السبت 27 يوليه 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

إعادة إحياء الهرم..«حرف» تكشف ما جرى فى المنطقة الأثرية الأهم قبل الافتتاح

الهرم
الهرم

- مدخل جديد على أعلى مستوى بـ«طريق الفيوم» ومنطقة للخيالة وأصحاب الجِمال لا يخرجون منها

- عدد هائل من «شبابيك حجز التذاكر» وتسهيلات لـ«ذوى الهمم» وكبار السن 

ظلت منطقة أهرامات الجيزة «نقطة سوداء» فى مخيلة السائح، وربما فى مخيلتنا نحن أيضًا؛ فمَن منا لم يستفزه أحد البائعين الجائلين أو أصحاب الجِمال والأحصنة، ومَن منا لم تزعجه مظاهر الإهمال والتجاوز التى غرقت فيها المنطقة التاريخية الأهم فى مصر، ولن أبالغ عندما أقول فى العالم، على مدار سنوات.

وهذه المشكلة لم تغب عن المسئولين بالطبع.. لكن ما الحل؟.. هل نقوم بطرد جميع الباعة و«الخيالة» من المنطقة؟

الإجابة: «مستحيل.. فهم أهلنا.. وهذا العمل (أكل عيشهم)، كما أنهم سيتزاحمون على البوابات وأمام محال الهدايا المحيطة بالمنطقة، وربما يخرج الوضع عن السيطرة حينها».

ثم إن الأمر لا يقتصر على هذا «المظهر السلبى»، بل يمتد إلى عدم الاستفادة من قدرات هذه المنطقة على النحو الأمثل، حتى لا يقتصر الأمر على مجرد زيارة سريعة لرؤية الأهرامات وأبوالهول ثم المغادرة، بل تحويل الزيارة إلى «رحلة» بكل معنى الكلمة.

فى السطور التالية سنتعرف معًا على مسار تصحيح وضع منطقة أهرامات الجيزة، بداية من عام 2008، وحتى عامنا الحالى الذى يبدو أنه سيشهد حل المشكلة الأزلية للمنطقة، بعد توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى فى هذا الشأن وتولى القوات المسلحة تنفيذ مشروع التطوير، بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار والجهات ذات الصلة، وإتاحة المجال للقطاع الخاص للمشاركة فى إدارة وتشغيل خدمات الزائرين.

تفاصيل المشروع الأغظم

بدأ التفكير فى مشروع تطوير منطقة الأهرامات فى الجيزة نهايات عام ٢٠٠٨، عندما رصدت وزارة الآثار ٣٥٠ مليون جنيه من أجل إعادة تخطيط المنطقة ومحيطها، وكان من المقرر أن ينتهى المشروع عام ٢٠١٣، غير أن الأزمات المالية التى واجهتها مصر بعد أحداث ٢٥ يناير تسببت فى توقف التمويل المطلوب، ما أخل بالجدول الزمنى لتنفيذ المشروع الذى توقف بشكل كامل لعدة سنوات.

لكن يبدو أننا أصبحنا قريبين من حضور زيارة استثنائية للمنطقة الأثرية، بعد التخلص من معوقات الزيارة ومشاكلها، التى تبدأ بالتنقل العشوائى بالمنطقة، مما يسمح بالتعرض لمضايقات الباعة الجائلين، وحتى عدم وجود دورات مياه وأماكن خدمات داخل المنطقة.. باختصار كل هذا سيصبح ماضيًا فى المستقبل القريب.

يأتى ذلك بعد أن اهتمت الدولة المصرية بالملف الأثرى والمشروعات المتوقفة وأبرزها مشروع إنشاء المتحف المصرى الكبير، ومشروع تطوير منطقة الأهرامات الأثرية، الذى يتم العمل عليه تحت إشراف جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة، وجهات حكومية، على رأسها وزارتا السياحة والآثار والداخلية، وهيئة التخطيط العمرانى، بالإضافة إلى محافظة الجيزة.

المرحلة الأولى من المشروع تضمنت إقامة سور يحيط بالمنطقة الأثرية لمنع التعديات على الحرم الأثرى، بطول ١٨ كيلومترًا، ويحيط بالمنطقة الأثرية فقط، مزودًا بـ١٩٤ كاميرا مراقبة، تعمل بنظام المراقبة الليلية، إلى جانب إنشاء دورات مياه إضافية، وطرق مرصوفة بدلًا من الطرق الترابية القديمة.

اقرا ايضًا: الكنز المفقود.. متى يعود رأس نفرتيتى وحجر رشيد إلى مصر؟

أما المرحلة الثانية، فتتضمن تغيير مداخل منطقة الأهرامات، على أن يجرى تطوير المدخل الحالى وتخصيصه لكبار الزوار، وإضافة مدخل جديد وربطه بشبكة الطرق المحيطة، وتدشين مهبط للطائرات الهليكوبتر يسمح باستقبال طائرات الرؤساء والشخصيات المهمة الراغبة فى زيارة المنطقة، مع تدشين مبنى إدارى للعاملين بالمنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، تشمل هذه المرحلة تدشين مركز خاص لاستقبال الزوار والسائحين، يتكون من مبنى مقام على مساحة ٤ آلاف متر، فضلًا عن مكاتب استعلامات ومنافذ بيع تذاكر الدخول، وقاعات عرض متحفى، وسينمائى، ومنافذ بيع التذكارات الأثرية، ومكاتب أمنية، وعيادة طبية، ودورات للمياه.

كما سيجرى تخصيص جزء من مركز الاستقبال ليكون مدخلًا خاصًا لطلبة المدارس، ويقع على مساحة ١٢٥٠ مترًا، ويتكون من منطقة استقبال، وقاعات محاضرات، وعرض سينمائى، وصالة لمشاهدة بانوراما الأهرامات، وورش عمل، ومكاتب إدارية وخدمية، ومنطقة تدريب على أعمال الحفائر، بالإضافة إلى دور منفصل تقع به كافيتريا ومطعم مخصصان للزائرين.

وقد تم تجهيز كل المداخل الجديدة ببوابات إلكترونية للتأمين، بالإضافة إلى تخصيص ساحات خاصة لانتظار السيارات ووسائل النقل المختلفة، وتدشين مبان خاصة للإسعاف والحماية المدنية، وشرطة السياحة والآثار، ومكاتب الأثريين، مع إنارة المنطقة الأثرية، وظهيرها الصحراوى بشكل متطور.

خطوة على تحقيق الحلم

مع توافر معلومات عن درجة جاهزية المشروع بنسبة تقترب من الـ٩٥٪، تواصلنا مع العميد مهندس هشام سمير، مساعد وزير السياحة والآثار لمشروعات الآثار والمتاحف المشرف العام على قطاع المشروعات بالمجلس الأعلى للآثار، الذى أوضح أن المشروع شارف على الانتهاء بالفعل، و«بمجرد تحديد موعد الافتتاح سنكون جاهزين إن شاء الله لبداية عهد جديد لهذه المنطقة الأثرية المهمة».

وأشار العميد هشام إلى تزويد المنطقة، خلال مراحل المشروع، بأحدث التقنيات والخدمات التى ستجعل الزيارة تجربة ممتعة يشيد بها زوار المنطقة من المصريين والأجانب، موضحًا أنه «سيتم إعادة تشكيل المنطقة بعد تحويل المداخل الحالية سواء (مدخل مينا هاوس) أو (ابو الهول) إلى مدخل حديث وحضارى بطريق الفيوم، بعيدًا عن الأماكن المزدحمة والمأهولة بالسكان، مع تزويد المداخل الجديدة بخدمات عديدة، سواء أثرية أو ترفيهية أو تأمينية».

وقال: «بدلاً من التكدس أمام شباك التذاكر أصبح لدينا الآن مبنى زوار على أعلى مستوى، ويستوعب ما يقارب ٥ آلاف زائر، مع وجود شبابيك حجز تذاكر مخصصة لكبار السن وذوى الهمم، وزيادة عدد الشبابيك الخاصة بالزوار، سواء المصريون أو الأجانب».

كما يحتوى مركز الزوار على كل ما يضمن للزائر تجربة مريحة وشيقة، فهناك خزائن الأمانات للحفاظ على متعلقات الزائر لحين خروجه، ودورات مياه، منها ما تم تخصيصه لذوى الهمم وتزويده بكل الوسائل المساعدة، بالإضافة لسينما، وكافيتريات، كما سيتم تزويد المركز بمقتنيات أثرية ذات صلة بالمنطقة لإبهار الزائر من لحظة وصوله لمركز الزوار وربطه ذهنيًا برحلته داخل المنطقة.

اقرا ايضًا: «مشروع القرن» حرف تتابع.. آخر ما يجرى فى المتحف المصرى الكبير: العد التنازلى للافتتاح بدأ

ومن ضمن عمليات التطوير التى تمت داخل المنطقة الأثرية، استبدال الطرق الأسفلتية والترابية بمسارات محددة ومخصصة للأتوبيسات الكهربائية الصديقة للبيئة، ويتوفر منها أتوبيسات بسعة ركابية كبيرة، وأخرى متوسطة، كما تتواجد سيارات الجولف للأعداد الصغيرة، لتوصيل الزائر لـ٧ محطات رئيسية تتكون منها الزيارة.

وتشمل كل محطة العديد من الخدمات، دورات مياه، مطاعم، كافيتريات، ماكينات ATM، لتوفير كل ما يحتاج إليه الزائر فى كل محطة، بالإضافة للوحات الإرشادية الموجودة بجميع المحطات وعلى طول مسار الزيارة، مما يسهل الزيارة وينظمها بشكل أفضل.

وفيما يتعلق بتنظيم العمل داخل المنطقة، فهناك شركات خاصة مسئولة عن ذلك الجانب، فلدينا شركات النظافة التى ستضمن ظهور المنطقة بأفضل شكل، بالإضافة لشركات الأمن التى سيقوم أفرادها بتنظيم الزيارة ومساعدة الزائرين على التمتع بزيارة هادئة وسلسة، وهناك بالطبع شرطة السياحة والآثار التى تحافظ على الأمن والأمان بالمنطقة، وكل ذلك ليتم تلافى جميع السلبيات التى يواجهها الزائر حاليًا.

كما تم تركيب إضاءات ليلية بطول مسار الزيارة، لتكون المنطقة مجهزة لتشغيلها ليلًا فى المستقبل، إذا توافق ذلك مع الخطط المستقبلية لتشغيل المنطقة.

وعند سؤال مساعد وزير السياحة والآثار عن وضع الباعة الجائلين وأصحاب الجِمال والأحصنة بعد التطوير، قال: «جميع العاملين بهذه المهن هم أهلنا فى النهاية، ونحن حريصون على أن يظهروا فى أفضل شكل، مع ضمان الحفاظ على تنظيم عملهم لتجنب أى تجاوزات قد تصدر من البعض، لذا تم تخصيص ساحة كبيرة يمر عليها السائح بشكل أساسى (منطقة التريض)، مع تنظيم العمل بهذه الساحة، مما يضمن استفادة قصوى للجميع».

ترميم الهرم

منطقة تاريخية بأحدث التقنيات

مع تشغيل المشروع سيتم الدخول من طريق الفيوم بدلًا من مدخل مينا هاوس الحالى، والمدخل الجديد مزود بساحة كبيرة تسمح بدخول السيارات والأتوبيسات، حتى ينزل الركاب أمام بوابات الدخول مباشرة، على أن تتوجه السيارات بعدها لساحتى انتظار، تسع أولاهما ٣٠٠ أتوبيس، والأخرى لـ٦٠٠ سيارة خاصة، بالإضافة إلى مناطق محددة لاستقبال أتوبيسات نقل طلاب المدارس والجامعات.

وبعد انتهاء قطع التذاكر والتفتيش الأمنى، سيمر الزائر إلى قاعة مجهزة بـ٣ خرائط ضخمة، إحداها لمصر، والثانية للمنطقة ومبانيها، والثالثة تفصيلية للأهرامات والآثار، لذا سيتمكن الزائر من مشاهدة المنطقة بشكل كامل قبل أن يبدأ الزيارة.

بخلاف الخرائط، سيجد الزائر ماكيت مجسمًا للمنطقة، ما سيساعد المرشدين على شرح جميع المعالم للسياح، بالإضافة إلى ما ستزودهم به المواد الفيلمية المعروضة فى قاعة السينما، وستتضمن الأفلام معلومات كاملة عن تاريخ منطقة الأهرامات، وشرحًا لأهم معالمها، ورسومًا متحركة لتسهيل الشرح وجذب انتباه الأطفال، بالإضافة إلى إمكانية العرض بأكثر من لغة.

وعن آلية الزيارة نفسها، فالفكرة الأساسية كانت تيسير رؤية جميع المعالم، فى ظل وجود مسافات كبيرة بين الأهرامات، والتى تجهد الزائرين إن حاولوا الوصول إليها سيرًا على الأقدام، لذا، بعد خروج الزائر من منطقة الاستقبال، سيجد فى انتظاره أتوبيسات كهربائية كبيرة، لتنقل الزائر فى رحلة من ٧ محطات، تبدأ بمحطة البانوراما، ثم هرم منكاورع، ثم خفرع، ثم خوفو، ثم الجبانة الغربية، التى تسمح بزيارة المقابر الأثرية المتاحة للزيارة، ثم محطة منطقة التريض.

والفكرة الرئيسية من المسار، هى تيسير التنقل أولًا، كما أن التحرك بهذه الكيفية يمنح الزائر قدرًا كبيرًا من التشويق، خاصة أن الأهرامات يتوالى ظهورها بشكل تدريجى، على طول المسار بين المحطات، على ألا تظهر بشكل كامل إلا فى النهاية.

أما عن «منطقة التريض» والتى تم تخصيص مساحة كبيرة لها، مما يسمح بامتطاء الخيول والجمال، والتمتع بها فى نطاق محدود، لا يسمح بالخروج من حرم المنطقة الأثرية، ما يعنى التخلص من جميع الظواهر السلبية التى تعلقت بسلوك البائعين وأصحاب الخيول، ومن ثم الوصول إلى محطة مركز الزيارة من جديد بعد انتهاء الزيارة.

وفى نهاية الجولة، يمر الزائر على مجموعة من البازارات الصغيرة، ويقدم كل منها مجموعة من الهدايا والتذكارات المتعلقة بالآثار والسياحة فى مصر، وأُعدت الساحة المخصصة لهذه البازارات ليتم البيع والشراء بشكل هادئ وحضارى، يختلف عما عهدناه سابقًا فى المنطقة.

ومن الناحية الإدارية سيتيح المشروع وجود مفتشى الآثار، ومسئولى الترميم، والمختصين بالحفاظ على الآثار، بشكل دائم، كما سيزيد من إمكانية إجراء الحفائر واستكمال الكشوف الأثرية فى المنطقة.