سبيلًا إلى حناجر الرواة والمطربين الشعبيين لمائة عام تقريبًا.. وهو نفسه الذى يدفع الباحثين ودارسى التاريخ الاجتماعى إلى تجاهل وجود نعيمة فى سجلات من عاشوا تلك الفترة.

ينكرها أهل الصعيد.. وهذا ما يعرّفه العاشق للتراث الشعبى «عبدالرحمن الخميسى».. ولذلك فهو يذهب بها إلى بلاد يعتقد أنها أكثر رحابة فى قبول فكرة الحب والإعلان عنه.. لذا وعندما يقرر عام ١٩٥٩ أن يعيد كتابة سيرتها فى الفيلم الشهير الذى اكتشف من خلاله ساحرة الشاشة الكبيرة سعاد حسنى.. يقرر أن يكون مكان ميلادها وحياتها وقصة حبها قرية فى دلتا مصر.. ويبدو أن ذلك السبب هو نفسه الذى جعل أشهر مواويلها شهرة وذيوعًا يخرج من عباءة زجال شعبى من «القليوبية».. وهو أحد كتبة مواويل محمد طه الكثيرة حيث تعرّف عليه وقت أن كان يعمل فى أحد مصانع الغزل والنسيج فى شبرا الخيمة.. حيث كانت تعيش والدته مع أشقائها وقد لحق بها بعد أن ترك قريته فى طهطا بسوهاج.

الباحث زياد فايد فى كتابه «السينما المصرية والفلكلور» يشير إلى أحد الأسباب غير المتداولة لتمرير وبقاء سيرة حسن ونعيمة، إذ يقول: «المصريون فى تلك الفترة اهتموا بالرومانسية كرؤية تهدف لتغيير العالم من حولهم.. فلعبت الإذاعة المصرية دورًا مهمًا فى ترويج تلك الحكاية الشعبية الغنائية ذات العمق الرومانسى».. وهو هنا يشير إلى المسلسل الإذاعى الذى كتبه الخميسى قبل أن يقوم هو نفسه بتحويله إلى فيلم سينمائى من إخراج هنرى بركات.

هنا يشير الباحث زياد فايد إلى المسلسل الإذاعى الذى قامت ببطولته كريمة مختار فى دور نعيمة وشاركها بطولته صلاح منصور وغنى أغنياته إسماعيل شبانة.. وسعاد مكاوى.. وصدرت أغنياته فى أسطوانة أصدرتها «مصر فون» من كلمات وألحان عبدالرحمن الخميسى.

ثم كان وإن قرر المخرج والمنتج سيد عيسى استدعاء حسن ونعيمة مرة أخرى فى فيلم كتبه يسرى الجندى وكتب أشعاره وأغنياته فؤاد حداد ولحنها عبدالعظيم عويضة.

فى البداية رشح المخرج أحمد زكى لبطولة الفيلم.. وبعد شهور من التحضير تعاقد زكى على بطولة مسلسل «الأيام».. فتم استبداله بعلى الحجار الذى كان من المقرر أن يؤدى أغنيات الفيلم فقط.. وغنى الحجار لنعيمة التى أدت دورها ليلى حمادة

«نظرة ونظرة ونظرة كمان/ نظرة شقاوة ونظرة حنان

نظرة عشان الليل ما يطولشى/ نظرة عشان الفجر يبان

نظرة عشان إن ما قلشى/ غير م القلب الفرحان

واخد الدنيا بالأحضان»

لكن الفيلم الذى تم تصويره عام ١٩٧٩ لم يظهر للنور سوى بعد خمس سنوات ولم يحقق نجاحًا كبيرًا وإن قدم رواية مختلفة لنهاية القصة.

مكرم المنياوى.. تاريخ آخر للقصة

«يا صاحب العقل/ مال عقلك

ع الدوام تعبان؟/ حكاية جرت..

وقالى منها أنا تعبان/ سنة ٣٨.. شهر سبعة

موافق أربعة شعبان»

هذا تاريخ جديد للقصة يأتينا من صعيد مصر الذى تجاهل السيرة طويلًا.. ربما رفضًا لفكر هروب نعيمة من منزلها.. وربما ابتعادًا عن كل ما يُثير «وحدة» أهل المنيا ويدفع بهم بعيدًا عن جرائم التطرف.. وبوابتها دومًا فكرة اختطاف «أنثى».

هذه المرة صاحب الرواية مطرب شعبى صعيدى مسيحى.. ومن المنيا ذاتها واسمه مكرم المنياوى.

عمنا مكرم من مواليد عام ١٩٤٧.. وظهر فى قرى الصعد مطربًا فى منتصف ستينيات القرن الماضى.. كان يعمل ترزيًا قبل أن تأسره مواويل محمد طه والشيخ عبدالرازق العربى.. مكرم من مواطنى قرية «عرب الطيبة» فى مركز سمالوط وهو عازف ربابة أيضًا عُرف باسم «مداح الرسول».

ربما كانت شهرته تلك كواحد من أهم المنشدين فى صعيد مصر هى التى سمحت له بأن يقترب من حكاية «حسن ونعيمة» برواية لا يعرفها إلا الصعايدة غالبًا.. فلم تقترب منها السينما.. ولم يتم استخدامها تليفزيونيًا.

«جاية نعيمة وهى نازلة ع السلم

وتقول لولا الملامة لدخل ع الموت وأسلم

وتبكى وتقول يا رب من يد المجرمين سلم

وهى فى الكلام لقيت رأس حسن ترمح ع السلم

خدتها نعيمة ف توب حرير وشالتها»

رواية مكرم المنياوى تتفق وإحدى الروايات التى تقول بأن نعيمة قد أصابها الجنون بعد رؤية رأس حسن وقد فُصلت عن جثته فى «بحر يوسف». ولا تفرق كثيرًا فى قصة الغرام على غير ما فعل «الفيلم».. أو المسلسل.. أو رواية محمد طه الشهيرة..

«دارو كتاف الجدع / على بسطة السلم

وجابوله سكينة ماضية/ يا لطيف سلم

قطعوا رقبته بتتدحرج على السلم

حذتها فى الحال/ ف قاع التبر حنيتها»

كلاهما.. مكرم المنياوى ومحمد طه يتفقان فى رواية «قطع رأس» حسن لأنه عشق.. وربما ليؤكدا ما تتفق عليه الجماعة الشعبية من «حرمة» العشق التى لا نهاية لها إلا بقطع الرءوس.. ليبقى لنا فقط أن ننعيه ونعدد مزاياه فى مرثية لا نمل من ترديدها كما فعل حسن أبوعتمان فى أغنية لمحمد رشدى:

«آه يا حسن/ لا عمل حكايتك.. يا حسن موالى

يلف مع موج السنين ويلالى 

وأغربل الليالى والرمل والحصى

وابنى لك قصر عالى يا حبيتى

يا مخلصة/ واعلَّمك يا غاب

غنيوة الأحباب/ ولا عمرى هقول يا توبة

ولا أقول يا مقادير/ وافرح بيكى.. حبيبتى

وأنا الشاب الفقير»

فعل حسن أبوعتمان ما لم يفعله سابقوه بأن انتصر للحبيبة المخلصة.. هكذا هو يراها على عكس «الوعى الجمعى» الذى يحب قصتها وجرأتها لكنه يخشاها.

شوقى عبدالحكيم أحد المضروبين بالتراث الشعبى.. لم يترك نعيمة وحسن فى حالهما.. فراح يحكيهما على طريقته ولكن هذه المرة فى المسرح عام ١٩٦٤ من إخراج كرم مطاوع.. وبعدها بما يقرب من ستين سنة كاملة يجد شباب المسرح فى مصر أن القصة لا تزال صالحة للتداول فيتم تقديمها باسم «طقوس العودة» ليغنى أحمد الحجار من كلمات الشاعر مسعود شومان. فى عودة نعيمة هذه المرة رأى المخرج سعيد سليمان يستعيدها قوية متمردة تستعيد حبيبها كما فعلت جدتها إيزيس.