الخميس 10 أكتوبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

صراع البوكر.. عضوة لجنة التحكيم تكتب: لماذا اخترنا «القائمة القصيرة»؟

جوستين جوردان
جوستين جوردان

أعلنت جائزة «البوكر» العالمية عن قائمتها القصيرة للأعمال المرشحة للفوز بالجائزة لهذا العام، التى شهدت سيطرة نسائية كاملة، من خلال وجود 5 روائيات وروائى واحد، فى القائمة التى تضم 6 أعمال فقط، وهو أعلى عدد من الكاتبات المدرجات فى القائمة القصيرة، طوال تاريخ الجائزة الممتد على مدى 55 عامًا. وتضم القائمة القصيرة، التى أعلن عنها مساء الإثنين الماضى، كلًا من: الكاتبة البريطانية سامانثا هارفى، عن رواية «مدارى»، والأسترالية شارلوت وود، عن رواية «تأملات فى ساحة ستون يارد»، والهولندية يائيل فان دير وودن، عن رواية «السر المكنون»، والكندية آن مايكلز، عن رواية «مُحتَجَز»، والأمريكية رايتشل كوشنر، عن رواية «بحيرة الخلق»، والأمريكى بيرسيفال إيفرت، عن رواية «جيمس».

واختيرت الروايات الست من قائمة طويلة تضم ١٣ رواية، على أن يُعلن عن الفائز بجائزة «بوكر» لعام ٢٠٢٤، فى ١٢ نوفمبر المقبل، الذى سيحصل على ٥٠ ألف جنيه إسترلينى، مقابل ٢٥٠٠ جنيه إسترلينى للمرشحين الخمسة الآخرين.

ونشرت جوستين جوردان مراجعة مختصرة للروايات الست المرشحة، فى صحيفة «الجارديان» البريطانية، ليس فقط لكونها محررة الأعمال الأدبية فى الصحيفة العريقة، بل بوصفها أحد أعضاء لجنة تحكيم الجائزة، وفيما يلى ترجمة لما كتبته:

الاختيار الصعب 

بوصفى محررة الأعمال الأدبية لصحيفة «الجارديان»، فقد كتبت عن جائزة «البوكر» طوال سنين. لكن هذا العام حظيت بشرف الوقوف على الجائزة من وراء الكواليس، كعضوة فى لجنة التحكيم، مع الفنان والكاتب إدموند دى وآل، والموسيقى نيتين ساونى، والكاتبين يون لى وسارة كولينز.

كانت عملية اختيار القائمة الطويلة ممتعة، وفيها اخترنا الروايات التى أردنا تسليط الضوء عليها. وعلى الرغم من أننا كنا سعداء بقراءة مجموعة من ٣٠ رواية أو أكثر، وكان استبعاد بعضها فى القائمة القصيرة صعبًا، فإننا عندما تحدثنا عن الروايات الست فى هذه القائمة، ومع الشىء الفريد فى كل رواية منها، وبالمقارنة بينها جميعًا، وجدنا أن اختيار فائز واحد سيكون أصعب بكثير. 

جيمس

تبدو رواية «جيمس»، تأليف الكاتب الأمريكى بيرسيفال إيفرت، وكأن الكاتب وُلدَ ليكتبها. الرواية إعادة صياغة لرواية مارك توين «مغامرات هاكلبرى فين»، التى تعتبر «حجر الأساس للأدب الأمريكى الكلاسيكى»، ولن نبالغ إن قلنا إنها تتفوق عليها.

تُروى الرواية من منظور «جيم» المستعبد، الذى اُعتبر فى الرواية الأصلية مخلوقًا أقل شأنًا، ومجرد فرصة ليتعلم «هاك» كيف يظهر إنسانيته. يملأ «إيفرت» الفجوات ليظهر الجحيم الكامن وراء روح الدعابة السهلة التى تمتع بها «توين». يحافظ «جيم» فى روايته على اللهجة العامية التى يستخدمها مع البيض، بينما يتحدث بشكل مختلف تمامًا وسط قومه. 

طوال مسيرته المهنية، استكشف «إيفرت» ماهية التركيبة العرقية، من خلال القوالب النمطية للتفكير واللغة، وتصل تلك الفكرة إلى أقصى تجلياتها فى هذه الرواية. كما أن «إيفرت» يلعب بالأنواع الأدبية، فرواية «جيمس» تمزج بين الهجاء والسخرية وقصص المغامرة والأطفال والرعب، وكتبها بحيث تبدو سهلة، وبرغم عنفها تبدو ممتعة للقراءة جدًا. 

مدارى

رغم قصر رواية «مدارى»، تأليف الكاتبة البريطانية سامانثا هارفى، تبدو ثرية بشكل مدهش. بإمكان المرء قراءتها عدة مرات دون أن تفقد سحرها، تمامًا كمشاهدة شروق الشمس الذى لا يُملّ منه أبدًا، الأمر الذى يعرفه أيضًا أبطال الرواية.

أبطال الرواية هم ٦ من رواد الفضاء، يدورون حول الأرض على ارتفاع ٢٥٠ ميلًا، فى محطة الفضاء الدولية. وخلال ٢٤ ساعة فى الرواية، يرى هؤلاء الـ٦ شروق وغروب الشمس.

تصف «سامانثا» روايتها بأنها «ريف الفضاء»، فهى عمل محكم البناء، لكنه يكسر قيود الزمن، ويمزج السرد فيه بين الدقة العلمية والارتقاء الروحى. تنقل لنا الكاتبة بشكل تدريجى معنى أن يعيش رواد الفضاء فى نظام مغلق يتحرك باستمرار، حيث يجب مشاركة وإعادة استخدام كل شىء.

يترك هذا للقارئ استنتاج أن نفس الأمر ينطبق على كوكب الأرض الهش وغير القابل للاستبدال، فالرواية تحمل رسالة بيئية عاجلة، لكنها تُقدَم بأسلوب يركز على الحب والجمال بدلًا من الطابع الديستوبى المرير. 

بحيرة الخلق

رواية «بحيرة الخلق»، تأليف الكاتبة الأمريكية رايتشل كوشنر، هى نوع مختلف من المتعة، فهى رواية فلسفية متوارية فى قصة تجسس، وتدور حول قصة عميلة سرية أمريكية تذهب إلى الريف الفرنسى لتعطيل عمل النشطاء البيئيين. ورغم ثقتها الفائقة، لا تسير الأمور وفقًا لما خطط له.

فى الرواية يبدو الأسلوب الأدبى المثير، خاصة مع شخصية «سادى سميث» الجريئة، ذاك النوع من السيدات القويات الخارقات، والتى يبدأ قناعها الصلب بالانهيار، وتخضع إلى عدم المقاومة، كلما تقدمت الرواية.

مواضيع الرواية بالتأكيد معاصرة، المقاومة الراديكالية لاستغلال الشركات للموارد الطبيعية، آلاعيب السلطة والسياسة، وفراغ عصر ما بعد الحقيقة. لكن تساؤلات «كوشنر» أيضًا خالدة وعميقة مثل، من أين نأتى؟ وما هى كينونة الفرد حقًا؟ كيف نبنى الواقع؟ وهو ما تخلطه كله بأسلوب جذاب ومرح.

مُحتَجَز 

يمكن اعتبار رواية «مُحتَجَز»، من تأليف الكاتبة الكندية آن مايكلز، تجربة قراءة استثنائية، تنقلك إلى حالة وعى مغايرة، بأسلوبها البسيط وغير المباشر، عبر تناول العديد من القصص المكثفة التى تحدث عبر عدة أجيال، مع منح أهمية كبيرة لهذه السنوات والمسافات بين القصص.

تركز الرواية بشكل أساسى على التواصل البشرى، وعلى ذلك الموضوع القديم، قوة الحب، وتمتد خلال القرن العشرين، الذى شهد حروبًا وصدامات، وحيث فتح التقدم العلمى مساحات جديدة من الشكوك والكشف.

أيضًا يتكرر فى الرواية التدليل على عدم دوام شىء، ومع ذلك، فى سياق حياة الإنسان، تبقى بعض الذكريات ولا تُمحى، لتصل آن مايكلز إلى أعماق المعنى من خلال لحظات عابرة، أو كما يقول أحد شخصيات الرواية: «الحدود فى حد ذاتها دليل على ما وراءها».

تأملات فى ساحة ستون يارد

تروى رواية «تأملات فى ساحة ستون يارد»، من تأليف الكاتبة الأسترالية شارلوت وود، قصة ناشطة أسترالية فى مجال البيئة، تنعزل عن العالم داخل دير، وهى ليست متدينة، لكنّ هناك شيئًا ما فى أعمال الخدمة المستمرة، والتأمل الذى يشكل أيام وشهور وسنوات الراهبات ربطها بهذا المكان. بينما أصدقاؤها غاضبون لأنها استسلمت لليأس فى مواجهة أزمة المناخ، وتخلت عن أى محاولة لتحسين الأمور.

هناك اتجاهات شاسعة ومؤلمة فى هذه الرواية الهادئة ظاهريًا، أسئلة صعبة تتعلق بالأخلاق والإيمان والحزن والمسئولية الشخصية. وبما أنه، بالتأكيد ليس هناك مهرب من العالم، أدى الاحتباس الحرارى إلى تفشى طاعون الفئران ليرعب الدير، فالراهبات أيضًا بشر، مرتبكات ومعقدات ومحملات بالأعباء، كأى إنسان آخر خارج الدير، مع حرص «وود» على إضافة لمسة فكاهية وساخرة وخفيفة بشكل ملحوظ إلى تأملها فى ما يمكن أن يتحمله البشر، وكيف ننجو أو لا ننجو. 

السر المكنون

رواية «السر المكنون»، من تأليف الكاتبة الهولندية يائيل فان دير وودن، هى رواية جريئة ومثيرة، تركز على مواجهة حقيقة التاريخ ورغبات الفرد. تدور أحداثها فى هولندا، بعد ١٥ عامًا من نهاية الحرب العالمية الثانية، فى مجتمع يعانى من صدمة، وينكر فشله فى مواجهة مصير اليهود الهولنديين.

تعيش «إيزابيل»، الشخصية سريعة الغضب وغير الودودة، بمفردها فى منزل العائلة، بعد وفاة أمها، متمسكة بالروتين واستهجان إخوتها، الأول شاذ جنسيًا، والثانى عاطفى لا يُعتمد عليه، ويرسل صديقته للإقامة معها.

تفتتح الرواية المحبوكة السرد على يقظة أيروتيكية، يليها تحول هائل فى الأحداث. لكن حتى توقع هذا التحول لن يقلل من تأثيرها، بما يتماشى مع رواية مثيرة عن الصدمة والقمع.