الخميس 13 فبراير 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

«4 مليمات للمؤلف».. بنود عقد «نشر رواية» نادر فى العشرينيات

نقولا يوسف
نقولا يوسف

- المؤلف يحصل على 20% من ثمن بيع النسخة التى قد تصل لقرشين صاغ

- «جرد شهرى» من المكتبة لمعرفة عدد النُسخ المبيعة من الكتاب

كتب نقولا يوسف يومياته، أو ما يمكن وصفه بالسيرة اليومية الذاتية. تتضمن هذه اليوميات تفاصيل يومه منذ ما يزيد على ١٠٠ عام، وهى موجودة فى «دفتر يومياته» النادر، الذى حصلت «حرف» على نسخة منه.

من بين ما احتوته هذه اليوميات، تفاصيل تجربة نقولا يوسف لنشر إحدى رواياته مع مكتبة «الوفد»، إذ استعرض بنود اتفاقه مع الناشر وقتها، والتى كان من بينها حصوله على ٢٠٪ من قيمة بيع نسخ الكتاب.

وفيما يلى نص ما كتبه «يوسف» عن تلك التجربة، والمؤرخ بتاريخ السبت ١٣ يوليو ١٩٢٢: 

خرجت فى ضحى اليوم إلى المكتبة السلطانية، وهناك بحثت فى القسم الإفرنجى عن روايتين إنجليزيتين، فلم أجد أثرًا لرواية إفرنجية واحدة فعدت سائرًا. كما ذهبت وعرجت على مكتبة «الوفد» فى الفجالة، وبعد حديث مع صاحبها، اتفقت على أن أرجع إليه بعد الظهر. عُدتُ إليه، ومكثت عنوة من الثالثة والنصف إلى حوالى الخامسة، واتفقنا على طبع كتابى (رواية) «الفردوس» على نفقته... وهذه أهم شروط الاتفاق المحتوى على سبعة بنود:

البند الأول: يقوم عبدالحميد أفندى محمود، صاحب مكتبة «الوفد»، بطبع كتاب «الفردوس»، من تأليف نقولا أفندى يوسف، مقابل ٢٠ بالمائة من المجموع الذى يُباع به الكتاب، فمثلًا لو بقرشين صاغ، يكون للمؤلف الحق فى ٤ مليمات عن النسخة الواحدة.

البند الثانى: يعمل نقولا أفندى يوسف، فى آخر كل شهر، جردًا فى المحل بخصوص كتاب «الفردوس»، لمعرفة النسخ المبيعة، ويدفع عبدالحميد أفندى محمد ثمن هذه النسخ المبيعة، كما فى البند الأول.

البند الثالث: يتحمل عبدالحميد أفندى محمود كل المصاريف الناتجة من طبع وتغليف وثمن ورق وإعلانات وخلافه، دون أن يتحمل نقولا أفندى يوسف شيئًا قطعيًا من ذلك.

البند الرابع: حقوق إعادة الطبع محفوظة للمؤلف نقولا أفندى يوسف.

البند الخامس: يطبع عبدالحميد أفندى محمد ٣ آلاف نسخة لا أقل من كتاب «الفردوس».

البند السادس: يصير تحديد ثمن النسخة بعد الطبع بمعرفة الطرفين، المؤلف والطابع.

البند السابع: لو خالف أحد الطرفين أحد هذه البنود يدفع للطرف الآخر مبلغ ٢٠ جنيهًا، بخلاف المصاريف القضائية لو أدى الأمر لذلك.

وبهذا نفضت يدى من أمر طبع «الفردوس» وبيعه، وأرسلت كتاب «من أعماق السجون» إلى يوسف يعقوب، وقابلت أحمد وعباس، وسرنا فى الجزيرة بسرور.

من ضمن يوميات نقولا يوسف أيمن، ما كتبه عن يومه فى الخميس الأول من ديسمبر ١٩٢١، والذى جاء فيه:

ذهبت صباحًا إلى المدرسة، وبقيت هناك من الثامنة إلى الثانية. أيام هادئة هنيئة. أمرُ كالماء النمير على صفحة الحصباء، خطرات أكتبها فى الفصل. أريد أن اختبر فى حجرة ضيقة تطل على حديقة ساكنة، حجرة ملأى بالكتب، الكتب التى أحبها، أريد أن ألم شتات نفسى قليلًا.

أقرأ من يقول الشعر شعورًا والشعور شعرًا، جملة تهمنى، أريد أن أقولها. كثيرًا ما أرى فى النظامية مَن يرعى الشعر: الشعر الإلهام المقدس فى النفوس النقية السماوية . لا أريد أن أكتب كلمات لى خاصة، فقد سبقنى إليها الناس، بل أريد أن أسطر ما أشعر به، وما تمليه علىّ نفسى، وهى أغلب ما كتبت.

إن أكثر هذه الفصول التى أمثلها فصول جنونية، وأرانى لم أتفق على رأى، كل هذه الكتابة ثورة وجدان لم يهدأ. ومتى يخمد؟ أسأل نفسى: ما مستقبلي؟ لا علم لى، فقط أكون تعيسًا لجهلى. لكن هناك عزاء، أن يكون المجهول خيرًا من المعلوم، أن يدبر الله لى أمرى. وأنى لأرانى هذه الشهور أسير بمعونة الله، وأحس أنه معى ولن يتركنى.

لم تعلمنى المدارس أكثر مما علمت نفسى بنفسى، لقد هذبت نفسى وبنفسى، تعلمت الكتابة الحسنة وحدى، وزرعت فيها الملكات والمواهب بنفسى، ولغربتى فى الإسكندرية أثر عظيم فى هذه التربية، كما كان لروايات التوفيق التى قمت بتمثيلها أثر لا يُنكَر فى تربيتى النفسانية.

كتب كذلك عن رحلته إلى أسوان والأقصر، تحديدًا يوم الإثنين ٢٩ يناير ١٩٢٢:

وصلنا إلى كوم أمبو الساعة ٧ ونصف صباحًا، وانتظرنا فى المحطة إلى الثامنة، وسرنا الى معمل التكرير الكبير المملوء بالآلات، وتفرجنا على صنع السكر والعصير، وكان منظرًا جميلًا.

شاهدت لأول مرة كيف يُصنع السكر، ولففنا كلنا، الأربعين أعضاء فى الرحلة، ذلك المعمل الهائل، وذقت من سكره المصنوع فيه.

بعدها ركبنا التروللى الذى يجره الخيل، وبعد ساعة ونصف الساعة وصلنا إلى معبد كوم أمبو، أو معبد «أومبوس»، الذى بناه البطالمة.

المعبد واقع بجانب النيل، ومازال محافظًا على رونقة وجماله. وقد اخترت له صورة، وأخذ الطلبة عدة صور أمامه، ثم تركناه وعدنا نمص القصب والبرتقال، الذى فرقه علينا والد تلميذ فى المدرسة من تلك الجهة.

بعده، عدنا بالتروللى الذى هو سوارس يسير على عجلة على قضيب حتى وصلنا المحطة، جلسنا بجوار العفش حتى أقبل القطار فى الحادية عشرة صباحًا، وهنا تركنا كوم أمبو إلى الأقصر، التى وصلنا إليها فى التاسعة مساءً، وأقمنا فى أوتيل سافوى، ثانى أوتيل فى الأقصر، الليلة بـ٤٥ قرشًا بالفطور.

وصلنا إلى الأقصر فى الرابعة والربع بعد الظهر، وانتظرنا فى المحطة نحو نصف ساعة للترتيب وانتخاب لوكاندة. اختار الطلبة عدة لوكاندات فتفرقنا فيها، وكان نصيبى مع خمسة من الطلبة، وحسين كامل سليم مدرس الجغرافيا، وهآنذا أكتب هذه السطور فى سرير حجرتى الخاصة، فى لوكاندة سافوى الواقعة على النيل، وتطل نافذتى المقفلة على حديقة.

أنا وحيد فى حجرتى، ولا بأس من هذه الوحدة اللذيذة، فى هذه الحجرة اللذيذة فى هذه اللوكاندة اللذيذة، بعدت عن الطلبة وصبيانيتهم الزائدة، بعدت عن النوم فى مجموعهم، وأرانى فى هذه الرحلة الكبرى منكمشًا غريبًا، ولا أهيص ولا أتداخل مع أحد فى شىء، اللهم إلا تداخلى مع طلبة السنة الرابعة، فى الجلوس والتحدث معهم، لأنهم أرزن من غيرهم.

خرجت مع رفيقين من الأوتيل فى السابعة والنصف مساءً، وسرنا فى طريق طويل فى الأقصر، ما بين معبد الأقصر، وعدنا بسلام، سمعنا دورين من أوركسترا الأوتيل ليلًا، وها قد انتهى المزار بكل جمال وسلام.

كتب أيضًا عن خطبة شقيقته «كاترين»، يوم الأحد الموافق ٦ أغسطس، فقال ما يلى: 

يوم هام عند عائلتى، فى الصباح خرجت مع نيكولوى وجلسنا فى بيرة. وفى الخامسة مساءً امتلأ منزلنا بالمدعوين لخطبة أختى «كاترين». توافد قوم أفرنج من أصدقاء العريس، وبلغ عدد من فى منزلنا أكثر من خمسين، ودار طلب البيرة والكونياك... إلخ.

صفرت وغنينا حتى الثالثة بعد نصف الليل، غنيت فى الشارع فى تلك الساعة مع الرفاق بصوت حسن ومرتفع، ونمنا حوالى الرابعة بعد نصف الليل، ومرت الليلة بسلام ولم يتكدر فيها صفو أحد. أما كمنجتى فقُطعت فى هذه الليلة.

وكتب عن يوم آخر من أيام حياته:

استيقظت من فورى فى الحادية عشرة صباحًا، ومرت الساعات فى لا عمل يذكر، نمت قليلًا أو لم أنم بعد الظهر، فى المساء بنادى «العارف» قليلًا أسمع موسيقى، وأعود تعبًا، أسهر إلى الحادية عشرة والنصف، ألعب كوتشينة مع «بنكولون».

وصل نقولا يوسف فى يومياته إلى الأربعاء أول نوفمبر ١٩٢٢ فقال: 

أوصلنى الترام إلى قصر النيل فسرت كالعادة إلى المدرسة، حيث مكثت حتى الثالثة بعد الظهر، ولو أن الدراسة تنتهى الظهر.

أكملت يومى فى المشى على الأقدام لضيق ذات اليد، إلى الامليكان ودروسهم العربى الذى يدفعنى إليه المرتب الزهيد، والذى ينفعنى جدًا.

فى الخامسة إلى البيت، وفى السادسة أسير مع «عباس»، ونقابل شابًا من الدوبرمن أولئك لكن معقول أو لا يتابعهم اسمه فاخر، وسرنا ثلاثتنا إلى أن ركبنا فى الترام المكتظ بالعالمين الذاهبين إلى مولد النبى فى العباسية، وهذه أول مرة أشاهد مولد النبى فى مصر.

سرنا نمص القصب فى العباسية، ثم اخترقنا آلاف الجموع، وشاهدنا المخيم، وأحسن ما سرنى فيما سرنى فى حياتى مناظر الصواريخ التى يطلقونها فى الفضاء، تتناثر نجومًا وأنوارًا وأشكالًا غاية فى الإبداع، وعدت تعبًا منهوك القوى، لكن يوم لا بأس به خُتم بسرور وسلام.