الإثنين 20 مايو 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أدباء سيناء.. مدينة الشعر والبحر والفيروز

سيناء
سيناء

سيناء أرض الله الخضراء فى مصر، أرض الشعر والسحر والنخيل والجمال، حيث الصحراء تبدو كطاووس يصدح فى بريّة الخلود، وحيث التلال والسحب المتراكمة، وحيث يتلألأ قمر الشعر بخيال جامح وطموح، وهناك حيث المتوسط يصدح البحر لشمخ نخيل يهدر بالحب والبراءة والصمت المقدس النبيل، والشعر الجميل؛ سحابة النور، وماء الحياة والوجود، وظل الله على الأرض الخضراء، عبر الكون والعالم والحياة.

سيناء بوابة مصر الشرقية وحصنها الحصين، أرض البطولات والمقاومة الشعبية الباسلة؛ فقد قاوم أبناؤها الهكسوس والتتار والمغول والصليبيين، كما قاوموا الإنجليز والفرنسيين والصهاينة، لم يرتضوا الذل والمهانة، فدافعوا عن التراب الوطنى، وجعلوا من أرضها مقبرة للغزاة؛ فبعد أن عانت تلك المنطقة الغالية من أرض مصر من وطأة الاحتلال الإسرائيلى الغاشم عقب النكسة فى ١٩٦٧، عاشت لتشهد انتصارنا العظيم فى السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣، ثم تحريرها وعودتها إلى أحضان الوطن فى ١٩٧٩م.

جدير بالذكر الدور الذى قامت به منظمة سيناء العربية التى تشكلت فى القاهرة عام ١٩٦٩م، وضمت فى عناصرها أبطالًا من شباب منطقة القناة وسيناء، فى السويس والإسماعيلية، وفى بورسعيد، وفى شبه جزيرة سيناء شمالها وجنوبها، وقد توافد أبناء سيناء للانضمام للمنظمة بطرق مباشرة أو غير مباشرة، كما قاموا بتكليف ذويهم داخل الأراضى المحتلة ليقوموا بجمع المعلومات عن العدو، ورصد تحركاته، وتعدى الأمر بعد ذلك للقيام بعمليات فدائية كان لها الأثر فى خلخلة الكيان الصهيونى. 

تم إعطاء بعضهم أجهزة لاسلكى وتزويدهم بشفرة خاصة لم يستطع العدو فهمها على الإطلاق، فكانت الشفرة أحيانًا من خلال قصيدة بدوية يلقيها بعض شعراء البادية فيفهمها من بداخل الأرض المحتلة فى سيناء، كما كانت الشفرة من خلال قطعة موسيقية تبثها إذاعة «صوت العرب» وإذاعة «الشعب»، ولقد كان للإعلام دوره الرائد من خلال «برنامج الشعب فى سيناء» فى تنفيذ أغلب العمليات فى الداخل؛ من خلال شفرة البرامج الموجهة، وكان من الذين أدوا وكان عطاؤهم متميزًا ابن سيناء الإذاعى الشهير حلمى البلك، وعطية سالم مدير مركز المعلومات بالعريش، ومسلم الحوص، والشاعر والمخرج أسعد الكاشف، وغيرهم كثيرون. كما كان لابن سيناء البطل محمد محمود اليمانى؛ مدير المخابرات الحربية آنذاك، الدور الرائد فى توجيه أغلب العمليات لمنظمة سيناء العربية، وغيره من رجال القوات المسلحة والمخابرات.

إذا ما كان للشعر البدوى- كما ذكرت سابقًا- دور نوعى فى حرب الاستنزاف، وفى التمهيد لانتصارات أكتوبر ١٩٧٣، فإن المشهد الشعرى فى سيناء يتوزع بين الأدب الرسمى «الفصيح»، والشعر البدوى «النبطى»، ولا يمكننا بالطبع أن نفصل أحدهما عن الآخر، فخصوصية سيناء تبدو فى الشعر النبطى، بينما تتوزع خصوصية المدينة بين جميع أشكال الشعر الأخرى. ويعد الشعر النبطى واحدًا من طرق التعبير الشفاهى الشعرى الذى نجده عند شعراء الخليج العربى والبوادى العربية والمملكة العربية السعودية وبادية الشام، وغيرها، ومن أشهر شعراء البادية فى مصر «عنيز أبوسالم، وحسين التيهى، وصبيح أبورويعى» وغيرهم. ولمن أراد أن يعود لشعراء البادية فإننى أحيله إلى كتبى عن الشعر النبطى، مثل كتاب: «الشعر النبطى فى سيناء، الشعر البدوى، ثقافة البادية، موسوعة أعلام سيناء»، وغير ذلك.

أما الحركة الشعرية فى سيناء فقد بدأت بجهود شعراء كانوا يلهجون الشعر دون معرفة بأوزانٍ أو بحور، إلا أن التأريخ لها بشكل فاعل يبدأ منذ الخمسينيات على أيدى شعراء كتبوا الشعر العمودى بشكل رصين، ولعلنا هنا سنقصر حديثنا على شعراء كتبوا قصائدهم بدون اللهجة البدوية، وكان أبرزهم: محمد عبدالوهاب خطابى، أحمد سلامة الليثى، سالم اليمانى، جمعة حماد جهامة، الشيخ محمد عايش عبيد، محمد فؤاد يعقوب، الشيخ عيد أبوجرير، عبدالهادى محمد السيد، حسن كامل شعبان، زكريا حمدان الرطيل، وغيرهم.

ولنا أن نعرف أن محمد عبدالوهاب خطابى هو أول من نشر قصيدة فى جريدة المقطم، ثم تبعه الأستاذ، سالم اليمانى؛ وكان أمينًا عامًا للاتحاد الاشتراكى العربى، ونشر أيضًا جمعة حماد جهامة قصائد بجريدة الدستور الأردنية؛ وكان وزيرًا للثقافة فى الأردن بعد هجرته من سيناء إلى الأردن فى الستينيات. كما صدر أول ديوان شعرى لشاعر سيناوى عام ١٩٥٢م بعنوان «وطنيات» للشاعر أحمد سلامة الليثى، ثم تبعه ديوان «بستان المحبة» للشاعر والشيخ عيد أبوجرير؛ شيخ ومؤسس الطريقة الجريرية الصوفية بشمال سيناء ومصر، ثم دواوين الشيخ محمد عايش عبيد عن السيرة النبوية، ثم ديوان «سيرة النبى- شعرًا» للشاعر محمد فؤاد يعقوب، وغيرها.

ويمكن لنا القول إن الحركة الشعرية فى سيناء بدأت- فعليًّا- بعودة سيناء إلى السيادة المصرية بعد فترة الاحتلال الغاشم لها من قبل الصهاينة، وتحرير سيناء عام ١٩٧٩م، وهو عمر قصير فى تاريخ حركة الشعر المصرى، إلا أن أدباء سيناء المعاصرين كانوا يسابقون الزمن لوضع سيناء على خارطة الشعر المصرى.

وكان لى شرف المشاركة فى قيادة حركة الشعر فى سيناء مع شعراء كبار أمثال: الشيخ محمد عايش عبيد، د. رمضان الحضرى، عماد قطرى، إسماعيل أبوزعنونة، محمد المغربى، أشرف العنانى، على نجم، بركات معبد، د. أحمد سواركة، سامى سعد، عبدالقادر عيد عياد، د. سمير محسن، عبدالكريم الشعراوى، محمود فخر الدين، أحمد فاضل، دنيا الأمل إسماعيل حسونة، نبيه البيك، وسمير ثابت، وغيرهم. كما كان من بين الأوائل: أحمد أبوحج، حسن غريب، مصطفى آدم، نيرمين البيك، محمود أمين الخليلى، وحسونة فتحى، وغيرهم. كما برز بعد ذلك من بين الشعراء: د. صلاح فاروق العايدى، سالم شبانة، رانيا النشار، إيمان معاذ، محمد ناجى حبيشة، عوض عبدالستار، محمد على سلامة، وأشرف حسونة، ومن شعراء البادية وأدبائها: مسعد بدر، رضوان المنيعى، عطا الله الجداوى، سلمى الجميعانى، منصور القديرى، وعطية أبومرزوقة، وغيرهم.

وتبعهم فى كتابة الشعر الآن من الشعراء الشباب: كريم سامى سعد، د. ماجد الرقيبة، شادى سامى سعد، أحمد سالم، أسعد الملكى، فاطمة موسى نبهان، حسام كمال إبراهيم، محمد زعرب، رشا الفرجانى، هشام المالح، محمد أبوحج، مروة السيد، ابتهال محمد نبيل، أحمد سالم، طارق أبوجبل، شحاتة أبوجالوس، يحيى فراج، ودنيا الأمل إسماعيل، وغيرهم.

من كل هذا الزخم النورانى أمسك الشعراء بعباءة الشعر الثمينة، ورتقوا على فخامتها نقوشهم الصغيرة، وفى تقديرى أن قصيدة النثر تتربع الآن فى صدارة المشهد السيناوى، بعد أن كتب الشعراء من قبل القصيدتين؛ العمودية والتفعيلة، وكذلك الشعر العامى. وكأنهم، وهم المتمسكون بقوة التراث والأصالة يقولون للعالم: نحن هنا فى برية الخلود نصنع المعاصرة والتمدين، ولكن بنكهة الأصالة، متدثرين بالموروث واللغة العربية ومعاجم الحب فى صحراء سيناء الشاسعة ليقدموا الجديد المتمدين، والتراثى الممزوج بمعاصرة دافقة تندغم مع المنجز العالمى والعربى للشعرية الجديدة عبر بوابة قصيدة النثر التى تستشرف آفاق الحداثة والكونية.

وهنا السرد أيضًا ينسج عباءة كونية للعالم؛ فالبدوى حكّاء بطبعه، يتسامر فى الليل على أنغام الناى ورقص السامر، وتنتشر القصص والحكايات، ليمتزج الشعر والسرد فى تناغم هادئ، يحكى البدوى حكايات الذئاب والأغنام، وقصص البطولة، ويتذكر حكايات إغارة القبائل على بعضها من أجل ملكية الأرض، وعلى الكلأ والعشب، أو هروب فتاة، أو من أجل الدفاع عن قيم البداوة الرصينة أو انتقاد البالى من العادات، فضلًا عن تقديم رؤى جديدة من خلال القصص والروايات التى يكتبها عدد من مبدعى سيناء، ومن أبرزهم: سامى سعد، عبدالله السلايمة، محمود طبل، حسن غريب أحمد، عبدالعزيز الغالى، سالم مصطفى سالم، فاطمة أحمد، زين الشريف، ممدوح الغالى، حاتم عبدالهادى السيد، أشرف العنانى، وسعيد رمضان على وغيرهم.

 

اقرأ من إبداعات أدباء سيناء

صباح الخير لـ حسام كمال

شرفة الخامسة صباحًا لـ حسونة فتحي

ريحة من الجنة لـ رشا الفرجانى

القمر الخجول لـ د. صلاح فاروق العايدى

بائع الفخار لـ محمود محمد طبل 

ظل كرسى فارغ لـ سالم شبانة

البحث عن ونس لـ حسن غريب

الولد الهربان م الجنة لـ عبد القادرعيد عيّاد

السامر لـ عبدالكريم الشعراوى