الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

صمت الجوقة.. مآسى اللاجئين الأفارقة فى صقلية

الجوقة
الجوقة

تبدأ رواية «صمت الجوقة»، للكاتب محمد مبوجار سار، السنغالى المولد المقيم حاليًا فى باريس، التى ترجمتها أليسون أندرسون من الفرنسية إلى الإنجليزية بإتقان شديد، بمشهد سريالى، عبارة عن رجل عارٍ فى غابة كثيفة من الأشجار، يجسد نهاية قصة وبداية أخرى، ويعكس بوضوح الطبيعة المكررة المعقدة لتجربة اللاجئين. 

عندما يصل ٧٢ رجلًا إفريقيًا إلى بلدة صغيرة فى ريف صقلية، نعلم أنهم سيحظون باستقبال متباين. يُشار إليهم باسم «راجازى» أو «الشباب»، ثم تتولى جمعية «سانتا مارتا»، التى تديرها «سابرينا»، وهى محامية متخصصة فى قضايا الهجرة واللاجئين، رعايتهم والاهتمام بهم. 

إن النقطة المحورية فى رواية محمد مبوجار سار الملحمية، تتعلق بفترة الانتظار الطويل التى يقضيها هؤلاء الرجال لمعرفة ما إذا كانوا سيحصلون على حق اللجوء أم لا. وخلال هذا الوقت، تتتصاعد موجة من المشاعر السلبية ضد «الراجازى»، بقيادة الرجل الغاضب «ماروريتسيو مانجياليبرى»، وأعوانه القوميين المتطرفين. 

يستخدم «مبوجار» فى الرواية أشكالًا سردية متنوعة، مثل إدراج مقاطع من اليوميات والتقارير الصحفية والنصوص المسرحية الصغيرة، لرواية حكايات أولئك الرجال اللاجئين، بالإضافة إلى إدراج مجموعة متنوعة من الشخصيات الإيطالية، مثل سياسى فاسد، وطبيب متعاطف، وشرطى لا يزال ضميره حيًا، وشاعر منعزل، ليشكلوا معًا جوقة الأصوات التى تحمل عنوان الرواية.

يستمع القس «بونيانو» المتعاطف إلى تجارب هؤلاء اللاجئين، الذين يتحدثون عن موت الأمل، والأحلام المحطمة، وإغراء الرحلة الكبرى، والمآزق الأخلاقية، والقرارات التى يتخذونها فى ظل ضغط شديد لا يمكن تحمله.

محمد مبوجار سار

ويستعرض مؤلف الرواية إنسانية وعيوب كل من «الراجازى» وسكان البلدة، ويبرز أسئلة جوهرية تتعلق بـالاحترام والكرامة والانتماء، وما يعنيه أن تكون محل ترحيب. يقول إن «مصدر الكراهية» ليس من القلب بقدر ما هو من العقل الذى يتخلى عن غايته الأساسية وهى التفكير، فعدم الثقة أسهل من القبول، و«بالنسبة للعقل البشرى، فإن رفض الآخرين هو أبسط شىء يمكن فعله».

يكشف «مبوجار» عن العديد من الأسباب التى تدفع الناس لمغادرة أوطانهم، ويقدم تحليلًا موضوعيًا عن حياة الناس المضطربة والشعور بالانفصال، وروايته البارعة هذه تعتبر دعوة قوية للتعاطف، من خلال تسليط الضوء على معاناة اللاجئين وتجاربهم، ما يبرز الحاجة الإنسانية للتفهم والدعم فى مواجهة الأزمات. 

ومحمد مبوجار سار هو كاتب سنغالى، ولد عام ١٩٩٠ فى مدينة داكار، وهو معروف بأسلوبه الأدبى المميز، وأعماله التى تتناول قضايا الهوية والذاكرة. حصل على جائزة «جونكور» فى عام ٢٠٢١، عن رواية «صمت الجوقة»، ليصبح أول كاتب سنغالى يفوز بهذه الجائزة العريقة. ومن أهم أعماله: «الذى لا يقاوم» و«أغنية الحجر» و«سكون القوارب» و«قلب الكائن». تُرجمت روايته «صمت الجوقة» إلى اللغة العربية، بترجمة من بهاء إيعالى، عن دار «سؤال».