الأربعاء 04 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

بيع مثير.. قصة سقوط إمبراطورية الموضة والجمال الأمريكية VICTORAS SECRET

VICTORAS SECRET
VICTORAS SECRET

- كيف حوّلت «فيكتوريا سيكريت» الموضة والإعلام وتجارة التجزئة فى أمريكا؟

- «فيكتوريا سيكريت».. أيقونة أمريكية نجت من الركود الكبير قبل أن تدخل فى السقوط الحر

من سلسلة للمتاجر الصغيرة إلى إمبراطورية للملابس الداخلية أصبحت واحدة من أشهر الأسرار فى أمريكا، مع أكثر من 8 مليارات دولار مبيعات سنوية فى ذروة نجاحها، صعدت بسرعة الصاروخ «فيكتوريا سيكريت»، لتضع معيار جمال مستحيلًا لأجيال من النساء الأمريكيات ثم نساء العالم، قبل أن تنزلق قبضة العلامة التجارية العملاقة.

وفى ظل ملكية جديدة، تحاول العلامة التجارية اليوم بشكل يائس إغراء المتسوقين مرة أخرى، وهى المحاولة التى يتناولها الكتاب الجديد «بيع مثير: فيكتوريا سيكريت وكشف أيقونة أمريكية»، للمؤلفتين الأمريكيتين لورين شيرمان وشانتال فرنانديز، لمعرفة ما الذى يحدث الآن لشركة لها تاريخ حافل.

الكتاب صدر خلال الشهر الماضى فى 307 صفحات، عن دار نشر «هنرى هولت وشركاه» الأمريكية، وتعتبر مؤلفته الأولى لورين شيرمان صحفية الموضة البارزة فى جيلها، حيث تقدم تقارير من داخل صناعة الأزياء منذ أكثر من خمسة عشر عامًا، وكانت كبيرة مراسلى «ذا بيزنس أوف فاشون».

أما مؤلفته الثانية، فهى كاتبة تغطى مجالات الموضة والتجزئة والرفاهية والجمال مع التركيز على الأعمال والثقافة، وحاليًا تكتب فى موقع «ذا كات»، وكانت مراسلة بارزة سابقة فى «ذا بيزنس أوف فاشون»، ولها مساهمات فى «فاينانشيال تايمز» و«نيويورك تايمز».

ويعتمد الكتاب على مصادر داخل شركة «فيكتوريا سكريت» لدراسة الارتفاع غير المسبوق لواحدة من أكثر العلامات التجارية ابتكارًا فى تاريخ البيع بالتجزئة، وتنسج المؤلفتان فيه قصة سقوط عملاق الملابس الداخلية الأمريكى الشهير مع نطاقها الأوسع فى مجال الأعمال.

تحولات كبيرة

تحكى شانتال فرنانديز ظروف تأليفهما الكتاب فتقول: عملت أنا ولورين معًا لفترة طويلة فى مجال الأزياء، وقمنا بتغطية أخبار «فيكتوريا سيكريت»، ومع مرور الشركة بسلسلة من التحولات المثيرة للاهتمام، كان يجب رواية قصتها العميقة.

وتنبع أهمية الكتاب من أنه عبارة عن دراسة حالة رائعة فى مجال البيع بالتجزئة فى قطاع الموضة والأزياء، لا تسلط الضوء على شركة واحدة فقط، بل على التغييرات الأوسع فى مجال ريادة الأعمال والثقافة الأمريكية.

حيث إن العوامل التى أثرت على نجاح «فيكتوريا سيكريت» تنطبق على جميع الشركات الأخرى، مثل التركيز على المتاجر المادية على حساب الإنترنت، وتغير أفكار التسويق والشراء بالنسبة للنساء.

وبالعودة إلى عام ١٩٨٢، تجنب مؤسسو «فيكتوريا سيكريت» الإفلاس عن طريق البيع لشركة «ليزلى ويكسنر»، رائدة الموضة السريعة، والتى قام مالكها بتحويل الشركة إلى علامة تجارية تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، وارتفع التأثير الثقافى لها بفضل إعلاناتها المبهرة، وعرض الأزياء المتلفز السنوى. 

حيث جسدت عارضات الأزياء المثيرات المعروفات باسم «الملائكة»، معيار الجمال الأمريكى الجديد، ولكن مع توسع تعريفنا للجمال، فشلت «فيكتوريا سيكريت» فى التطور ووصلت إلى نقطة الأزمة.

لكن المفاجأة هى أن العوامل التى أدت إلى الفشل التجارى للشركة ليست وحدها سبب التراجع الذى تعانى منه «فيكتوريا سيكريت» مؤخرًا، حيث كشفت المؤلفة لورين شيرمان أن الشركة كانت بيئة عمل سامة، تدار من قبل رجال- كارهين للنساء- كانوا يفعلون ما يريدون.

تاريخ التأسيس

تبدأ الكاتبتان فى مقدمة الكتاب بالإشارة إلى تاريخ تأسيس الشركة، الذى يعود إلى عام ١٩٧٧، عندما بدأ رجل الأعمال الأمريكى «روى ريموند» مؤسس «فيكتوريا سيكريت» مشروعه التجارى لكتالوجات الملابس الداخلية، بسبب شعوره بالإحراج أثناء شراء تلك الملابس لزوجته فى متجر متعدد الأقسام فى منطقة «بالو ألتو». 

لكن فيما بعد ومن منطقة «سان فرانسيسكو»، أصبحت كتالوجات الملابس الداخلية النسائية من المقتنيات التى سعى إليها المعجبون بفارغ الصبر، لكن كانت الشركة تنزف أموالًا، لأن ريموند أصر على مظهر معين لمتاجره، مستوحى من حقبة تاريخية راقية ورومانسية. 

حيث تم تصميم المتاجر لتبدو كأنها غرف رسم على الطراز الفيكتورى، ثم تم فرشها بالسجاد الشرقى والستائر المخملية لغرف «البروفات»، مع الخزائن العتيقة التى تعرض الملابس المعتمدة على كثير من الحرير والألياف الطبيعية عالية الجودة. 

وفى إطار ذلك، كان اسم «فيكتوريا» يشير إلى العصر الفيكتورى وأسلوبه المزخرف والرومانسى، وليس لامرأة بعينها، بالتالى لأفكار الخيال القوى والتدليل، والسعى لاحتضان الحياة الجنسية للنساء.

تأثير ثقافى 

تشير المؤلفة شانتال فرنانديز إلى الدور الكبير الذى لعبته «فيكتوريا سيكريت» فى تشكيل معايير الجمال والإثارة الأمريكية، فتقول: مع توسع الشركة فى مراكز التسوق الأمريكية، بدأت فى التسويق باستخدام الملائكة عارضات الأزياء.

وتضيف فرنانديز، لقد كانوا فعالين جدًا فى استخدام وسائل الإعلام للترويج لعلامتهم التجارية، والترويج لفكرة الجمال الأمريكى والأنوثة الأمريكية ونجاح المرأة الأمريكية، حيث تم تغليف كل هذا فى صورة قوية للغاية، وكان ناجحًا جدًا لدرجة أنه أصبح بمثابة تعريف لمعايير الجمال الأمريكية.

وتتبع الكاتبتان، خلال صفحات الكتاب، الأداء المتفوق النسبى للشركة خلال فترة الركود الكبير مع الأزمة المالية العالمية، والتى ساد فيها مزاج قاتم للمستهلك الأمريكى، ثم بعد ذلك الفترة التى زرعت فيها بذور المشاكل فى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين.

ومع ذلك، فى عرض أزياء «فيكتوريا سيكريت» عام ٢٠٠٨، الذى ضم نجوم البوب وعارضات الأزياء اللاتى يرتدين الدانتيل والجلد والريش، لم يكن هناك أى دليل على ذلك، وكما قالت العارضة «أدريانا ليما» خلف الكواليس: «ماذا يفترض بنا أن نفعل: ارتداء القطن؟».

رسالة عبقرية

أقيمت الدورة الأولى لعرض أزياء الشركة، فى فندق بلازا بمدينة نيويورك عام ١٩٩٥، بعد أن أرادوا ترسيخ أنفسهم باعتبارهم مجاورين للأزياء الراقية، وفصل أنفسهم عن العلامات التجارية الأخرى فى مراكز التسوق، للتأكيد على رسالة أن، «الملابس الداخلية هى الموضة، ونحن نملك هذه المساحة وندعمها». 

وكانت العبقرية هى أنهم نقلوا العرض إلى التليفزيون، خاصة فى ذلك الوقت، فلم تكن عروض الأزياء فى متناول المواطن الأمريكى العادى لمشاهدتها، ولكن كان هناك اهتمام مستمر بهذا العالم، والذى كان مغلقًا فى باريس ونيويورك وميلانو.

وفى قمة نجاحه، وصل عرض الأزياء إلى ١٢.٤ مليون مشاهد على شاشة التليفزيون فى أوقات الذروة، ومن عام ٢٠٠١ حتى عام ٢٠١٨، كان العرض أحد أعمدة البث التليفزيونى، ويمكن لأى شخص الاستمتاع به، ما خلق جسرًا غير متوقع بين عالم الموضة المنغلق وعامة الناس. 

وفى العام الأول لعرض الأزياء، كافحت الشركة للعثور على عارضات أزياء، بسبب وصمة العار المرتبطة بالملابس الداخلية، لكن بعد إقامة «فيكتوريا سيكريت» عروض الأزياء الخاصة بها، تغيرت الطريقة التى ينظر بها الجمهور إلى الملابس الداخلية.

فكرة جذابة جدًا

حسب الكتاب، فإن الشركة قدمت فكرة جذابة جدًا، وهى أن ملابسنا الداخلية يمكن أن تكون موضة، تمامًا مثل ملابسنا الخارجية، وكان عرض الأزياء جزءًا من فكرة أنك لا تشترى الملابس الداخلية كملابس يومية فقط، ولكن هذه هى الموضة وطريقة التعبير عن نفسك، وهذا عزز أعمالهم، وكانت استراتيجية فعالة جدًا لفترة من الوقت.

وفى عرض الأزياء الذى أقيم عام ٢٠٠٨، قالت «شارين جستر تيرنى» الرئيسة التنفيذية للشركة وقتها: «المثير الجديد هو السحر والبريق»، وذلك بعد أن واجهت اختبارًا لتحديد وظيفة الشركة ودورها، مع تصاعد حالة الانكماش الاقتصادى.

فى وقت لاحق، شبّه «ليزلى ويكسنر»، مالك ورئيس مجلس إدارة الشركة الأم «إل براندز» المالكة لفيكتوريا سيكريت، الركود بالركوب داخل مصعد يسقط حرًا مع قطع كابله، ويهبط إلى أعماق غير معروفة.

وتقول الكاتبتان إن «ويكسنر» و«تيرنى» أبحرا فى فترة الركود ببراعة أكبر من العديد من أقرانهما، وذلك بعد أن خفضت الشركة الأسعار، ولكن على فئات أو مجموعات محددة فقط، وذلك للحد من التصور بأن العلامة التجارية كانت فى ورطة. 

وتوقفت «تيرنى» بشكل مؤقت عن بيع عدد من الموديلات الأقل نجاحًا للعلامة التجارية وخطوط الإنتاج الأصغر حجمًا، التى كانت بها هوامش ربح أقل، وبدلًا من البقاء فى المتاجر، تم توجيه هذه الخطوط وغيرها من العناصر الزائدة إلى الجمعيات الخيرية وتجار التجزئة فى الدول الأجنبية، وفى بعض الأحيان مع إزالة شعارات العلامة التجارية لإخفاء هذه الممارسة.

وتضيف المؤلفتان إن «ويكسنر» كانت لديه البصيرة لرؤية ما بعد الأزمة، وأصر على ألا يقوم أى من مديريه التنفيذيين بإلغاء طلبات المنتجات من مصانعهم أو فرض الإيجار على أصحاب متاجرهم.

وتروى الكاتبتان أنه فى عام ٢٠٠٩، تقلصت الإيرادات السنوية للشركة للمرة الأولى منذ ثمانى سنوات، وانخفضت المبيعات فى المتاجر المفتوحة منذ أكثر من عام، بنسبة ٦٪، وتراجع الدخل التشغيلى أيضًا بنحو ٥٪، لكن سمعة العلامة التجارية ظلت سليمة إلى حد كبير. 

هوس المثالية

تشير المؤلفتان إلى أن الاقتصاد المضطرب لم ينجح فى تقليص هوس الأمريكيين بالنسخة المثالية من الجسد الأنثوى، وكان أحدث موديل للشركة من حمالات الصدر باسم «المعجزة» الذى أعيدت تسميته فيما بعد باسم «القنبلة»، مصنوعًا من حشوة كافية لجعل مقاسات الصدر، تبدو أكبر بمقدار كوبين.

وأصبحت حمالة الصدر الجديدة الأكثر مبيعًا بسرعة، على الرغم من سعرها الذى يقارب ٥٠ دولارًا، ومن ثم خرجت «فيكتوريا سيكريت» من الركود، وهى فى وضع مثالى باعتبارها وسيلة سهلة نسبيًا للمتعة والترفيه.

بذور الفشل

كانت الشركة تقوم بتسويق نسخة مبالغ فيها من الجاذبية الجنسية مع جرعة كبيرة من الخيال التجارى، ومع ذلك، كما توضح المؤلفتان، كان النجاح يحتوى على بذور الفشل. 

حيث فشل «ويكسنر» فى فهم صعود وسائل التواصل الاجتماعى، وتأخرت الشركة فى إتاحة التسوق عبر الإنترنت، وكان اعتمادها الأساسى على فكرة إنشاء لحظات خلال «تجربة» ذهاب المستهلك إلى المتجر، يشعر فيها بالإثارة.

وترى المؤلفتان أن المشاكل بدأت تظهر، عندما لم تستوعب الشركة تغير ثقافة الشراء بالنسبة للنساء، مع ظهور اتجاه «البرا ليت»، وهو نوع من حمالات الصدر التى تمتاز بخفة الوزن بدون سلك سفلى، وهى مصممة بشكل أساسى لتوفير الراحة.

حيث كان ذلك تهديدًا وجوديًا لفكرة حمالات الصدر الداخلية التى باعتها «فيكتوريا سيكريت» لفترة طويلة، وهى حمالات صدر مصبوبة ومبطنة بأسلاك داخلية، وكانت هذه هى سلعتهم الأساسية، وبالنسبة للعديد من النساء، كانت فكرة الذهاب إلى العمل دون ارتداء تلك الصدريات أمرًا جنونيًا.

ثم بدأ الأمر يتغير عندما قالت النساء أريد حمالات صدر أكثر راحة، وكانت تلك الفكرة صعبة للغاية بالنسبة للشركة لإدارتها، سواء من منظور المخزون، فإن حمالة الصدر ذات الأسلاك السفلية هى منتج ذو هامش مرتفع، بالتالى لا يريدون التضحية به، أو من منظور تسويقى، فماذا يعنى ذلك بشأن هذه الفكرة المثيرة التى ظلوا يروجون لها لفترة طويلة؟ لقد تجاهلوها أو قللوا من أهميتها، نظرًا لكونهم مهيمنين فى السوق، لدرجة أنهم شعروا بأن بإمكانهم التحكم فى هذا الاتجاه وتخفيفه.

ثم بدأت الشركة تفقد قبضتها على السوق، بعد أن بدأت علامات تجارية أخرى مثل «سيكمس» المملوكة لكيم كارداشيان، و«إيرى» المملوكة لأمريكان أيجل، تكتسب حصة، بعد أن روجت لتوفير الملابس لكل الأجسام، حتى ولو كانت غير مثالية، وألقت النساء الأصغر سنًا باللوم على «فيكتوريا سيكريت» فى تعزيز الصور النمطية.

وذلك إلى جانب حركة «مى تو»، والتى كشفت عن سوء السلوك داخل الشركة من كبار المسئولين التنفيذيين، ثم جاءت القنبلة الأكبر على الإطلاق: وهى كون «جيفرى إبستاين» هو المستشار المالى المقرب من «ويكسنر» لسنوات، وكان يمثل نموذجًا لارتكاب جرائم جنسية ضد النساء، وهو ما كان له تأثير كبير على سمعة الشركة.

ونتيجة لعوامل مختلفة مثل الحملات المتنوعة التى قام بها المنافسون، وانخفاض حركة المرور فى مراكز التسوق، وقرار الشركة بالتوقف عن بيع ملابس السباحة، انخفضت أسعار أسهم «فيكتوريا سيكريت» بنسبة ٣٥٪ من عام ٢٠١٧ إلى عام ٢٠١٨، مع انخفاض المبيعات كل شهر. 

إعادة صياغة

فى أعقاب هذه الأخبار، استقال «ويكسنر» من منصب الرئيس التنفيذى للشركة فى فبراير ٢٠٢٠، وخرج فى العام التالى، بعد أن حاول إعادة صياغة صورة الشركة لعصر جديد، لكن لم ينجح فى شىء.

فى السنوات التالية، أصبحت مبيعات العلامة التجارية أفضل، ثم أسوأ، ثم استقرت على حالة من الانخفاض البطىء والمطرد، على الرغم من امتلاكها نسبة ١٨٪ من حصة سوق الملابس الداخلية النسائية الأمريكى فى عام ٢٠١٨، إلا أنه يبدو أن العودة لحصة السوق البالغة ٣٣٪ التى كانت عليها فى وقت سابق، أمر صعب.