الخميس 20 مارس 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

الوحدة X.. كيف ستغير التكنولوجيا مستقبل الحرب؟

حرف

- كتاب يكشف عملية إصلاح البنتاجون وإعادة ابتكار أعمال الجيش الأمريكى

- كيف عمل 67 فردًا على جلب التكنولوجيا المتطورة للجيش الأمريكى؟

- الجيش الأمريكى الأكثر تطورًا فى العالم كان يستخدم السبورات البيضاء لجدولة حركته الجوية فى 2016

- وحدة الابتكار الدفاعى تبنى تطبيقًا بتكلفة 1.5 مليون دولار لأتمتة عملية جدولة تزويد الطائرات بالوقود

قد تعتقد أن الجيش الأمريكى هو الأكثر تقدمًا والأكثر قدرة على مستوى العالم، ولكن فى بعض النواحى لم يعد هذا هو الحال، على سبيل المثال يمكن لصواريخ الصين الجديدة التى تفوق سرعتها سرعة الصوت والمسلحة نوويًا أن تدمر فى لحظة حاملة الطائرات الأمريكية «يو إس إس جيرالد ر. فورد»، حاملة الطائرات الأكثر تطورًا لدى البحرية الأمريكية. 

وعلى نحو مماثل، أثبتت الطائرات دون طيار، التى أصبحت أكثر قدرة من أى وقت مضى، أنها تشكل خطرًا على الأسلحة الأمريكية، الأكثر تقدمًا فى ساحة المعركة فى أوكرانيا. ولن يؤدى الذكاء الاصطناعى إلا إلى مضاعفة هذه التهديدات وغيرها. ومن ناحية أخرى، تستغرق البنتاجون «وزارة الدفاع الأمريكية» سنوات لتحديد الاحتياجات الملحة لجنودها وبحارتها وطياريها، ناهيك عن تقديم تكنولوجيات جديدة لتلبية هذه الاحتياجات. 

والآن هناك السيارات الطائرة التى يمكنها الهبوط، مثل طائرات الهليكوبتر، والطائرات دون طيار التى تعمل بالذكاء الاصطناعى، والتى يمكنها التحليق داخل المبانى ورسم خريطة للأجزاء الداخلية منها، والأقمار الصناعية الصغيرة التى يمكنها الرؤية عبر السحب ومراقبة مواقع الصواريخ المارقة، كل هذه وأكثر أصبح جزءًا من ترسانة «وحدة الابتكار الدفاعى الأمريكية» سريعة التتبع.

وحدة النخبة

هذه الوحدة المعروفة باسم «الوحدة إكس»، أو وحدة النخبة داخل البنتاجون، تتكون من ٦٧ فردًا مدنيًا وعسكريًا، تتمثل مهمتها فى جلب التكنولوجيا المتطورة فى وادى السيليكون «موطن أكبر شركات التكنولوجيا الفائقة فى العالم» من خلال أكثر من ١٠٠ مشروع إلى الجيش الأمريكى.

فى كتابهما «الوحدة إكس: كيف يقوم البنتاجون ووادى السيليكون بتحويل مستقبل الحرب»، يأخذنا الرجلان اللذان أطلقا الوحدة فى عام ٢٠١٥، كريستوفر كيرشوف وراج إم شاه إلى داخل مختبرات الذكاء الاصطناعى، وورش عمل الطائرات دون طيار، ومراكز قيادة المعارك.

ويرسم شاه وكيرشوف صورة رائعة لعملية إصلاح البنتاجون وجر الجيش الأمريكى إلى القرن الحادى والعشرين، وما تطلبه ذلك للبقاء مهيمنًا فى مشهد جيوسياسى سريع التغير وغير مستقر فى كثير من الأحيان.

وذلك فى عصر حيث أمرت الصين، المنافس الرئيسى لأمريكا، جميع الشركات التجارية داخل حدودها بإتاحة أبحاثها وتقنياتها للاستغلال العسكرى، وهو ما جعل تعزيز العلاقة بين واشنطن ووادى السيليكون أمرًا مستحسنًا دائمًا، واليوم أصبح ضرورة ملحة.

فحتى وقت قريب، كانت «البنتاجون» معروفة بعلاقتها غير المريحة مع وادى السيليكون، وبعملياتها البطيئة التى كانت بمثابة كابح للإبداع، ولذا تم تصميم «الوحدة إكس» خصيصًا لتكون بمثابة جسر لتقنيى وادى السيليكون، الذين من شأنهم تسريع جلب أحدث البرامج والأجهزة إلى ساحة المعركة.

وتم تكليف شاه وكيرشوف وآخرين فى الوحدة الذين جاءوا بعدهم بشكل خاص بتلبية الاحتياجات العسكرية الفورية باستخدام التكنولوجيا من الشركات الناشئة فى وادى السيليكون، مع الحاجة لتجاوز الروتين، بدلًا مما يسمى بـ«البرايم»- أو الشركات العملاقة مثل لوكهيد «أكبر شركة للصناعات العسكرية فى العالم من حيث الدخل»، ورايثيون «واحدة من أكبر ١٠ شركات دفاع فى العالم»، وبوينج «شركة أمريكية متعددة الجنسيات لصناعة الطائرات».

الكتاب الصادر عن دار نشر «سكريبنر» الأمريكية، فى يوليو من العام الماضى، يأتى فى ٣٣٦ صفحة، وتم إدراجه فى القائمة القصيرة لجائزة «فاينانشيال تايمز» لكتاب الأعمال لعام ٢٠٢٤.

والمؤلف الأول للكتاب هو كريستوفر كيرشوف، الخبير فى التكنولوجيا الناشئة، وساعد فى إنشاء وحدة الابتكار الدفاعى، التى يواصل تقديم المشورة لها. وخلال إدارة أوباما كان مديرًا للتخطيط الاستراتيجى لمجلس الأمن القومى ومستشارًا مدنيًا كبيرًا لرئيس هيئة الأركان المشتركة. وهو حاصل على درجة البكالوريوس من كلية هارفارد، ودرجة الدكتوراه فى العلوم الاجتماعية والسياسية من جامعة كامبريدج.

أما راج إم شاه، المؤلف الثانى للكتاب، فهو رائد أعمال متسلسل فى مجال التكنولوجيا، وصاحب رأسمال مغامر، ومدير سابق لوحدة الابتكار الدفاعى فى البنتاجون. وهو حاليًا الشريك الإدارى لشركة «شيلد كابيتال»، وهى شركة استثمارية تركز على التقنيات التى تربط بين التطبيقات التجارية وتطبيقات الأمن القومى.

وبدأ حياته المهنية كطيار فى الحرس الوطنى الجوى، وهو يستمر فى الخدمة بدوام جزئى. وحصل على درجة البكالوريوس من جامعة برينستون، والماجستير فى إدارة الأعمال من جامعة بنسلفانيا.

نظام قديم

يبدأ الكتاب بحكاية افتتاحية، عندما كان «راج شاه» قائدًا لطائرة من طراز «إف ١٦» فى مهام جوية على طول الحدود العراقية الإيرانية عام ٢٠٠٦، واكتشف أن نظام الملاحة للمقاتلة، التى تبلغ قيمتها ملايين الدولارات ومن بين الطائرات النفاثة الأكثر تقدمًا فى العالم، كان قديمًا للغاية، لدرجة أنه لم يتمكن من إخباره عن أى جانب من الحدود كان يحلّق فوقه. 

وهنا قرر شاه تحميل برنامج «جى بى إس» مدنى وخرائط رقمية على جهازه المحمول الذى تبلغ قيمته ٣٠٠ دولار، والتى عملت على أكمل وجه. وكانت تلك هى المرة الأولى التى يدرك فيها شاه مدى تفوق وادى السيليكون على شركات الدفاع الأمريكية التقليدية، عندما يتعلق الأمر بتطوير تقنيات جديدة، خاصة البرمجيات.

وبعد عشر سنوات، عندما زار شاه مركز قيادة القوات الجوية الأمريكية فى قطر كمدنى، كانت نفس الفجوة التكنولوجية واضحة: ومما أثار استياءه أنه رأى أجهزة كمبيوتر مسلحة ببرامج أقدم من استخدام الضباط العسكريين لها، فى هذا الوقت كان شاه قد تم تعيينه مديرًا لوحدة الابتكار الدفاعى التجريبية.

إساءة استخدام

وفى عام ٢٠١٦، فى قاعدة جوية صحراوية تبعد ٢٠ ميلًا غرب الدوحة بقطر، قام طياران بدفع أقراص مغناطيسية حول سبورة بيضاء. وكانت الأقراص تحمل أسماء الطائرات المقاتلة وناقلات التزود بالوقود الجوى. وشاهد آخرون: أحدهم يقرأ الأرقام التى كتبها آخر على جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به، بينما يقوم ثالث بالتحقق من الأرقام مرة أخرى.

وكان المبنى هو مركز القيادة لجميع العمليات الجوية الأمريكية فى الشرق الأوسط، وكان الطيارون ينسقون آلاف الرحلات الجوية يوميًا من عشرات القواعد، كل ذلك يدويًا. كان الجيش الأكثر تطورًا فى العالم يستخدم السبورات البيضاء لجدولة حركته الجوية.

وكانت القوات الجوية تقوم بأكثر من ١٥٠٠ عملية إعادة تزويد بالوقود يوميًا فوق أفغانستان وسوريا والعراق، وتستخدم هذه العملية اليدوية الخرقاء لإدارة كل ذلك.

وزار شاه هذه القاعدة ذات يوم مع أعضاء مجلس الابتكار الدفاعى، وهى مجموعة استشارية يقودها رئيس شركة جوجل السابق «إريك شميدت».

وشعر شميدت بالفزع، حيث قال لشاه: «هذا هو أفظع إساءة استخدام لتكنولوجيا المعلومات رأيتها على الإطلاق. أنتم يا رفاق بحاجة إلى إصلاح هذا»، وعلى الفور، أخذ شاه علمًا بذلك، وقامت الوحدة بعد ذلك ببناء تطبيق بتكلفة ١.٥ مليون دولار، يعمل على أتمتة عملية جدولة إعادة تزويد الطائرات بالوقود، مما يوفر ٢٥ مليون جالون من وقود الطائرات سنويًا.

ويقول الكاتبان: كان جزءًا من مهمتنا هو تغيير ثقافة المؤسسة العسكرية، وتعليم منظمة عملاقة كيفية التفكير والتصرف كشركة ناشئة. وهذا يعنى التحرك بشكل حاسم، والانفتاح على الأفكار الجديدة، والمجازفة، والتسامح مع الفشل.

وأضاف المؤلفان: «مهمتنا فى الوحدة لم تكن مجرد العثور على الأجهزة والبرامج حتى تتمكن الوحدات العسكرية حول العالم من أداء مهمتها بشكل أفضل، كان الغرض منها تعطيل وتحويل ثقافة أكبر منظمة وربما أكثرها بيروقراطية فى العالم من خلال غرس شرايينها المسدودة بالحمض النووى الذكى والرشيق لوادى السيليكون».

وبعبارة أخرى «اختراق البنتاجون»، وكانت الحاجة إلى إحداث تغيير جذرى فى البنتاجون معترفًا بها على نطاق واسع داخل قاعاته.

كفاح بيروقراطى

يحكى الكتاب قصة وحدة الابتكار الدفاعى التى تم إطلاقها، وكيف كافحت البيروقراطيات الأمريكية- ونادرًا ما نجحت- فى جهودها لمواكبة تشكيل الابتكارات التجارية المتطورة للحرب.

ويرصد الكاتبان تاريخ علاقة التعاون بين البنتاجون ووادى السيليكون، فكان وادى السيليكون ذات يوم جزءًا لا يتجزأ من حالة الأمن القومى، على سبيل المثال، كان قسم الصواريخ والفضاء فى شركة «لوكهيد» أكبر جهة توظيف فى وادى السيليكون حتى الثمانينيات. 

وخلال تلك الحقبة، كانت شركات التكنولوجيا مثل «فيرتشايلد» لأشباه الموصلات تعتمد بشكل كبير على العقود العسكرية، حيث كانت تزود الحكومة بكميات هائلة من رقائق السيليكون لأنظمة التوجيه لصواريخ أبولو وصواريخ مينتمان الباليستية العابرة للقارات.

لكن مع نهاية الحرب الباردة، تغيرت هذه العلاقة التكافلية. لعقود من الزمن كان الإبداع التكنولوجى والصناعى فى الولايات المتحدة مدفوعًا إلى حد كبير بالإنفاق الفيدرالى، وفى التسعينيات أصبح ذى طابع تجارى وعالمى بشكل متزايد. 

وتخلفت الولايات المتحدة بشكل خطير عن منافسيها عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا، وهى الدولة التى تتمتع بأكبر اقتصاد وأكثر شركات التكنولوجيا ابتكارًا، وذلك بعد أن انقطعت العلاقة بين وادى السيليكون والبنتاجون.

وفى عام ١٩٦٠، كان الإنفاق الدفاعى الأمريكى يمثل حوالى ٣٦٪ من البحث والتطوير العالمى. وبحلول عام ٢٠١٩ كان هذا الرقم يزيد قليلًا على ٣٪. فى ذلك العام، كان لكل من شركات أمازون وأبل وجوجل ومايكروسوفت قيمة سوقية أكبر من قيمة صناعة الدفاع الأمريكية بأكملها.

وكافحت «البنتاجون» للتكيف، وكما أكد شاه وكيرشوف، فقد ظلت هذه الصناعة تعتمد على حفنة من مقاولى الدفاع العملاقين المعروفين باسم «البرايم»- شركات مثل نورثروب جرومان «تكتل للصناعات الجوية والعسكرية»- التى كانت تمتلك أنظمة التدقيق والمحاسبة وأنظمة الضغط اللازمة لخوض عملية الاستحواذ المتاهة فى البنتاجون. 

وبعد تدريبهم على حماية أموال دافعى الضرائب، كان مسئولو المشتريات فى البنتاجون يميلون إلى تجنب المخاطر، مما يجعلهم غير مؤهلين للحصول على المنتجات التى طورتها شركات رأس المال الاستثمارى وشركات التكنولوجيا التى كانت نماذج أعمالها مبنية على الرهانات، والتحرك السريع، والتكرار بسرعة. 

وبموجب قواعد الاستحواذ الفيدرالية، يستغرق وضع اللمسات النهائية على العقود الكبيرة ما بين ١٨ و٢٤ شهرًا، وفى الوقت ذاته لا يمكن للشركات الناشئة الانتظار كل هذا الوقت لإتمام الصفقة، ثم الانتظار سنوات أكثر لبدء استخدام المنتج ودفع ثمنه. وفى كثير من الأحيان كان يتم التخلى عن المنتجات الواعدة فى رحلتهم إلى ساحة المعركة.

عوائق ثقافية

وكانت العوائق ثقافية أيضًا. بحلول العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، كان معظم مهندسى وادى السيليكون قد نشأوا وهم يشاهدون غزو العراق، ولديهم اعتراضات أخلاقية عميقة على خلق منتجات يمكن استخدامها لقتل الناس، وطالبوا شركاتهم برفض التوقيع على عقود مع المؤسسة العسكرية أو وكالات الاستخبارات.

وأدى كشف «إدوارد سنودن»، عميل سابق للمخابرات الأمريكية، عن قيام وكالة الأمن القومى بجمع بيانات شركات التكنولوجيا إلى تفاقم حالة عدم الثقة هذه، فعندما زار «أشتون كارتر» وادى السيليكون فى عام ٢٠١٥، وهو أول وزير دفاع يقوم بذلك منذ عقدين، رفضت «جوجل» السماح له بدخول حرمها.

ونتيجة لهذه الاتجاهات الاقتصادية والثقافية، كتب المؤلفان أن «الانفجار الذى دام عقدين من الزمن فى مجال الإلكترونيات الاستهلاكية، والذى بدأ فى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، أصبح بطريقة أو بأخرى غير مرئى للبنتاجون». 

وفى أواخر عام ٢٠١٦، بينما كان المدنيون يستخدمون الهواتف الذكية للاتصال بسيارات الأجرة أو دفع الفواتير، كان العديد من القوات الأمريكية «يشغلون برامج أقدم من تلك التى يستخدمها الضباط». 

غالبًا ما تم تصميم هذه البرامج من قبل مقاولى الدفاع التقليديين، «حماقة تشبه الاستعانة بشركة مايكروسوفت لبناء حاملة طائرات»، كما وصف الكاتبان.

وبينما أنفقت واشنطن المليارات على أنظمة الأسلحة، مثل الطائرات المقاتلة من طراز «إف ٣٥» التى استغرق تطويرها وقتًا طويلًا، وبحلول الوقت الذى أصبحت فيه جاهزة للعمل، كانت معالجاتها أبطأ من تلك الموجودة فى جيوب معظم الأمريكيين.

طرق مبتكرة

وعلى الجانب الآخر، كان الخصوم، من الحوثيين إلى مقاتلى داعش إلى الجيش الصينى أو الروسى، يجدون طرقًا مبتكرة لتحويل المنتجات التجارية الجاهزة إلى تقنيات عسكرية، مقابل جزء بسيط من التكلفة والوقت، وغالبًا ما يستخدمون مكونات جاهزة يتم إنتاجها فى الصين وتايوان.

كانت هذه هى المشكلة التى أطلق كارتر وحدة الابتكار الدفاعى لحلها، وكما أشار فى وقت مبكر من عام ٢٠٠١، فإن «الابتكارات الدفاعية فى الغد ستكون إلى حد كبير مشتقات من التكنولوجيا التى تطورها وتسوقها الشركات التجارية لدوافع تجارية».

يروى شاه وكيرشوف كيف أصبح مسئولو الوحدة خبراء فى الاستفادة من السلطات القانونية، مثل سلطة المعاملات الأخرى، وهو مصطلح يشير إلى سلطة وزارة الدفاع لتنفيذ بعض النماذج الأولية والأبحاث ومشاريع الإنتاج.

وتم إنشاء هذه السلطة لمنح وزارة الدفاع المرونة اللازمة لتبنى ودمج الممارسات التجارية التى تعكس معايير الصناعة التجارية وأفضل الممارسات فى أدوات منحها، اعتبارًا من عام ٢٠١٦.

وسمح ذلك لهم بتسريع العقود عن طريق شراء التكنولوجيا على نطاق واسع من الشركة، بمجرد اكتمال المشروع التجريبى الناجح، بدلًا من جعل الشركة تمر بجولات أخرى من المنافسة البيروقراطية. 

وشكلت هذه العملية الآن أكثر من ٧٠ مليار دولار من إنفاق البنتاجون. كما حاول موظفو الوحدة أيضًا سد الانقسامات الثقافية بين البيروقراطيين والمبرمجين، والتخلى عن بدلاتهم وربطات عنقهم، واستبدالها بالجينز والقمصان غير المبطنة.

أجسام مضادة 

يشير المؤلفان إلى المعارضة وانعدام الثقة التى واجهتها الوحدة داخل واشنطن، مما دفعها إلى إطلاق ما وصفوه بالأجسام المضادة من الجهاز المناعى للبيروقراطية. 

على سبيل المثال، فى الأسبوع الأول من عملهم، حاول اثنان من موظفى الكونجرس فى لجنة المخصصات بمجلس النواب إلغاء ميزانية الوحدة بالكامل البالغة ٣٠ مليون دولار. 

واعترضت إحدى الموظفات على الوحدة، لأنها كانت تعمل لدى أحد أعضاء الكونجرس عن ولاية «إنديانا»، وكانت أموال الوحدة تتدفق فى المقام الأول إلى كاليفورنيا، وهذا ليس مفاجئًا، نظرًا لأهميتها بالنسبة للنظام البيئى التكنولوجى فى الولايات المتحدة. 

بينما كان الموظف الآخر منزعجًا من رفض كارتر ذات مرة طلبه باستخدام طائرة تابعة للقوات الجوية من طراز «جلف ستريم»، لنقل وفد من الكونجرس إلى الخارج.

تحويل الحرب

من وجهة نظر شاه وكيرشوف، فقد حولت التكنولوجيا التجارية كل جانب من جوانب الحرب الحديثة تقريبًا: الاتصالات، والمدفعية، والاستطلاع، والدفاع الجوى. 

وعندما قامت روسيا بالتشويش على أجهزة الراديو الخاصة بالأوكرانيين، تحولوا إلى محطات إنترنت ستارلينك «إنترنت من الأقمار الاصطناعية المصنوعة بواسطة شركة سبيس إكس»، وأداروا أوامرهم وسيطرتهم من خلال تطبيقات الهواتف الذكية المشفرة، مثل سيجنال وواتس آب. 

وقامت شركة «سكايديو»، وهى أول شركة أمريكية خاصة لتصنيع الطائرات دون طيار تقدر قيمتها بمليار دولار، بإرسال طائرات رباعية المروحية ذاتية التحكم، مزودة بكاميرات عالية الدقة إلى وحدات المشاة الأوكرانية، التى استخدمتها لاستكشاف المواقع الروسية وتوجيه نيران المدفعية. 

ونشرت شركة «أندوريل» طائرتها دون طيار، وهى طائرة هليكوبتر ذاتية القيادة شبه صامتة يمكن إعدادها فى دقائق. 

وفى المجمل، نشرت كييف ٣٠ نظامًا طورتها شركات ناشئة، معظمها فى كاليفورنيا، وعلى الرغم من تفوق القوات الأوكرانية فى التسليح والعدد، إلا أنها تمكنت من الصمود فى مكانها إلى حد كبير، بفضل التبنى السريع للتكنولوجيا التجارية سريعة التطور، والتى عززت وحدة الابتكار الدفاعى بعضها.

فى النهاية، يعترف الكاتبان بأنه لا يزال حجم تأثير وحدة الابتكار الدفاعى على البنتاجون غير واضح، على الرغم من كل النجاحات المهمة، ولكن المنفصلة، التى يشير إليها المؤلفان، مثل التسليم السريع للتاكسى الجوى الكهربائى للقوات الجوية، وهو نظام جوى مضاد للطائرات دون طيار، تستخدمه قوات العمليات الخاصة.

وحسب الأرقام، فى العام الماضى، فازت الشركات المدعومة بصناديق رأس المال الاستثمارى بأقل من ١٪ من جميع عقود البنتاجون، وتستمر حفنة من المقاولين الرئيسيين العملاقين فى تلقى أموال أكثر بكثير من النظام البيئى الدفاعى المستوحى من وادى السيليكون. 

ولا تزال «البنتاجون» بشكل عام تحتاج إلى سنوات من التخطيط ومداولات الكونجرس قبل أن تشترى منتجات من الشركات الناشئة بكميات كبيرة، بما يكفى للحفاظ على استمرار أعمالها، الأمر الذى يثير الإحباط المستمر للمستثمرين.

قابلة للتطبيق

لكن من ناحية أخرى، نجحت وحدة الابتكار الدفاعى طوال فترة وجودها فى إثبات أن التكنولوجيا التجارية قابلة للتطبيق فى المهام العسكرية، وأن وزارة الدفاع يمكن أن تكون عميلًا واقعيًا للشركات الناشئة، وساعدت فى سد الفجوة الثقافية بين وادى السيليكون والجيش.

وفى السنوات الأربع الماضية، تم تدفق ما لا يقل عن ١٢٥ مليار دولار من رأس المال الاستثمارى فى الشركات الناشئة التى تبنى تكنولوجيا الدفاع، ارتفاعًا من ٤٣ مليار دولار فى السنوات الأربع السابقة. 

ويعمل الآن العشرات من مسئولى الأمن القومى السابقين فى رأس المال الاستثمارى المتعلق بالدفاع أو الأسهم الخاصة كمديرين تنفيذيين أو مستشارين. 

وبدأت مجموعة متزايدة من شركات وادى السيليكون فى التحدث بلغة الأمن القومى. وكما كتب المستثمر «مارك أندريسن»، فى عام ٢٠١٩: «أنا أؤمن بالولايات المتحدة الأمريكية. أنا أؤمن بالدفاع الوطنى القوى. وأنا أؤمن بشركة أندوريل، شركة التكنولوجيا الدفاعية التى تعهدت، وفقًا لمؤسسها (بالمر لوكى)، فى الصفحة الأولى من عرضها الترويجى الأول، بأنها سوف تنقذ الحضارة الغربية... بينما نجنى عشرات وعشرات المليارات من الدولارات سنويًا».

بعبارة أخرى، تغيرت المشاعر، فمن مزيج من المصلحة الذاتية المالية والأيديولوجية الحقيقية، بدأ وادى السيليكون فى تجنيد نفسه مرة أخرى فى صراعات القوى العظمى فى الولايات المتحدة.