الإثنين 02 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

«حراسة ليلية».. الرواية الفائزة بجائزة «البوليتزر» تدور حول فظائع الحرب الأهلية الأمريكية

حرف

- قراءة رواية «حراسة ليلية» صعبة وربما مؤلمة لكنها ليست كئيبة فى المطلق

استحقت رواية «Night Watch» أو «حراسة ليلية»، من تأليف الروائية الأمريكية جين آن فيليبس، أن تحصد جائزة «البوليتزر» للرواية بجدارة، قبل عدة أسابيع، بعدما تجاوزت الحدود التقليدية للأدب، وأضحت تجربة فريدة تترك أثرًا واضحًا فى روح قارئها، فى ظل مزجها بين السرد الشعرى والواقعية.

فى مشهد لا يُنسى من رواية «حراسة ليلية»، التى تدور أحداثها خلال الحرب الأهلية الأمريكية، تفتح أم قبر جثة دُفنت حديثًا، وتُنزل ابنتها الصغيرة داخل القبر لتسحب بندقية الميت. ورغم أنه فى النهاية سيتضح أن هذا التصرف المرعب بلا جدوى، لأن الحماية التى ستوفرها البندقية التى غامرت الفتاة بأخذها لا تكفى لمواجهة ما تلقيانه من أخطار، لكنه فعل يرمز إلى قسوة الرؤية فى الرواية. 

تلك هى رواية جين آن فيليبس السادسة، والثالثة بعد روايتى «أحلام الآلة»، و«عصفور القبرة والنمل الأبيض». وتتناول الرواية موضوع تكلفة الحروب التى يتكبدها المحاربون وغير المحاربين على حد سواء.

الرواية تقدم حيزًا ممتازًا لاستكشاف الحرب الأهلية الشرسة، التى استمرت طوال ٤ سنوات، وقتل فيها أكثر من ٧٠٠ ألف شخص، ودمرت حياة الكثيرين، وخلّفت موجات عنف وانقسام تمتد حتى يومنا هذا. 

ورغم احتوائها على العديد من الشخصيات ذات الحضور القوى، مثل «جون أوشى»، الحارس الليلى المشوه المُستمد منه العنوان، والمُعالجة الأيرلندية «ديربلا»، والفتى اليتيم «ويد»، تسرد الرواية بالأساس قصة الفتاة الصغيرة «كونا لى»، التى أنزلتها أمها «إليزا» فى قبر الجثة المدفونة حديثًا. 

تدور معظم أحداث الرواية بين ولايتى «فرجينيا» و«فرجينيا الغربية»، خلال سنوات الحرب، وبقية الأحداث بعد انتهاء الحرب بـ١٠ سنوات، فى مستشفى «ترانس أليجينى» للأمراض العقلية.

تحكى «حراسة ليلية» عن الفظائع التى تواجهها الأم وابنتها «كونا لى»، بعد تجنيد والد الابنة، مع بداية تمزيق الولايات المتحدة نفسها. تبدأ محنة الأم وابنتها عندما يدخل حياتهما محارب قديم سادى، ويعتدى بوحشية طوال الوقت على الأم، ويصر بطريقة غريبة على أن ينادوه «بابا»، ويُغِير عليهما مرات عدة بغرض ترويعهما.

ومن خلال مشاهد تعكس معاناة والد «كونا لى» الحقيقى خلال الحرب، التى تصفها «فيليبس» ببراعة فى فصول متناوبة، يظهر الإذلال الذى تتعرض له الأم وابنتها. وأخيرًا، عندما يسأم «بابا» منهما، يبتكر خطة على طريقة «ويلكى كولينز»، يضمن بها التخلص منهما، وإخفاء أثره فى الوقت عينه. 

وبناءً على تعليماته، صارت «كونا لى» المراهقة خادمة تُعرف باسم «الممرضة كونولى». أما «إليزا» الصامتة أغلب الوقت، خاصة بعد سنوات من الاغتصاب وسوء المعاملة، تلعب دور ربة عملها. ومن المفترض أن تكون سيدة مضطربة تُدعى الآنسة «جانيت». وكلتاهما قبلت دون ريب فى المصحة العقلية.

تصوير آن فيليبس لعالم مدمر ضل الكثيرون فيه طريقهم أو سُلب منهم، جسديًا أو عقليًا، يبدو متسقًا مع طبيعة موضوع الرواية المزلزل. بالضبط كما تقول إحدى النساء فى الرواية: «لقد عاد زوجى بالفعل من الحرب، لكنه يناضل للعودة إلى ذاته الحقيقية».

شاءت شخصيات الرواية أم أبت، إلا أنهم غيّروا أسماءهم، أو بطريقة أخرى، أُبعدوا عن ذواتهم، وثَبت أن المصحة التى أنشئت لأغراض نبيلة، وتدار بمبادئ وأفكار تقدمية ملحوظة، هى بالفعل ملاذ وجنة.

وبينما تعتاد «الممرضة كونولى» و«الآنسة جانيت» على الأيام التى أمتلأت فجأة بالوجبات المنتظمة، والمشى لمسافات طويلة بصحبة ممتعة، وركوب العربات الصحية، تظهر حكايات أخرى وتتشابك مع حكاياتهما.

إحدى تلك القصص هى قصة «أوشى»، حارس المصحة الذى خرج من الحرب حيًا، ويعيش بفقدان الذاكرة نتيجة الإصابة، ما ضرب بينه وبين ماضيه حجابا كثيفًا، باستثناء شعوره بالراحة المزعجة عند حمله لبندقية فى يديه.

نستذكر المعركة الوحشية التى أصيب فيها، من خلال سرد «فيليبس» شديد الواقعية حول المعركة القاسية التى تصفها كالتالى: «صرخ الصف معًا وهم مندفعون نحو السفح وسط القذائف والرصاص الكثيف الذى يصم الأذن، كما لو أنهم دخلوا ميدانًا يحترق».

الحالة التى يعيش بها «أوشى» تُعمِق الغموض الذى يشكل أساس الرواية، وتعمل كنقطة محورية فى إدماج الصدفة، وهى نقطة كان يمكن أن تصير مشوّهة بدلًا من أن تكون مُحسّنة، لو كانت فى يد كاتب أقل مهارة.

نجحت آن فيليبس فى استخدام تلك الحيلة، إدماج الصدفة، بدلًا من الابتعاد عنها. والقارئ اليقظ هو مَن سيلتقط الأدلة ويكشف الصُدف طوال رواية «حراسة ليلية». والنتيجة ستكون، مثلًا، عندما تتضح تمامًا علاقة إحدى الشخصيات بأخرى، سيبدو الأمر وكأنه تأكيد مباشر وُلد من سياق اتصال عميق وليس كشفًا سهلًا. 

قراءة رواية «حراسة ليلية» صعبة وربما مؤلمة، لكنها ليست كئيبة فى المطلق. ففى كل صفحات الرواية تظهر نفحات من الجمال، حتى لو بقدر ضئيل، كما فى النهاية خاصة.

فى إحدى الصفحات مثلًا تقول «كونا لى» بتجهم: «أنا لم أر الحرب إلا فيما دمرته». وبعدها عرضت هى وبعض ممن حولها فى المصحة، لمحة عما يمكن استعادته مع الوقت والرعاية المناسبة. 

كتب الصحفى والمؤلف الأمريكى الراحل تونى هورويتز، مؤلف كتاب «الكونفيدرالية فى العلية»، عام ٢٠١٠، أن «هناك الكثير عن الحرب الأهلية معتّمًا بالخرافة أو لا يزال مجهولًا». ومع هذه الرواية الممتازة، سلطت آن فيليبس»الضوء على مزيد من الحوادث التأسيسية لأمريكا. 

مقال: ليرد هانت «الجارديان»