الإثنين 20 مايو 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

محمد الشحات يكتب: ثلاثية الانفلات من الخوف

الانفلات من الخوف
الانفلات من الخوف

محاولة أولى: هدأةُ نفس

لم يتأهب خوفى كى يتركَنى

إلا حين أحسّ بغضبٍ

ينبُت فى عينىَّ

فكنت أحاولُ أن أصطنعَ الهدأةَ

كى أقهرَهُ

فأدقّ على صدرى بيدىَّ، 

ولا أنتبهُ لما أحدثَه الدقّ بنفسى

إلا حين أحسّ،

بـ شكشكةٍ تعبرُ من جنباتِ القلبِ

لتفرغَه

كنتُ أخافُ إذا ما استشرى الخوفُ

وجالَ بكلّ تجاويفِ الصدرِِ

فلا أقدر أن أتخلصَ من قبضتِهِ

فأمارس كلَّ فنونِ الضغطِ عليه ليرحلَ

ما إن بدأ الحرفُ يلاحقُ حرفًا

فى ذبذبةِ الحَلقِ لكى يظهرَ

أو يخرجَ ممتزجًا بضياءٍ

وبصيصٍ من نورٍ

حتى هدأَ الخوفُ

ولملمَ كل ذخيرتِهِ

وتراجع عنى بجيوشٍ،

كان يبادرُ كى يطلقَها ضدى

وارتحل إلى بوتقةٍ

لا أعرف أين تكونُ

فأعددتُ العُدَّةَ لمنازَلةِ الخوفِ

فتحتُ كتابَ اللهِ، ألوذُ بهِ

وملأتُ عيونى من أحرفِهِ 

فرأيتُ تصدّع كلّ جبالِ الخوفِ

رأيتُ فلولَ كتائبِه تتراجعُ عنى

حتى غمرتنى الخشيةُ،

إذ أتنقّل بين حروفٍ عُلوية

وبصيصٌ من نورٍ يغمر قلبى

يتمشّى فى جنباتِ الجسدِ

بهدأةِ رُوحى

واطمئنانٌ ما كان لمثلى أن يعهدَه

إلا بين حروفِ الذِّكرِ

فسكنَتْ كلُّ جوارحِ صدرى

محاولة ثانية: الفارُّون من الخوف

فيما كان القلبُ ينهنِهُ

كالطفل المنفرط على أبويهِ

إذا ما غابا عنه

كنتُ أحاولُ

أن أمنحَهُ الوقتَ لكى يهدأَ

أو أتركهُ يُفرغُ

ما ملأ جوانبَهُ من حزنٍ

كان علىَّ

بأن أتحمّلَ حميةَ وأدِ الأيامِ

ولا أتركها تأكلنى

لا ينتبِهُ المرءُ إلى خوفٍ يتخلّلهُ

إلا حين يحسُّ بأن دواخلَهُ

انفرطَتْ، وتفسّخَ،

حتى أصبحَ لا يقدرُ أن يرجعَ

كنتُ أحاولُ

أن أنفضَ ما سكنَ بداخلِ جوفى

من ضعفٍ

علِّى حين أفيقُ أعودُ الى نفسى

لا نمتلك خياراتِ منازلةِ الضعفِ

ولا نقدرُ

إلا أن نذرفَ من أعينها

ما امتلأَ بها من دمعٍ

نقدرُ، أو لا نقدرُ

كان على وجهى أن يرسمَ ضحكتَهُ

ويحاولَ أن يبدو أكثر فرحًا

لم نقدر أن نتخيرَ

واستسلمَ حتى ضاقَ به الضيقُ

فما إن بدأَ يدور بعينيهِ قليلًا

حتى استحسنَ واجهة الهجرةِ

لا يدخلُها إلا الفارُّون من الخوفْ

فحملت دواخلَ نفسى

ودخلت

محاولة ثالثة: التحررُ من الخوف

فاق حدودَ الحدّ وأمسك بى

كى أتراجعَ

لم يهنأ وجهى بهواءٍ مرَّ بلا هدفٍ

وهدوءٍ غطّاه 

واختبأَ بداخله خوفٌ

كان يجىء على عجلٍ

مِن خوفٍ كان يطاردُهُ

وارتبكَ مخافةَ أن ينقضَّ عليهِ

فأوقعَهُ من فوقِ ملامحِ وجهى

فانطلقَ بلا خوفٍ

مثل شريدٍ

ضلَّ طريقَ العودةِ

فأحسَّ الوجهُ بأن ملامحَهُ،

قد غابتْ

وبأنّ الرهبةَ من خوفٍ

مرت حتى انفرطَ وأصبحَ يختالُ

كما يختال الطيرُ إذا ما حلّقَ

فى ساعاتِ العصرِ

وقفتُ على نافذةِ القلبِ

أطالعُ

كان الخوفُ يدقُّ مدائنَهُ

وأنا أسألُ

ماذا يجنى الخوفُ

إذا ما امتلك قلوبَ البشرِ

ونامَ بها

فرفعتُ ذراعى كى أطردَهُ

فانقضَّ علىَّ

كنت على مقربةٍ

من أن أفتكَ بجيوشِ الجوفِ

وأقتلَها

علّى إذ ما عدتُ إلى وجهى

أتحرر منه