الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

نعوم تشومسكى: ترامب «كبير المخرّبين».. وعودته خبر سيئ لأمريكا والعالم

نعوم تشومسكى
نعوم تشومسكى

- أمريكا على وشك التحول لدولة استبدادية.. وديمقراطيتها تنهار

- فوز ترامب بالرئاسة يعنى عجز العالم كله عن الهروب من تدمير المناخ 

- الجمهوريون «يعبدون» الرئيس الأسبق وكأنه «نصف إله»

الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر إجراؤها فى الخامس من نوفمبر 2024 لا تعد حدثًا أمريكيًا فحسب، بل يمكن اعتبارها حدثًا يقع على رأس اهتمامات العالم كله، فى ظل قوة الولايات المتحدة، وتأثير قرار الجالس فى بيتها الأبيض على العديد من الأحداث المهمة.

وتتعاظم أهمية الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا العام مع وجود العديد من الأزمات العالمية المعقدة المرتبطة بالقرار الأمريكى، على رأسها الحرب فى قطاع غزة، والحرب الروسية الأوكرانية، وتبعات جائحة فيروس «كورونا» خاصة على الاقتصاد، إلى جانب الخطر القائم المستمر المتمثل فى التغير المناخى، وغيرها من الأزمات العالمية.

فى هذا السياق، تنشر «حرف» حوارًا مهمًا للمفكر والفيلسوف الأمريكى نعوم تشومسكى، نُشر كجزء من الفصل التاسع من كتاب «ملاحظات على المقاومة لنعوم تشومسكى وديفيد بارمسيان»، الصادر عن دار «هايماركت بوكس»، يتحدث فيه عن هذه الانتخابات، وكيف يمثل فوز الرئيس السابق دونالد ترامب بها «خبرًا سيئًا لأمريكا والعالم كله»، وغيرها من الموضوعات الأخرى المهمة.

■ يوصف ما نواجهه حاليًا بـ«غير المسبوق».. جائحة، وكوارث مناخية، والخطر الدائم والأكبر للإبادة النووى، أى تحقق ٣ «فُرسان» من الأربعة المذكورين فى «سِفر الرؤيا».. ما تعليقك؟

- وإليك الرابع، الانهيار الوشيك لبقية الديمقراطية الأمريكية، وتحوّل أمريكا إلى دولة استبدادية، حال عودة «الجمهوريين» إلى أماكنهم، ليكتمل «الفرسان الأربعة»، فهؤلاء «الجمهوريون» ملتزمون بسباق تدمير المناخ، بعد إزاحة «كبير المخرّبين الذى يعبدونه كأنه نصف إله»، وهذه أخبار سيئة لأمريكا والعالم بالنظر لقوة هذا البلد.

■ أصدر «المعهد الدولى للديمقراطية والانتخابات» تقريرًا عن «حالة الديمقراطية العالمية لعام ٢٠٢١»، جاء فيه أن أمريكا «بلد تتراجع فيه الديمقراطية».. كيف رأيت هذا؟

- تراجع شديد نعم.. «الجمهوريون» مكرسون علنًا دون مواربة لتقويض الديمقراطية الأمريكية، ويعملون بجد على ذلك، ومنذ رئاسة «نيكسون» أدركوا أنهم حزب الأقلية بالأساس، ولن يحصلوا على أصوات لو أعلنوا عن التزامهم المنفتح والمتزايد برفاهية فاحشى الثراء وقطاع الشركات، لهذا عملوا منذ فترة على تحويل الانتباه إلى ما أسموه بـ«القضايا الثقافية». 

والتعريف العملى للحزب الآن «دعونا نحاول فى سباق النظرية العرقية النقدية»، وهذا مصطلح للتغطية، كما بيّن المتحدث باسمهم، فى إطار نظرية مساندة لكل ما يمكن حشد الشعب عليه، مثل تفوق البيض، والعنصرية، وكراهية النساء، والمسيحية، ومناهضة حقوق الإجهاض.

«الجمهوريون» يستغلون السمات غير الديمقراطية المتجذرة فى النظام الدستورى، والمزايا الهيكلية التى يتمتعون بها كحزب يمثل المزيد من السكان الريفيين المتناثرين والسكان القوميين البيض المسيحيين التقليديين، وباستخدام تلك المزايا، ومع وجود أقلية للأصوات، لا بد أن يظلوا محافظين على ما يشبه «السلطة شبه الدائمة». 

قد لا تستمر هذ الديمومة طويلًا إذا فاز دونالد ترامب أو أى شخص على شاكلته، فى انتخابات ٢٠٢٤، حينها ستعجز أمريكا بل العالم كله عن الهروب من التدمير المناخى والبيئى، وهو الأمر الملتزمون به وعلى عجل.

■ بعد ما حدث من اقتحام «الكابيتول» فى ٦ يناير.. هل ترى احتمالية نشوب اضطرابات أهلية، خاصة فى ظل انتشار الميليشيات عبر البلاد، وتحريض عدد من النواب على العنف، وامتلاء الإنترنت بالحديث عن «نظرية المؤامرة»؟

- الحقيقة هذا أمر خطير. يعتقد نحو ثلث «الجمهوريين» أن استخدام القوة ضرورة لـ«إنقاذ بلادنا»، على حد تعبيرهم، ودعا «ترامب» الشعب للاحتشاد لمنع الديمقراطين من «إغراق البلاد»، بإطلاق المجرمين من السجون فى أراضٍ أخرى، خشية «استبدال الأمريكيين البيض وتدمير أمريكا».

الأدوات الوحيدة المتاحة أمامنا لمواجهة ذلك، شئنا أم أبينا، هى التعليم والتنظيم، لا يوجد سبيل آخر، وهذا يعنى إحياء حركة عمالية حقيقية كما فى الماضى، فهذه الحركة العمالية كانت فى طليعة التحركات الساعية للعدالة الاجتماعية.

علينا أيضًا تنظيم حركات شعبية أخرى، وبذل جهود تثقيفية لمكافحة الحملات القاتلة المضادة لاستخدام اللقاحات الحالية، والتأكد من بذل جهود جادة للتعامل مع أزمة المناخ، والحشد ضد التزام الحزبين بزيادة الإنفاق العسكرى الخطير، والأعمال الاستفزازية ضد الصين التى قد تؤدى إلى صراع، الجميع فى غنى عنه، وربما يقود إلى «حرب لا نهائية». 

■ فى الخلفية هناك عدم مساواة شديد غير مخطط له فى أمريكا.. لماذا فى رأيك؟

- عدم المساواة فى الـ٤٠ عامًا الماضية كان جزءًا من هجوم «الليبراليين الجدد» على أمريكا، والذى شارك فيه «الديمقراطيون». وهناك تقدير دقيق يشير إلى زيادة ثروة أقل من ٩٠٪ من السكان إلى ١٪، خلال العقود الأربعة هذه. وفى دراسة أجرتها «مؤسسة الأبحاث والتطوير»، أفادت بأن هذه الزيادة تقارب الـ٥٠ تريليون دولار. هذه ليست بنسات، ولا يزال الأمر مستمرًا.

الإجراءات التى اتخذت خلال الجائحة لحماية الاقتصاد من الانهيار أدت لزيادة إثراء القلة، ونفس الإجراءات حافظت على حياة آخرين، لكن «الجمهوريين» مشغولون بمحاولة محو الجزء الأخير هذا، والإبقاء فقط على إثراء القلة.

مثلًا «مجلس تبادل التشريع الأمريكى» يموله قطاع الشركات بأكمله تقريبًا، ووظيفته ضرب نقاط الضعف فى النظام الدستورى لأمريكا. هذا سهل، فلا يتطلب الأمر الكثير لدفع أو شراء الممثلين التشريعيين على مستوى الدولة، لذا عمل هذا المجلس على فرض تشريعات تعزز الجهود طويلة الأمد للذين يسعون لتدمير الديمقراطية وزيادة عدم المساواة وتدمير البيئة.

ومن أهم هذه الجهود إجبار أمريكا على إصدار تشريعات لا يمكن حتى دراستها، تشريعات لا تعاقب على سرقة الأجور، والتى تُسرق بالمليارات من العمال سنويًا، برفض دفع أجر عمل إضافى، من بين وسائل أخرى، وتوجد جهود لبحث الأمر، لكن قطاع الأعمال يريد إيقافها.

بالمثل على المستوى الوطنى، محاولة التأكد من أن مصلحة الضرائب لا تلاحق غش ضرائب الشركات الثرية. فى كل المستويات التى ستطرأ على ذهنك يشن السادة وقطاع الشركات والأثرياء حربًا ضروسًا، ويستخدمون كل الوسائل لضمان استمرار هذه الحرب، حتى ينجحوا ليس فقط فى تدمير الديمقراطية، بل أيضًا فى تدمير كل احتمالية للبقاء كمجتمع منظم. 

■ يبدو أن قوة الشركات لا يمكن إيقافها، حتى إن الطبقة فاحشة الثراء تسافر إلى الفضاء الخارجى الآن.. هل «سلطة الرأسمالية لا مفر منها» كما قالت الروائية الأمريكية أرسولا جوين منذ سنوات؟

- وكذلك فعلت العبودية، والمبدأ القائل بأن «المرأة مجرد ممتلكات»، الذى استمر فى أمريكا حتى الستينيات، والقوانين المناهضة لزواج البشرة، والتى نُفذت بطريقة متطرفة لدرجة لا تقبلها حتى «النازية». واستمرت فى أمريكا حتى السبعينيات.

كل أنواع الترويع موجودة، نعم ضعفت بمرور الزمن لكنها لم تنقرض. مثلًا ألغيت العبودية لكن تبعاتها موجودة بأشكال مختلفة وشريرة، ليست عبودية لكنها مرعبة كفاية.

لا يزال هناك الكثير لنفعله. فى القرن ١٨ كان النظام الدستورى خطوة للأمام. وعبارة «نحن الشعب» أرعبت حكام أوروبا المستبدين حينها، وقلقوا من انتشار «شرور الديمقراطية» التى سميت حينها بـ«الجمهورية»، وتقويض الحياة المتحضرة. لكن انتشرت الديمقراطية واستمرت الحياة المتحضرة، بل وتحسنت. ومع ذلك الحرب الطبقية لا تنتهى أبدًا ولا يلين السادة، فهم فى بحث دائم عن الفرص.

■ فى كتابك «أسياد البشرية» قلت إنه «من غير المحتمل استمرار الحضارة فى ظل الرأسمالية والديمقراطية الضعيفة المتماشية معها».. فهل يمكن للديمقراطية الفاعلة إحداث فرق؟

- نحن نعيش فى هذا العالم وليس المُتخّيل. لو فكرت ببساطة فى الجدول الزمنى للتعامل مع الدمار البيئى ستجده أقل بكثير من الوقت اللازم لإجراء إعادة تشكيل مؤسساتنا. هذا لا يعنى أن علينا الكف عن المحاولة. فلزامًا علينا طوال الوقت العمل على أساليبنا لرفع الوعى وزيادة التفاهم وبناء المؤسسات المستقبلية للمجتمع الحالى.

فى الوقت عينه يجب اتخاذ إجراءات لإنقاذنا من التدمير الذاتى المستشرى فى المؤسسات القائمة، ربما إدخال بعض التغييرات عليها وليس تغييرًا جوهريًا. وفى غضون ذلك يجب استمرار العمل على مشكلات الديمقراطية الرأسمالية القائمة بالفعل، والتى بطبيعتها عبارة عن حكم بالإعدام، وهى أيضًا غير إنسانية مطلقًا فى خصائصها الأساسية.

■ بالحديث عن أهمية الإعلام التقدمى المستقل، مثل «برنامج الديمقراطية الآن»، و«منظمة الدقة والنزاهة للأخبار».. هل يمكنه مواجهة الرواية المؤسسية المهيمنة؟

- لا بد أن يفهم الناس ما يحدث فى العالم، وهذا يتطلب وسائل لنشر المعلومات والتحليلات وخلق فرص للنقاش، وهى أمور لن تجدها غالبًا فى الاتجاه السائد، ربما يحدث ذلك أحيانًا لكن بطريقة هامشية.

كثير مما نتحدث به إما أنه لا يُناقش على الإطلاق، وإما يتم تناوله بشكل ثانوى فى وسائل الإعلام الرئيسية، لذا يجب أن تُقدم تلك المناقشات للجمهور من خلال الوسائل المستقلة.

وفى الواقع هناك طريق ثانٍ هو المنظمات، والتى يسهل تنفيذ برامج تعليمية وتثقيفية داخلها، وسبق أن كانت أحد أهم الإسهامات للحركة العمالية عندما كانت نابضة بالحياة، وأحد الأسباب الرئيسية التى جعلت الرئيس «ريجين» ومارجريت تاتشر عازمين على تدمير العمال، وهذا بالفعل ما نفذاه.

كانت هناك برامج تعليمية وتثقيفية تجمع الناس للتفكير فى العالم وفهمه وتطوير الأفكار، وهو الأمر الذى يتطلب تنظيمًا، فالقيام بذلك كشخص منفرد أمر فى غاية الصعوبة. ورغم مجهودات الشركات للتغلب على النقابات، وُجدت صحافة عمالية نشطة ومستقلة، فى أواخر الخمسينيات، وصلت للكثير من الناس، وأدانت ما أسموه حينئذٍ بـ«الكهنوت المُشترى»، واستغرق الأمر طويلًا لتدمير هذه الصحافة العمالية.

لأمريكا تاريخ لصحافة عمالية تقدمية ونشيطة يعود إلى القرن ١٩، عندما كانت الصحافة ظاهرة كبرى، ويمكن ويجب إحياؤها كجزء من إحياء حركة عمالية فاعلة تسير فى طليعة التقدم نحو العدالة الاجتماعية. سبق أن حدث هذا فى الماضى، ويمكن أن يحدث حاليًا، والإعلام المستقل عنصر حاسم فى الأمر.

■ فى كتابك «عواقب الرأسمالية وأزمة المناخ والمسألة الخضراء الجديدة» أشرت إلى تعليق أنطونيو جراميشى: «تكمن الأزمة فى أن القديم يحتضر والجديد أعجز من أن يولد».. كيف ترى هذه العبارة؟

- «جراميشى» ناشط عمالى يسارى بارز فى إيطاليا، مراهقته كانت فى عشرينيات القرن الماضى، ونشط فى تنظيم مجموعات العمال اليساريين، وعندما تولت الحكومة الفاشية السلطة فى إيطاليا، أول أعمالها كان إيداعه السجن، وأثناء محاكمته قال المدعى العام: «علينا إسكات هذا الصوت»، وهذا يُرجعنا إلى أهمية الإعلام المستقل.

فى السجن، كتب «دفاتر السجن»، لم يستطيعوا إسكاته، رغم عدم تمكن الجمهور من قراءة ما كتب، والذى كان منه هذا الاقتباس سالف الذكر. وفى أوائل الثلاثينيات كتب: «العالم القديم ينهار بينما لم يظهر بعد العالم الجديد، وفى غضون ذلك سيواجهون علامات رهيبة». هذه العلامات تجلت فى كل مكان.

والقول المأثور المقتبس «تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة» كُتب فى فترة كان «جراميشى» لا يزال ينشر، ومعناه أن علينا النظر للعالم بمعقولية دون أوهام، وفهم وتقرير كيف نتصرف، ونعترف بأن هناك نُذرًا قائمة.

هناك أمور خطيرة تحدث، وهذا هو «تشاؤم العقل»، لكن علينا معرفة طريق الخروج والفرص الحقيقية، وهذا ما يعنيه «تفاؤل الإرادة»، الذى يلزم تكريس أنفسنا لاستغلال كل الفرص المتاحة، للتغلب على العلامات الرهيبة، والتحول إلى عالم أكثر عدالة ومقبولية. 

■ لكن فى الأوقات العصيبة يشُق على الكثيرين الشعور بوجود مستقبل مشرق.. ما الذى يمنحك الأمل؟

- الناس فقط هم مَن يمنحونى الأمل، يكافحون فى ظروف أقسى مما نتخيل للفوز بالحقوق والعدالة، فى كل العالم، لا يفقدون الأمل، وعلينا ألا نفقده بالتأكيد، ولا يوجد خيار آخر. إما أن تشارك فى حدوث الأسوأ، وإما أن تحاول بذل كل ما فى وسعك، وهذا ما يفعله الفلاحون الفقراء فى الهند، وبؤساء هندوراس، والملايين فى العالم.