الأربعاء 25 يونيو 2025
المحرر العام
محمد الباز

العروسة.. فيلم يبدد اليأس ويقاوم الموات

حرف

يا ترى هو سؤال موت أم سؤال حياة؛ يا ترى مين هيكفِّنى؟ 

سؤال وجودى يعيشه كل إنسان يشعر بالخراب والدمار والرعب الذى يكتنف أهلنا فى فلسطين، فالمشهد المهيمن هو الخراب والدمار، التشريد والتقتيل والموت، مشاهد الجثامين لا تدع لأى إنسان داخل فلسطين فرصة التفكير فى الحياة، كما لا تدع للمؤمنين بقضيتها من مؤسسات ودول فرصة التضامن الفاعل؛ فى ظل هيمنة أمريكية على القرار الدولى، حتى إن المتعاطفين والمتضامين مع أهلها وقضيتها التى هى قضيتنا باتوا فى مأزق وجودى يتمثل فى كيفية التعبير عن تضامنهم، وبدا أن العجز عن الفعل هو سيد الموقف. 

ماذا نفعل؟ ربما شغل هذا السؤال الجميع، وخصوصًا أهل الفن والثقافة، ومن بينهم الكاتب والفنان محمد جاد الذى اهتدى إلى الإسهام فى تقديم فعل إيجابى يتمثل فى فيلمه «العروسة». 

محمد جاد يستهل فيلمه بذلك السؤال الوجودى الذى يشغل الجميع هناك؛ يتردد السؤال على لسان «أبوصالح»: يا ترى مين هيكفّـنى لما أموت؟ 

الفيلم مبنى على خلفية قصة طفلة فلسطينية فقدت لعبتها فى ضجيج الحرب الغاشمة التى يعيشها أهل غزة، وبينما تبحث عن عروستها قتلها جيش الاحتلال. وليست وحدها فقد قتلوا آلاف الأطفال منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، ولم تتوقف عمليات القتل حتى الآن، ما خلّف نغمة يأس حول عدم جدوى أى فعل. 

محمد جاد لم يركن إلى نغمة اليأس تلك، بل رأى أن الأمل باقٍ فى مقاومة الموت المفروض على أهل غزة، وعلينا أن نرعى هذا الأمل بتغذيته بطريقة عملية، مثلما فعل «أبوصالح» فى الفيلم؛ ففى ظل استغراقه فى أحزانه انتبه إلى ضرورة ألا يستكين إلى الموت، فنفض عنه اليأس، وتذكر أن الطفلة كانت تبحث عن عروستها، فراح يقدم لزميلاتها فى المدرسة عرائس تشبه عروستها المفقودة، فى رمزية تكتنفها البهجة والحث على الحياة.

و«العروسة» أو Doll فيلم قصير مدته تسع دقائق، أسهم فيه مجموعة فنانين وفنانات متطوعين لأنهم مؤمنون بأن زراعة الأمل هى عنصر مقاومة رئيسى فى التغلب على الظلم والكآبة والألم، وطوق نجاة لكل إنسان محاصر بالضياع فى عالم تتسيَّده الضباع. 

أما عن ظروف إنتاج الفيلم فعبّر عنها الفنان محمد جاد بقوله إن صناعة فيلم «العروسة» قامت على حب الناس، فبفضلهم خرج إلى النور. وكتب على صفحته فى فيس بوك: «حكاية إنتاج الفيلم بدأت باتصال تليفونى من الكويت منذ أربعة أشهر من الكاتب والقاص محمد الحدينى الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية، أظهر فى مكالمته رغبته فى التعاون معى بقصصه القصيرة جدًا بعد أن شاهد لى فيلم (الهاتف) الذى تم اختياره بالمشاركة والتقدير والفوز فى أكثر من عشرة مهرجانات سينمائية حول العالم، وأدهشتنى قصة قصيرة جدًا بعنوان «موت طفولة»، وعلى الفور بدأت كتابة السيناريو بمشاركة من صديقى أحمد ربيع. وبدأ حب الأصدقاء والمقربين يطوف حولى، فقد أهدانى «الحدينى» القصة بلا مقابل، ثم فوجئت بصديقى سيف جمال بعد أن قرأ السيناريو يعرض تحمل كافة تكاليف عناصر الفيلم». 

ولم يغفل محمد جاد أيًا ممن دعموا الفيلم، يقول: «كل الشكر والتقدير لكل من شاركنى تلك التجربة؛ مدير التصوير الكبير د. محسن أحمد، والكاتب محمد الحدينى، والشاعر الكبير عبدالرحيم طايع لإهدائه أشعارًا خاصة للفيلم، والمخرج القدير حسن الوزير لدعمه وتوجيهه، وصديقى الفنان أحمد ربيع لإدارة التصوير والمونتاج وما قام به من جهد، والمهندس الفنان نايف بسيونى، والمؤلف الموسيقى أحمد السيد صاحب الموسيقى التصويرية للفيلم، وشكر خاص للروائية سعاد سليمان لدعمها، والروائية إنجى مطاوع، وللمطربة مروة حفظ الله، وللفنانات والفنانين الذين شاركونى التمثيل؛ الفنانة مشيرة أحمد والفنانة مى زويد والفنانة سامية العربى، والصديقة رشا رمزى التى تحمست لفكرة الفيلم وقررت التمثيل لأول مرة، ورودينا زهران والطفلة ليندا، والفنانين حاتم جاد وهشام ذكرى وأحمد زهران وأنس عبدالرءوف وعيد فوزى وأحمد دسوقى والطفل آدم.. ومحبتى وتقديرى لعائلة الجندى زهران بالمنوفية لكرمهم وتوفير مواقع التصوير.. وكل العرفان لزوجتى وابنى وابنتى لتفانيهم فى دعمهم لى». 

«العروسة» فيلم ضد العجز؛ يبدد اليأس ويقاوم الموات، ويزرع الأمل، ويحض على الحياة فى أحلك الظروف، ولكل ما يحمله من قيمة فنية وإنسانية وفكرية تدعم أهل غزة تمت دعوته للمشاركة والتكريم ضمن الأفلام المشاركة فى الدورة التاسعة لمهرجان «العودة السينمائى الدولى» الذى تستضيفه هذا العام جمعية الفيلم بالقاهرة بالتعاون مع صندوق التنمية الثقافية، وتنطلق فعالياته بمركز الإبداع الفنى بالأوبرا فى تمام الساعة السابعة مساء الخميس ١٥ مايو.

وأخيرًا يقول محمد جاد: «هكذا يقود الحب الحلم والأمل؛ فكل التقدير لصناع الفيلم، ولمدير المهرجان المخرج الفلسطينى الفنان سعود مهنا».