السبت 05 أكتوبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

سيرة ومذكرات..

يوسف إدريس.. أديب على فوهة بركان

يوسف إدريس
يوسف إدريس

- الحياة معركة كبيرة من لا يحاربها فهو ميت وإن لا تزال تحمله الأقدام!

- تسبب مقاله «أهمية أن نتثقف يا ناس» فى أزمة كبرى مع عبدالحميد رضوان وز ير الثقافة الأسبق

«السيرة والمذكرات» منطقتى المفضلة فى القراءة من صغرى، فيها وجدت سحر الحياة وسرها، جنونها وحكمتها، فرحها وغضبها، وأيضًا رضا الإنسان وتمرده، تجبره واستسلامه، توهجه وانطفاءه، وفى مساحات متباينة بين الواقع والخيال، الصدق والكذب، الزهو والتواضع، الحب والكره، الحلو والمر، قضيت الأيام والليالى، خاصة فى سنوات التكوين، فلم أجد سيرة ومذكرات المشاهير فى مختلف المجالات إلا قصص نجاح مُلهمة، بخلاف أنها جاءت دائمًا مدخلًا لقراءة دفتر أحوال البلد فى حياة صاحب السيرة أو المذكرات، كل هذا مَثّل الدافع الأكبر نحو التخصص بالأساس فى هذا المجال وقتما أصبحت ناشرًا.. وهنا فى «حرف» نفتح ملفًا نستعرض فيه بعضًا مما قرأت فى «السيرة والمذكرات». 

الصفحة الثالثة عشر من العدد العشرين لحرف

يأتينا «مايو» سنويًا يحمل ضمن ما يحمل ذكرى ميلاد المبدع الحاضر بإبداعه مهما غاب «يوسف إدريس»، والذكرى تواكب هذا العام شتات حالة ثقافية مصرية بدت مُنفرة لأبعد الحدود فى الآونة الأخيرة، مُنفرة فى طرحها وسجالها وسطحية معاركها، والمدهش أنها فى الأصل فقيرة الإنتاج فى مجموعها، فلا تجد سوى أن تنأى بنفسك بعيدًا، تستعيد سيرة الكبار فى إبداعهم ورصيدهم وحتى فى معاركهم، ومنهم حقًا إبداعًا وحضورًا وتوهجًا «يوسف إدريس»، وكنت قد ارتبطت وجدانيًا وفكريًا بأعماله الأدبية والفكرية الثرية المتنوعة شكلًا ومضمونًا، من وقت أن صادفت مجموعته القصصية الأولى «أرخص ليالى» ورائعتها الشاخصة المُلهمة «نظرة»، وأنا بعد صبيًا يتحسس شغف القراءة المحمود.

يوسف إدريس

الحوار الأخير!

تُوفى «يوسف إدريس» أول أغسطس عام ١٩٩١ عن عمرٍ ناهز وقتها ٦٤ عامًا بعد صراعٍ مع المرض وغيبوبة استمرت لعدة شهور، حصل خلالها على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام ١٩٩٠ فى الوقت الضائع كالمعتاد بكل أسف، حتى إنه لم يشعر أو يعرف من الأصل أنه حازها.

بعد وفاته وفى نفس العام أصدرت «الدار المصرية اللبنانية» كتاب «يوسف إدريس على فوهة بركان.. الحوار الأخير!» لمؤلفه الكاتب الصحفى محمود فوزى، والذى اشتهر فى التسعينيات من القرن الماضى بنشر كتب مضمونها حوارات مَثّلت فى وقتها اشتباكًا حارًا مع شخصيات وقضايا ساخنة، والمدهش أنه على غير المعتاد بشأن كتب الحوارات، كانت كتب «فوزى» تلقى رواجًا كبيرًا، فقد كانت بحجم كتاب الجيب، عدد صفحاتها ليس كبيرًا فى معظم الأحوال، والغلاف دائمًا بريشة أحد الرسامين الكبار، بخلاف سعرها الرمزى بمعايير هذا الزمان. كتابه «يوسف إدريس على فوهة بركان.. الحوار الأخير!» عدد صفحاته ١٤٨ صفحة، سعره وقتها ٤ جنيهات، والغلاف بريشة الفنان سيد عبدالفتاح رسام «أخبار اليوم» الشهير، رحمة الله عليهم جميعًا.

السادات

على فوهة بركان

د. يوسف إدريس كان دائمًا على فوهة بركان.. فهو يتلمس الألغام الاجتماعية المُحرمة ويتعمد تفجيرها بقلمه ويتمتع بحيوية الرفض لكل ما يحد من حرية الإنسان فى كل ما يكتب.. كانت أعصابه فوق جلده ويحمل فى عروقه تيارًا كهربائيًا صاعقًا، جذوره سياسية وأدبية واجتماعية.. فهو كالإعصار إذا هدأ هدده الموت!.. تشهد على ذلك معاركه ومواقفه وما أكثرها وما أغربها..!

معاركه مع الشيخ الشعراوى حيث اتهمه بوصفٍ لا أريد أن أكرره.. وهجومه على أنور السادت بكتاب «البحث عن السادات» رغم أنه كان أول من كتب مُحتفيًا بـ«السادات» فى أعقاب حرب أكتوبر.. ثم هجومه على «نجيب محفوظ» بعد فوزه بجائزة نوبل مؤكدًا أنها جائزة «كامب ديفيد» الثقافية.. ثم سر زيارته المفاجئة للقذافى فى ليبيا فى أعقاب خلافات سياسية مع ليبيا.. ثم معركته الشهيرة مع وزير الثقافة الأسبق عبدالحميد رضوان.. ثم هجومه بشدة لبناء مساكن تابعة لسجن طرة فى المعادى، وهل لأن مجرد بنائها سوف يحجب النيل عن شقتين اشتراهما لأبنائه؟!.. ثم الضجة التى أثيرت بعد فوزه مناصفة مع الأديب الفلسطينى جبرا إبراهيم جبرا، فأرسل «يوسف إدريس» برقية إلى الرئيس العراقى صدام حسين يحتج فيها بأن اللجنة كانت غير محايدة، فأمر «صدام حسين» بمنح الجائزة له، مما دعا معه البعض إلى أن يقول إنه استجداء للجائزة!.. فما أكثر وما أغرب معاركه حقيقة!

صدام حسين

كان قلِقًا لا يستقر على حال.. على فوهة بركان.. يحمل على صدره شعاره الأزلى: الحياة معركة كبيرة من لا يحاربها فهو ميت وإن ما تزال تحمله الأقدام!

ومن حقك أن تختلف مع «يوسف إدريس» فى كل مواقفه ومعاركه، لكنك لا تختلف فى أنه أمير القصة القصيرة فى مصر والوطن العربى، والكاتب المسرحى الباهر، وصاحب أجرأ وألذع مقالة تحرك الحياة الراكدة فى حياتنا الثقافية».

هكذا قدّم «محمود فوزى» كتابه «يوسف إدريس على فوهة بركان.. الحوار الأخير!»، وهى المقدمة التى تُظهر إلى أى مدى كان «يوسف إدريس» ناريًا مشاكسًا مشتبكًا طوال الوقت، سواء فيما يتعلق بكسر التابوهات الفكرية والسياسية والاجتماعية فى المجتمع المصرى، أو بشأن صدامه على جميع المستويات وفى كل الاتجاهات، رئيس جمهورية أو رجل دين أو أديب حاصل على نوبل أو حتى عالِم كما حدث مع الجراح المصرى العالمى الراحل الدكتور أحمد شفيق، عندما جاهر «شفيق» باكتشافات علمية عَدها سَبقًا فى علاج الجهاز الهضمى.

يوسف إدريس

حدة المزاج

«محمود فوزى» سأل «يوسف إدريس» عن حدة مزاجه واصفًا إياه بأنه غريب الأطوار ومتقلب، واستشهد فى ذلك بمعاركه، وما أكثرها وما أغربها، ومؤكدًا أنه يعتبر ما يقرره القاعدة العامة وأن المخالفين له شواذ!..

فأجاب: «ليست معارك لكنها مواقف، والكاتب حياته عبارة عن عدة مواقف، فالذى يقول لا شأن لى بما يحدث ليس فى نظرى كاتبًا، فالكاتب له كل الحق فى أن يقول رأيه فى هذا الشخص أو ذاك سواء كان هذا الرأى فى شكل مقالة فنية أو أى أشكال أخرى، والكاتب حينما يقول رأيه عليه أن يكون صريحًا صراحة تامة مع نفسه، فهو لا يستطيع أن يناور أو يداور أو يغلف الحقيقة، فهو يقول الحقيقة ورزقه على الله، أما إذا اعتبرها الناس بعد ذلك معركة فهم أحرار، أما الكاتب فهو مطالب بأن يقول رأيه بصدق وصراحة، بل من الممكن أن يخطئ أحيانًا مثله مثل البشر أجمعين، فنحن لسنا ملائكة، نحن بشر، إنما خطأ الكاتب هذا ليس محسوبًا عليه ولكن محسوب له، فأنا أفضل أن يقول الكاتب رأيه ويخطئ على أن يسكت، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، والكُتَّاب ليسوا بشياطين إنما هم إلى الملائكة أقرب، فالكاتب لا يكتب عن نزوة وإنما هو صاحب رسالة، فإن لم يكن للكاتب رسالة فى هذه الدنيا فعليه أن يكف عن الكتابة فورًا ويتجه إلى أى عمل آخر».

الشيخ الشعراوى

أرحب بمناظرة الشيخ الشعراوى

وحول سؤال «محمود فوزى» عن معركة «يوسف إدريس» مع الشيخ الشعراوى، أجاب: «هى ليست معركة، ولكن مواقف الشيخ الشعراوى العلمية والسياسية تعتبر فى نظرى خاطئة جدًا، وقد نبهت إلى هذا منذ وقتٍ مبكر طالبًا منه أن يُقصر عمله على شرح القرآن الكريم وعدم التدخل فى قضايا علمية، فهو مثلًا قال حديث الذبابة بحيث إنك حين تضعها فى كوب اللبن يتطهر، وهو حديث غير علمى ولم يرد له ذكر فى الأحاديث الصحيحة المسندة، ولا أعرف مَن اقترح مناظرتى له، ولكن يسعدنى هذا فى أى وقت لأناقشه ليس بالدين، ولكن أناقشه فيما قاله من حقائق علمية وهى ليست علمية، وحقائق عن الفن وهى ليست علمية أيضًا.

والحقيقة أن الشيخ الشعراوى شخصية عامة تتصدى للقضايا العامة، وهو يقدم أحاديثه بطريقة تمثيلية، فهو يضيف إلى أحاديثه فن التمثيل والأداء، وهذه الأحاديث نفسها تختلف عن قراءتها، فلا شك أن الأداء يضيف إليها، وهذا هو رأيى الشخصى وليس فيه أى تطرف أو تجنٍ على الشيخ الشعراوى، لأنه عرض نفسه لأن يكون رجلًا عامًا، فهو بالتالى لا بد أن يتحمل النقد».

نوبل

«نجيب محفوظ» و«نوبل».. وأنا

وفى سياق إجابة «يوسف إدريس» على طرح «محمود فوزى» بخصوص فوز «نجيب محفوظ» بجائزة نوبل، أطلق «إدريس» حممه وقذائفه الآتية:

أنا حزين لفوز «نجيب محفوظ» بالجائزة وهو فى الـ٧٧، فهو قطعًا كان يستحقها وهو فى الـ٥٠ من عمره، وهنا ستكون الفائدة أعم وأشمل وأجدى وأحسن، فهو الآن لا يستطيع أن يسافر أو يستمتع بالأموال التى مُنحت له، فهى تتويج لكاتب متوج فعلًا.

أنا لم أهاجم فوز «نجيب محفوظ» بالجائزة ولكنى هاجمت اللجنة، فاللجنة خدعتنى بعد أن اتصلوا بى وأخبرونى بأننى مُرشح للجائزة، ولم يكتفوا بذلك بل أعلنوا ذلك صراحة فى صحافة العالم، فالجائزة لا تُمنح فى السر، ولذلك فإن «نجيب محفوظ» حين يقول إنه لم يكن يعرف أو يعلم عن الجائزة فهذا غير صحيح، «نجيب محفوظ» كان يعرف أنه مُرشح للجائزة!.

توفيق الحكيم

مسألة استقبال «نجيب محفوظ» لكُتَّاب إسرائيليين هى مسألة معروفة لأنه كان يقابلهم حتى فى «الأهرام»، بينما كنا نرفض أن نقابلهم، وهو لا يفعل ذلك خيانة مُطلقًا، ولا عن خذلان للوطنية المصرية أبدًا، فهو كاتب يُنظر إليه بخطورة لأن له فلسفة وراء هذا.

خبر أن «توفيق الحكيم» تبرع بثلاثة آلاف دولار لاتحاد الأدباء الإسرائيليين نُشر فى «الأهرام» فى أعقاب أو قبل «كامب ديفيد»، فهو كان يعلم تمامًا أن الحركة الصهيونية مسيطرة ليس فقط على جائزة نوبل وإنما على الترجمة ونقل الكتب إلى اللغات الأخرى، وهو بتبرعه هذا كان يعتقد أن توثيق العلاقة مع إسرائيل ومع الغرب أحسن لنا من الدول العربية مثلًا أو حتى مع الاتحاد السوفيتى، وهذا رأيه، ولكن يجب أن ننظر إليه، وقد نتفق أو نختلف معه، والمسألة أولًا وأخيرًا متروكة لنا.

من المستبعد أن تكون هناك رواية مشتركة بينى وبين «نجيب محفوظ» لاختلاف الجيل والمدرسة الأدبية والموهبة.

سلمان رشدى

«سلمان رشدى» مريض فعلًا

فى عام ١٩٨٨ أصدر البريطانى من أصل هندى «سلمان رشدى» روايته «آيات شيطانية»، وكانت قد أثارت احتجاجات المسلمين فى دول عديدة، حتى وصل الأمر إلى تهديد حياة «رشدى» بالقتل، خاصة بعدما أطلق المرشد الأعلى للثورة الإسلامية فى إيران «آية الله الخمينى» فتواه الداعية لاغتيال «رشدى»، وحول ما أثاره «سلمان رشدى» وروايته علّق «يوسف إدريس» فى حواره مع «محمود فوزى» قائلًا: 

«أعتقد أن مسألة إعدامه مسألة خطيرة جدًا لأن ذلك سوف يثبت كتابه لألف عامٍ مقبلة، وهذا خطأ، فأنا من رأيى أنه لا بد من الرد عليه، هذا هو الحل الأمثل فى نظرى، أحس بالرثاء له لأنه مريض فعلًا، فى كتابه هذا لم يأتِ بكلمة واحدة ضد اليهودية أو المسيحية، انتقى الإسلام خصيصًا رغم أنه غير مؤمن بأى دين حتى لو كان البوذية، إنها ضربة موجهة إلى الإسلام فقط، وهذا لا بد أن يُرَد عليه ويُقدم إلى المحاكمة». 

القذافى

أهمية أن نتثقف يا ناس

أصدر يوسف إدريس عام ١٩٨٤ واحدًا من أهم أعماله الفكرية، ضَمنه ما يقرب من ٤٠ طرحًا من مفكرته بجريدة الأهرام، والتى كانت متصلة بالشأن العام المصرى فى معظم الأحوال، واختار له عنوان «أهمية أن نتثقف يا ناس»، مؤكدًا فى مقدمة الكتاب أنه آثر أن يسمى الكتاب باسم أشهر مقالة كتبها فى باب المفكرة، باعتبارها المقالة التى كُتِبَ لها أن يرد عليها وزير الثقافة ورئيس المجلس الأعلى للثقافة وقتها د. عبدالحميد رضوان، وهو الرد الذى قامت قيامة الحركة الثقافية فى مواجهته، وحتى القراء العاديون رفضوه وشجبوه وجعلوا من مقالة «إدريس» واحدة من أشهر ما كُتِبَ فى تاريخ الكتابة العربية، أو ربما الأشهر على حد رؤية «يوسف إدريس» نفسه وروايته فى مقدمة الكتاب، هكذا ختم «يوسف إدريس» مقالته: 

«إننا ننحدرُ ثقافيًا وبالتالى سلوكيًا بدرجةٍ خطيرة، والغوغائيةُ- نتيجةً لانعدامِ الثقافةِ- تَسودُ إلى درجةٍ تهدّدُ فيها باكتساحِ وجودِنا كلِّه، ومعَ وجودِ هذه الكَمّياتِ المُخيفةِ من البشرِ فى هذا الحيزِ الضيّقِ للوجود، فإننا ذاهبون إلى كارثةٍ مُحققةٍ- لا قدَّرَ اللهُ- إذا لم نُولِ رفعَ المستوى الفكرىِّ والثقافىّ للشعبِ الأهميةَ القُصوى الجَدير بها، فالثقافة أخطر من أن تكون من كماليات الحياة، فالحياة نفسها هى الوجود المثقف للكائنات».

كشف مقال «إدريس» إذن سوءة النخبة، لم يرهم إلا عالة على المجتمع، يضللونه فى متاهات سطحية، مرة باسم الفن وأخرى باسم الدين، فكان من الطبيعى أن يأتى الهجوم عليه من مدّعى الثقافة من الكُتاب والفنانين، وفى مقدمتهم وقتها وزير الثقافة الأسبق «عبدالحميد رضوان».

يوسف إدريس

يحكى «يوسف إدريس» لـ«محمود فوزى» عن هذه المعركة: «أما عبدالحميد رضوان فقد وجّه لى شتائمه ولم أرد عليه نهائيًا، ورفعت عليه قضية قذف وكسبتها، فلأول مرة صحفى يكسب قضية ضد وزير، والآن هو فى ذمة الله رحمة الله عليه، وكان رجلًا طيبًا وعذبًا، ولا أدرى كيف دُست عليه هذه المقالة التى نُشرت فى جريدة الأهرام؟!».

كانت وجهة نظر «يوسف إدريس» أن الموضوع ليس الدخول فى معارك ولكنها مواقفه الواضحة، فهناك كُتَّاب يقولون رأيهم بشكلٍ هلامى غير واضح، وهناك كُتَّاب يسيرون فى الظل بجوار الحائط وهم من يُطلق عليهم صفة «الطيبين»، ولكن أساس عمل الكاتب هو النقد الصادق، ولهذا ظلت سيرة «يوسف إدريس» حاضرة، ليس فقط فى وجدان وفكر من قرأوا له وتأثروا به، وأنا فى مصاف مقدمة هؤلاء، وإنما فى الوجدان والفكر المصرى بشكل عام، مفكرًا نافذ الرؤية والبصيرة، وأديبًا شاخص الحس والإبداع، وقبل هذا وذاك، إنسانًا متمردًا على كل ما هو نمطى، ولم يكن عنوان مجموعته القصصية الأولى «أرخص ليالى»، الصادرة عام ١٩٥٤، وإصراره على أن يصير وفق ما صار عليه خروجًا على قواعد اللغة العربية، صحته وفقًا لهذه القواعد «أرخص ليالٍ»، لم يكن إلا تعريفًا كاشفًا بشخص الكاتب قبل المكتوب، والذى لم يأتِ هو الآخر إلا كاسرًا لأُطر وتابوهات أسرت المجتمع المصرى وإبداعه سنوات طويلة قبلها، ولم تكن مقدمة عميد الأدب العربى د. طه حسين لـ«أرخص ليالى»، وهو من هو فى حماية وحراسة اللغة العربية، إلا صك اعترافٍ رسميًا وجواز مرورٍ قويًا لـ«يوسف إدريس» ورؤيته النافذة وموهبته الفذة.