الأحد 03 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أنا الملك لير.. جدل حول عودة الفخرانى إلى خشبة المسرح

الملك لير
الملك لير

- ناقد: تعدد العروض المأخوذة من أعمال شكسبير «طبيعى»

- النجم الكبير سبق أن قدم رائعة شكسبير فى نفس المكان قبل 23 عامًا 

- شادى سرور: الفخرانى يرى أنه لم يعطِ كل ما لديه عندما قدم العرض سابقًا

وهذه المرة سيُظهر إمكانياته بشكل أفضل من قبل

أعلن الفنان أيمن الشيوى، مدير فرقة المسرح القومى التابع للبيت الفنى للمسرح، برئاسة المخرج خالد جلال، عن تقديم العرض المسرحى «الملك لير»، من بطولة النجم الكبير يحيى الفخرانى، وإخراج شادى سرور.

وكتب «الشيوى»، عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»: «بسم الله وعلى بركة الله. المسرح القومى المصرى يقدم الملك لير للأستاذ يحيى الفخرانى، وإخراج شادى سرور»، مشيرًا إلى مشاركة كل من سهر الصايغ وعابد عنانى وطارق دسوقى، وغيرهم من أعضاء فرقة المسرح القومى، فى العرض المسرحى الجديد.

وأثار إعلان مدير فرقة المسرح القومى حالة كبيرة من الجدل فى الوسط الفنى والثقافى، ما بين مؤيد ومعارض، خاصة أن «الفخرانى» نفسه سبق أن قدم رائعة الأديب العالمى ويليام شكسبير من قبل، فى عام 2001، من بطولة المخرج أحمد عبدالحليم، فهل تستحق تلك العودة هذا الجدل؟ 

وعد برؤية جديدة

قال شادى سرور، مخرج مسرحية «الملك لير»، إن المسرح لا يتوقف على زمن معين، ولا بد أن يشاهده الجمهور «لايف»، حتى تكون هناك مساحة للمتعة الحقيقية، خاصة عند تقديم الأعمال الكلاسيكية، لما تتميز به من أبعاد فنية لا بد أن تُرى على خشبة المسرح.

وأضاف «سرور»: «هناك أجيال كثيرة قدمت مسرحية (الملك لير)، على مدى سنوات طويلة ماضية، وهذه المسرحية بالتحديد قُدمت أكثر من مرة، منذ طرحها فى القرن السابع عشر، وستظل تُقدم مرة أخرى»، مشيرًا إلى أن لكل مخرج الحق فى أن يتناول المسرحية بالشكل الذى يناسبه، سواء التجريبى أو الكلاسيكى أو الموسيقى، فضلًا عن كون أعمال ويليام شكسبير صالحة لكل زمان ومكان.

وعن سابقة تقديم المسرحية على مسرح «كايرو شو»، قال «سرور» إن ذلك كان بغرض تقديمها فى السعودية، وجرى ذلك بتقنيات مختلفة تناسب الشكل التجارى لهذا المسرح، كما أنها كانت لفترة قصيرة»، مضيفًا: «وحتى عند عرض المسرحية فى عام ٢٠٠٠، كان الدكتور أحمد عبدالحليم له رؤية معينة فى تقديمها، من حيث إبراز أشياء وإخفاء أخرى».

وواصل: «هذا بالنسبة لإخراج العرض. أما بالنسبة للفنان الكبير يحيى الفخرانى، فهذا الرجل قامة كبيرة، ومن النجوم الذين يعدون على أصابع اليد فى تاريخ الفن المصرى بصفة عامة».

وأكمل: «عندما يفكر فى الوقوف على خشبة مسرح الدولة، وهو فى عمر الـ٨٠ عامًا، لا أستطيع أن أحاسبه على رغبته فى تقديم العمل الذى يناسبه، فهو يرى أنه لم يعط كل ما لديه عند تقديمه العمل من قبل، ويريد أن يكون أفضل، فى هذه النسخة الجديدة».

وتابع: «عمر البطل الرئيسى فى المسرحية يبلغ ٨٠ عامًا، وهو نفس عمر الفنان الكبير، بما يتوافق مع رغبته فى تقديم الشخصية بشكلها الحقيقى المطابق لعمره، وإبراز إمكانياته بشكل أفضل من السابق».

وشدد على أن «النص ليس سهلًا إطلاقًا، والشخصية كذلك، وبكل تأكيد سيكون هناك جديد على مستوى الإخراج، فضلًا عن رؤية جديدة للعمل ككل، تختلف عما قدمه الدكتور أحمد عبدالحليم».

ونبه إلى أن «الشخصية صعبة، ولا يستطيع أى ممثل أن يقدمها، لكن يحيى الفخرانى فنان ونجم كبير، يملك الكثير من النجومية والخبرة والثقل الفنى، لينضم إلى نجوم عالميين سبق أن قدموا العمل من قبل، مثل لورانس أوليفييه وأنتونى هوبكنز وآل باتشينو».

وأضاف شادى سرور: «هناك مجموعة كبيرة من الشباب فى المسرحية، سواء من المعهد العالى للفنون المسرحية، أو شباب معينين فى المسرح القومى، فضلًا عن المساعدين، بما يتيح لنا المساهمة فى خلق جيل جديد، يتعلم بشكل صحيح».

وشدد مجددًا على أن «الفنان الكبير يحيى الفخرانى من حقه تقديم العرض مرة واثنتين وثلاثًا، خاصة أن هذه المرة الجديدة تأتى من اقتناعه وإيمانه بأنه ما زال لديه ما يستطيع تقديمه فى الشخصية، وليس بحثًا عن الأموال أو غير ذلك».

وواصل: «هو نجم كبير واع ومثقف، وسيقدم (الملك لير) بعمق أكبر، بحكم السن والخبرات الكبيرة، إلى جانب وجود مخرج جديد لديه رؤية مختلفة»، مخاطبًا من وصفهم بـ«مثيرى الجدل» بقوله: «أتيحوا الفرصة للشباب الجدد للعمل مع الأستاذ يحيى الفخرانى».

وأكمل: «المسرحية يشارك فيها طارق الدسوقى، والدكتور علاء قوقة، وسماح السعيد، وأمل عبدالله، وعابد عنانى، وتامر الكاشف، وحسام داغر، ومحمد العزايزى، وأمير عبدالواحد، إلى جانب مجموعة كبيرة من فنانى المسرح القومى، فى مكسب حقيقى للمسرح المصرى».

وقال «سرور» إن النجم الكبير يحيى الفخرانى فخر لأى مسرح يقدم عرضًا على خشبته، ولديه من الوعى ما يمكنه من حسم «أعمل ده ولا لأ؟»، فهذا اختياره فى النهاية، مضيفًا: «نحن لن نختار له، لن نملى عليه ما يفعله وما لا يفعله، طالما هو قادر على الاختيار بنفسه».

وعن سبب اختياره لإخراج «الملك لير»، رأى أن الأعمال الكلاسيكية التى قدمها من قبل هى ما رشحته لتقديم هذا العمل بشكل كلاسيكى على خشبة المسرح القومى، برئاسة الفنان أيمن الشيوى.

وأضاف: «ستكون لى رؤيتى الخاصة بالطبع، لكن لا بد أن التزم بما يمكن طرحه على خشبة المسرح كعمل كلاسيكى يحمل الكثير من المشاعر والمعانى الإنسانية، والمفهوم الخاص بفكرة أن الإنسان يجب أن يكون لديه وعى فى اختياراته، وهذه هى مشكلة الملك لير، فالسلطة جعلت الملك لير يقسم الورث بين بناته من أجل مدحه دائمًا، لكنه أصبح من المتضررين، بالإضافة إلى فكرة المؤامرات والدسائس والخير والشر التى ستُطرح فى العرض».

وأشار إلى أن رؤيته الإخراجية للعرض تتلخص فى الخيال والإيقاع، والصورة سواء السمعية أو المرئية، فضلًا عن الجماليات المرتبطة بالموسيقى والديكور والملابس، وغيرها من العناصر اللازمة لإيصال الفكرة على المسرح القومى بشكل كلاسيكى.

ووصف النجم يحيى الفخرانى بأنه فنان كبير ومتفهم، مضيفًا: «ترك كل الأـمور لى، دون أى تدخل منه، وهذا ما جعلنى متحمسًا جدًا، وهو نجم كبير يريد أن يطور من نفسه دائمًا، وأن يذهب بفنه إلى مناطق جديدة يراه الجمهور من خلالها، وحقيقى أنا استمتعت جدًا بالتعامل والتعاون معه»، كاشفًا عن أن المسرحية ستُعرض بنهاية ديسمبر المقبل، أو مع بداية إجازة منتصف العام الدراسى.

المسرح غير

قالت الكاتبة والناقدة رشا عبدالمنعم إن يحيى الفخرانى ممثل كبير نتباهى بوجود واحد مثله بيننا، فى ظل قدراته واختياراته التى تنم جميعها عن عنايته بالقيمة والتأثير الاجتماعى للدراما.

وأضافت أنه فى تقديرها الشخصى أن «الفخرانى» ممثل عظيم إلا أن أدواته التعبيرية كممثل وانحيازاته الجمالية فى زاوية تناوله للموضوعات بالطريقة الأنجح جماهيريًا، واستخدامه لسلطة النجم للتدخل فى المعالجات الدرامية والإخراجية لأعماله، ربما تجعله نجمًا أكثر تميزًا فى السينما والتليفزيون لكن المسرح أمر مختلف.

وتابعت: «الممثلون العظام فى المسرح يتجلون فى أداء أدوارهم بالدخول من بوابة رؤية المخرج وليس العكس، لا يتميز العمل المسرحى حين تدخل من بوابة الممثل للفكرة أو لرؤية العرض، بل ترتبك الرؤية الفكرية والجمالية للعرض ويصير أقل اتساقًا».

وأضافت أن المعالجات السابقة التى قدمها «الفخرانى» لـ«الملك لير» نجحت جماهيريًا، لأنه أخذها لمنطقة أداء وتفسير ميلودرامية، فتصير القضية كبرى بدلًا من كونها مجرد قضية فكرية تعالج شخصية ملك عظيم هيأ له غروره وامتلاؤه بذاته أنه مسيطر على مقاليد الأمور حتى لو وزع سلطانه على بناته وفقًا لمن تستطيع تملقه أكثر من الأخرى، فتكون تلك اللحظة هى سقطة البطل التراجيدية.

ورأت أن هذا الطرح بأبعاده الفكرية والسياسية يتحول إلى قصة عقوق أبناء تجاه «الفخرانى» أو «لير»، ويأتى الجمهور ليشفق على الأب الذى كبر فى السن وصار عبئًا على أبنائه بعدما أعطاهم كل ما يملك.

وتابعت: «هذا الطرح العاطفى ربما كان مناسبًا للدراما التليفزيونية، ولذا كانت معالجته فى مسلسل «دهشة» هى الأنجح التى قدمها «الفخرانى»، لأنها أدركت وجهتها الفكرية والدرامية ولم تجعل بطلها ملكًا يوزع مملكة بما يتضمنه ذلك من أبعاد فكرية وسياسية، بل جعلته مجرد رجل ثرى يوزع أملاكه، فصارت الأفكار أكثر اتفاقًا مع القصة».

وواصلت: «بينما فى المسرح حين تنزل من التراجيديا بجلالها للميلودراما، فأنت تخسر جمهور المسرح الحقيقى وتستهدف جمهور التليفزيون ليشاهدوا سهرة تليفزيونية حزينة على خشبة المسرح، ونحن بالضرورة لا نستبق الأحداث بالحكم عليها كون العرض لم يقدم، لكنه قدم مرتين على المسرح بالمعالجة ذاتها التى أرادها النجم، وهنا يصبح لدينا تساؤل: لماذا يعيد مسرح الدولة تقديم ذات المسرحية لنفس النجم أكثر من مرة مع كل التقدير والاحترام لموهبة يحيى الفخرانى وقدراته التمثيلية؟».

هل أفلسنا؟

أكدت الدكتورة والناقدة لمياء أنور، أنه لا جدال على أن شادى سرور كمخرج وفنان واعٍ يمتلك أدواته ورؤاه المختلفة، ولا نستطيع أن نختلف عليه فى إنتاج عمل فنى وإبداعى.

لكنها تساءلت قائلة: «هل إعادة إنتاج عرض (الملك لير) مع الفنان يحيى الفخرانى، سيكون بنفس السياق أم هناك رؤية جديدة مختلفة؟» مضيفة: «لدينا أزمة حدثت وتمثلت فى إثارة الجدل حول العرض قبل فهم الموضوع، هذه هى الأزمة لدى المسرحيين، وهى نفس الأزمة التى نراها عند طرح اسم أى مكرم فى أى مهرجان، ولكن هو الهجوم من أجل الهجوم».

وأضافت «لا يصح الهجوم قبل المؤتمر الصحفى للعرض أو مؤتمر فريق العمل المخصص لطرح الموضوع بالمعالجة سواء جديدة أو إعادة إنتاج للعرض القديم، وبعد هذا الأمر نبدأ فى تقديم التساؤلات سواء للمخرج أو جهة الإنتاج»، مضيفة: «أنا ضد الهجوم المطلق».

وتساءلت: «لماذا نُعيد تقديم (الملك لير) اليوم فى ٢٠٢٤؟ هل نحن أفلسنا ولم تعد لدينا موضوعات؟ هل نسينا أنه يوجد نجوم يفتح لهم الشباك وخشبة المسرح، أم هل هناك رؤية جديدة ومعاصرة تتماشى مع الوقت الحالى، ومختلفة وإبداعية ويتم تقديمها؟»، مردفة: «طالما نجهل هذه المنطقة لا يصح أن نهاجم، بل نطرح تساؤلات فى إطار فنى محترم وواع؟».

تجاوز التجربة الأولى

رأى الدكتور محمود سعيد، الناقد المسرحى، أنه من الطبيعى تعدد العروض المسرحية المأخوذة من أعمال الأديب العالمى ويليام شكسبير، مع تنوع الرؤى الإخراجية الخاصة بهذه الأعمال، باختلاف المكان والزمان والمدرسة الفنية.

وأضاف «سعيد»: «يمثل شكسبير بتراثه الفنى ثراءً حقيقيًا لكل زمان ومكان، ويكفى انتقال أعماله الفنية بين السينما والأوبرا، وشتى الأنواع والمصادر الفنية الأخرى، بمرونة وبهجة تصاحب كل انتقال، ما يجعل تعدد عروضه المسرحية أمرًا طبيعيًا».

وواصل: «فى المسرح الشكسبيرى ثراء ومتعة وبهجة وفرجة ممتدة لا تنقطع، فهو معين لا ينضب، لكن بشرط جدية التناول وتفرد الرؤية، وحداثة التعبير، وطرح رؤى وزوايا مغايره تتماشى مع كل فترة زمنية، خاصة أننا نشهد الآن تغيرات سياسية وثقافية وتكنولوجية وفنية شديدة السرعة والتجاوز».

وأكمل: «من يريد إعادة التجربة لا بد أن يتجاوز التجربة الأولى، وحتى نجم بحجم يحيى الفخرانى مطالب بهذا التجاوز، خاصة أنه يقدم المسرحية هذه المرة ونصف أبطال العرض الأول قد رحلوا، أى أننا أمام فريق جديد، وزمن مغاير، وتقنيات فنية حديثة لدرجة مرعبة ومتطورة».

وتابع: «هذه التطورات تكفل للمخرج طرقًا أكثر رحابة، ووسائل أكثر سرعة، خاصة فيما يتعلق بتنقلات الزمان والمكان فى (الملك لير)، وهى كثيرة»، مشددًا على أنه «بكل تأكيد، لا يمكن التعجل فى الحكم على التجربة إلا بعد المشاهدة، ففى المشاهدة مكاشفة وسؤال حيوى، عن لعبة وفعل تجاوز العمل الأول ومدى تحققه».

وأشار إلى أنه «بشكل شخصى، شاهدت (الملك لير) وقت عرضها الأول ٣ مرات، وفى كل مرة كنت أشعر بالجديد، فى ظل الدقة التى لعب بها الراحل أحمد عبدالحليم، مع عينى أحمد سلامة، وسطوة سوسن بدر، وخفة لطفى لبيب، وحدة أشرف عبدالغفور، ومرونة يحيى الفخرانى، وقوة محمد ناجى، ورهافة ريهام عبدالغفور، وسذاجة رانيا فريد شوقى»، مجددًا تأكيد أهمية تجاوز التجربة الأولى بكل مفرداتها، لإنتاج تجربة جديدة جادة.