الإثنين 02 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

عظّم جدودك.. تحتمس الثالث.. الإمبراطور الأول

تحتمس الثالث
تحتمس الثالث

 

عندما كان العالم غارقًا فى الظلام.. كان تحتمس الثالث يتربع على عرش أول إمبراطورية فى التاريخ، التى امتدت من العراق فـى الشـمال إلى السودان فـى الجنـوب، ولم يتوج على هذه الإمبراطورية بل هو مَن صنعها، ليصبح بذلك أول إمبراطور فى التاريخ.

تحتمس الثالث هو سادس ملوك الأسرة الثامنة عشرة، وحكم مصر فى الفترة من ١٤٧٩- ١٤٢٥ ق. م، أى قبل نحو ٣٥٠٠، وعرف باسم «من خبر رع» كاسم ملكى لرجل قوى وعسكرى فريد، يتم تدريس خططه الحربية فى المناهج العسكرية الأوروبية حتى الآن، إذ يعد من العبقريات الفذة فى تاريخ العسكرية على مر العصور، وهو أول من قام بتقسيم الجيش إلى قلب وجناحين.

وعلى الرغم من أن بداية حكم تحتمس الثالث كانت غير مبشرة، حيث تولت زوجة أبيه وعمته فى نفس الوقت «الملكة حتشبسوت» الحكم بالنيابة عنه نظرًا لصغر سنه عند وفاة والده الملك تحتمس الثانى، وهو ما أوحى إلى حتشبسوت بالتفرد بالحكم، لكن لا بد للطفل أن يكبر ويحطم إرثها.. لدرجة التى لم يبق معها سوى القليل من آثار الملكة.

وبمجرد وفاة «حتشبسوت» بدأ تحتمس الثالث فى مراجعة الموقفين السياسى والأمنى المصرى، فقرر تعديل الوضع وفقًا لرؤيته، وكان أول قرار اتخذه التحرك بالجيش إلى ربوع آسيا، بعد أن علم بتكون حلف مُعادٍ فى سوريا مؤلف من قبائل آسيا والولايات التى قررت الخروج عن الحكم المصرى الذى فرضه عليهم «تحتمس الأول» وسلفه من قبله، منذ خمسين عامًا.

وتولى قيادة الحلف ملك «قادش»، وهى بلدة على نهر الأرنت- نهر العاصى فى سوريا حاليًا-، على بُعد مائة ميل تقريبًا شمال دمشق، وهو ما استدعى تحرك تحتمس الثالث للسيطرة على أولئك العصاة، وبداخله هدف واضح وهو منازلة ملك «قادش» والقضاء عليه، والتى كانت من أقوى وأغنى ممالك سوريا وقتها، ويبدو أن «تحتمس» قد صمم على الزحف بسرعة خاطفة إلى قادش مباشرة ليضرب ضربته الحاسمة هناك. وخلال رحلة طويلة وصل «تحتمس» لحصن مجدو مع جيشه وبدل الالتفاف حول الحصن كما توقع العدو؛ قرر الهجوم من الطريق المباشر فى واحدة من أخطر مغامرات الجيوش فى العالم القديم، ليجد ملك قادش ومن معه المصريين أمامهم مباشرة، الأمر الذى أربك صفوف العدو مما اضطرهم للهروب لداخل الحصن، وظلوا بداخله ٧ أشهر، وهى المدة التى قضاها الجيش المصرى فى حصارهم، ليستسلموا فى نهاية هذه المدة ويرسلوا أبناءهم حاملين الأسلحة لتسليمها إلى الملك تحتمس الثالث.

وبعد قيام تحتمس الثالث بتأمين مصر عن طريق القضاء نهائيًا على التهديد القادم من الخارج، صب اهتمامه على بناء إمبراطورية واسعة، تمتد من حدود العراق الغربية الحالية وشمال سوريا إلى الجنوب على طول مجرى نهر النيل جنوبًا حتى الشلال الرابع فى وسط السودان الحالى، ونصب لكل من تلك البلاد واليًا من مصر.

وخلال فترة حكمه، بنى تحتمس الثالث العديد من المعابد فى طيبة ومنف والنوبة وكوم أمبو وإدفو وعين شمس وأرمنت، كما أقام ما لا يقل عن سبع مسلات تزين ميادين العالم حتى الآن، وأبرزها المسلة الموجودة فى لندن، وأخرى فى إسطنبول بالإضافة للمسلة الشهيرة بنيويورك.

وبعد حياة مديدة ومليئة بالانتصارات والأمجاد؛ مات «من خبر رع» أعظم ملوك مصر القديمة والعالم، بعد أن أتمَّ عامه الثانى والثمانين، حكم فيها إمبراطوريته العظيمة لمدة ٥٤ عامًا، ودفن فى مقبرته رقم ٣٤ بوادى الملوك، ليتم اكتشافها عام ١٨٩٨ على يد العالم فيكتور لوريت.