الإثنين 20 مايو 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

سر الحشيش.. العقاد يحقق فى أساطير الصباح

العقاد
العقاد

حسن الصباح كان يأمر أتباعه بالهجوم على أعوانه من الوزراء والأمراء بين حاشيتهم وأجنادهم فيهجمون عليهم ويغتالونهم غير وجلين ولا نادمين

فى كتاب «فاطمة الزهراء والفاطميون»، الصادر عام ١٩٥٣، يقر عباس محمود العقاد بأن الأخبار الصادقة والكاذبة التى رويت عن حسن الصباح قد اتفقت على ولعه بالسيطرة والغلبة، وأنه كان داهيًا عظيم الدهاء، ولكن هيامه بالسيطرة واندفاعه إليها كانا أعظم من دهائه، ما أسهم فى كشف غاياته والحيلولة بينه وبين بلوغها، وإن كانت حياته كلها تشهد على طبيعة لا تطيق العيش بغير السعى إلى السلطان. 

يروى العقاد قصة إخفاق تجارب الحسن فى رحلاته بين بلاد السلاجقة وخلفاء بنى العباس وخلفاء الدولة الفاطمية فى الوصول إلى السلطان من طريق الولاية، فانتهج طريقًا آخر نحو تحقيق السلطان تمثل فى معقل من المعاقل فى أطراف الدولة ينفرد بحكمه ولا تمتد إليه فيه يد ملك أو خليفة، وانتهى به المطاف إلى قلعة يقيم فيها زعيم من العلويين، فاستضافه، وتغاضى عنه وهو ينشر الدعوة لمذهبه ويجمع الأنصار حوله، ثم أحكم أمره فطرد صاحب القلعة واستولى عليها وعلى القلاع التى تجاورها. 

تحدث المؤرخون عن أسرار تلك القلعة العجيبة، ومما أثير وسعى العقاد لمناقشته أن الحسن بن الصباح عرف سر الحشيش من أستاذه الطبيب ابن عطاش، فسخره فى نشر دعوته وإقناع أتباعه برؤية الجنة عيانًا؛ فكان يدير عليهم دواخين الحشيش ثم يدخلهم إلى حديقة عمرت بمجالس الطرب التى يتغنى فيها القيان، وتتلاعب فيها الراقصات، ثم يخرجهم منها وهم فى غيبوبة الخدر ويوهمهم ساعة يستيقظون أنه قد نقلهم إلى جنة الفردوس وأنه قادر على مرجعهم إليها حين يشاء، وأنهم إذا ماتوا فى طاعته ذاهبون بشهادة أعينهم إلى السماء.

يوضح العقاد: هذا الإقناع أو هذا «الإيمان العيانى» يفسر طاعة أتباعه الذين كان يأمرهم بالهجوم على أعوانه من الوزراء والأمراء بين حاشيتهم وأجنادهم، فيهجمون عليهم ويغتالونهم غير وجلين ولا نادمين، وإن كلمة «أساسين Assasin» التى أطلقت فى الغرب على قتلة الملوك والعظماء ترجع إلى كلمة الحشاشين أو الحسنيين نسبة إلى الحسن بن الصباح، وقالوا: إن الفتى من أتباع شيخ الجبل كان يبلغ من طاعته لمولاه أن يشير إليه الشيخ بإلقاء نفسه من حالق فيلقى بنفسه ولا يتردد، وإن أحدهم كان يقيم بين جند الأمير المقصود بالنقمة ويتكلم لغتهم حتى لا يميزوه منهم، وأنه يفعل فعلته ويتعمد أن يفعلها جهرة ولا يجتهد فى الهرب من مكانها، وإن أمهات هؤلاء الفدائيين كن يزغردن إذا سمعن خبر الفداء ويبكين إذا عاد الأبناء إليهن ولم يفلحوا فى اغتيال أولئك الأعداء.

لا يرجح العقاد تصديق تلك الحكايات التى أشيعت عن الحشاشين إذ يبرر تكذيبه بالقول: إن الحسن بن الصباح كان معروفًا بالصرامة والشدة على نفسه وعلى أتباعه، وكان يتنسك ويتقشف رياضة أو رياءً أمام أتباعه وتلاميذه، ولم يكن من اليسير فى تلك القلاع المنفردة أن يخفى أمر القيان ومجالس الراقصات والغناء زمنًا طويلًا دون أن يطلع عليه المقربون إن لم يطلع عليه جيرة القلعة أجمعون، وليس من المعروف عن مدخنى الحشيش أن يحفظوا وعيهم ويفقدوه فى وقت واحد، وأن يتلبس عليهم كلهم أمر العيان والسمع هذا الالتباس، وليس من المعروف عن الحشيش أنه يهيئ صاحبه لموقف الإقدام على المخاطر والإصرار عليها شهورًا أو سنوات. ويضيف: من المحقق أن شيخ الجبل لم يطلع أحدًا على سره، وأن أحدًا من المؤرخين لم يشهد تلك الجنة بنفسه ولم يسمع روايتها من شاهد بعينه، فهل من العسير أن يتتبع مصدر هذا الخيال من روايات الزمن الذى نشأت فيه وسرت منه إلى ما بعده من أزمنة القرون الوسطى؟

ويعتقد العقاد أن تلك الروايات نشأت بين الصليبيين رغبة منهم فى تأويل شجاعة المسلمين بادعاء أنهم يستميتون فى الجهاد؛ لأنهم موعودون بالجنة التى تجرى تحتها الأنهار وترقص فيها الحور الحسان، إذا استحبوا الشهادة فى سبيل الله، فقد تعجبوا من طاعة الشيخ لهذه الدرجة ولم يتخيلوا لذلك سببًا غير الجنة الموعودة، والحشيش، الذى التمسوا فيه سر الجنة.