ماذا يقرأ العالم الآن؟
مذكرات البابا فرنسيس.. أحببت فتاتين ورقصت «التانجو» ولا تدفنونى فى الفاتيكان

فى إطار عملها الصحفى والثقافى، تحرص «حرف» على استكشاف ومطالعة كل ما هو جديد فى ساحتى النشر الدولية والإقليمية، فى توجه تنحاز إليه لتعريف القارئ المصرى والعربى بكل ما ينتجه العالم من معارف وثقافات وكتابات، أيًا كان نوعها ومجالها، ما دام يصب فى صالح الإنسانية وتثقيف العقل البشرى.
من خلال زاوية «ماذا يقرأ العالم الآن؟»، تأخذ «حرف» قراءها فى جولة خاصة داخل أبرز المكتبات ودور النشر العالمية، لتعريفهم على المنتج الإبداعى الغربى، وأبرز الأعمال الجديدة التى تصدر فى مجالات الرواية والسياسة والثقافة والسينما والمغامرة.
فى هذا العدد، نلقى الضوء على مذكرات البابا فرنسيس، التى صدرت تحت عنوان «الأمل» قبل أيام، ويكشف فيها العديد من الأسرار عن حياته الشخصية والمهنية، إلى جانب كتاب مهم ثان يحمل عنوان «العالم بعد غزة»، ويجيب عن السؤال الذى يشغل الجميع الآن: لماذا يغض الغرب بصره عن جرائم إسرائيل فى غزة؟.

وصلت المذكرات المنتظرة لبابا الفاتيكان إلى أرفف المكتبات على مستوى 100 دولة حول العالم، فى 14 يناير الجارى، وخلال أيام معدودة من النشر، أصبحت «الأكثر مبيعًا» على موقع «أمازون»، فى فئة «السير الذاتية والكتب الدينية». وتعد هذه المذكرات التى تحمل اسم «Hope» أو «الأمل»، أول سيرة ذاتية كاملة تُنشر فى التاريخ لبابا لا يزال فى منصبه، واستغرقت كتابتها السنوات الست الأخيرة، إذ بدأ البابا صياغتها فى مارس 2019، قبل أن ينتهى منها فى الأيام الأولى من ديسمبر 2024. وكان من المفترض أن تُنشر هذه المذكرات بعد وفاة البابا فرنسيس، وفقًا لرغبته، قبل الاستقرار على نشرها خلال العام الجارى 2025، والذى يوافق ما يُعرف فى الكنيسة الكاثوليكية باسم «يوبيل الأمل»، ويروى من خلالها قصته بالكامل، فى حوالى 400 صفحة، بضمير المتكلم.

حب الطفولة والتانجو
تبدأ مذكرات البابا فرنسيس من أوائل القرن العشرين، ويتحدث فيها عن جذوره الإيطالية، وهجرة أجداده إلى أمريكا اللاتينية، مرورًا بمرحلة الطفولة، وحماسة واضطرابات الشباب، وصولًا إلى الاختيار المهنى والنضج، حتى فترة المنصب الدينى بأكملها والوقت الحاضر.
وتحتوى المذكرات على العديد من القصص الخاصة والعائلية والإنسانية للغاية، لذلك الرجل الذى وُلد باسم «خورخى ماريو بيرجوليو»، وكثير منها يتعلق بالطفولة والشباب.
منها على سبيل المثال المأساة التى حلت بأسرته وهو صغير بسبب عشقهم كرة القدم، ففى خلال إحدى المباريات فى «سان لورينزو» أصيب والده «ماريو» بنوبة قلبية، فرحًا بإحراز فريقه المفضل أحد الأهداف، ورغم حمله إلى المنزل ومنحه المساعدة الطبية، توفى بسبب سكتة قلبية فى غضون ٢٠ يومًا، وتحديدًا فى ٢٤ سبتمبر ١٩٦١. ولأن فرنسيس الأكبر بين أبناء والديه الخمسة، كان عليه أن يكبر بسرعة ويعتنى بإخوته بسبب هذا الموقف.
واعترف البابا بشعوره بالحب كأى رجل طبيعى، قائلًا: «لقد شعرت بالانجذاب إلى فتاتين فى نفس الوقت، واحدة فى فلوريس فى بوينس آيرس بالأرجنتين، والأخرى من حى باليرمو فى إيطاليا».
وأضاف: «لقد التقيت بفتاة باليرمو لأن آباءنا كانوا أصدقاء، وكانت العائلتان قد بدأتا فى رؤية بعضهما البعض. لكنها لم تكن ارتباطات رسمية، لقد خرجنا معًا، وذهبنا لرقص التانجو. كنت فى السابعة عشرة من عمرى، وكان بداخلى بالفعل قلق بشأن الدعوة والكهنوت».
وواصل: «لكن حتى قبل ذلك، عندما كنت فى المرحلة الابتدائية، كان هناك شغف طفولى بفتاة صغيرة من فلوريس، وهى قصة رقيقة نسيتها، قبل أن أتذكر ذلك بعد وقت قصير من انتخابى بابا. كانت زميلتى فى المدرسة، وتُدعى أماليا دامونتى. كتبت لها رسالة أخبرتها فيها أنه يجب علينا أن نتزوج، أنتِ أو لا أحد غيرك».
وأكمل: «لإعطاء القوة لهذا الاقتراح رسمت أيضًا المنزل الأبيض الصغير الذى أشتريه ونذهب إليه يومًا ما للعيش فيه، رسمة احتفظت بها تلك الفتاة الصغيرة مدى الحياة. كانت تعيش فى منزل على بُعد أمتار قليلة من منزلنا. وعلى الرغم من أصولنا المشتركة، يبدو أن والدتها كانت لديها خطط أخرى لها، وإذا رأتنى بالقرب منها، كانت تطردنى بعيدًا وهى تلوح بمقشتها!».
وأقر البابا بأنه كان قلقًا من «دخول الكهنوت»، ومدة دخوله إلى هذه الحياة، لكنه فى النهاية فعل. يقول: «فى بداية حبريتى، كان لدى شعور بأنها ستكون قصيرة، اعتقدت أنها ٣ أو ٤ سنوات، ليس أكثر».
وأضاف: «لقد قلت ذلك فى محادثة مع صحفى تليفزيونى مكسيكى. لقد كان شعورًا غير واضح لكنه قوى إلى حد ما. لم أكن أتصور أننى سأكتب ٤ رسائل بابوية، وكل تلك الرسائل والوثائق والإرشادات الرسولية، ولا أننى سأقوم بكل تلك الرحلات إلى أكثر من ٦٠ بلدًا».

محاولة اغتيال فى العراق
من أبرز ما جاء فى مذكرات البابا، سرده تفاصيل محاولة اغتياله، فى هجوم مزدوج خلال رحلته إلى العراق، فى مارس ٢٠٢١، كاشفًا أن ما لم تنشره وسائل الإعلام وقتها، هو أنه كان هناك انتحاريان اثنان على الأقل مستعدين لقتله، بما فى ذلك امرأة شابة.
حكى البابا عن هذه المحاولة فقال: «لقد نصحنى الجميع تقريبًا بعدم إجراء هذه الرحلة، التى كانت ستكون الأولى لحبر أعظم فى منطقة الشرق الأوسط، التى دمرتها أعمال العنف المتطرفة، والانتهاكات التى ارتكبها تنظيم (داعش)، وما تبعته من ممارسات».
وأضاف: «لم يكن (كوفيد- ١٩) قد خفف قبضته تمامًا بعد، حتى السفير البابوى فى العراق، ميتجا ليسكوفار، ثبتت إصابته بالفيروس، أثناء التحضير لزيارتى، وفوق كل ذلك، سلطت كل المصادر الضوء على مخاطر أمنية كبيرة تواجه الزيارة، فى ظل أن الهجمات الدموية كانت مشتعلة حتى عشية مغادرتى إلى العراق».
وواصل: «لكننى أردت معرفة حقيقة الأمر هناك. شعرت بأننى يجب أن أفعل ذلك. كنت أقول، على نحو مألوف، إننى أشعر بالحاجة إلى الذهاب لزيارة جدنا إبراهيم، الجد المشترك لليهود والمسيحيين والمسلمين. إذا كان منزل جدك يحترق، أو إذا كان أحفاده فى بلده معرضين لخطر الموت أو فقدوا حياتهم، فإن الشىء الصحيح الذى يجب عليك فعله هو الوصول إلى ذلك المنزل، فى أقرب وقت ممكن».
وأكمل البابا: «بعد ذلك، لم يعد من الممكن أن نخيب أمل هؤلاء الناس الذين لم يتمكنوا قبل ٢٠ عامًا من احتضان البابا يوحنا بولس الثانى، خلال رحلته التى رغب كثيرًا فى تدشين (عام اليوبيل ٢٠٠٠) خلالها، لكن الرئيس العراقى صدام حسين منع ذلك الاحتفال آنذاك».
وتابع: «لقد كانت الموصل جرحًا فى القلب. لقد ضربنى الأمر مثل لكمة، حتى قبل نزولى من الطائرة الهليكوبتر، فهى واحدة من أقدم المدن فى العالم، مليئة بالتاريخ والتقاليد العريقة، والتى شهدت تعاقب الحضارات المختلفة على مر الزمن، وكانت رمزًا للتعايش السلمى بين الثقافات المختلفة فى العالم».
وأضاف عن الموصل أيضًا: «فى البلد نفسه ستجد العرب والأكراد والأرمن والتركمان والمسيحيين والسريان، وقد ظهروا أمام عينى كأرض قاحلة من الأنقاض، بعد ٣ سنوات من احتلال تنظيم (داعش) الموصل، التى اختارها معقلًا له».
وواصل: «عندما حلقت فوق الموصل، بدا لى من الأعلى وكأنه شعاع من الكراهية، أحد أكثر المشاعر فعالية فى عصرنا، لأنه غالبًا ما يولد الذرائع التى تطلق العنان له: السياسة، والدين، ودائمًا التكفير. هؤلاء البشر يجعلون دوافعهم سطحية، منافقة، ومؤقتة؛ لأن حينها، كما فى الأبيات الجميلة للشاعرة البولندية فيسوافا شيمبورسكا، فإن الكراهية (تتحرك وحدها)».

وأكمل: «وحتى بعد هذا الدمار وسقوط (داعش)، لم تهدأ رياح الكراهية. لقد أبلغونى بمجرد هبوطنا فى بغداد، بأن الشرطة قد أبلغت قوات الدرك فى الفاتيكان بمعلومات من أجهزة المخابرات البريطانية، مفادها أن امرأة مُحمَلة بالمتفجرات، وهى انتحارية شابة، كانت فى طريقها إلى الموصل لتفجير نفسها أثناء الزيارة البابوية، بالإضافة إلى انطلاق شاحنة صغيرة أيضًا لنفس القصد».
ومع ذلك، والحديث لا يزال للبابا فرنسيس، استمرت الرحلة. وعقد لقاءات مع السلطات فى القصر الرئاسى ببغداد، ضمت أساقفة وكهنة ورهبانًا ومعلمين فى كاتدرائية «سيدة النجاة» للسريان الكاثوليك، حيث قُتل اثنان من الكهنة و٤٦ مؤمنًا، قبل ١١ عامًا، والآن تجرى إجراءات «تطويبهم».
وأضاف: «عقدت بعدها لقاءً مع الزعماء الدينيين فى البلاد، تحديدًا فى سهل أور، تلك المساحة المهجورة حيث تقع أنقاض بيت النبى إبراهيم على حدود البرج المدرج للزقورة السومرية الرائعة. المسيحيون من كنائس مختلفة، والمسلمون من الشيعة والسنة، واليزيديون، أخيرًا وجدوا أنفسهم معًا تحت خيمة واحدة، بروح إبراهيم، ليتذكروا أن أشد الجرائم هو تدنيس اسم الله بالكراهية».
وواصل: «وعندما سألت قوات الدرك فى اليوم التالى عما تعرفه عن المهاجمين، أجابنى القائد بشكل مقتضب: (إنهما لم يعودا هنا). اعترضتهما الشرطة العراقية وقتلتهما. لقد أثر هذا علىّ كثيرًا أيضًا. وكانت هذه أيضًا ثمرة الحرب المسمومة».
من رحلة العراق أيضًا، تحدث البابا فرنسيس عن مؤتمر «الحوار بين الأديان»، ولقائه مع المرجعية الدينية الشيعية آية الله السيستانى، قائلًا: «ذهبت إلى مدينة النجف المقدسة، المركز التاريخى والروحى للإسلام الشيعى، حيث يقع قبر على ابن عم النبى، لحضور اجتماع مغلق كنت مهتمًا به كثيرًا، لأنه من شأنه أن يمثل علامة فارقة على طريق الحوار بين الأديان والتفاهم بين الشعوب».
وأضاف البابا: «كان اللقاء مع آية الله على السيستانى هو اللقاء الذى يستعد الكرسى الرسولى له منذ عقود من الزمن، دون أن يتمكن أى من أسلافى من إتمامه. لقد استقبلنى آية الله السيستانى فى منزله استقبالًا أخويًا، وهى فى الشرق لفتة أقوى من التصريحات والوثائق، لأنها تعنى الصداقة والانتماء إلى العائلة الواحدة».
وواصل: «لقد كان هذا مفيدًا لروحى وجعلنى أشعر بالتكريم، فهو لم يستقبل رؤساء دول قط، ولم يقف قط، ومع ذلك، فى ذلك اليوم، وبشكل ملحوظ، فعل ذلك معى عدة مرات، بينما كنت أظهر نفس الشعور بالاحترام. فى غرفته وأنا بدون حذاء».
وأكمل: «لقد لاحظت اهتمام السيستانى بخلط الدين بالسياسة، وهى سمة خاصة أشعر بأنها مشتركة بيننا، بين رجال الدين فى الدولة، وفى الوقت نفسه، الحث المشترك للقوى العظمى على التخلى عن لغة الحروب، وإعطاء الأولوية للعقل والحكمة. أتذكر على وجه الخصوص إحدى عباراته، التى أخذتها معى فيما بعد كهدية ثمينة: (إن البشر إما إخوة فى الدين أو متساوون فى الخلق)».
إرهاب إسرائيل فى غزة
من محاولة اغتياله أثناء رحلته فى العراق، انتقل البابا إلى التزامه الملموس والدائم فى مواجهة أهوال الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، وكذلك الصراع فى أوكرانيا، معبرًا عن الوضع فى المنطقتين بالحديث عن لوحة «الصرخة» لإدوارد مونش.
قال البابا عن هذه اللوحة: «أمام عينى لوحة من نهاية القرن التاسع عشر، تمثل بشكل كامل آلام ومأساة الحروب فى القرن التالى، وحروب أيامنا هذه، وهى تصور رجلًا يمسك رأسه بين يديه، تحت سماء حمراء بشكل غير طبيعى. إذا نظرنا إليه عن كثب، فلن نعرف ما إذا كان شابًا أم عجوزًا، وربما حتى ما إذا كان امرأة، شكل جانبى لا يعرف العمر ولا الجنس، مصنوع فقط من عيون وفم مفتوحين على مصراعيهما، غير قادر على فعل أى شىء سوى الصراخ: إنه الجميع. (الصرخة) لإدوارد مونش هى شعور كل واحد منا، فى مواجهة مذبحة الأبرياء والكارثة الإنسانية فى الأرض المقدسة».
وأضاف: «الحرب حماقة! لا يوجد شىء اسمه إله الحرب: كل من يخوض الحرب هو شرير. الله هو السلام، وفى مواجهة هذه اللا عقلانية الواضحة، يبدو أن كلمة السلام أصبحت أكثر إزعاجًا فى هذه الأوقات، وأحيانًا محظورة. حتى أن صنّاع السلام والعدالة يُنظر إليهم بريبة، ويُهاجمون باعتبارهم إنهم من أنصار (العدو)، ويبدو أحيانًا أنه لا يوجد شىء يسبب فضيحة أكثر من السلام. لكن يجب علينا ألا نستسلم، ويجب ألا نتعب من زرع بذور المصالحة».
ورغم أن البابا فرنسيس يدين هجوم «حماس» على مستوطنات غلاف غزة، فى السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، يدين أيضًا بشدة ما ارتكبته إسرائيل من مجازر فى غزة، قائلًا: «بالإضافة إلى هذه الوحشية، كانت هناك وحشية هائلة أخرى، من خلال الغارات الإسرائيلية، وعشرات الآلاف من القتلى الأبرياء، معظمهم من النساء والأطفال، ومئات الآلاف الذين تم إجلاؤهم، وتدمير المنازل، والناس على شفا المجاعة».
وأكد أنه كان يتواصل بانتظام مع كنيسة العائلة المقدسة فى غزة، حيث أصبح مجمعها «مسرحًا للموت»، مشيرًا إلى وفاة ناهدة خليل أنطون، وابنتها سمر كمال أنطون، اللتين قُتلتا برصاص قناص من الجيش الإسرائيلى، عندما اقتربتا من دير «راهبات الأم تريزا»، مضيفًا: «لقد قتل آخرون بدم بارد فى حرم الرعية، وهذا أيضًا إرهاب».
فى الوقت نفسه، شدد البابا على أن «المسار الوحيد الممكن للشرق الأوسط هو حل الدولتين المنصوص عليه فى اتفاقيات أوسلو»، مضيفًا: «إنه الحل الحكيم المتمثل فى وجود حدود واضحة المعالم، مع وضع خاص للقدس، وإلا فإن أى حل مبنى على الانتقام والعنف، أينما كان، لن يجلب السلام أبدًا، ولن يؤدى إلا إلى نشر بذور جديدة من الكراهية والاستياء، جيلًا بعد جيل، فى سلسلة لا نهاية لها من الاستعباد».

صندوق الفضائح
تجنب البابا فرنسيس، فى مذكراته «الأمل»، الخوض فى تفاصيل بعض القضايا الساخنة التى ظهرت بشكل متكرر أثناء بابويته، وحتى عندما يتطرق إليها لا يكثر فى الكلام عنها.
فيما يتعلق باتهام رجال الدين بـ«الإساءة الجنسية» مثلًا، يذكر البابا بإيجاز قصة الكاردينال ثيودور مكاريك، الرئيس السابق لأساقفة واشنطن العاصمة، الذى تبين أنه مدان بـ«سوء السلوك الجنسى»، و«انتهاكات جنسية بحق أطفال قصر وشباب».
وقال البابا عن الكاردينال المتهم: «فى الغضب المبرر للشعب، ترى الكنيسة انعكاسًا لغضب الله، الذى خانه هؤلاء الكهنة غير الشرفاء ولطخوه. يجب أن يعرف الضحايا أن البابا فى صفهم، ولن يتراجع فى هذا الشأن، حتى خطوة واحدة».
وأكد البابا أنه ورث «صندوقًا أبيض كبيرًا» مليئًا بالوثائق المتعلقة بفضائح مختلفة واجهتها الكنيسة الكاثوليكية، عندما تولى منصبه من سلفه، فى فبراير ٢٠١٣، عندما أصبح بنديكت السادس عشر أول بابا يستقيل منذ ما يقرب من ٦٠٠ عام، مرجعًا ذلك إلى تدهور صحته.
وقال البابا فرنسيس إنه بعد فترة وجيزة من الاستقالة الصادمة للبابا «بنديكت»، وانتخابه بدلًا منه، زاره فى المقر الصيفى جنوب روما، مضيفًا: «هناك أعطانى صندوقًا أبيض كبيرًا. وقال لى: كل شىء موجود هنا. وثائق تتعلق بأصعب المواقف وأكثرها إيلامًا. حالات إساءة المعاملة والفساد والمعاملات والسلوكيات الفاسدة والمخالفات. ثم قال لى: لقد وصلت إلى هذا الحد، واتخذت هذه الإجراءات، وأزلت هؤلاء الأشخاص. والآن جاء دورك، وبالفعل، واصلت على نفس مساره».

ولم يحدد البابا فرنسيس محتويات الصندوق، أو أى فضائح تناولها «بنديكت»، الذى توفى فى ديسمبر ٢٠٢٢، أو تناولها بنفسه خلال بابويته التى استمرت ما يقرب من ١٢ عامًا. وعلى الرغم من وجود تقارير حول وجود «الصندوق الأبيض»، فى عام ٢٠١٣ وما تلته من سنوات، فإن هذا المقطع الموجود فى مذكراته، هى المرة الأولى التى يتحدث فيها البابا فرنسيس عن ذلك الصندوق.
فيما يتعلق بقضايا المثليين والمثليات ومزدوجى الميل الجنسى والمتحولين جنسيًا، أدان البابا فرنسيس تجريم المثلية الجنسية فى حوالى ٦٠ دولة حول العالم، معتبرًا أن «المثلية الجنسية ليست جريمة، بل حقيقة إنسانية، ولا يمكن للكنيسة والمسيحيين أن يظلوا غير مبالين فى مواجهة هذا الظلم الإجرامى، ولا يمكنهم الرد بجبن».
وفيما يتعلق بعمل النساء فى الكنيسة، قال البابا: «الكنيسة أنثى وليست ذكرًا»، معتبرًا أن «هناك حاجة مُلِحة للمضى قدمًا فى تحديد أساليب ومعايير جديدة لضمان مشاركة النساء بشكل أكثر اكتمالًا، ولعب دور رئيسى فى مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والكنسية».
ويرى البابا أن الوصول إلى «شماسية النساء» يظل مفتوحًا لمزيد من الدراسة، وأن «النساء يجب أن يشاركن فى تدريب الكهنة المستقبليين للكنيسة». لكنه لم يعطِ إجابة واضحة عن هذه القضية بشكل قاطع فى مذكراته.
الحبر الأعظم
وضع البابا فرنسيس خططًا خاصة لجنازته، واصفًا تفاصيلها بعناية، فهو لا يريد أن يُدفن فى كنيسة «القديس بطرس»، المكان الأخير الذى يرقد فيه العديد من البابوات السابقين. وبدلًا من ذلك، اختار كنيسته المفضلة فى روما: «سانتا ماريا ماجورى»، المكان الذى يذهب إليه غالبًا للصلاة قبل اللحظات الكبرى.
وقال البابا عن ذلك: «الفاتيكان هو موطن خدمتى الأخيرة، وليس موطنى الأبدى». كما أنه لا يريد جنازة فاخرة، طالبًا من رئيس المراسم «تبسيط» القداس التقليدى لجنازته البابوية.