الخميس 10 أكتوبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

فصول من كتاب يصدر قريبًا عن دار المعارف

محمد أحمد خلف الله يتحدث: فتنة «الفن القصصى فى القرآن»

محمد أحمد خلف الله
محمد أحمد خلف الله

- خلف الله: اتجه ذهنى إلى القصص القرآنى ولم أكن قد قدرت بعد سلطان القصة فى الجزيرة العربية

-أمين الخولى وراء اتجاهه لهذا المجال الشائك وهو عن المنهج الأدبى فى فهم القرآن وتفسيره

- المهاجمون لم يلتفتوا إلى القصد الذى يرمى إليه القرآن من تصويره للأحداث من حيث هى أدوات ترغيب وترهيب وموعظة وعبرة وهداية وإرشاد

- المستشرقون عجزوا عجزًا يكاد يكون تامًا عن فهم أسلوب القرآن الكريم وطريقته فى بناء القصة

- خلف الله شارك فى الدفاع عن الدولة المدنية فى مواجهة الدولة الدينية

فى العام 1942، كان «محمد أحمد خلف الله» قد انتهى من مناقشة رسالته للماجستير التى أعدها تحت إشراف الشيخ «أمين الخولى» بعنوان «جدل الألفاظ فى القرآن»، وهى الدراسة التى بشرت بباحث متمكن من أدواته فى مجال الدراسات القرآنية. 

وفى العام 1972، أصدر «خلف الله» هذه الدراسة عن مكتبة الأنجلو المصرية فى كتاب تحت عنوان «محمد.. والقوى المضادة». 

فى مقدمة دراسته يذهب «خلف الله» إلى أنه أراد أن يتعرف على موقف القوى المضادة من محمد، عليه الصلاة والسلام، وموقفه منها، وكيف كان النصر فى النهاية لمحمد عليه السلام، ويشير إلى أن الأساليب والوسائل التى حققت لمحمد عليه السلام النصر ليست إلا من سنن الله، تلك السنن التى لا تتبدل، وما أحرانا بالتعرف عليها لتكون وسيلتنا إلى النصر بإذن الله. 

على أهمية هذه الدراسة إلا أنه لم يلتفت إليها أحد لا بمدح يليق بها، ولا حتى بنقد من شأنه أن يحيطها باشتباك ليتعرف المجتمع على قيمتها. 

بدأ «خلف الله» فى الاستعداد لتسجيل رسالته للدكتوراه تحت عنوان «الفن القصصى فى القرآن» تحت إشراف أستاذه الشيخ «أمين الخولى»، الذى كان يدين له بكثير مما تعلمه. 

ظل «خلف الله» يعمل فى رسالته، يجمع مادتها ويكتب فصولها حتى العام 1947، وبدأ يستعد لمناقشتها، لكن تم قطع الطريق عليه وعلى أستاذه، فقد رفضت الجامعة مناقشة الرسالة وأحالته إلى عمل إدارى، وقلمت أظافر «أمين الخولى» وقصقصت ريشه، فمنعته من تدريس مادة الدراسات القرآنية، وحالت بينه وبين الإشراف على الرسائل فى هذا التخصص. 

محمد أحمد خلف الله 

معركة «الفن القصصى فى القرآن» التى بدأت فى نهايات العام ١٩٤٧، فقد صدر قرار الجامعة برفض مناقشتها فى ٣١ أكتوبر، هى المعركة الأهم من بين معاركنا الفكرية، لكنها ليست معركة شعبية مثل معركة «طه حسين» وكتابه «فى الشعر الجاهلى»، أو معركة «على عبد الرازق» وكتابه «الإسلام وأصول الحكم»... ربما لأن «خلف الله» آثر السلامة، وترك رسالته لمن قرروا اغتيالها، وأعد رسالة أخرى حصل بها على درجة الدكتوراه فى العام ١٩٥٢، وكانت عن كتاب الأغانى لأبى الفرج الأصفهانى. 

معركة العام ١٩٤٧ لم تكن معركة بين المحافظين والمجددين فقط، ولكنها معركة تداخلت فيها السياسة مع البحث العلمى، وسيطرت عليها الأحقاد الشخصية على الموضوعية العلمية، وتسارعت أطراف لتصفية حساباتها على جثة «محمد أحمد خلف الله»، وكانت النتيجة أن تبددت قيمة بحث علمى كان يمكن أن يفيد الإسلام لو تحول إلى تيار، وفقدنا باحثًا مهمًا فى مجال الدراسات القرآنية كان يمكنه أن يستكمل دراساته بما يفيدنا فى مجال تجديد الخطاب الدينى، لكن عن عمد اغتالوه وأبعدوه وثبطوا همته فى مواصلة ما بدأه. 

قبل أن نصل إلى تفاصيل ما جرى وهو كثير، قد تسأل نفسك: لماذا اختار خلف الله هذا الموضوع الشائك وقرر أن يخوض فيه؟ 

لن أجتهد فى الإجابة من عندى. 

ففى الطبعة الأولى للكتاب- صدرت منه أربع طبعات - التى استقبلتها المكتبات فى العام ١٩٥٢ يتحدث خلف الله عن دوافعه. 

يقول: الأسباب التى جعلتنى أعنى بالدراسة الأدبية وأجعل من القرآن ميدان أبحاثى فيها ترجع إلى نوع من الاستهواء، عمل على إذاعته فى نفسى درس أستاذنا أمين الخولى عن المنهج الأدبى فى فهم القرآن وتفسيره، فقد كانت تلك اللفتات تستقر فى نفسى استقرارًا يجعلنى أتخيل أنى أستطيع تمثل هذا المنهج والسير عليه فى تفسير كتاب الله. 

لم تكن دروس الشيخ «الخولى» وحدها هى من حركت «خلف الله».. كانت لديه دوافعه الخاصة. 

يقول: ساعد على هذا التخيل ونماه فى نفسى تلك التربية الدينية التى لاحقتنى صغيرًا، والتى جعلتنى أؤمن إيمانًا قويًا بأن العقلية الإسلامية الحقة إنما تظهر سافرة مشرقة فى الجانب الدينى والتشريعى من جوانب الثقافة الإسلامية، ومن هنا كنت أعتقد أنى من أحق طلاب قسم اللغة العربية بكلية الآداب وأجدرهم على السير فى هذه السبيل والضرب فيها بخطى ثابتة. 

كان منهج الأصوليين فى البحث فى المقدمات اللغوية وفهم النصوص القرآنية حين يستخرجون الأحكام ويضبطون أمور التشريع من العوامل التى أغرت خلف الله، فعقد العزم على أن يصنع صنيعهم فى القرآن فى غير باب التشريع. 

يقول: عقدت العزم على أن أجمع الآيات المتعلقة بجزئية من الجزئيات أو مسألة من المسائل فأرتبها الترتيب التاريخى، وأفهمها الفهم الذى يساعدنى على استخلاص الحقائق وتوضيح ما تشتمل عليه من أفكار وآراء، دفعتنى كل هذه الأشياء إلى القرآن فطاوعتها وأخذت موضوعى الأول «جدل القرآن الكريم» موضوعًا لدراسة الماجستير. 

اختار خلف الله موضوعه الأول ولم يكن قد تبين له تمامًا ذلك المنهج الأدبى، فلم تكن أصوله قد استقرت فى نفسه استقرار الحقائق الواضحة، وما كان يطمع فى أكثر من دراسة القرآن على منهج الأصوليين فى الدرس، فإن انحرف فاستجابة لشىء مبهم لم يتضح له بعد الوضوح الكافى. 

يقول: لكنى ما لبثت أن تبينت حقيقة ذهلت لها أول الأمر، فقد تبينت أن القرآن نفسه صور العوامل النفسية للدعوات ولفت الذهن إلى الفاعلية القوية التى تكمن فى الألفاظ وعرف للدعاية والرقابة سلطانهما ففرضهما على النبى عليه السلام، وعلى المؤمنين بالقدر الذى كانت تسمح به الظروف فى هاتيك الأيام. 

مضى خلف الله فى الدرس فاستقر فى نفسه شىء آخر، وهو أن تلك الآراء التى يثبتها المفسرون على أنها متعارضة وتلك المذاهب التى توزعتها الفرق الدينية المختلفة لعلها قامت على غير أساس، قامت لأن قصد القرآن من استعمال الألفاظ لم يفهم تمامًا، وقامت لأنه استقر فى ذهن المؤمنين بها أن المطلوب من وراء الألفاظ ليس شيئًا غير المعانى، وقامت لأن هذه الفرق قد حددت المعنى حيثما استقر فى ذهن أصحابها من وراثة أو تلقين، وعلى الجملة قامت لأن هذه الجماعات كانت تفرض آراءها ومعتقداتها على القرآن، ولم تفهم القرآن فهمًا سديدًا قائمًا على أسس سليمة من الدرس والفهم، والتى من أولها ألا نفرض ثقافتنا وعلمنا وفلسفتنا على النصوص التى أمامنا، وإنما نحاول جاهدين الوقوف على ما فى هذه النصوص من قيم ومن آراء ومعتقدات ومن أفكار علمية واجتماعية يدل عليها النص نفسه ويوحى بها ويشير إليها حتى ولو لم تتفق هذه الأفكار مع ما ندين به. 

يقول خلف الله: مضيت وكلما ازددت مضاءً استقر المنهج الأدبى فى نفسى فازددت تعلقًا بالقرآن ودرسه، وتنبه ذهنى إلى كثير من موضوعاته التى يمكن أن يكون منها موضوع رسالة الدكتوراه. 

كان القصص القرآنى من الموضوعات التى اتجه إليها ذهن «خلف الله» منذ اللحظة الأولى، وكان السبب فى ذلك أن القصص كان من أهم العوامل النفسية التى لجأ إليها القرآن فى الجدل والحوار وفى البشارة والإنذار، وفى شرح مبادئ الدعوة الإسلامية والتمكين لها وفى تثبيت قلب النبى عليه السلام، وقلوب من اتبعه من المهاجرين والأنصار. 

يقول خلف الله: اتجه ذهنى إلى القصص القرآنى ولم أكن قد قدرت بعد سلطان القصة فى الجزيرة العربية فى ذلك الوقت. 

لم يكن خلف الله قد عرف بعد أنها الوسيلة التى كانت تلجأ إليها المعارضة حين تحاول الكيد للنبى عليه السلام، والتحدى للقرآن الكريم. 

ولم يكن قد وقف بعد على ما يروونه عن النضر بن الحارث، وكيف كان يجلس إلى الناس كما كان يجلس محمد، عليه السلام، وكيف كانت قريش تستملح حديثه لتنصرف عن النبى إليه حين يقص على الجماعات أخبار فارس وقصص رستم واسفندريا. 

وإذا كنتم لا تعرفون «النضر بن الحارث»، فإنه كان آلة دعاية متحركة ضد الرسول، صلى الله عليه وسلم، ومن بين ما جاء فى كتب السيرة أنه كان إذا جلس رسول الله، صلى عليه وسلم مجلسًا، فدعا فيه إلى الله تعالى وتلا فيه القرآن، وحذر قريشًا مما أصاب الأمم الخالية، خلفه فى مجلسه النضر بن الحارث، فحدثهم عن رستم السنديد وعن أسفندريار وملوك فارس، ثم يقول لمن يستمعون إليه: والله ما محمد بأحسن منى حديثًا، وما حديثه إلا أساطير الأولين اكتتبها كما اكتتبتها. 

نزلت فى النضر بن الحارث آيات قرآنية عديدة. 

منها: «وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهى تملى عليه بكرة وأصيلًا قل أنزله الذى يعلم السر فى السموات والأرض إنه كان غفورًا رحيمًا». 

ومنها: «إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين». 

ومنها: «ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرًا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم». 

من يطعنون فى الإسلام يأخذون من النضر بن الحارث قدوة ونموذجًا، يتعاملون معه على أنه كان مثقف عصره فى قريش، طاف بلاد الروم والفرس ونجران، وتعلم علومها وعرف أساطيرها وقصصها وتاريخها. 

كان فى دعايته ضد الإسلام يجمع المكيين إليه، ويقول لهم إنه إذا كانت تلك القصص التى يرويها محمد معيارًا للنبوة، فإنه يستطيع أن يدعى النبوة مثلما يفعل لأنه يستطيع أن يروى أفضل منه بحكم ثقافته الواسعة. 

أدرك «خلف الله» أن هناك من يستخدم النضر بن الحارث لهدم القرآن ومن ورائه الإسلام، ويستندون فى ذلك إلى المناظرة التى جاء خبرها على النحو التالى. 

أراد النضر امتحان محمد أمام الناس جميعًا وطلبه فى مناظرة ليكشف زيف نبوته، فجاءه ومعه عقبة بن أبى معيط، وجهزا له ثلاثة أسئلة. 

كان أولها: عن فتية ذهبوا فى الدهر الأول ما كان أمرهم، فإنه قد كان لهم حديث عجب؟ 

والثانى: عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه؟ 

أما الثالث فكان عن الروح.. ما هى؟ 

طلب الرسول طبقًا لرواية دراويش النضر بن الحارث من المكيين أن يمهلوه لليوم التالى حتى يأتيهم بالإجابة عن الأسئلة الثلاثة. 

مضت الأيام ولم يظهر محمد بالإجابات، وبعد خمسة عشر يومًا عاد وقال إن الوحى تأخر عليه لسببين. 

الأول لأنه لم يقل إن شاء الله حين وعدهم بالرد فى اليوم التالى. 

والثانى أن جبريل انقطع عنه لوجود كلب للحسن والحسين فى بيته، وأن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب. 

ويدعى أنصار النضر بن الحارث أن الإجابات جاءت فى شكل آيات كتبها محمد على أنها من الله. 

فعن الفتية الذين هم أهل الكهف قال: «سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجمًا بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربى أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل». 

ويعلق حزب النضر بقولهم: تخيل إله محمد لا يعرف كم عدد أهل الكهف، وتظهر فى الآية علامات الارتباك، مع أن الإجابة يجب أن تكون بسيطة بعدد معين وكفى، لكنه قال ربما ثلاثة أو خمسة أو سبعة، وهذا يعنى أن محمد بعد خمسة عشر يومًا لم يأت بالإجابة الحاسمة، وأن من ساعده زوده بمعلومات مشوشة كليًا. 

ويسخر من يمجدون النضر بن الحارث بقولهم: المضحك أن يقول محمد فى نفس الآية «قل ربى أعلم بعدتهم» فإذا كان هو أعلم بعدتهم فلماذا لم يخبر الله رسوله بعددهم، والمشكلة أن قصة أهل الكهف خيالية ألفها راهب مسيحى فى القرن السادس الميلادى كقصة تعليمية للموعظة، وانتشرت فى أجزاء واسعة من أوروبا، وقد جاءت إلى بلاد العرب مع التجار. 

وعن السؤال الثانى بخصوص الرجل الطواف، كانت الإجابة بالآية: «ويسألونك عن ذى القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرًا إنا مكنا له فى الأرض وآتيناه من كل شىء سببًا فأتبع سببًا حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب فى عين حمئة ووجد عندها قومًا قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنًا». 

ويرى مناصرو النضر أن الآية لم تذكر اسم الرجل الطواف، بل تهربت من ذلك، وتركت الصحابة وكاتبى السيرة ومفسرى القرآن يتخبطون حتى اليوم، لأنه لا يوجد مكان تغرب فيه الشمس وتشرق منه. 

أما بالنسبة للسؤال الثالث وهو عن الروح. 

فكان الرد: «ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا» 

والرد مبهم، وطبقًا لما يراه أنصار النضر فالروح مصطلح لا أساس علمى له، بل هى خرافة من خرافات الأديان تناقلتها الأجيال وما زالت مستمرة بالرغم من عمليات نقل القلب. 

لم يتعرض «خلف الله» لقصة «النضر» فى كتابه، اكتفى بالإشارة إليه كواحد ممن شككوا فى القصص القرآنى، وتبعه كثيرون لا يزالون يعملون ويتحدثون حتى اليوم، وهو ما دفعه لأن يخلص هذا القصص مما لحق به. 

يقول خلف الله: «لم أكد أقف على ذلك وأتأمله حتى قر فى نفسى أن يكون (الفن القصصى فى القرآن الكريم) موضوع رسالتى للدكتوراه، على أنى لم ألبث أن تبينت أسبابًا أخرى أكدت فى نفسى ما سبق، فقد لاحظت أن أئمة الدين والتفسير يعدون القصص القرآنى من المتشابه وأن الملاحدة ومن نحا نحوهم من مبشرين ومستشرقين قد وجدوا منه الثغرة التى ينفذون منها للطعن على النبى وفى القرآن الكريم». 

توقف «خلف الله» عند عدد من الملاحظات التى رأى أنها مهمة، ومنها: 

أولًا: لاحظ أن السبب فى موقف أولئك وهؤلاء من القرآن يرجع فى جملته وتفصيله إلى ذلك المنهج المنحرف الذى جرى القوم عليه، والذى دفعهم إلى دراسة القصص القرآنى كما تدرس الوثائق التاريخية لا كما تدرس النصوص الدينية والنصوص الأدبية البليغة أو المعجزة، ومن هنا وقف ليدرس القصص القرآنى على منهج الأصوليين واللغويين والأدباء عسى أن يحل العقدة وأن تزول المشكلات، وعسى هذا الباب الذى يلج منه الملاحدة والمبشرون أن يوصد إلى غير رجعة. 

ثانيًا: لاحظ أن الوحدة القصصية فى القرآن الكريم لا تدور بحال من الأحوال حول شخصيات الرسل والأنبياء عليهم السلام، وإنما تقوم قبل كل شىء وبعد كل شىء على الموضوعات الدينية والأغراض القصصية من اجتماعية وخلقية، ومن هنا تبين لماذا عدَّ القدماء من المفسرين القصص القرآنى من المتشابه؟ 

ثالثًا: لاحظ أن القرآن لم يقصد إلى التاريخ من حيث هو تاريخ إلا فى النادر الذى لا حكم له، وأنه على العكس من ذلك عمد إلى إبهام مقومات التاريخ من زمان ومكان، ومن هنا تبين أن القوم قد عكسوا القضية حين شغلوا أنفسهم بالبحث عن مقومات التاريخ وهى غير مقصودة وأهملوا المقاصد الحقيقية للقصص القرآنى، ولو أنهم شغلوا أنفسهم بتلك المقاصد الحقة لأراحوا أنفسهم من عناء كبير، ولأبرزوا الجوانب الدينية والاجتماعية من القصص القرآنى إبرازًا ملموسًا يهز المشاعر والعواطف ويؤثر فى العقول والقلوب وعند ذلك يمكنون للدين وقضاياه. 

رابعًا: لاحظ أن القوم أعرضوا عن الوقوف عند الأحداث والأشخاص من حيث تصويرها تصويرًا معجزًا رائعًا، ووقفوا عندها من حيث هى أداة من أدوات التاريخ، ومن هنا أخذوا يسألون أنفسهم أسئلة عقدت القصص القرآنى أمامهم، فكانوا يسألون مثلًا عن الحادثة أوقعت أم لم تقع؟ وإذا كانت قد وقعت فمن الذى أوقعها؟ وأين ومتى؟ إلى غير ذلك من أسئلة حالت العناية بها بينهم وبين الوقوف على القصد الذى يرمى إليه القرآن من تصويره للأحداث من حيث هى أدوات ترغيب وترهيب وموعظة وعبرة وهداية وإرشاد، ولو أن القوم درسوا الصيغ المعبرة عن الأحداث على هذا الأساس لأراحوا واستراحوا وفطنوا إلى أمور كثيرة من أسرار الإعجاز ولعرفوا الفاعلية القوية لسحر الألفاظ. 

خامسًا: لاحظ أخيرًا أن المستشرقين قد عجزوا عجزًا يكاد يكون تامًا عن فهم أسلوب القرآن الكريم وطريقته فى بناء القصة وتركيبها وعن الوحدة التى يقوم عليها فن البناء والتركيب، ومن هنا ذهبوا إلى ذلك الرأى الخاطئ القائل بتطور الشخصية فى القرآن الكريم وعن أسرار اختيارها، وذهبوا كذلك إلى الرأى الذى سبقهم إليه المشركون من أهل مكة– وهنا يشير إلى النضر بن الحارث- والملاحدة من المسلمين من القول بأن الذى يُعلم محمدًا بشر وأن القرآن أخطأ فى التاريخ، ولو أنهم فهموا أسرار القرآن لما كان منهم ذلك القول الذى يدل على جرأة على الحق، وبُعد عن روح العلم. 

قبل أن يبدأ «خلف الله» فى رسالته انتقد ما كان يقوم به قسم اللغة العربية بكلية الآداب من دراسات تخص القرآن الكريم. 

يقول: «هنا جد فى الأمر جديد هو من الخطورة بمكان، وهو أن القصص القرآنى يحقق غرضًا منهجيًا حادت عنه كُليتنا أو قسمنا على أقل تقدير مع أنه المنهج السليم فيما أرى، فأحسست بحاجتى الملحة إلى الاطلاع على ما يفعله علماء الغرب حين يدرسون الأدب وتاريخه فاستجبت لهذا الإحساس وقرأت بعض الكتب التى تعالج هذه المسائل». 

كان مما قرأ «خلف الله» تلك المجموعة من الأبحاث التى قام بها الأدباء وعلماء الأدب من الإنجليز وأخرجتها جامعة «أكسفورد» على أساس من الدراسة فريد، فلقد قامت دراسة هؤلاء على أن الأدب تجربة وتقليد، وأن الدراسة التاريخية له على هذا الأساس يجب أن تبدأ معه وهو وليد. 

ثم كان مما قرأ أيضًا ذلك البحث القيّم الذى كتبه «لانسون» عن النهج الأدبى وعربه «محمد مندور». 

قرأ «خلف الله» هذه الكتب والدراسات فانتهت به القراءة إلى الإحساس بالمفارقة العجيبة التى توحد بين ما تصوره للدراسة الأدبية من منهج وما يسير عليه الباحثون فى كلية الآداب، فهم يفرقون بين دراستهم للنصوص دراسة أدبية، وبين قراءة هذه النصوص للاستمتاع واللذة وترضية العواطف والشعور، وحين يدرسونها دراسة أدبية يعنون العناية التامة بالتفرقة بين ما فيها من قيم عقلية، وما فيها من قيم عاطفية وأخرى فنية أو بلاغية، وأنهم لا يصدرون حكمًا من الأحكام الأدبية على شاعر أو مدرسة أدبية أو مذهب فنى أو حتى على عصر من العصور وبيئة من البيئات إلا بعد استكمال الوسائل التى تمكنهم من الحكم على هذا أو ذاك، وأن أولى هذه الوسائل هى الوقوف على المواد التى يجب دراستها قبل إصدار الحكم ومن هنا رآهم حينما يحاولون إصدار حكم أدبى يستكملون هذه المواد على النحو التالى: 

أولًا: النصوص الأدبية يجمعونها ويحققونها ويدرسونها دراسة أدبية عميقة توضح الظواهر العقلية والعاطفية والفنية وتفسرها تفسيرًا واضحًا مقبولًا. 

ثانيًا: لا يفسرون خصائص الأديب الشاعر أو الناثر كما لا يفسرون خصائص المدرسة أو المذهب والعصر أو البيئة إلا على أسس ثابتة، فالخصائص التى لا يشرك الأديب فيها غيره هى خصائصه المميزة والخصائص التى يشركه فيها غيره هى خصائص المدرسة أو المذهب، فإن كانت من الخصائص العامة التى تعم البيئة أو تجاوزها فهى خصائص العصر أو البيئة وهكذا. 

ثالثًا: لا يستطيعون الحكم الأدبى على عصر من العصور أو مدرسة من المدارس ويتبينون خصيصته المميزة إلا بعد الوقوف على الخصائص المميزة لكل عصر من العصور السابقة. 

إنهم يطلبون فى الدراسة القيمة للتاريخ الأدبى أن تسير سيرًا منطقيًا مسلسلًا، وأن تبدأ مع الأدب فتخطو معه خطواته الأولى وتشركه فى الحياة منذ أن تدب فيه، ويسلسلون التيارات الأدبية ويحللون ما فيها من قيم ويصورون لنا الحياة العقلية بما فيها من فلسفة وعلم والحياة الفنية بما فيها من مذاهب وصور للتعبير. 

يقول خلف الله: «فرق كبير بين ما عليه هؤلاء وما عليه نسير، وإنه لفرق يشعرنا بالنقص الذى يجب علينا أن نتداركه وإلا ضاعت قيمة العلم والتعليم، فالخطة العلمية الجامعية عندنا تسير على غير هدى وبينة، ومن هنا نعرض كثيرًا عن الجزئيات ونجرى سراعًا إلى الأمور العامة وهذا هو البلاء، إننا فى حاجة إلى أن نبدأ مع الأدب وهو وليد نسايره فى النمو حتى تكون الأحكام صادقة، ويكون الدرس العلمى منتجًا وتسدد فى كليتنا الخطوات». 

هذا هو الجديد الذى قوى فى نفس «خلف اللهس اختيار «الفن القصصى فى القرآن الكريم»، فقد رأى هذا الموضوع يحقق هذا المنهج من حيث أن القصص القرآنى نقطة البدء عند دارسى القصة العربية عامة والدينية بصفة خاصة. 

يقول: «ولست فى حاجة إلى أن أدلك على أن ما سبق القصص القرآنى من قصص عربية لا يصلح أن يكون مادة للدراسة الأدبية للقصة بحال من الأحوال، وليس ذلك لأنه لم يصلنا سليمًا، وكل ما حوفظ عليه هو قيمته الفكرية وأنه من هنا يصلح لدراسة التيارات العقلية ولا يصلح لدراسة التيارات الفنية، فالقصص القرآنى هو القصص الذى وصلنا سليمًا، وهو الذى نثق به ونطمئن إليه، ومن هنا نستطيع أن نعتبره الصورة الأولى للقصة العربية». 

انتهى «خلف الله» من رسالته وتقدم لمناقشتها، لكنه وجد من يشعل النار فيها وفيه وفى المشرف عليها. 

حين عرضت الرسالة على لجنة التقييم، تكونت من أحمد أمين والشايب أحمد الشايب والمشرف أمين الخولى، لتحديد موعد المناقشة أبدى أمين والشايب رضاهما عن مستواها الأكاديمى مع اقتراح بعض التعديلات، لكن بعض المعلومات عنها تسربت إلى الصحف، وكان هذا بداية الجدل عن الرسالة والمنهج وقوانين الجامعة التى تسمح بإجازة مثل هذه الرسالة فى مجتمع مسلم. 

من بين ما رددته «الصحف» حول الرسالة أن «أحمد أمين» أحد أعضاء اللجنة رفضها بسبب ضعفها العلمى، وأن العضو الثانى الشايب أحمد الشايب قرر أنها تتضمن أفكارًا تتعارض مع العقيدة، خصوصًا الزعم بأن القصص القرآنى مجرد سرد أدبى. 

وقيل إن «خلف الله» زعم بأن القصص القرآنى مأخوذ من مصادر توراتية وأسطورية. 

من بين ما تكشف وقتها وأصر «خلف الله» عليه أن رفض الرسالة لم يكن لأسباب موضوعية، فقد أشار إلى أن أحمد أمين لم يقرأ الرسالة من الأساس، وأنه أعطاها لآخر ليقرأها ويعد تقريرًا عنها، وجاء التقرير ضد الرسالة فأقره أمين دون أن يراجع ما كتبه «خلف الله». 

وأما الشايب فقد كانت بينه وبين أمين الخولى خصومة علمية، فقد سبق للخولى أن رفض رسالة أشرف عليها الشايب، فأراد الشايب أن يردها للخولى برفضه لرسالة أحد أهم وأحب تلاميذه بصرف النظر عن محتوى الرسالة وما جاء فيها. 

أرسل «الاتحاد العام للمنظمات الإسلامية» رسالة احتجاج إلى الملك فاروق، وأرسلت منها نسخ إلى كل من رئيس الوزراء ووزير المعارف ومدير الجامعة وشيخ الأزهر، يطالب فيها الموقعون تقديم كل من خلف الله والخولى إلى محاكمة أمام الدائرة القضائية المستعجلة لجرائمهما فى حق الإسلام والقرآن. 

كانت المنظمات التى وقعت على هذه الرسالة هى جمعية الإخوان المسلمين، جمعية الشبان المسلمين، جمعية الشريعة، وجمعية الأخلاق الحميدة. 

كان هجوم جماعة الإخوان على «خلف الله» عامًا وشاملًا، وهو ما دفعه إلى أن يرسل لجريدة «الإخوان المسلمون» اليومية مقالًا قال فيه إنه على استعداد لحرق أطروحته بيديه لو ثبت تضمنها لأى شىء يعارض الإسلام والقرآن، وأنه على استعداد لمناقشة أحمد أمين على صفحات مجلة «الرسالة» فيما يقوله عن دراسته. 

لم تلتفت جريدة «الإخوان المسلمون» إلى ما كتبه خلف الله، فردت عليه بقولها: لو صحت العبارات المنسوبة إلى الرسالة لما كان حرقها كافيًا حتى لو تم فى حضور كل أساتذة الجامعة وطلابها، بل يجب على صاحب الرسالة أن يتوب إلى الله توبة نصوحًا، ويعلن العودة إلى الإسلام، ويجدد عقد زواجه إن كان متزوجًا، والأهم من ذلك أن يحرق الشيطان الذى أملى عليه هذا الشر، وأن يظل يبكى مدى الحياة لعل الله يغفر له. 

وعندما اشتد الهجوم حاول عميد كلية الآداب أن يخفف من وطأة ما جرى، فصرح بأنها مجرد رسالة كتبها طالب حسن النية مجتهد وقع فى بعض الأخطاء نتيجة حماسه المبالغ فيه فيما توهمه الدفاع عن الإسلام والقرآن ضد الملاحدة والمستشرقين، وقد رفضت اللجنة الرسالة رغم حسن نية الطالب. 

من مقالات خلف الله فى مجلة
بين سبتمبر ونوفمبر ١٩٤٧«الرسالة» 

نتيجة هذا الجدل العنيف قامت الجامعة بتكوين لجنة أخرى لفحص الرسالة مكونة من الأستاذ عبدالوهاب خلاف وزكى محمد حسن ومحمد عبدالمنعم الشرقاوى، وقد رأت اللجنة تناقض ما جاء فى الرسالة مع القرآن، ووافقت على قرار رفض الرسالة من كل من الأستاذين أحمد أمين وأحمد الشايب. 

ومن بين ما جاء فى تقريرها نصًا: «إن أساس هذه الرسالة أن القصص فى القرآن عمل فنى خاضع لما يخضع له الفن من خلق وابتكار من غير التزام لصدق التاريخ والواقعة، وهذا صريح وواضح من جملة مواضع من الرسالة، وقد أيده الكاتب بما استشهد به من الأمثلة، ففى صفحة ٢٦ قرر أن القرآن أنطق اليهود بما لم ينطقوا به، وذلك فى قوله تعالى فى سورة النساء (وقولهم إنا قتلنا المسيح)، وفى صفحة ٢٦ قرر كاتب الرسالة عن قوله تعالى فى سورة المائدة (وإذ قال الله يا عيسى بن مريم)، أن هذا القول وهذا الحوار تصوير لموقف لم يحدث بعد، بل لعله لم يحدث، وفى صفحة ٨٩ قرر الكاتب أن قصة موسى فى الكهف لم تعتمد على أصل فى واقع الحياة، وفى هذا مخالفة ظاهرة لقوله تعالى (نحن نقص عليك نبأهم بالحق)، ولقوله سبحانه (لقد كان فى قصصهم عبرة لأولى الألباب ما كان حديثًا يفترى)..». 

وبقرار اللجنة الثانية قررت الجامعة رفض الرسالة وتحويل «خلف الله» إلى عمل إدارى وحرمان المشرف من تدريس علوم القرآن أو الإشراف على رسائل تتصل بالقرآن، واستند القرار إلى أن قرار تعيينه بدرجة أستاذ فى ٦ أكتوبر عام ١٩٤٦ كان تخصيصًا لكرسى الأدب المصرى، لكن ما جرى أن عقاب الشيخ أمين الخولى كان استجابة لاستجواب قدمه عضو البرلمان «عبدالعزيز الصوفانى» عن مصير الأستاذ الذى أشرف على الرسالة. 

كان «خلف الله» يعرف أنه على الحق، كتب واعترض وشرح ما لديه، لكنه فى النهاية استسلم. 

تدخل فى الأزمة الدكتور عبدالرزاق السنهورى وزير المعارف، وطلب من الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر أن يكتب تقريرًا برأيه فى هذه الرسالة. 

وجاء تقرير شيخ الأزهر ليقول: «هذه الرسالة تقيس القصص القرآنى بمقاييس ليست دقيقة ولا مقررة، فإن خالف القرآن تلك المقاييس كان عند أصحابها كذبًا وافتراءً على التاريخ، أو كان نوعًا من الفن الأدبى الذى لا يلتزم الواقع التاريخى ولا الصدق العقلى، وإنما يخضع فى تأليفه لهذه الحرية الفنية التى يخضع لها كل فنان موهوب، وطبقًا لهذه القاعدة صار القرآن فى هذه الرسالة يتقول على اليهود وينطقهم بما لم ينطقوا، ويتقول عليهم أمورًا لم تحدث، ويقرر أمرًا خرافيًا أو أسطوريًا، ثم يعود فيقرر نقيضه، ويغير الواقع ويبدل ويزيد وينقص بحكم هذه الحرية الفنية». 

ويضيف التقرير: «وهكذا كانت صورة موسى فى سورة الكهف ليس لها أصل تاريخى أو أسطورة، والإجابة عن الأسئلة التى يوجهها المشركون للنبى ليست تاريخية ولا واقعية، وقصة إبليس مع آدم من الخلق الفنى الذى لم يتشبث فيه القرآن بالواقع، ومصادر القرآن هى التوراة والإنجيل والأقاصيص الشعبية، وما امتزج بها من عناصر فارسية وإسرائيلية، وأن ما تمسك به المستشرقون على أنه من أخطاء محمد، صلى الله عليه وسلم، الناتجة عن جهله بالتاريخ ليس بذى بال، لأن المسألة تعلل بأكثر من سبب، فقد يكون ذلك من عمل الفنان الذى لا يعنيه الواقع التاريخى، ولا الحرص على الصدق العقلى، وإنما ينتج عمله ويبرر صوره، ويوحى بما يشاء بقدرته على الابتكار والاختراع والتغيير والتبديل، ثم يدعى كذبًا وجهلًا على أمثال الزمخشرى والفخر الرازى ومحمد عبده بأنهم قالوا بما يؤيد هذا الهراء الجاهل الضال». 

لم يخرج شيخ الأزهر فى كلامه عما سبق وقاله أحمد أمين والشايب أحمد الشايب عن الرسالة وصاحبها، وهو ما دفع الدكتور عبدالرزاق السنهورى إلى أن يدفع عميد كلية الآداب إلى أن ينصح خلف الله بأن يعد رسالة دكتوراه أخرى، فاستجاب خلف الله وعكف على رسالته حول المرويات فى كتاب الأغانى لأبى الفرج الأصفهانى، وناقشها فى العام ١٩٥٢، وهو نفس العام الذى نشر فيه الطبعة الأولى من كتابه «الفن القصصى فى القرآن». 

كان نشر الرسالة، التى تم اغتيالها، فى كتاب استجابة لنصيحة ورأى من الكاتب الكبير عباس محمود العقاد، ففى أثناء الأزمة كتب يميز بين حرية الرأى والتعبير فى المجال الثقافى، حيث المسئولية فردية يتحملها الباحث وحده، وبين الحرية فى المؤسسات الأكاديمية الرسمية حيث المسئولية عامة وليست فردية. 

وبناءً على هذا التمييز دافع العقاد عن حق خلف الله فى أن ينشر كتابه ويذيعه على الناس فى المجال الثقافى العام، لكن من حق الجامعة أن ترفض الرسالة فى مجال المؤسسة التعليمية. 

رأى «خلف الله» أن هذا حل وسط، فنشر الرسالة فى كتاب حتى يقول للناس إن كل ما قالوه عما وصل إليه فى بحثه كان من أجل نصرة الإسلام والدفاع عن القرآن. 

خرج خلف الله من الجامعة ولم يعد إليها مرة أخرى، أصدر دراسات قرآنية أخرى، شارك فى الدفاع عن الدولة المدنية فى مواجهة الدولة الدينية، انخرط فى العمل العام، لكنه فيما أعتقد ظل طوال حياته يعانى من غصة فى حلقه ونغزة فى قلبه بسبب ما جرى له، فقد اغتالوه أمام الجميع، ولم يناصره أحد إلا بالكلام، فكان أن تم تقديمه ضحية على صخرة حرية الفكر والإبداع.