السبت 02 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

الروائى الأردنى فادى زغموت: الذكاء الاصطناعى يحاكى الجنة والنار قريبًا

الروائى الأردنى فادى
الروائى الأردنى فادى زغموت

- «العوالم الافتراضية» فى طريقها لخلق «نسخ رقمية» من جميع أشكال الحياة

- التكنولوجيا ستكون قادرة على تصنيف أفعال الأشخاص حسب الشريعة!

- أحذر من استغلال جماعات دينية التطور التقنى للتحكم فى حياة وخيارات الناس

- الأدب العربى لا يزال أسيرًا للماضى والروايات التاريخية فى الصدارة

الروائى الأردنى فادى زغموت واحد من أبرز الأصوات الأدبية العربية فى الوقت الحالى، خاصة بعدما أشعلت رواياته «الجريئة» نقاشات حادة فى الأوساط الأدبية والمجتمعية بصفة عامة، بالتزامن مع إشادة النقاد بأسلوبه السردى السلس والعميق فى الوقت نفسه. ومن خلال رواياته «عروس عمان» و«جنة على الأرض»، و«أمل على الأرض»، تناول «زغموت» قضايا اجتماعية حساسة تتعلق بالهوية والإنسانية والحرية الشخصية، واستطاع لفت الأنظار إلى العديد من التحديات التى تواجه المجتمعات العربية المعاصرة، مقدمًا شخصيات تتسم بالعمق والتعقيد، وتعكس الواقع بصدق وجدية. واقتحم الروائى الأردنى مساحات من الخيال العلمى، لم يخضها كثيرون من قبل، أو لم يتناولوها بطريقته، لنرى معه موضوعات جديدة على الأدب العربى، بداية من الشباب الدائم، وصولًا إلى «نسخ رقمية» من الجنة والنار. عن تجربته الأدبية الثرية، وتفاصيل هذه الروايات، وموقع الخيال العلمى من الأدب العربى الآن، وغيرها من الموضوعات الأخرى، يدور حوار «حرف» التالى مع الروائى الأردنى فادى زغموت. 

■ خلال أيام يصدر كتاب «عربيليوس»، وهو قصص خيال علمى عربية مترجمة إلى الإنجليزية، وتشارك فيه بقصة «جاهة فى الميتافيرس».. عما تدور؟

- القصّة تُقرأ من عنوانها، فهى تتحدّث عن أوّل جاهة أردنيّة تحدث فى العالم الافتراضى. حين بدأت التفكير فى كتابتها كان العالم مازال يتعامل مع تداعيات ما بعد انتشار فيروس «كورونا»، وكانت شركة «ميتا» تسوّق لـ«الميتافيرس» على أوسع نطاق.

العوالم الافتراضيّة تتطوّر بشكل كبير وتحمل فرصة كبيرة للبشرية، ومن المؤكد أنّها ستخلق نسخًا رقميّة لجميع أشكال الحياة التى نعرفها. أعرف أنّ الإنسان بطبعه يتشبث بإرثه الثّقافى، ورغم أنّ التكنولوجيا تسهم فى تشكيل وعينا وتصرّفاتنا وثقافتنا، إلا أننا لا نتغيّر بسرعة تغيّر الأدوات التى تتيحها لنا.

أردت للقصّة أن تكون خفيفة وفكاهية، وأن تعبر عن واقع المجتمع الأردنى، وكيفيّة تعامله مع التغيرات التكنولوجية الهائلة التى نواجهها اليوم، علمًا بأن «الجاهة» فى العامية الأردنية هى الزيارة بين العائلات وبعضها للتحدث عن موضوع معين مثل المصاهرة أو حل النزاعات.

■ كيف ترى تأثير التكنولوجيا على العادات والتقاليد الاجتماعية فى المستقبل؟

- لا يمكننا إنكار أثر التكنولوجيا على العادات والتقاليد الاجتماعية، فنحن اليوم لسنا كما كنا أمس. الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى فتحت مجتمعاتنا وقلبت أحوالنا. لكن الميراث الثقافى للإنسان عادة ما يكون قويًا وراسخًا، وهنالك عادات وتقاليد تبدو عصيّة على الزّمن. قد تتأثر بشكل أو بآخر بالأدوات التكنولوجية الحديثة والمستقبلية، وقد ترسخها لخدمتها، كما نرى فى القصة، لكنها ستبقى حاضرة معنا إلى وقت طويل.

■ هل تعتقد أن القراء يمكنهم التعاطف مع الشخصيات والمواقف فى سياق افتراضى؟

- نعم بالتأكيد، فالمواقف الافتراضية عادة ما تحاكى المواقف الواقعية، والقصّة تجمع بين الواقع والافتراضى، وتتحدّث عن تقليد اجتماعى راسخ يحمل ثقلًا ثقافيًّا وعاطفيًّا عاشه الكثير منّا. كذلك هى تتبع علاقة بين رجل وامرأة فى سياق الثّقافة السّائدة بالمجتمع الأردنى اليوم. 

■ الخيال العلمى غير شائع فى الكتابات الأدبية العربية، وربما لا يعرف القارئ الغربى أن العرب يكتبون أدب خيال علمى.. هل ترى أن ترجمة مثل هذه القصص تلفت انتباه القارئ الغربى إلى هذا النوع من الأدب العربى؟

- معك حق، للأسف الخيال العلمى غائب إلى حد كبير عن الكتابات الأدبيّة العربية. مازالت الأعمال الأدبيّة العربيّة أسيرة للماضى، والرّواية التاريخيّة مازالت تتصدّر اهتمامات الكتّاب والقرّاء العرب.

هنالك الكثير الذى ممكن أن نتعلّمه من الماضى. لكن الأمم التى لا تتخيل مستقبلها، لا يمكنها المساهمة به، لذلك نحن بحاجة إلى مزيد من الأعمال الأدبية العربية التى تحاول قراءة المستقبل.

القارئ الغربى مهتم بقراءة وجهات نظر مختلفة عن المستقبل، تلك التى تبتعد عن القراءة التقليدية التى اعتاد عليها فى كتب الخيال العلمى الغربية. هنالك اهتمام بقراءة تصورات الثقافات المختلفة للمستقبل، ومنها بالتأكيد الثقافة العربية. ما يهمنى ليس لفت انتباه القارئ الغربى لهذا النوع من الأدب العربى، بل لفت انتباه القارئ العربى له. 

■ هل ترى أن «الميتافيرس» يمكن أن يكون أداة لتغيير العادات والتقاليد الاجتماعية؟

- سيعمل «الميتافيرس» على محاكاة العديد من العادات والتقاليد الاجتماعية الموجودة حاليًّا، وربما سيسهم فى تشكيلها بشكل أو بآخر. التسارع فى التطور التكنولوجى كبير، والتغييرات التى ستطرأ على الطريقة التى نعيش بها ونتعامل بها قد يكون صعب قراءتها، لذا فإن تخيل المستقبل القريب أصبح ملحًا علينا اليوم أكثر من أى يوم مضى. 

■ وهل العيش فى الميتافيرس، الذى يعتبره كثيرون أحلام يقظة وانفصالًا كليًا عن الواقع، أو حتى وهم، أمر سلبى أم إيجابى؟ 

- كأى تكنولوجيا أخرى، سيحمل «الميتافيرس» إيجابيات وسلبيات. سيختصر المسافات بين البشر، وسيوفر تجارب إنسانيّة جديدة لم نختبرها سابقًا. سيضيف بعدًا آخر إلى حياتنا علينا أن نتعامل معه، شئنا أم أبينا. علينا التفكير جيدًا وتعلم التعامل معه لتعظيم فوائده وتقليل مضاره. 

■ أثارت روايتك «عروس عمان» ردود فعل متباينة، بين معترف بوجود شخصياتها فى الواقع، ومن يقول إننا نعيش فى مجتمعات محافظة لا توجد بها مثل هذه الشخصيات.. من أين استلهمت تلك الشخصيات؟

- ٩٠٪ من شخصيات وأحداث الرواية حقيقية حصلت على أرض الواقع. جميعها قصص وأحداث سمعتها من أصدقاء عاشوهاـ أو اختبرتها وعشتها بنفسى. لم أتخيّل سوى تفاصيل القصص عند كتابتى لها. وللأسف، إنكار الواقع لن يجعله يختفى. الشخصيات فى «عروس عمّان» ليست شخصيات قبيحة، كما نرى فى بعض الروايات العربية، بل شخصيات حقيقية، تحاول التعامل مع واقعها، مع الإرث الثقافى الصعب الذى ورثته. 

■ كيف أثرت الرواية على النقاشات المتعلقة بالجنس والهوية فى الندوات والاجتماعات التى حضرتها على الأقل؟

- وجدت الرواية قبولًا وترحيبًا كبيرًا واهتمامًا من مختلف الأطياف الاجتماعيّة، لأنّها تتطرق إلى موضوع اجتماعى حسّاس، وتسلط الضوء على معاناة المرأة وواقعها الصعب فى ظل مجتمعاتنا العربية الذكورية.

عادة ما تُطرح مواضيع الجنس بشكل مُنفر ومبالغ به للقارئ العربى. فى «عروس عمّان» هناك دعوة للانفتاح وتفهّم الخيارات الشخصيّة للآخرين. أردت أن أبيّن كيف أن غياب الحقوق الجسدية والحريات الجنسية فى عالمنا العربى يؤدى إلى معاناة كبيرة نعيشها جميعنا بشكل يومي. 

■ روايتا «جنة على الأرض» و«أمل على الأرض» تنتميان أيضًا إلى أدب الخيال العلمى، والثانية تتحدث عن الحياة بعد ١٠٠ عام.. هل تعتقد أننا سنصل إلى ما تحدثت عنه الرواية فى الحقيقة؟

- قد نصل إلى أبعد ما أتحدث عنه فى الروايتين. التطّور التكنولوجى فى تسارع كبير، وعلى مختلف الأصعدة، من الذّكاء الاصطناعى إلى تكنولوجيا النانو والعوالم الافتراضية والحواسيب الكوانتمية، وغيرها الكثير. الذكاء الاصطناعى لوحده سيغير أوجهًا كثيرة من حياتنا خلال السنوات القليلة المقبلة. من الصعب تصور ما سيحدث بعد ١٠ أعوام من الآن، فما بالك بعد ١٠٠ عام. ما أطرحه فى الروايتين ما هو سوى رؤية واحدة لما يمكن أن تكون عليه الأحوال. 

■ فى الرواية تصبح الشيخوخة حلمًا.. ألا يعتبر الشباب الدائم حلمًا تلهث البشرية منذ الخليقة لتحقيقه؟ لماذا كان فى الرواية وكأنه لعنة؟ 

- فى الجزء الأول من الرواية، فى «جنة على الأرض»، نرى كيف تتغير الأمور حين يصبح الشباب الدائم فى متناول اليد. كيف تتعامل الشخصيات معه، وكيف تختلف نظرتها ورغباتها. منها من يسرع لاسترجاع شبابه، ومنها من يفضل المضى قُدمًا فى حياته، بتحمل شيخوخته بدافع دينى عقائدى متأملًا بحياة أفضل بعد الموت، ومنها من يقرر العودة إلى طفولته. 

لكن الأمر يتغير فى نهاية الرواية، إذ نرى كيف تتعامل الحكومات مع الواقع الجديد، وتقنينها له وتحكمها به، ونرى الصراع الدائم الذى يخوضه البشر، بين نزعتهم للحرية وبين من يحاول انتزاعها منهم. تتطور الأحداث وتؤدى إلى إصدار قرار بمنع الشيخوخة تمامًا، بحيث لا تعود شيخوخة الفرد اختيارًا. فى سياق ذلك نتابع الأحداث فى الجزء الثانى من الرواية ونرى كيف يمكن للأيديولوجيات الدينية استغلال الذكاء الاصطناعى لفرض توجهاتها وتصوراتها الخاصة لما يجب عليه أن تكون الأحوال، على الجميع. 

■ هل سيؤثر التطور التكنولوجى فى القريب العاجل على أفكارنا الدينية الراسخة؟

- لا بُد وأن يؤثر بشكل أو بآخر ولكن الثّقل الثقافى والدينى سيبقى حاضرًا بالتأكيد. فى روّاية «أمل على الأرض» أحذّر من استغلال جماعات دينيّة للتكنولوجيا للتحكّم فى حياة الناس وخياراتهم الشخصيّة. فالذّكاء الاصطناعى مثلًا سيكون قادرًا على قراءة أفعال الأشخاص وتصنيفها وتقييمها حسب الشريعة، والعوالم الافتراضيّة ستكون قادرة على محاكاة الجنّة والنار كما نتصورهما. القدرات المخيفة التى تفتحها التكنولوجيا أمامنا اليوم تدفعنا لليقظة والتمسك بحقوق الإنسان وحرياته بشكل أكبر، لأن استغلالها من قبل أفراد وجماعات معينة سيكون أسهل من السابق. 

■ ألم تدفع تلك الفكرة الكثيرين لانتقادك، خاصة أنها تمس أحد «التابوهات» المحرم الحديث عنها؟

- لم أتلق نقدًا للأفكار المطروحة فى الرواية بعد. وجدت تقبّلًا لها إلى حد ما. عندما طرحت رواية «جنة على الأرض» قبل ١٠ سنوات، لم يكن موضوع الشباب الدائم وقدرة العلم القضاء على الشيخوخة مطروحًا بالشكل الذى هو عليه اليوم. كانت الفكرة غريبة لعدد كبير من القراء وصعبة التحقق. لكنّى اليوم أجدهم أكثر تقبّلًا لها وانفتاحًا على ما يحدث فى الجزء الثانى من الرواية، خاصة بعد ازدياد التغطيات الصحفية التى تتحدث عن الاختراقات العلمية فى هذا المجال. 

■ هل يمكن اعتبار «جنة على الأرض» إحدى روايات النبوءة؟

- أتمنى ذلك! أتمنّى أن يتحقق بعض منها، وهنا أقصد تحقيق حلم الشباب الدائم. عادة ما أبنى صورتى للمستقبل على قراءاتى العلمية، وما يحدث اليوم من اكتشافات علمية، وما يتوقعه العلماء لما يمكن له أن يكون فى المستقبل. أضع هذا فى سياق اجتماعى وأختبره على حياتنا كما نعرفها، وأقرأ كيف لنا أن نتعامل معه.