«صهوات الخيول».. حوارات تاريخية للكاتبة فاطمة يوسف العلى
الجلوس فى حضرة الكبار ليس أمرًا عابرًا يحدث كل يوم، بل هو بمثابة نقطة حبر فى المداد الذى يُكتب به التاريخ، الذى يشكل العمود الرئيسى لحضارة أى أمة على وجه الأرض، فما بالك إذا كانت هذه الأمة مصرية وعربية تضرب جذورها فى عمق تاريخ الحياة البشرية على كوكب الأرض؟
والكبير فى مقياس الحضارة ليس بماله ولا حجمه ولا نسبه، بل بما قدمه للبشرية من إسهامات علمية وثقافية ومعرفية وأدبية وفنية، وباختصار هذه الإسهامات يمكن أن نلخصها فى جملة «كل ما هو إنسانى أو ينتمى إلى قيم الحق والخير والجمال».
وبين أيدينا الآن إصدار فريد من نوعه من ناحية القيمة الثقافية والمعرفية، وهو كتاب «صهوات الخيول» الذى يحمل بين دفتيه مجموعة حوارات أجرتها الكاتبة الصحفية الكويتية فاطمة يوسف العلي، مع مجموعة من عمالقة الشعر والرواية والقصة القصيرة والفنون التشكيلية، وأعدته وقدمته الكاتبة فاطمة ناعوت.
وتنبع أهمية ذلك الكتاب من القيمة الثقافية التى يقدمها، عبر سلسلة من الحوارات الشقية مع عمالقة الفكر والإبداع والفن التشكيلى مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وإحسان عبدالقدوس وصلاح طاهر ومحمد جبريل ونزار قبانى ومصطفى محمود ويوسف إدريس وإنجى أفلاطون وعبدالمنعم الرفاعى، وغيرهم.
وتكتسب تلك الحوارات قيمة أخرى تتمثل فى ملابسات إجرائها خاصة فى فترة ثرية من عمر مصر وهى سبعينيات القرن الماضى، حيث كانت الصحفية فاطمة يوسف العلى فى مقتبل حياتها الصحفية، وقدمت خلال عملها نموذجًا فريدًا للحوار الصحفى مع هؤلاء الأعلام فى حقول الأدب المختلفة، محققة فى حواراتها عوامل الاختلاف والرشاقة والإتقان فى الكتابة، فضلًا عن الخوض فى تجارب النجوم المحاورين.
إعداد هذا الكتاب استدعى مجهودًا كبيرًا من الكاتبة فاطمة ناعوت من أجل إعادة استخراج نصوصها من أوراق الجرائد القديمة وهى مهمة شاقة فى ظل أن كثيرًا من الجمل قد تعرضت للفقد والشطب مع اهتراء الأوراق وعوامل الزمن، لذلك يعد الكتاب بمثابة إعادة إحياء لكنوز صحفية كانت مخبأة فى الأدراج مع إعادة تقديمها للقارئ العربى فى أبهى صورة.
واختارت فاطمة ناعوت عنوان «صهوات الخيول» للكتاب لأن تلك الحوارات الصحفية من وجهة نظرها كانت تشبه سباقات الجياد العربية الأصيلة لكن فى حلبات الفكر والفن والأدب والثقافة، لتحمل تلك الجياد على صهواتها الأفكار الجميلة والإبداع الأصيل الذى لا ينفد أبدًا، فى وقت تحتاج فيه الأجيال الجديدة للتعرف على تجارب المبدعين الحقيقيين الذين شكلوا تاريخ مصر والأمة العربية فى لحظات فارقة من عمرها، وفى وقت نحن أحوج ما يكون لاستلهام القيمة واستحضار روح الأصالة فى عالم يموج بالصراعات والحروب وكراهية الآخر.
واختارت «حرف» أن تقدم لقرائها الأعزاء فصولًا من هذا الكتاب تنشر بشكل دورى مع أعداد الجريدة المتوالية، بشكل يقدم بانوراما جمالية لحياة وتجارب وأفكار وأطروحات عمالقة الفكر والأدب والفن المصرى والعربى فى العصر الحديث.