الأربعاء 03 ديسمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

بيرين شوقى شامخ: رفض دور صلاح عبدالله فى «ريا وسكينة»

حرف

«كان يفضل دائمًا الدور الهادف، حتى لو كان صغيرًا على البطولة الكبيرة التى بلا معنى، وكان يبحث دائمًا عن الدور الذى له أثر ورسالة».. بهذا الوصف بدأت بيرين ابنة الفنان الكبير شوقى شامخ الحديث عن والدها، الذى ترك علامة وبصمة مهمة فى تاريخ الدراما والسينما المصرية، حيث نجح فى أن يجمع بين الموهبة الفنية، والمسئولية الأسرية، والصفات الإنسانية النبيلة التى عرفها الجمهور عنه، كممثل هادئ، متأنٍ، دقيق فى اختياراته الفنية، ولكنه فى حياته الأسرية كان مثال الأب الحنون والعطوف، الصارم حين يتطلب الأمر، والحريص على تربية أبنائه على القيم الأصيلة والإنسانية الرفيعة.

بيرين شوقى شامخ فى حوارها مع «حرف» سلطت الضوء على شخصية والدها بعيدًا عن الشهرة، لتكشف عن جانب الأب الذى يوازن بين متطلبات الفن وواجباته الأسرية، ويحرص على غرس الأخلاق، والاحترام، وحب الآخرين فى نفوس أبنائه، تحدثت عن طبيعته فى البيت، اهتمامه بالدراسة والحياة العملية لأطفاله، حبه للرياضة والقراءة، وشغفه بالسفر وتنمية المدارك الشخصية، حيث كان يسعى دائمًا لتحقيق التوازن بين حياته الفنية وحياته العائلية.

كما تبرز بيرين الدور الذى لعبه شوقى شامخ فى الوسط الفنى، حيث كان يختار أدواره بعناية فائقة، ملتزمًا بالرسالة الفنية وقيمتها، ومبتعدًا عن الأدوار التافهة أو التى لا تضيف شيئًا حقيقيًا للمشاهد، كما تكشف عن علاقاته بأصدقائه وزملائه فى الوسط الفنى، وعن حرصه على المشورة، واستعداده التام لتقديم أعمال ذات أثر ورسالة واضحة، وعن المواقف التى جسدت إنسانيته وطيبة قلبه، حتى مع زملائه الذين لم تصطدم مصالحهم معه يومًا.

بيرين شوقى شامخ

■ «شوقى شامخ» فنان كان يحلو له البعض وصفه دائمًا بالممثل الهادئ.. ولكن لو تحدثنا عنه كـ«أب» هل يختلف الأمر؟

- والدى- رحمه الله- كان نموذجًا للحنية والعطاء والطيبة، ورغم تلك الحنية إلا أن طباعه كانت بها من الصرامة ما يكفى لتربية أبنائه تربية سليمة، سواء فى تعامله معى أو مع شقيقى الوحيد، حيث كانت صرامته بها ود لا قسوة، كان يرغب أن يرانا دائمًا ملتزمين ونراعى حقوق الناس ونساعد من نقدر عليه ونحترم الغير، الصغير قبل الكبير، وكان يُنمى داخلنا الإنسانية دائمًا مع الحفاظ على حقوقنا دون تفريط أو إهدار لكرامتنا.

■ وماذا عن طباعه وطقوسه داخل البيت؟

- البيت كان الأساس بالنسبة له، كان يحب ويعشق الفن بكل تأكيد، ولكنه أيضًا كان دائمًا ما يسعى لصنع حالة من التوازن بين البيت والعمل، بحيث لا يأتى أو ينتقص أى منهما من حق الآخر، وعلى الرغم من انشغاله أغلب أوقات اليوم؛ إلا أنه كان أبًا مسئولًا يحترم الحياة الأسرية، مسئولًا يتابع دراستنا وحياتنا العملية، مُنظمًا كريمًا للغاية، كما كان شخصًا بسيطًا جدًا، عشنا معه حياة عادية، نخرج فى الإجازات، ونستقبل أقاربنا أو نزورهم، كان محبًا لعائلته بشدة ويجمعنا دائمًا حوله، كما كان يحب السفر أحيانًا، ويملك شغفًا كبيرًا بالقراءة، فقد كانت لدينا مكتبة واسعة مليئة بالكتب، وكان أيضًا من محبى الرياضة وكرة القدم، ويحرص على تشجيعنا على الاهتمام بالرياضة وتجنب الكسل.

■ يعشق الرياضة وكرة القدم كما ذكرتِ.. هل كان ينتمى بالتشجيع لنادٍ مُعين؟

- بالتأكيد، كان زملكاويًا متعصبًا جدًا لأقصى درجة، يفرح فى ساعات الفوز، وينتابه حُزن شديد حال الخسارة.

■ هل تتذكرين وصية من والدك؟

- كانت لديه وصايا عديدة تدور حول مساعدة الآخرين، واحترام النفس، والالتزام بالضمير فى العمل، والاستمرار فى التعلم والتطوير، وكان يحب أن نحافظ على القيم والأُسس الأسرية والشخصية، وحب الخير للغير.

■ لما كان يستعد لدور معين قبل التصوير، هل كانت لديه طقوس معينة أو يذاكر فى البيت؟

- بالفعل، كان بيحضر جيدًا لكل دور قبل التصوير، ويولى اهتمامًا كبيرًا بكل التفاصيل، كان يحب أن يشارك فى مناقشات موسعة قبل بدء المسلسل، سواء مع المخرج أو الكاتب، للتأكد من فهم كل جانب من أبعاد الشخصية التى سيؤديها، خاصة أنه كان يعمل مع أساتذة كبار مثل أسامة أنور عكاشة وجمال عبدالحميد، وكان يحب أن يفهم الشخصيات بشكل عميق، ليؤدى الدور بالشكل المطلوب تمامًا، دون أى سطحية.

■ بالتأكيد كان يلجأ للمشورة لحسم قراره فى دور ما.. من كان صاحب الكلمة الأخيرة فى قراره؟

- أحيانًا كان يسألنى أنا أو أمى عن رأينا، خاصة عندما كنا صغارًا، كان يحب أن يطمئن على أن الدور يتم على أكمل وجه، وأن كل التفاصيل مدروسة بعناية، حيث كان يهتم برأى العائلة لأن ذلك كان جزءًا من حرصه على تقديم عمل متقن.

■ أدوار عديدة ومميزة قدمها الفنان شوقى شامخ سواء فى الدراما أو السينما.. ما الدور الأقرب له طيلة مسيرته ويعتبره دور عُمره؟

- جميع أدواره كانت بالنسبة له دور عُمره، سواء الضابط فى فيلم كتيبة الإعدام، أو المهندس شريف ظاظا فى مسلسل أرابيسك، وغيرهما من الأدوار التى تركت بصمة فى تاريخ الدراما والفن المصرى. والدى كان يحب الفن للفن نفسه، ولم يكن يعمل من أجل المال أو الشهرة، حيث كان يرفض أى دور لا يحمل قيمة أو هدفًا واضحًا، حتى فى فترة الهوجة الفنية الأخيرة، كان يرفض المشاركة فى الأدوار الكوميدية التافهة أو الأدوار التى يراها بلا قيمة، حيث كان يفضل دائمًا الدور الهادف، حتى لو كان صغيرًا، على البطولة الكبيرة التى بلا معنى، و كان يبحث دائمًا عن الدور الذى له أثر ورسالة، ويشعر أنه يضيف شيئًا حقيقيًا للجمهور.

■ خلال تلك المسيرة.. هل كان هناك دور ندم على القيام به؟

- على الإطلاق لم أسمع أنه شعر بالندم على أى دور قام به طوال مسيرته الفنية، حيث كان يختار كل أدواره بعناية، فكل شخصية قدمها كانت تسبقها دراسة وتفكير، وكان مقتنعًا به بالكامل، لذلك لم يكن هناك مجال للندم على أى عمل.

■ هل كان هناك شىء كان يحلم بتحقيقه أو دور كان يطمح له ولم يتمكن لسبب أو آخر من القيام؟

- لم يكن هناك شىء محدد يحلم بتحقيقه بشكل شخصى، وهنا أتذكر له رفضه تقديم الشخصية التى قام بها الفنان صلاح عبدالله فى مسلسل «ريا وسكينة» رغم أنها كانت شخصية محورية ومهمة خلال أحداث المسلسل ومحورًا رئيسيًا فى الحلقات، ولكنه اختار أن يؤدى دور الضابط رغم صغر مساحة الدور، لأنه أحب أن يؤدى شخصية لها أثر ومكانة واضحة فى العمل، شخصية يستطيع الجمهور تذكرها وتقديرها، حتى لو لم تكن البطولة المطلقة.

■ رغم أن الفنان الراحل كان يميل للبيت وليس من هواة السهر إلا أنه كانت له صداقات عديدة.. من كان أقرب أصدقائه فى الوسط الفنى؟

- أقرب أصدقائه فى الوسط الفنى كان المؤلف والسيناريست أسامة أنور عكاشة، والمخرج جمال عبدالحميد، والفنان عهدى صادق، رحمه الله، وصلاح السعدنى، وصبرى عبدالمنعم، ومحمد متولى، حيث كانت هذه الدائرة المقربة منه جدًا، وكان يقدر صداقتهم ومهنيتهم، فهذا الجيل نادر جدًا، وكان يشعر بالراحة والثقة معهم، حيث كان يشاركهم آراءه وأفكاره، ويأخذ نصائحهم فى العمل والفن.

■ من خذله أو شعر تجاهه بالغضب مَن أصدقاء وزملاء الوسط الفنى؟

- طيبة قلبه ونقائه لم يُكن ليترك مساحة للغضب والكره والبغض، فلا أتذكر حدوث موقف مع شخص أو فنان أو زميل بعينه جعله يشعر بالغضب تجاهه طوال مسيرته الفنية أو حتى على المستوى الشخصى.

■ بعد مرور حوالى ١٦ عامًا على وفاة النجم الكبير شوقى شامخ.. هل ترى أنه حصل على حقه من الشهرة والنجومية؟

- بكل تأكيد، فحقه حصل عليه من تقدير الناس، الذين يفهمون موهبته ويقدرونها ويدركون قيمتها، لكن من ناحية الجوائز أو التكريم الرسمى، شعرت بأنه لم ينل حقه الكامل، حيث إن أعماله تركت بصمة واضحة ومميزة فى الوسط الفنى، لكن بالنسبة لى، شعرت بأن التكريم الرسمى لم يكن كافيًا بالنسبة له، وأن قيمته الحقيقية لم تُعطَ بالشكل الذى يستحقه.

■ فى النهاية.. ما اللحظة التى شعرتِ فيها بالحاجة الملحة لوجوده جانبك؟

- غيابه محسوس بشكل كبير، خصوصًا فى المواقف الصعبة أو عندما أحتاج إلى دعم أو نصيحة، وجود الأب كان دائمًا سندًا مهمًا فى حياتى، وأنا أعمل الآن فى مجال التمثيل، أشعر بغيابه أكثر، لكنه يظل دائمًا مصدر إلهام وقوة لى، وأفكر فى نصائحه وأسلوبه فى التعامل مع الحياة والعمل الفنى.